مرحبا بكم في المنتدى ،
ساهموا معنا في تطوير المنتدى
تخيل نفسك أستاذا و محاضرا سجل ،
و انشر على الموقع ...........
و ذلك من أجل العلم و طلبة العلم ،
و مرحبا من جديد ، التسجيل في ثوان لا تترددوا...


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل


مرحبا بكم في المنتدى ،
ساهموا معنا في تطوير المنتدى
تخيل نفسك أستاذا و محاضرا سجل ،
و انشر على الموقع ...........
و ذلك من أجل العلم و طلبة العلم ،
و مرحبا من جديد ، التسجيل في ثوان لا تترددوا...

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كـــن أول المـعـجـبـين

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع

لا يوجد مستخدم

المواضيع الأخيرة

» أنواع الزحافات :..........
النظريات الدلالية الحديثة Emptyالجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star

» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
النظريات الدلالية الحديثة Emptyالخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star

» مصطلحات توليدية
النظريات الدلالية الحديثة Emptyالسبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد

» ارجو المساعدة
النظريات الدلالية الحديثة Emptyالجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان

» مساعدة عاجلة جداااااااااا
النظريات الدلالية الحديثة Emptyالثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان

» كتب في علم الدلالة
النظريات الدلالية الحديثة Emptyالثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih

» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
النظريات الدلالية الحديثة Emptyالثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih

» المعجم الالكتروني
النظريات الدلالية الحديثة Emptyالثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih

» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
النظريات الدلالية الحديثة Emptyالثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih

دخول

لقد نسيت كلمة السر

دروس في النـــــــــــحو


    النظريات الدلالية الحديثة

    حشادي
    حشادي
    المدير العام
    المدير العام


    عدد المساهمات : 1188
    تاريخ التسجيل : 20/11/2009
    العمر : 44
    الموقع : المنتدى العالمي للطفـــــولة

    jkjk النظريات الدلالية الحديثة

    مُساهمة من طرف حشادي الخميس نوفمبر 03, 2011 2:39 pm

    النظريات الدلالية الحديثة



    النظريات الدلالية الحديثة

    توطئة:‏

    إن النزوع نحو تأسيس نظري للمبحث الدلالي العام، كان ولا يزال دأب الدراسات التي تناولت مسألة ”المعنى"، ورمت إلى بلورة أفكارها ضمن رؤى تنظيرية تتوخى الشمولية في الدراسة والعالمية في الأهداف. وإن التراكم الفكري اللغوي منذ مدرسة "براغ" التي ركزت اهتمامها على الصوت والدلالة، ومدرسة "كوبنهاجن" التي اهتمت بدراسة العلامة اللغوية، قد رسم للغويين المحدثين اتجاهاً يكاد يكون واضحاً نحو إرساء علمي لنظرية الدلالة، ولا يمكن في هذا الوضع إغفال الجهد المضني الذي قدمه العالم اللغوي دي سوسير، إذ كانت لأفكاره وآرائه ومنهجه في الدراسة الألسنية، أكبر الأثر في مسار علم الدلالة الحديث.‏

    إن مصطلح "النظرية اللغوية" يدل على اكتمال في الرؤية وحصول النتيجة العلمية، غاية البحث وإطراد في السنن اللغوية، لكن المبحث الدلالي الحديث لم تكتمل حلقاته بعد، فلا زالت توجد الإضافات العلمية التي تقدم تأويلات جديدة لظاهرة لغوية تخص الدلالة، ومع ذلك تأسست نظريات تناولت مسألة "المعنى" من كل جوانبها، مما أدّى إلى تشعب البحث في متعلقات المعنى اللغوية وغير اللغوية، وحاولت تقديم معايير موضوعية تنحسم معها كل قضايا الدلالة موضوع الخلاف بين اللغويين، غير أنها فتحت عوالم أخرى جديدة لتتسع معها رقعة البحث الذي تباينت فيه آراء العلماء في التناول وطرائقه، والتأويل ومعاييره، ووجدت بين ذلك أفكار رغم أهميتها إلا أنها لم ترتق إلى مصاف النظرية العلمية، وذلك لافتقارها لصفة الشمولية في التناول ووقوعها أسيرة لمناخ فكري –أيديولوجي- ساد العصر.‏

    الاختلاف في الرؤية التنظيرية بين العلماء يرجع إلى اختلاف في المنهج أو الطريقة المعتمدة في الدراسة، وإذا تأملنا مختلف النظريات الغربية الحديثة التي عكفت على البحث في الدلالة، نلقى أغلبها يتوزع على خمسة حقول تخضع لخمسة مناهج تبناها اللغويون في التنظير: أما المنهج الأول فهو المنهج الشكلي الصوري الذي يصف المدلولات بالنظر إلى الشكل الذي يجمعها في بنية واحدة وهو تفرعها عن أصل واحد. أما المنهج الثاني فهو المنهج السياقي الذي يتم من خلاله تصنيف المدلولات لاعتبارات تركيبة وتعبيرية وأسلوبية. أما المنهج الموضوعي المقامي النفسي فهو المنهج الثالث الذي يحدد معه مدلول اللفظ والخطاب اللغوي، باعتبار حال المتكلم ومقامه وموقفه، أما المنهج الرابع فهو منهج الحقول الدلالية المهتم بتحديد البنية الداخلية للمدلول، واعتبار القرابة الدلالية والعلائقية بين المدلولات المفاهيم)، أما المنهج الخامس فهو منهج التحليل المؤلفاتي الذي تنكشف معه البنية العميقة للخطاب بتحليل اللفظ إلى مؤلفاته وعناصره.‏

    وتجدر الإشارة إلى أن النظريات العربية في أي حقل من حقول العلم والمعرفة، ومنها حقل الدراسة الدلالية، لها مرجعيتها التاريخية والفكرية، وتخضع لتصورات اجتماعية معينة لا يمكن اسقاطها من أي مقاربة علمية، وهو ما حدا ببعض علماء العرب المحدثين إلى الدعوة لضرورة تجديد التراث من داخله دون إغفال "المفاتيح" العلمية الحديثة، ولا بد معها من احتياطات منهجية على النتائج التي نصل إليها. ومع ذلك لا يثنينا شيء عن إجراء اسقاطات منهجية ونظرية واعية على المنظومة المعرفية التراثية، وكون النظريات الغربية استمدت معالم قواعدها وتطبيقاتها من لغات أجنبية غير اللغة العربية، لا يعد مانعا من الاستفادة من أفكارها في تعاملنا مع التراث العربي، ذلك أن "اللغة العربية بصفتها "لغة" تنتمي إلى مجموعة اللغات الطبيعية وتشترك معها في عدد من الخصائص الصوتية والتركيبة والدلالية) وتضبطها قيود ومبادئ تضبط غيرها من اللغات"(1) .‏

    وتحديدا للإطار النظري العام لعلم الدلالة، سنعرض لبعض النظريات التي قدمت معايير أولية لمسألة المعنى وما تفرع عنها وسنقتصر في عرضنا على أهم معالم النظرية وقواعدها وذلك بما يخدم غايات البحث وأهدافه.‏

