بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص كتاب
تاريخ النقد الادبي عند العرب / احسان عباس
مقدم للاستاذ الدكتور الفاضل:
ماجد جعافرة
اعداد الطالب :
سمير خالد احمد الغزوي
النقد الأدبي في أواخر القرن الثاني
نظرة عامة في قواعد النقد حتى أواخر هذا القرن
المحاولات النقدية في القرن الثالث
إن النقد الأدبي لم يفز من النقاد بكتاب خاص مستقل في هذا القرن،ذلك هو صورة ما وصلنا، إذ يبدو إننا يجب أن نفسح المجال لآثار قد تنفتح عنها باب المستقبل، وفي طليعة ذلك جهد
دور الناشئ الأكبر في النقد
والناشئ الأكبر كان شاعراً متكلماً نحوياً عروضياً، وما كنا نعلم أن له مشاركة في النقد، لولا أن أبا حيان التوحيدي وصفه في كتاب " البصائر والذخائر " بالتفوق في هذا المضمار
فالناشئ يقول في تعريف الشعر ووصفه: " الشعر قيد الكلام وعقال الأدب وسور البلاغة ومحل البراعة ومجال الجنان ومسرح البيان وذريعة المتوسل ووسيلة المترسل وذمام الغريب وحرمة الأديب وعصمة الهارب وعذر الراهب وفرحة المتمثل وحاكم الأعراب وشاهد الصواب ". فهذا التعريف يشير إلى طبيعة الشعر
وليس في مقدورنا أن نحكم على كتاب الناشئ وجهده عامة، لأنا لا نملك إلا أربعة
اثر الاعتزال في النقد
وقد اندفع المعتزلة نحو استبانة المقاييس البلاغية والنقدية لعاملين كبيرين:
(1) أولهما أن البلاغة عنصر هام في الإقناع، والإقناع غاية الجدل
(2) وثانيهما: إيمان المعتزلة - أن الشعر العربي مصدر من مصادر المعرفة الكبرى ووعاء لها،
ويمنح هذا الإيمان أصحابه قوة في وقفتهم ضد الشعوبية لأن الشعر في تصور هؤلاء المدافعين عن العرب تراث عربي خالص، ليس هناك ما يشبهه لدى الأمم الأخرى إلا شبهاً عارضاً،
كذلك فإن إلحاح المتأدبين من المعتزلة على اتخاذ الشعر وعاء للمعرفة، كان ذا اثر في توجيه النقد الأدبي، وأصبحت الحاجة ماسة إلى نقد يعتمد تبيان الجمال لا المنفعة الثقافية في الشعر. وقد تعددت المحاولات النقدية في القرن الثالث. ووقعت تحت فئات متباينة، نميز فيها خمساً:
1-
الاهتمام بإبراز المعاني المشتركة بين الشعراء:
وهو اهتمام أدى إلى تتبع السرقات، ومن صور الاهتمام بها في القرن الثالث: كتاب سرقات الشعراء وما اتفقوا عليه لابن السكيت وكتاب إغارة كثير على الشعراء للزبير بن بكار وكتاب سرقات البحتري من أبي تمام وكتاب سرقات الشعراء لأحمد بن أبي طاهر طيفور والحاجة التي دفعت إلى هذا اللون من الاهتمام في ذلك القرن هي الانشغال بقضية المعنى،
النقد الضمني:
فكانت من ذلك كتب الاختيار التي ظهرت في ذلك القرن، وهي كتب لا تقوم على أسس نقدية صريحة، بل تعتمد على ذوق صاحبها، وذوقه يرتد إلى " مسبقات " ضمنية توجهه في أخذ ما يثبته وترك ما ينفيه،
حماسة أبي تمام
وقد خالف أبو تمام ( - 231) في تأليف كتاب " الحماسة " هذه الروح المتوجهة نحو الشعر المحدث، لأن ما أورده في كتابه من شعر المحدثين قليل، ولا ريب في أن موقفه يثير إعجابنا ودهشتنا معاً، فهو شاعر ذو طريقة خاصة في الشعر يهاجمها كثير من النقاد والمتذوقين حينئذ. و هو يعمد إلى الشعر القديم، وقد دلت مختاراته على أنه يستطيع أن يتجاوز طريقته الشعرية وما فيها من طلب للصور ومن إغراب في توليد المعاني واستغلال للذكاء الواعي إلى شعر مشمول بالبساطة