    1-النظرية الإشارية:‏

    تشكل هذه النظرية في مسار علم الدلالة الحديث أولى مراحل النظر العلمي في نظام اللغة، بل إلى أصحابها يرجع الفضل في تمييز أركان المعنى وعناصره، معتمدين في ذلك على النتائج التي توصل إليها فردينالد دي سوسير في أبحاثه اللسانية التي خص بها الإشارة اللغوية باعتبارها "الوحدة اللغوية المتكونة من دال ومدلول، الدال هو الإدراك النفساني للكلمة الصوتية والمدلول هو الفكرة أو مجموعة الأفكار التي تقترن بالدال"(2) . ورغم أن أصحاب هذه النظرية لا يكادون يجمعون على رأي واحد فإن أغلبهم أطلق على هذه النظرية مصطلح "النظرية الاسمية في المعنى theory of meanings naming) التي تنظر إلى الدلالة على أنها هي مسماها ذاته.‏

    إن الذي منح لهذه النظرية الصبغة العلمية هما العالمان الإنجليزيان أوجدن وريتشاردز اللذان اشتهرا بمثلثهما الذي يميز عناصر الدلالة بدءا بالفكرة أو المحتوى الذهني ثم الرمز أو الدال، وانتهاء إلى المشار إليه أو الشيء الخارجي.‏

    الفكرة- المحتوى الذهني‏





    الشيء الخارجي- المشار إليه الرمز - الكلمة‏

    إن هذا التقسيم المتميز للمعنى يعد خطوة جريئة في عصره، وأعطى للمبحث الدلالي نفساً جديداً سوف يتولد عنه نظريات جديدة وأفكار مهمة، إن الدراسات الدلالية التي اضطلع بها العلماء المتأخرون تدور كلها في فلك مثلث أوجدن وريتشاردز ذلك أنها تناولت في مباحثها أحد عناصر المثلث بتحليل عميق أو عنصرين اثنين، ومنها ما تناولت العناصر الثلاثة كلها استناداً على أن "معنى الكلمة هو إشارتها إلى شيء غير نفسها وهنا يوجد رأيان:‏

    أ-رأي يرى أن معنى الكلمة هو ما تشير إليه.‏

    ب-رأي يرى أن معنى الكلمة هو العلاقة بين التعبير وما يشير إليه.‏

    فدراسة المعنى على الرأي الأول تقتضي الاكتفاء بدراسة جانبين من المثلث وهما جانبا الرمز والمشار إليه. وعلى الرأي الثاني تتطلب دراسة الجوانب الثلاثة لأن الوصول إلى المشار إليه يكون عن طريق الفكرة أو الصورة الذهنية"(3) .‏

    وعلى أساس هذا التقسيم نشأت نظريات المدلول التي تناولت أنواع الدلالة وأقسامها، كما برزت نظريات عكفت على دراسة الإشارة اللغوية وأحصت أقسامها، وفي إطارها نشأت فكرة العلامة أو السمة مما ساهم في ميلاد علم جديد هو علم العلامية أو السيميولوجية. وأهم مبحث شكل عقبة كأداء أمام علم الدلالة هو دراسة الصورة الذهنية التي تتميز بالتجريد، مما فتح المجال واسعا أمام الباحثين في اكتناه عوالم خفية أطلق عليها بعضهم "عالم المفاهيم" وسماها البعض الآخر "العوالم الدلالية"، التي تمثل إحدى الدعامات الرئيسية في نظرية الأوضاع التي تشكل الامتداد الطبيعي للنظرية الإشارية، إن مصدر الدلالة كما ترمي إلى ذلك نظرية الأوضاع –يكمن بالأساس في المراجع الموجودة في العالم الخارجي وتبرز دلالة ما لصيغة معينة بواسطة مجموع العلائق المتشابكة بين جملة الأوضاع يقول الدكتور الفاسي: "المكان الطبيعي للمعنى هو العالم الخارجي لأن المعنى يبرز في العلائق المطردة بين الأوضاع، والمعنى اللغوي يجب أن ينظر إليه في إطار هذه الصورة العامة للعالم، عالم مليء بالمعلومات وأجسام موفقة لالتقاط جزء من هذه المعلومات"(4) . وحقيقة أن الدلالة لا يتم التعرف عليها معجمياً وإنما مروراً برصد جملة العلائق التي تحددها الأوضاع في العالم الخارجي، إذن "الفكرة الرائدة في دلالة الأوضاع هي أن معنى جملة يتحدد بعلاقة الكلام والوضع الموصوف"(5) . وتدعيماً للنظرية الإشارية التي حصل توسع في مفهومها لاحظ العالم اللغوي بوتمن) putman أن عالم المفاهيم المودع في العالم الخارجي أضخم بكثير مما هو في الرأس فالمفاهيم هي الأساس الذي انبنت عليه نظرية الأوضاع التي تنظر إلى المعنى أنه علاقة بين الكلام المنتج والأوضاع الموصوفة، وهذه النظرية ترتكز كذلك على الدلالة الخارجية للغة وانصهار المعلومات اللغوية ضمن التيار المعلوماتي، وما دفع إلى القول بذلك، أن المعنى لا يتموضع في العالم الخارجي ولا في النفس وإنما يتموضع في عالم المفاهيم كما ذهب إلى ذلك العالم اللغوي فريجة) الذي اعتبر المفاهيم هي الوسيط الذي يربط العناصر الثلاثة: الأذهان تمسك بالمفاهيم، والكلمات تعبر عنها، والأشياء يحل عليها بواسطتها(6) .‏

    2-النظرية التصورية:‏

    إن هذه النظرية تمثل مستوى آخر من مستويات الدراسة الدلالية، فإذا كانت النظرية الإشارية قد عكفت على دراسة الإشارة كأساس للولوج إلى دراسة ما يتعلق بها من عناصر المعنى، فإن النظرية التصورية ترتكز على مبدأ التصور الذي يمثله المعنى الموجود في الذهن، وإذا أردنا أن نقف على جذور هذه النظرية فإننا نلفيها تعود إلى الفيلسوف الإنجليزي جون لوك) القرن السابع عشر) الذي سماها النظرية العقلية ونادى فيها بأن استعمال الكلمات يجب أن يكون الإشارة الحساسة إلى الأفكار. والأفكار التي تمثلها تعد مغزاها المباشر الخاص"(7) .‏

    وقد أطلق بعض الباحثين على هذه النظرية اسم النظرية الفكرية لأن "الكلمة تشير إلى فكرة في الذهن وأن هذه الفكرة هي معنى الكلمة"(Cool ونتيجة للطابع التجريدي الذي وسم النظرية التصورية، فإن العلماء المتأخرين أسسوا أفكارهم على معطيات حسية تقع تحت الملاحظة والمشاهدة، وأرجعوا الدلالات كلها إلى تلك التصورات التي تحقق الأثر العلمي، وهذه الفكرة قريبة من فكرة النظرية السلوكية التي تنبني على مبدأ المنبه والاستجابة، إلا أن تحديد مرجعية الآثار إلى التصورات الذهنية، تلحق تلك الفكرة بالنظرية التصورية. لقد أسس تشارلز بيرس) نظريته البراجماتية واعتبرت امتداداً للنظرية التصورية: "رأى بيرس أن تصورنا لشيء ما يتألف من تصورنا لآثاره العملية، فالتيار الكهربي مثلا لا يعني مرور موجة غير مرئية في مادة ما، وإنما يعني مجموعة من الوقائع مثل إمكان شحن مولد كهربي أو أن يدق جرس، وأن تدور الآلة، وإذن فمعنى كهرباء هو ما تفعله، وإذن فالتصورات المختلفة التي تحقق نتيجة عملية واحدة إنما هي تصور واحد أو معنى واحد، والتصورات التي لا ينتج عنها آثار لا معنى لها"(9) .‏