حماسة البحتري
ولقد حاول البحتري (284) محاكاة صنيع ابي تمام،لكنه غلبت عليه النزعة الاخلاقية،
المنظوم والمنثور لابن طيفور
لم يقصره على الشعر دون النثر، ثم هو مييز النظم والنثر على درجتين: (أ) المفرد في الإحسان. (ب) المشارك بعضه بعضاً في الإحسان؛
القصائد الطوال؟
نفهم انه حتى القرن الثالث لم تكن تلك القصائد تسمى معلقات إذ لم ترد هذه اللفظة في كتاب " المنظوم والمنثور "
يستنتج من هذه الروايات التي أوردها ابن طيفور أن عملية انتخاب عدد معين من القصائد يتراوح بين 7 - 12 قصيدة قد قام به غير واحد، وان التمحيص قد تناول المختارات فأسقط منها ما أسقط، وأثبت ما اثبت، وأن الإجماع تم حول سبع قصائد طوال لا دخل للجاهليين باختيارها وهي: قصيدة امرئ القيس وزهير وطرفة وعمرو وعنترة ولبيد والحارث ابن حلزة، ثم حاول بعضهم أن يلحق بها قصيدة عبيد (أقفر من أهله ملحوب) وقصيدة الأعشى وقصيدة النابغة.
الأسس النقدية في اختيار تلك القصائد (1) اشتمال القصيدة على معان كثيرة لا مثل لها، مثل قصيدة امرئ القيس وزهير (2) وانفرادها بمحاسن لم تجئ في غيرها وإطلاق خاتمة بليغة فيها كقصيدة طرفة. (3) وانفرادها في الوزن والعروض كقصيدة عبيد
موقف ضد الاختيار
حين يبلغ التقدير لشاعر ما درجة تشبه التقديس، يصبح شعره غير قابل للأختيار، أي يصبح جميع ما قاله مختاراً، ولكن مثل هذا الأمر نادر الوقوع؛
3 - إعادة صياغة النظريات القديمة:
أن جهد العلماء والرواة وقف أحياناً عند حدود البيت المفرد، أو تعداه إلى استبانة صفة عامة في طبيعة الشعر كاللين أو الفحولة، غير أن بعض نقاد القرن الثالث كانوا مخلصين للموروث الذي تلقوه عن أساتذتهم، وكانوا يرون أن الحل للمشكلات الأدبية هو تطوير النظريات التي لقنوها عن أولئك الأساتذة وإعادة صياغتها
محمد بن سلام الجمحي ( - 232)
ابن سلام يهتم بدور الناقد
كان ابن سلام من أول من نص على استقلال النقد الأدبي فأفرد الناقد بدور خاص، حين جعل للشعر - أي بنقده والحكم عليه - " صناعة " يتقنها " أهل العلم بها " ، مثلما أن ناقد الدرهم والدينار يعرف صحيحهما من زائفهما بالمعاينة والنظر؛ ولكن ابن سلام يمنح الناقد البصير " سلطاناً مطلقاً " فمتى قال رأيه في أمر وجد على الآخرين ان يأخذوا بحكمه لانه لا يحسنون ما يحسنه.
الناقد وقصة الانتحال
تصدى ابن سلام في مقدمته إلى ضروب الانتحال وأسبابه فدون في ذلك نظرات لم يطورها من جاء بعده
فكرة الطبقات
وقد بنى ابن سلام كتابه، كما يدل عنوانه على فكرة " الطبقات " ، فذكر من شعراء الجاهلية عشر طبقات في كل طبقة أربعة شعراء، ثم اتبعهم بذكر ثلاث طبقات أخرى هي: طبقة أصحاب المراثي، وطبقة شعراء القرى العربية، وطبقة شعراء اليهود؛ ثم جعل شعراء الإسلام في عشر طبقات أخرى، منتهياً بذلك إلى أواخر العصر الأموي، ولم يلق بالا إلى من نشأ بعدهم من شعراء حتى عصره.
الأساس في قسمة الشعراء إلى طبقات
يبدو أن " الفحولة " هي الأساس الأول في ذلك، فكل من ذكرهم في كتابه شعراء فحول،
أما الأساس الثاني فهو تقارب كل أصحاب طبقة في أشعارهم ويبدو التصنيف الرباعي قائماً على نوع من التحكم في العدد. و مبدأ اعتمده ابن سلام حين تحدث الطبقة السابعة من فحول الجاهلية يرى أن الفحول لا تتحقق بقصيدة أو عدد قليل من القصائد، ولابد من اعتبار " الكم " وبقي من مقاييس الأصمعي مقياس " اللين " ، وقد كان هذا المقياس حاضراً في ذهن ابن سلام غير أنه لم يقرنه بالخير، و اتخذ " اللين " أداة للتوقف في أخذ الشعر والاسترابة فيه،
ثعلب ( - 291) وكتاب " قواعد الشعر "
موقع ثعلب في القرن الثالث
ان كتاب " قواعد الشعر " الذي يحمل اسمه لا يعدو أن يكون عودة إلى الأحكام التي سبقت ابن سلام والأصمعي،
وتفسير ذلك أن ثعلباً كان عالماً في النحو واللغة، وأنه كان يعرف حده فيقف عنده، ولا يدعي ما لا يعرف،
الشك في نسبة قواعد الشعر إلى ثعلب
ان نسبة الكتاب إليه محل شك - فيما أرى - إذ لم تشر المصادر القديمة إلى كتاب له بهذا الاسم، لان اضطراب الأنواع والتقسيمات وعدم وضوح منهج معين في تبويب الكتاب يدل على أن مؤلفاته لم يدرك القرن الرابع،
الطابع العام لكتاب قواعد الشعر
ويتسم كتاب قواعد الشعر بغرابة المنحى وشذاجته معاً، وبالتفرد في كثير من المصطلح النقدي. فلن تجد ناقداً سوى مؤلف هذا الكتاب يجعل قواعد الشعر هي: الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وأن فنون الشعر من مدح ورثاء واعتذار
عودة إلى المصطلح البدوي
إن مؤلف " قواعد الشعر " قد عاد إلى الخليل بن أحمد، فتحدث عما يخل باتساق النظم من سناد وإقواء وأكفاء وإجازة وايطاء، ان مصطلح " قواعد الشعر " قد ربط بالسلاسل القوية جسم البيت الواحد وشده كتافاً.
4 - المفاضلة بين شاعرين:
كانت المفاضلة بين شاعرين وأكثر محوراً يدور حول كثير من النقد القديم، ولكن أصولها كانت بسيطة ساذجة، من ذلك رسالة كتبها أبو احمد يحيى بن علي المنجم (241 - 300) يفاضل فيها بين العباس بن الأحنف والعتابي، ويفضل الأول منهما على الثاني وقد بنيت الرسالة على أصول مناظرة قامت بينه وبين رجل يدعى المتفقه الموصلي في مجلس علي بن عيسى الوزير، فلما انقض المجلس، كتب ابن المنجم رسالة في هذا الموضوع وأنفذها إلى الوزير المذكور
5 - النظرة التوفيقية:
كانت هذه النظرة ثمرة الصراع الذي نشأ بين القديم والمحدث من الشعر؛ وهو صراع لم يكن حاداً كما قد يتبادر إلى الأذهان، وكان للنقاد التوفيقيين ولغلبة ذوق العصر أثرهما في تخفيف حدته وتقصير مدته؛
أبو العباس المبرد (210 - 286)
لم يدرج المبرد في النقاد؟
كان المبرد أسرع من معاصره اللغوي إلى تبني الشعر المحدث ومنحه شيئاً كثيراً من عطفه، واعتماده أصلاً من أصوله في تدريسه لطلابه فهو لم يكتف بإيراد نماذج منه في كتبه العامة كالكامل والفاضل، وإنما خصص كتاب " الروضة " لأشعار المحدثين غير أن هذه الصلة بين المبرد والشعر المحدث لا تتجاوز مجال العطف، غير أنه صريح في موقفه التوفيقي
محاولته الكشف عن سرقات الشعراء
أخذ يدل على المعاني المسروقة، لا بين الشعر والشعر وحسب، بل بين الشعر والنثر،
خلطه بين الشعر والخطابة