    إن عالم الأفكار عالم مستقل بذاته فالدلالات واحدة في جميع اللغات وإنما الاختلاف أتى من تباين الألسنة، وذهب علماء الألسنية المحدثون إلى افتراض وجود عوالم دلالية يجب البحث عن معالمها وسننها بناء على البنية الدلالية حتى أن اللغويين المتأخرين اعتبروا، أن التصورات والأفكار هي كيان مستقل قد يستغني عن اللغة إذا أراد الأفراد ذلك يقول د. أحمد مختار عمر: "الأفكار التي تدور في أذهاننا تملك وجودا مستقلا. ووظيفة مستقلة عن اللغة وإذا قنع كل منا بالاحتفاظ بأفكاره لنفسه كان من الممكن الاستغناء عن اللغة"(10) .‏

    وما دام أن النظرية التصويرية تعتبر أن المعنى هو التصور الذي يحمله المتكلم ويحصل للسامع حتى يتم التواصل والإبلاغ، فإن عالم الأشياء غير متجانس، كما أن التصورات متباينة من فرد لآخر، فتصور "شجرة" مثلاً، يحمل جملة من الدلالات المختلفة اختلافاً قد يكثر أو يقل بحسب وجود هذا التصور داخل عالم الأشياء، كما أن هناك كلمات لا تحمل تصوراً باعتبارها لا تنتمي لعالم الأشياء كالأدوات والحروف وما إلى ذلك. "وقد كان رفض النظرية التصورية، للمآخذ التي ذكرنا، وغيرها، هو المنطلق لمعظم المناهج الحديثة التي ظهرت خلال هذا القرن"(11) . وهو ما سيتبلور في نظريات أكثر موضوعية وعلمية.‏

    3-النظرية السلوكية:‏

    إن التجديد الذي طبع النظرية التصورية أدى إلى نشأة اتجاه آخر في البحث الدلالي، يستبعد الأفكار المجردة، وتمثل في النظرية السلوكية، وقد خضع أصحاب هذه النظرية للمنحى العلمي الذي طغى على ساحة البحث وقتذاك. وهو منحى يرتكز على الملاحظة والمشاهدة، فقد ولى عهد العلوم التجريدية النظرية، وأعطت هذه النظرية السلوكية اهتماماً للجانب الممكن ملاحظته علانية وهي بهذا تخالف النظرية التصورية التي تركز على الفكرة أو التصور(12) . إن البحث عن ماهية الدلالة وآلية حصونها أدى بالعالم اللغوي الأمريكي بلو مفيلد) إلى هجر الاتجاه العقلي والبحث عن الدلالة في السلوك اللغوي الظاهر، وبعد تحقق الأفكار التي مال إليها بلومفيلد) تجلى الاتجاه السلوكي لدى هذا العالم وقد "عرف معنى الصيغة اللغوية بأنه الموقف الذي ينطقها المتكلم فيه، والاستجابة التي تستدعيها من السامع فعن طريق نطق صيغة لغوية يحث المتكلم سامعه على الاستجابة لموقف. هذا الموقف وتلك الاستجابة هما المعنى اللغوي للصيغة"(13) . والقول بمبدأ المثير والاستجابة يستدعي الأخذ كذلك بالمقام الذي حصل فيه الحدث الكلامي، ولكي يتم تحديد دلالة صيغة لغوية تحديداً دقيقاً وجب حصر جميع المقامات التي صاحبت استعمال الصيغة في الحدث الكلامي، ومعرفة شاملة لكل ما يشكل عالم المتكلم: "فدلالة صيغة لغوية ما إنما هي المقام الذي يفصح فيه المتكلم عن هذه الدلالة والرد اللغوي أو السلوكي الذي يصدر عن المخاطب"..(14) لأن المقام هو المميّز بين الإمكانيات المتعددة للدلالة خاصة وإن الصيغة اللغوية قد أخذت أبعاداً اجتماعية وثقافية، وتعلقت بها قيم أسلوبية وتعبيرية مما يعيق التواصل والإبلاغ، وتداخل المعنى الرئيسي والهامشي، ولذا فالأخذ بالعلاقة المتينة بين القول والمقام سوف يزيل كثيراً من اللبس في الأحداث الكلامية "إذ أن اللجوء إلى المقام أو حال الخطاب يساعد على الخصوص في:‏

    1 ـ استكشاف مرجع الصيغ اللغوية للقول.‏

    2 ـ اختيار وإيثار تأويل بعينه في حالة الكلام الملبس أو المبهم.‏

    3 ـ استكشاف قيمة القول تهديد، وعد، وعيد …)…).‏

    4 ـ تحديد خاصة القول هل هو موسوم أو غير موسوم) صيغ لغوية خاصة بالفلاحين مثلاً"(15) ..‏

    والحقيقة أن النظرية السلوكية بقدر ما كشفت عن عوالم خفية ودفعت بالبحث الدلالي خطوات نحو الأمام، بقدر ما فتحت أبواباً عن عوالم أخرى بقيت خفية، ذلك أن الأخذ بمبدأ دراسة الأفعال الكلامية القابلة للملاحظة والمشاهدة، لم يقدم الأجوبة الكافية عن تلك التساؤلات حول ضبط دلالة الصيغة اللغوية ضبطاً يخضع لمعايير علمية دقيقة تنسحب على كل الصيغ والتراكيب اللغوية، فوجود القيم الحافة وتكوّن المعنى الديناميكي الذي لا يأخذ صورة قارة ثابتة، شكّل أهم العوائق أمام نظرية بلو مفيلد) السلوكية، وقد تطورت هذه النظرية على يد الفيلسوف الأمريكي شارل موريس )ـ Charles Morris) الذي لاحظ أنه قد تتعدد الاستجابات لمثير واحد، يعني اشتراك دلالات في صيغة لغوية واحدة، وذلك أن المنطوق قد يحمل قيماً أسلوبية ومعان حافة يتولد عنها استجابات متنوعة، وقد أخرج موريس) من معنى الصيغة، الاستجابة أو رد الفعل، واكتفى بمجرد الميل أو الرغبة"، ويعني ذلك أنه إذا وجد ميل أو رغبة صريحة للقيام باستجابة معينة لمثير منطوق لغوي) فدلالة على وجود ارتباط يجعل الاستجابة تكون لذلك المثير، وهذا الارتباط بمثابة الاشتراط وقد مثل ذلك بالعلاقة: "إذا كانت ط حينئذٍ تكون س"، حيث ط = اشتراط.(16)‏

    ورغم هذا التطور الحاصل في النظرية السلوكية، بلجوء موريس إلى فكرة الميل أو المزاج، فإنه وجدت تراكيب وعبارات لغوية لا تخضع لمعايير هذه النظرية. وبالتالي وجدت فجوات علمية واضحة لم تستطع النظرية السلوكية سدها، مما عجل بميلاد اتجاه آخر في الدرس الدلالي حاول الإجابة عن التساؤلات المطروحة حول تحديد علمي موضوعي دقيق للدلالة وطرق ضبطها..‏

    4 ـ النظرية السياقية:‏

    إن نظام اللغة نظام متشابك العلاقات بين وحداته، ومفتوح دوماً على التجديد والتغيير في بنياته المعجمية والتركيبية، حتى غدا تحديد دلالة الكلمة يحتاج إلى تحديد مجموع السياقات التي ترد فيها، وهذا ما نادت به النظرية السياقية التي نفت عن الصيغة اللغوية دلالتها المعجمية، يقول مارتيني: "خارج السياق لا تتوفر الكلمة على المعنى"(17) . إن منهج النظرية السياقية يعد من المناهج الأكثر موضوعية ومقاربة للدلالة، ذلك أنه يقدم نموذجاً فعلياً لتحديد دلالة الصيغ اللغوية، وقد تبنى كثير من علماء اللغة هذا المنهج منهم العالم وتغنشتين) ـ Wittgenstein) الذي صرح قائلاً: "لا تفتش عن معنى الكلمة وإنما عن الطريقة التي تستعمل فيها"(18) إن هذه الطريقة التي تستعمل فيها الكلمة هي التي تصنف دلالة هذه الكلمة ضمن الدلالة الرئيسية أو القيم الحافة التي تتحدد معها الصور الأسلوبية، لأن السياق يحمل حقائق إضافية تشارك الدلالة المعجمية للكلمة في تحديد الدلالة العامة التي قصدها الباث يقول ستيفن أولمن: "السياق وحده هو الذي يوضح لنا ما إذا كانت الكلمة ينبغي أن تؤخذ على أنها تعبير موضوعي صرف أو أنها قصد بها أساساً؛ التعبير عن العواطف والانفعالات"(19) . لقد حصل تطور هام في مفهوم السياق إذ لم يعد يقتصر على الجانب اللغوي في إيضاح دلالة الصيغة اللغوية، وإنما وجدت جوانب أخرى قد تنحسم معها الدلالة المقصودة للكلمة، كالوضع والمقام الذي يحدث فيه التواصل أو الملامح الفيزيولوجية النفسية للمتكلم التي تصاحبه يقول الدكتور عبد القادر الفهري الفاسي في ذلك: "اختيار مفهوم ملائم من بين لائحة المفاهيم التي يعبر عنها اللفظ المشترك يتطلب مجهوداً معرفياً خاصاً ويتسبب أحياناً في أخطاء ويقع رفع الالتباس عن طريق السياق اللغوي المباشر، أو السياق الخطابي أو الوضع الذي يحدث فيه التواصل أي كل مصادر المعلومات المتوفرة لرفع اللبس"(20) . إن تعدد المفاهيم التي يدل عليها اللفظ تعني أن هذا اللفظ له معنى مركزي هو "النواة"، ومعان هامشية ثانوية اكتسبها بفعل دورانه المتجدد في أنساق كلامية مختلفة، حتى أضحى المعنى المركزي يدور في فلك المعاني الثانوية التي لا تفاضل بينهما وأصبح طريق رفع اللبس في الدلالة يمر عبر السياق اللغوي أو الخطابي أو معاينة المقام الذي يتمثل في المعطيات الخارجية والنفسية. ويتضح في ذلك خاصة عند استعمال المشترك اللفظي polysemie) وتبعاً لذلك فإن دلالة الكلمة تتعدد بتعدد السياقات وتنوعها أي تبعاً لتوزعها اللغوي وقد توصل العلماء إلى تمييز بين أربعة أنواع من السياق:(21) .‏

    1 ـ السياق اللغوي.‏

    2 ـ السياق العاطفي الانفعالي.‏

    3 ـ سياق الموقف أو المقام.‏

    4 ـ السياق الثقافي أو الاجتماعي.‏



    1 ـ السياق اللغوي:‏

    فالسياق اللغوي يشرف على تغيير دلالة الكلمة تبعاً لتغيير يمس التركيب اللغوي، كالتقديم والتأخير في عناصر الجملة فقولنا: "زيد أتم قراءة الكتاب"، تختلف دلالتها اللغوية عن جملة:"قراءة الكتاب أتمها زيد"(22) ..‏

    2 ـ السياق العاطفي الانفعالي.‏

    أما السياق العاطفي الانفعالي فهو يحدد دلالة الصيغة أو التركيب من معيار قوة أو ضعف الانفعال، فبالرغم من اشتراك وحدتين لغويتين في أصل المعنى إلا أن دلالتها تختلف، مثل ذلك الفرق بين دلالة الكلمتين: اغتال) وقتل)، بالإضافة إلى القيم الاجتماعية التي تحددها الكلمتان فهناك إشارة إلى درجة العاطفة والانفعال الذي تصاحب الفعل، فإذا كان الأول يدل على أن المغتال ذو مكانة اجتماعية عالية، وأن الاغتيال كان لدوافع سياسية، فإن الفعل الثاني يحمل دلالات مختلفة عن الأول وهي دلالات تشير إلى أن القتل قد يكون بوحشية وأن آلة القتل قد تختلف عن آلة الاغتيال فضلاً على أن المقتول لا يتمتع بمكانة اجتماعية عالية..‏

    3 ـ سياق الموقف أو المقام:‏

    وهو يعني الموقف الخارجي الذي يمكن أن تقع فيه الكلمة فتتغير دلالتها تبعاً لتغير الموقف أو المقام وقد أطلق اللغويون على هذه الدلالة مصطلح "الدلالة المقامية"..‏

    4 ـ السياق الثقافي:‏

    وهي القيم الثقافية والاجتماعية التي تحيط بالكلمة، إذ تأخذ ضمنه دلالة معينة. وقد أشار علماء اللغة إلى ضرورة وجود هذه المرجعية الثقافية عند أهل اللغة الواحدة لكي يتم التواصل والإبلاغ، وتخضع القيم الثقافية للطابع الخصوصي الذي يلون كل نظام لغوي بسمة ثقافية معينة وهو ما يكون أحد العوائق الموضوعية في تعلم اللغات…‏

    وتعتبر النظرية السياقية بنموذجها النظري التطبيقي من النظريات العملية الأكثر تعلقاً بالنظام اللغوي، بل إنها بطريقتها الإجرائية في تحديد جملة السياقات وما يصاحبها من العوامل الخارجية كالمقام والحال تعد بذلك مرحلة تمهيدية مهمة بالنسبة للنظرية التحليلية حيث "يرى أولمن أنه بعد أن يجمع المعجمي عدداً من السياقات المتمثلة التي ترد فيها كلمة معينة، وحينما يتوقف أي جمع آخر للسياقات عن إعطاء أي معلومات جديدة، يأتي الجانب العملي إلى نهايته، ويصبح المجال مفتوحاً أمام المنهج التحليلي".(23)‏

    كان آخر ما توصل إليه علماء اللغة في إطار النظرية السياقية هو فكرة "الرصف"، وهو يعني مراعاة وقوع الكلمات مجاورة لبعضها حيث يعد هذا الوقوع أحد معايير تحديد دلالة الكلمة، إن تسييق الصيغة اللغوية يعد المنفذ المهم لتحديد مجالها الدلالي، فلا يمكن أن ترد الصيغة اللغوية بمعزل عن السياق النفسي أو الاجتماعي الثقافي، بل يحصل التجاور بين مجموع الصيغ اللغوية داخل التركيب وهو ما يمكن التعبير عنه بمصطلح "النظم"، كما سماه قديماً عبد القاهر الجرجاني في كتابه: "دلائل الإعجاز".. وقد اعتبر فيرث *Firht) أن قائمة الكلمات المتراصفة مع كل كلمة تعد جزءاً من معناها(24) ، بحيث يستدعي حضور كلمة ما حضور سلسلة من الكلمات التي تتراصف معها سياقياً وتتوافق معها في الوقوع.‏