غير أنه يبدو لنا أن المبرد كان قد تمثل قواعد " الخطابة " اكثر من تمثله لمبادئ نقد الشعر، فمزج بين الفنين في نقده - فتراه يتحدث في الشعر عن " الاستعانة " ، وأصل الاستعانة أن يعمد المتحدث إلى ألفاظ يتكئ عليها ليتذكر ما بعدها؛ ومرة بتحدث عن التشبيه حديثاً طويلاً
نظرته إلى قضية اللفظ والمعنى
الشعر لديه مستحسن أحياناً لصحة معناه وجزالة لفظه وكثرة ورود معناه بين الناس أو لقرب مأخذه أو لسهولته وحسنه أما الضرورات اللفظية والالتواء في المعاني واستعمال الكلمات الهجينة فذلك هو ما ينكره ويمقته
عمرو بن بحر الجاحظ ( - 255)
الشعر مصدر للمعرفة
استغل الجاحظ الشعر مصدراً لمعارفه العامة، إذ استمد منه تصوره للخطابة وبعض معلوماته عن الحيوان، بل إنه جاء بأشعار وشرحها لان شرحها يعينه على استخراج ما فيها من معرة علمية، وهو إذا روى الشعر بمعزل هم الاستشهاد فإنما يريده للمذاكرة أو للترويح عن النفس ومع ذلك كله يتميز الجاحظ عن جميع الرواة ومرد هذا إلى طبيعته الذاتية وملكاته وسعة ثقافته. موقفه من الصراع بين القديم والحديث
ان الجاحظ كان توفيقي النظرة لا يعتقد بتفضيل قديم على محدث.
نظريته في الغريزة والبيئة والعرق
فأول ذلك ان الشعر في الجماعات إنما يعتمد على ثلاثة عناصر: الغزيرة (أي الطبع العام المواتي للشعر) والبلد (أي البيئة) والعرق (أي الصلة الدموية) غير أن الجاحظ لم يتقيد بالبيئة كثيراً، حين ذهب إلى ان العرق العربي (سواء أكان المرء عربياً في الحاضرة أو أعرابياً في البادية) أشعر من العرق المولد الذي يعيش في مدينة أو قرية -
العلاقة بين الشعر والرسم
لو تخطى الجاحظ حدود التعريف لوجد نفسه في مجال المقارنة بين فنين: الشعر والرسم - بل إن تعريفه لا يخرج عن قول هوراس: " الشعر والرسم "
نظرية المعاني المطروحة
اتجه الجاحظ هذا الاتجاه لان عصر الجاحظ كان يشهد بوادر حملة عنيفة يقوم بها النقاد لتبيان السرقة في المعاني بين الشعراء، و قد حاول الرد على هذا التيار بان يقرر أن الأفضلية للشكل لان المعاني قدر مشترك بين الناس جميعاً.
تناقض الجاحظ في موقفه من الشكل
ثم وقف الجاحظ من نظريته في الشكل موقفين آخرين أحدهما يؤيدها والثاني ينقضها، فأما الأول فهو إصراره على أن الشعر لا يترجم " وأما الثاني فهو قوله إن هناك معاني لا يمكن ان تسرق فقوله إنه لا يسرق دليل على أن " السر في المعنى " قبل اللفظ،
موقفه من الصحيح والمتحول
ويكمل الجاحظ منهج ابن سلام في التمييز بين الصحيح والمنحول في الشعر، فيستخدم شهادة الرواة، ويتخذ تفاوت الشعر وسيلة يثبت بها الانتحال،
حدته في الحكم
كان حاداً أحياناً في نقده، ولكن هذه الحدة نجيء مرات مشفوعة بالسخرية، ولكنه آثر في أغلب الأحوال ان يكف من لذعاته،
أحكام عامة
وتدفعه حماسته أحياناً إلى إرسال أحكام كبيرة لا نستطيع اليوم أن نستوثق من صحتها،
أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (213 - 276)
منهج أبن قتيبة في مؤلفاته المختلفة توفيقي
تدل مؤلفات أبن قتيبة على تعدد مناحي اهتمامه، فأبن قتيبة يكمل دور الجاحظ في الدفاع عن العرب والرد على الشعوبية. و ينحو منحى الجاحظ في اتخاذ الشعر العربي مصدراً للمعرفة،
نظرته التوفيقية في النقد
إذا استثنينا هذه الناحية وجدنا أن التوفيق والتسوية صفتان تمثلان جهد أبن قتيبة في مختلف الميادين، ومنها النقد الأدبي، وبينا انحاز الجاحظ إلى جانب اللفظ، ذهب أبن قتيبة مذهب التسوية.