    5 ـ النظرية التحليلية:‏

    تهتم هذه النظرية بتحليل الكلمات إلى مكونات وعناصر، وقد قدم كاتزو فورد "تحليلاً مميزاً للكلمات ودلالاتها وأحصيا في ذلك ثلاثة عناصر اتخذت كمفاتيح للتحليل وتحديد المؤلفات التي تشكل الكلمة وذلك لتعيين دلالتها وهذه العناصر هي: المحدِّد النحوي والمحدِّد الدلالي والمميز وأهمية هذه النظرية تكمن في طابعها الوظيفي إذ تستخدم في كثير من مجالات اللغة كالمجاز والترادف والمشترك اللفظي ولأن نظرية الحقول الدلالية تهتم بالنمط التصنيفي ودلالاتها بناء على تحليل تفريعي للصيغة، فإنها تلتقي مع النظرية التحليلية التي تعنى بتحديد مؤلفات الكلمة عبر خصائصها ومميزاتها الداخلية، فالمحدد الدلالي يقوم بتخصيص معنى شامل لكل تركيب، انطلاقاً من الدلالات الفردية للمورفامات التي تؤلفه وتبعاً للطريقة التي تتألف بها هذه المورفمات(25) والمميز يشرف على تلك الوظيفة التمييزية ويقتضي ذلك وجود تضاد بين الوحدات المميزة من ذلك التضاد الصوتي القادر على التمييز بين كلمتين من حيث المعنى كالتمييز بين الكلمتين: تاب) وناب) فوجود التاء في تاب) مكان النون في ناب) قد ميز بين دلالة هاتين الكلمتين.(26) ويقوم المحدِّد النحوي بوظيفة التمييز بين دلالتين لصيغة واحدة تأخذ إحداها في التركيب وظيفة "الفعلية" والأخرى وظيفة "الفاعلية"، كما هو الشأن في كلمة "يريد" إن تحديد دلالات الصيغة اللغوية يتم بمقاربة هذه الصيغ بصيغ أخرى داخل الحقل المعجمي كما ذهب إلى ذلك العالم دي سوسير بحيث نظر إلى المعنى على أساس أنه مجموع تقابلات الصيغة المنتجَة مع بقية الصيغ الأخرى "فكل لغة تنتظم في حقول دلالية، وكل حقل دلالي له جانبان: حقل معجمي وحقل تصوري. ومدلول الكلمة مرتبط بالكيفية التي تعمل بها مع كلمات أخرى في نفس الحقل المعجمي لتغطية أو تمثيل الحقل الدلالي، وتكون كلمتان في نفس الحقل الدلالي إذا أدى تحليلها إلى عناصر تصورية مشتركة وبقدر ما يكثر عدد العناصر المشتركة بقدر ما يصغر الحقل الدلالي"(27) إن المكون التركيبي يقوم "بخلق" دلالات إضافية للصيغة وذلك لاحتوائه على المكون الأساسي الذي هو جملة من القواعد إعادة الكتابة) والمكون التحويلي الذي تحدد معه المداخل المعجمية، وبكتابة التركيب ببنيته العميقة تتم عملية الاستبدال بتحويل القواعد إلى جمل وتراكيب سطحية)، ثم إن تحليل الصيغة إلى مكوناتها هو الذي يحدد مجالها الدلالي بتطابقها مع صيغ أخرى لها المكونات نفسها، ويكون للصيغة المعجمية دلالتها المميزة إذا حوت على مكونات تمييزية يوضح ذلك أحمد مختار فيقول: "إن معنى الكلمة طبقاً للنظرية التحليلية هو "طاقم الملامح أو الخصائص التمييزية"، وكلما زادت الملامح لشيء ما قل عدد أفراده، والعكس صحيح كذلك، وعلى هذا يمكن تضييق المعنى وتوسيعه عن طريق إضافة ملامح أو حذف ملامح".(28)‏

    لقد أحصى أصحاب نظرية الحقول الدلالية علاقات يتم بموجبها تعيين قيمة الصيغة اللغوية داخل الحقل المعجمي، فقد أكد ستيفن أولمان ذلك بقوله: "الكلمة هي مكانها في نظام من العلاقات التي تربطها بكلمات أخرى في المادة اللغوية(29) ، هذه العلاقات التي تم إحصاؤها هي كالتالي:‏

    1 ـ علاقة الترادف:‏

    وهي تعني أن الكلمتين أو أكثر بمنطق النظرية التحليلية تتضمن نفس المكونات ولديها عناصر تصورية متماثلة، ويكون الترادف إذا كان هناك تضمن من جانبين فـأ) وب) مترادفان إذا كان أ) يتضمن ب) وب) يتضمن أ) مثل أب) ووالد). وعليه تصنف الوحدات المعجمية ضمن حقول بمعيار الترادف.‏

    2 ـ علاقة الاشتمال:‏

    هي تشبه علاقة الترادف إلا أنها تضمن من جانب واحد يكون أ) مشتملاً على ب) حين يكون ب) أعلى في التقسيم أو التفريعي مثل: الإنسان) وخالد).‏

    3 ـ علاقة الجزء بالكل:‏

    مثل علاقة اليد بالجسم والعجلة بالسيارة، والفرق بين هذه العلاقة وعلاقة الاشتمال أو التضمن واضح، فاليد ليست نوعاً من الجسم ولكنها جزء منه بخلاف خالد) الذي هو نوع أو جنس من الإنسان وليس جزءاً منه.‏

    والسؤال الذي طرحه اللغويون في هذا المجال هو هل يتعدى جزء الجزء فيصبح جزءاً للكل؟…‏

    والجواب أنه قد يتعدى جزء الجزء فينتج جزء كل وقد لا يتعدى..‏

    فبالنسبة للحالة الأولى مثل أظافر ـ أصابع) وعلاقة جزئية. أصابع -يد) علاقة جزئية، أما علاقة الجزء بالكل فهي أظافر ـ يد ).(30)‏

    أما الحالة الثانية مثل: مقبض ـ باب) علاقة جزئية، باب ـ دار)، علاقة جزئية ولكن لا علاقة جزئية بين مقبض ـ دار) وينسحب هذا المثال على أنواع كثيرة من العلاقات.‏

    4 ـ التضاد: وهو أنواع:‏

    أ. التضاد الحاد: ويسمى التضاد غير المتدرج مثل حي ـ ميت) فهما كلمتان متقابلتان في الدلالة ونفي أحد طرفي التقابل يعني الاعتراف بالآخر.‏

    ب. التضاد المتدرج: ويصفه المناطقة بأن الحدين فيه لا يستنفدان كل عالم المقال، ولذا فإنهما قد يكذبان معاً، بمعنى أن شيئاً قد لا ينطبق عليه أحدهما، إذ بينهما وسط، فقولنا: الحساء ليس ساخناً لا يعني الاعتراف ضمنياً بأنه بارد فربما يكون فاتراً أو دافئاً أو ما إلى ذلك..‏

    جـ. تضاد التضايف: ويسميه المناطقة "الإضافة"، وهي نسبة بين معنيين كل منهم مرتبط بإدراك الآخر كإدراك الأبوة والبنوة، فإن أحدهما لا يدرك إلا مع إدراك الآخر..‏

    د.علاقة التنافر: أو ما يطلق عليه في علم المنطق بعلاقة التخالف وهي النسبة بين معنى ومعنى آخر من جهة إمكان اجتماعهما وإمكان ارتفاعهما، مع اتحاد المكان والزمان أي: يمكن اجتماعهما معاً في شيء واحد في زمان واحد، ويمكن ارتفاعهما معاً عن شيء واحد في زمان واحد مثل أكل ـ باع)، والطول ـ البياض) (31) .‏

    إن الاعتقاد بضرورة إحداث تقابلات بين مجموع الألفاظ المتماثلة أو المتباينة، يعكس حقيقة العملية الدلالية التي تتم في مستوى ذهني معقد، إذ التقاطُ دلالة صيغة ما يتم بعد سلسلة من التقابلات الذهنية التي يقوم بها السامع، ولذلك ذهب سوسير إلى القول بأن إنتاج دلالة صيغة ما يتم بواسطة عملية التقابل بينهما وبين صيغ أخرى بإحدى العلاقات التي حددها اللغويون والتي أشرنا إليها سابقاً….‏

    6 ـ النظرية التوليدية:‏

    تعتبر النظرية التوليدية من أشهر النظريات اللغوية حالياً، ويعد نوام تشومسكي) رائد هذه النظرية، وبالرغم من أن تشومسكي عاد بالبحث الدلالي إلى الطابع العقلاني الذهني إلا أن نظريته استطاعت أن تقدم تفسيرات علمية لظواهر لغوية تخص الدلالة، وتستند هذه النظرية على آلية توليد جمل صحيحة اعتماداً على كفاية المتكلم الكاتب) اللغوي ويعني ذلك توفر قواعد تنظيمية ذهنية في عقل متكلم اللغة تتيح له ما شاء من الجمل، وقد انطلق تشومسكي) للتدليل على وجود هذه الكفاية، من تعلم اللغة عند الطفل، بحيث ألفى الطفل ينتج جملاً لم يسبق له أن سمعها من قبل بناء على القواعد الكائنة ضمن كفايته اللغوية، والنظرية التوليدية "تتخذ شكل قاعدة "إعادة كتابة" أي أنها تعيد كتابة رمز يشير إلى عنصر معين من عناصر الكلام برمز آخر أو بعدة رموز"(32) . وتكون هذه الكتابة بالنسبة للجملة المشتملة على ركن فعلي مؤلف من فعل وفاعل ومفعول به وشبه جملة عائدة للفعل)، وعلى شبه جملة. على النحو التالي:‏

    ج رف + شج حيث ج: ترمز إلى الجملة)، وعليه يمكن كتابة الركن الفعلي بمؤلفاته على النحو التالي:‏

    رف ف + رأ + رأ + شج حيث ف ترمز إلى الفعل، ورأ ترمز إلى الركن الاسمي ويتم اشتقاق الجملة:‏

    ج رف شج.‏

    رف ف + رأ + رأ + شج.‏

    رأ تعر + رأ تعر ترمز إلى تعريف).‏

    شج ج + رأ .‏

    تعر ال.‏

    ف كتب ، ذهب، سأل،…‏

    أ رجل، رسالة، أستاذ، أمس..‏

    وباستبدال الرموز بعناصر الكلام في نظام اللغة تحصل جمل كثيرة من بينها الجملة:‏

    كتب الرجل الرسالة إلى الأستاذ بالأمس. ويمكن رسم تلك الرموز التي تدل على القواعد التنظيمية ضمن كفاية المتكلم اللغوية" بالمشجر(33) "arbre".‏



    ويبدو أن اعتماد هذه القواعد من شأنه أن يعقد عملية التواصل والإبلاغ، ولذلك تشترط القاعدة التوليدية وجود متكلم ومتقبل مثاليين، لأن عملية التحام المعنى بالبنى اللغوية هي ليست بالعملية السهلة ذلك أنها تقتضي علماً كافياً بقواعد الإسقاط وبناء على ذلك "يحتوي المكون الدلالي إذاً على المعجم أو اللائحة بمفردات اللغة وعلى القواعد الإسقاطية التي تشكل قدرة المتكلم على استدلال معنى الجمل من خلال معنى المفردات"(34) ..‏

    لقد تحدث تشومسكي) على وجهي الظاهرة اللغوية السطحي والعميق، أو كما سماه الظاهر والخفي وعليه حدد مصطلح "الكفاية اللغوية" و"الأداء اللغوي" وقد أرجع العلماء هذه الفكرة إلى أصول فلسفية تعود إلى نظرية أفلاطون حول العالم. " تقول نظرية أفلاطون أن للعالم وجه ظاهري نعتمد في إدراكه على شهادة الحواس وقد تكون هذه الحواس خادعة لا موضوعية فيها ووجه خفي حقيقي يدرك بالعقل.. أو كما يقول كانط أن العالم الظاهري يخفي عالماً حقيقياً(35) ، فالأداء اللغوي يمثل ظاهرة الخطاب في النظرية التوليدية، والكفاية اللغوية تمثل حقيقة الخطاب، وعلى اللغوي ـ كما يقول تشومسكي)ـ أن لا يبني أحكامه على بنية اللغة السطحية، وإنما عليه أن يصل إلى البنية التحتية العميقة، ليطلع على القواعد الذهنية التي تنتظم اللغة. وقد توصل تشومسكي) إلى أن العقل الإنساني يحوي آلية مكونة من مجموعة قواعد متناهية بمقدورها تحليل الجمل ومساعدة متكلم اللغة على إنتاج جمل لا متناهية بمعجم لغوي متناه فضلاً على فهم الجمل التي لم يسبق له أن سمعها، ورصد الالتباس الحاصل في الجملة، وقد أضاف تشومسكي) فكرة جريئة لا زالت موضع بحث وجدل بين علماء اللغة وهو ما سمي بالعموميات اللغوية، وتعني أن جميع اللغات متشابهة في بنياتها الداخلية وهو ما يفسر خضوع التركيب في أي لغة لتلك المدخلات العميقة، وما يشد من عضد هذه الفكرة هو أن المعاني كما تنص نظرية الأوضاع ـ لا تتموقل في عالم اللغة إنما توجد في عالم الأوضاع وقد تمخض عن هذه الفكرة، البحث عن العلاقة بين البنية الدلالية والعوالم الدلالية "فإن كانت الكلمة على مستوى الدال عبارة عن صرّة من الأصوات"، وإذا كانت كذلك فلم لا تكون على مستوى المعنى "صرّة من الوحدات البدائية للمعنى"(36) . وعوّض التحليل المفهومي في النظرية التوليدية التحليل التوزيعي، الذي اتبعته النظريات السابقة في اللغة، فما الدلالة إلا مجموعة سمات تتحدد بواسطة المشير الدلالي وذلك "في تعيين العلاقات الدلالية بين الكلمات المترادفة والمتزايلة أو المتضمنة الواحدة الأخرى"(37) ..‏

    إن الهدف الأسمى الذي رسمته النظرية التوليدية هو معرفة الطاقة الكامنة في اللغة على مستوى التعبير ولذلك تأثراً بآراء المدرسة الفلسفية العقلانية التي سادت القرن السابع عشر، اتخذ تشومسكي) منهجاً عميقاً لا يعتمد الوصف، وإنما التحليل والتفسير للوصول إلى وضع معايير تحدد قدرة اللغة على الخلق والإبداع والابتكار بإعادة بناء "نسق المعاني" عن طريق قواعد التوليد والتحويل، ولذلك عُدّت النظرية التحويلية التوليدية من أحدث النظريات التي قدمت تفسيراً علمياً موضوعياً لنظام اللغة ووضعت قواعد مرنة تصلح لأي لغة، لأنها قواعد تتسم بالشمولية والعالمية، وهذه المرونة في التقعيد النظري ضرورية للنظام اللغوي الذي ينزع نحو التجدد والتكيف والتطور فضلاً على شمولية التناول والدراسة، وغدا تشومسكي) يرسم المنهج القويم في الدرس اللغوي مميزاً بين الميتودولوجيا والنظرية، فقد كان اشتغال البنيويين ـ قبل تشومسكي ـ منحصراً على وصف الاتجاه ووضع نظريات تقوم بتطبيق مجموعة عمليات وإجراءات على العينات اللغوية، مهمتها معاينة الوحدات الدالة الصغرى، فأشار تشومسكي) في كتابه البنى التركيبية) إلى ضرورة الاهتمام بالمنهج الذي يكمن في الطرق التي تمكن من بناء الأنحاء، وغدا المبحث اللساني مع تشومسكي) يهتم بالجهاز الداخلي الذهني للمتكلمين بدلاً من الاهتمام بسلوكهم الفعلي، فلم يعد الإنتاج الكلامي الذي هو عبارة عن سلاسل فيزيائية بمفهوم الفونولوجيا قادراً على تقديم تفسير كاف لآليات حدوث التركيب اللغوي، ولذلك اتجه الدرس اللساني، لا إلى تحديد ما هو موجود من السلاسل اللغوية السليمة فحسب، بل أيضاً إلى ما يمكن أن يوجد من التراكيب اللغوية غير اللاحنة بواسطة مجموعة من القواعد التوليدية. يكون بذلك موقف تشومسكي) قد انحرف بالدرس اللغوي إلى وجهة جديدة تختلف عن وجهة البنيويين الذين لم يميزوا بين صورة النحو، والوسيلة التي تقود إلى اكتشافه، وهو ما عكف تشومسكي على اتخاذه مبدأ للدراسة اللغوية بحيث فرق بين المنهج والنظرية وولج بذلك إلى كل ما يشكل العالم الداخلي الذهني للمتكلم، وشأن كل نظرية دلالية فإن النظرية التوليدية، وصلت إلى الباب المسدود، وإن نجحت في الكشف عن البنية العميقة لعدد لا متناه من الجمل إلا أنها عجزت عن تفسير عدم التوافق بين معاني المفردات المنتظمة في جملة واحدة، وهو ما فسح المجال لنظرية كاتز وفودر التي تعتبر مكملاً لقواعد تشومسكي) التوليدية التي ارتكزت على ما يسمى بالمؤلفات الأساسية لمعاني الكلمات وهي مؤلفات تتجاوز الرموز التي اعتمدها تشومسكي) في القواعد التوليدية، وعلى ضوء نظرية كاتزوفودر يمكن مثلاً تحليل كلمة "رجل" على النحو التالي:‏

    اسم + محسوس + معدود + حي + بشري + ذكر + بالغ..‏

    وتختلف عنها كلمة "امرأة" بمؤلف "الجنس" فقط(38) وهكذا بالنسبة للكلمات الأخرى..‏

    7 ـ نظرية الوضعية المنطقية في المعنى: (39)‏

    تصور معنى الكلمة أو الجملة عند أصحاب نظرية الوضعية المنطقية، ينبني على نظرات متباينة، وإن كانت كل نظرة من هذه النظرات هي عبارة عن امتداد معرفي لأفكار سبقتها وتأسست فلسفتها على جملة من الانتقادات التي وجهها لها علماء اللغة عامة وأهل المنطق والفلسفة خاصة، من رواد هذه النظرية "مورتس شليك M.Chilik)" المؤسس الأول. والعالم "أتونيراث" A/ NEURATH) ، وهمبل Hempel)، و"كارنب (40) Carnap)"، و"الفرد جولر أير A.J.Ayer)"، و"فردريك وايزمان F. Waisman)"، ذهب "شليك" 1936-1882) إلى أن معنى قضية ما، هو طريقة تحقيقها وذلك بتوفر شروط للتحقيق تكون على إثرها القضية صادقة، من ذلك الواقع التجريبي للمعنى وهو ما وسم نظريته "بالنظرية التجريبية في المعنى"، وقد وضع "شليك" معايير ثلاثة لتحديد معنى الكلمة: إما بالإشارة إلى مسماها المعيّن الشيء في العالم الخارجي)، أو بالتكافؤ والترادف ويخص ذلك الكلمات التي تعتبر محمولات تجريبية مثل:مربع، شجرة،… أو بالاستخدام في السياق اللغوي وذلك خاص بالكلمات التي لا تعتبر محمولات تجريبية مثل:إذا، الآن،… وغيرها من الصيغ التي لا معنى لها إلا داخل السياق. ماذا يعني "شليك" بمصطلح "التحقيق"؟.. التحقيق عند "شليك" يعني مطابقة المعنى للواقع ممايدل على صدق القضية في الواقع التجريبي، ولا يشترط أن يكون التحقيق بالمعنى القوي فتلك غاية بعيدة الحصول وإنما يعني "شليك" التحقيق بالمعنى الضعيف، أو ما سماه بإمكان التحقيق. والإمكان كما يوضح "شليك" نوعان: إمكان تجريبي: وهو المعنى الذي يتسق وقوانين الواقع والطبيعة، وإمكان منطقي: وهو ما يطابق قواعد التركيب والنحو واستخدامنا المألوف للكلمات وفق نسق صحيح، والحقيقة أن نظرية "شليك" توقفت عن العطاء العلمي وتقديم التفسيرات الكافية لتمثيلات من المعنى لم تخضع لقواعد هذه النظرية ومعاييرها، وذلك لانحصار نظرية "شليك" في تفسير الكلمات ذات الواقع الحسي بينما وجدت قضايا وصيغ لا يشملها الإدراك الحسي المباشر لكنها محققة المعنى مثال ذلك تركيب الذرة الذي قال عنه "شليك" أن لا معنى له.‏

    ويأتي بعد "شليك" العالمان "أوتونيراث" 1882-1945)، و"همبل" 1905-)، اللذان دعيا إلى معيار جديد يعتمد في رصد المعنى لا يرتد إلى الواقع التجريبي كما كان يقول "شليك" وإنما يرتد إلى قضية "بروتوكول" وتعني تسجيل دقيق لما عاناه المتكلم في خبرته، ويشترط في هذه القضية أن تصدر بضمير المتكلم وتلحق كل جملة بحسب اتساقها مع جمل بروتوكول سبق وأن قبلناها وذلك للحكم بصدقها، وإن تنافرت معها كان الحكم بكذبها وعدم تحققها، فالمعيار الذي اعتمده "نيراث وهمبل"، هاهنا هو معيار الاتساق consistance).‏

    أما كارنب 1891-1975) بعد جملة أفكار قدمها حول تصوره لمعنى الجملة أو القضية، انتهى إلى رد ذلك إلى الواقع التجريبي وذلك بعد إدراكه أن اللغة هي حاملة لواقع ومعبرة عنه وليس عبارة فقط عن تراكيب وأنساق لغوية.‏

    وبالرغم مما وجهت لنظرية الوضعية المنطقية من انتقادات، إلا أنها قدمت للدرس الدلالي الحديث طرقاً أخرى للبحث عن المعنى تتسم بالعمق في التحليل، وإن كان أصحاب هذه النظرية قد وقعوا تحت سلطة النظرة الحسية للأشياء وهو ما جعلهم يخلطون بين البحث في المعنى وبين صدق الجملة. وذلك ما سوف يعرض نظريتهم إلى مآخذ شديدة أدت إلى تعديل في مواقفهم بحيث عزفوا عن القول بمبدأ التحقيق التجريبي بالمعنى القوي، إلى القول بمبدأ التحقيق التجريبي بالمعنى الضعيف، ويعني ذلك نسبية تحقيق معنى الجمل والكلمات والقضايا واستحالة تحقيقها تحقيقاً مطلقاً تاماً بينما ظل موقف القائلين بالاتساق في الحكم بصدق ومعنى الجملة ثابتاً، بالرغم من الملاحظات الكثيرة التي وجهت إليهم وهو ما جعل موقفهم يضعف مما أدى إلى إجراء تعديل في المصطلح "تحقيق" الذي استبدل بمصطلح تدعيم confrmation) وسوف ينشأ اتجاه آخر على يد "ألفريد جولزير Ayer)" وفردريك وايزمان) F. waisman)..‏

    يذهب "أير" إلى أنه لا يكون للجملة معنى إلا إذا أمكن تدعيمها إلى درجة كبيرة بإشارتها إلى واقع يمكن ملاحظته. ولا يعد هذا تحديداً تاماً لمعنى الجملة وإنما مجرد تدعيم لها، بحيث يكون لها احتمال كبير في المعنى المحدد بواسطة التدعيم، خاصة وأن الجملة مسندة إلى ضمير المتكلم وبالتالي فهي تعبر عن إحساسات وإدراكات ذاتية وقد وصل "أير" إلى قناعة علمية تتلخص في الامتناع عن اعتماد معيار عام لمعنى الجملة، وربط ذلك المعنى بمجموعة الخبرات التي تحققت بفعل الملاحظة المباشرة عن طريق التحقيق التجريبي الذي يصدقه الواقع وحتى في هذه الحالة تصدق الجملة صدقاً احتمالياً لا صدقاً تاماً.(41)‏

    أما وايزمان) فقد سار على نهج "أير" ولكن بأسلوب مختلف وذلك بدعوته إلى أن البحث عن مكافئ تام يشرح معنى الجملة سيبقى مفتوحاً لأنه ناقص، ذلك أن الجملة المطلوب رصد معناها تحوي على حالات جزئية يصعب حصرها وتحديدها، كما أن التركيب المعد لإقامة تحقيق القضية لن يكون هو التركيب الأخير المناسب، وإنما قد نحصل على تركيب جديد يشرح أو يحلل أو يضيف إلى معنى الجملة الأصلية. معان جديدة وبالرغم من الجهود المضنية في البحث عن تصور ثابت للمعنى بقي البحث بين دور وآخر يفاجأ، بمسائل جديدة مرتبطة بمسألة "المعنى"، فيخوض من أجل تفسيرها وتحليلها ودراسات مستفيضة، فالقول باعتماد معيار الترادف لتحديد معنى القضية أدى إلى البحث حول، ماهية الترادف، وهل الترادف خال من المعنى؟.. بالطبع لا يقدم الترادف تفسيراً لمعنى الجملة حتى يكون للجملة المرادفة معنى كذلك، وهو يحتاج إلى إيجاد مكافئ له في المعنى، وهكذا يقع الدرس في هذا المجال، في حلقة مفرغة..‏

    8 ـ النظرية البراجماتية:(42)‏

    قريبة هي نظرية تشارلز بيرس ـ CH. Pierce)) من نظرية أصحاب الوضعية المنطقية وذلك في اعتمادها على الملاحظة الحسية المباشرة، وتحقق المعنى في الواقع التجريبي، وقد أشار أير) إلى نظرية بيرس) لأنها تعد تدعيماً لرأيه وموقفه، يرى بيرس) أن تصورنا لشيء ما يتألف من تصورنا لآثاره العملية فالطابع الوظيفي للشيء هو الذي يحدد تصورنا حوله فالتيار الكهربي مثلاً لا يعني مرور موجة غير مرئية في مادة ما وإنما يعني مجموعة من الوقائع مثل: إمكان شحن مولد كهربي أو أن يدق جرس أو أن تدور آلة، وإذن فمعنى لفظ "كهرباء" هو ما تفعله، ويبقى همّ نظرية "بيرس" هو إثبات المعادل المادي للشيء، حتى يتحقق معناه، فمع أن الكهرباء غير مرئية فلا يمكن أن ننفي وجودها وإنما ننظر إلى آثارها العملية ولذلك رأى "بيرس" أن التصورات التي لا تنتج عنها آثار، لا معنى لها، وقد أوضحنا في نظرية بلومفيلد) السلوكية(43) ، التي تقترب منها نظرية بيرس)، من حيث المبدأ، كيف عجزت معاييرها عن تقديم تفسير كاف لجمل وعبارات لا يبدي أمامها المتلقي أية استجابة، هل يعني ذلك حسب بيرس) أنها لا تشتمل على معنى، ومع ذلك يبقى بيرس) أهم فيلسوف مؤسس لعلم الإشارات لم تقدر جهوده حق قدرها إلا بعد موته سنة 1914، حيث استثمر العالمان رومان جاكسون وشارل موريس جهوده في علم الإشارات فحاولا تطبيق نظرياته على علم اللغة العام، ولا يمكن أن نغفل تلك التصانيف التي وضعها بيرس) حول الإشارات محدداً في ذلك نظاماً سيميائياً يضم العلامات اللغوية وغير اللغوية، وما يلفت الانتباه في حديث بيرس) عن الإشارات هو ربطه للإشارة مع مدلولها من جهة والمرسل إليه من جهة ثانية إذ قد تكون الإشارة رمزاً symbole) أو إيقونة Icone) أو قرينة Indice)، وأثناء عملية التواصل قد تستعمل الإشارة نفسها تارة رمزاً وتارة أخرى أيقونة أو قرينة، يتوقف استعمال الإشارة للتواصل والإبلاغ على معرفة مسبقة بدلالتها الاصطلاحية فرمز "الدخان" على سبيل المثال هو إشارة طبيعية أو قرينة قد تدل على النار أو علامة تدل على الخطر أو رمز الاتصال كما عند بعض قبائل الهنود الحمر"(44) ..‏

    9 ـ نظرية :"مور ـ كواين" :(45)‏

    يرى جورج مور G.Moore) أن تصور معنى كلمة أو جملة يمر عبر إجراءات تحليل صحيح يقوم على خطوتين: التقسيم والتمييز وعلى معايير ثلاث هي: التكافؤ المنطقي والترجمة والترادف. ويقصد مور) بالتقسيم، تحليل تصور معنى ما إلى مؤلفاته ويعني ذلك أن تصور المعنى مركب من جملة تصوراته الجزئية، وشبيه تقسيم مور) بتصنيفات أصحاب النظرية التحليلية الذين قسموا معنى الكلمات إلى ما يؤلفها، من سمات دلالية(46) . أما التمييز فله ارتباط عند جورج مور) باستخدام الكلمة في السياق اللغوي وذلك بإحصاء جملة الاستخدامات الممكنة للكلمة الحاملة لتصور المعنى موضوع البحث، ومحاولة جمع الخصائص المشتركة التي تجمعها وتميزها عن المعنى الذي نحن بصدد البحث عنه، وإذا تحقق ذلك تميز تصور المعنى عما عداه من التصورات الأخرى..‏

    أما معايير التحليل الصحيح فهي تهدف إلى إيجاد معادل دلالي للمعنى، فمعيار التكافؤ المنطقي عند "مور" يعني تحليل مقارب لتصور المعنى موضوع البحث) إلى جملة تصورات أخرى تكافئه وتساويه وذلك من أجل التحقق من المعنى..‏

    أما معيار الترجمة فليس يعني نقل كلمة من لغة إلى أخرى وإنما يعني ترجمة التصور إلى تصورات تصل معه إلى حد التكافؤ وينتج عن ذلك تساو في المعنى بين التحليل وموضوعه، وهو ما يسمى بـ"الترادف". فالترجمة تفضي إلى التكافؤ الذي يفضي بدوره إلى الترادف.‏
    المصدر

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 4:44 am