مشكلة اللفظ والمعنى
اتجه أبن قتيبة في هذا نحو المنطق ووجد أن الشعر أربعة أضرب، (أ) لفظ جيد ومعنى جيد (ب) لفظ جيد ومعنى رديء (ج) لفظ رديء ومعنى جيد (د) لفظ رديء ومعنى رديء. وقد استعملنا هنا لفظتي " فالمسألة إذن مسألة صلة بين المعنى واللفظ، وعلاقة الجودة في كليهما معاً هي المفضلة، وهذا يعني أن المعاني نفسها تتفاوت.
ثنائية الطبع والتكلف
قد كثر الحديث في عصره عن الطبع والتكلف، دون تحديد لهذين المصطلحين، فتناولهما أبن قتيبة بالتفسير والتمثيل. فالتكلف حين يكون وصفاً للشاعر مختلف عن " التكلف " حين يكون وصفاً للشعر، وتقابل لفظة " الطبع " عند أبن قتيبة ما سماه الجاحظ " الغريزة " ،
الحالات النفسية وعلاقتها بالشعر
ولما وقع أبن قتيبة في نطاق الحديث عن " الطبع " بمعنى " المزاج " ، كان لابد له من أن يلتفت إلى الحالات النفسية وعلاقتها بالشعر، وقد تناولها من ثلاثة جوانب:
(أ) من جانب الحوافز النفسية الدافعة (ب) من جانب العلاقة بين الشاعر والزمن، فبعض الحالات النفسية والجسدية كالغم وسوء الغذاء تمنع من قول الشعرولعله كان في هذا أدق فهماً للطبيعة الإنسانية من صاحبيه
(ج) مراعاة الحالة النفسية في السامعين (أي في الجمهور)، ومن هذه الناحية علل أبن قتيبة بناء القصيدة العربية: من استهلالها بالبكاء على الأطلال ثم الانتقال إلى وصف الرحلة والنسيب: " ليميل نحوه القلوب ويصرف إليه الوجوه وليستدعي إصغاء الأسماع لأن التشبيب قريب من النفوس لائط بالقلوب لما جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء، فليس يكاد أحد يخلو من أن يكون متعلقاً منه بسبب وضارباً فيه بسهم حلال أو حرام؛ فإذا استوثق من الإصغاء إليه والاستماع له عقب بإيجاب الحقوق..
وقد فهم بعض الدارسين حرم على المتأخرين التحلل من ربقة هذا النظام، وكان أبن قتيبة يومئ من طرف خفي إلى أن أبا نواس لم يصنع شيئاً فنياً في دعوته، لأن الوقوف على الحانات بدل الوقوف على الأطلال تغيير في الموضوع لا في الطريقة الفنية.
اهتمام أبن قتيبة بالشاعر يفوق اهتمامه بالشعر
مما تقدم نرى أن اهتمام أبن قتيبة متجه في أكثره نحو الشاعر(دون إغفال للشعر والجمهور) فهو إما متكلف أو مطبوع، ولحالته النفسية أثر بين في الشعر، وللغرائز عند الشعراء أثر في تبيانهم في الفنون الشعرية المختلفة. و الطبع يتضمن تلك القوة التخيلية التي تستثار بالحوافز ويورد أبن قتيبة ملاحظ جزئية، إن بعض الشعر يروى لخصائص أخرى كالإصابة في التصوير أو جمال النغمة أو طرافة المعنى المستغرب أو لأسباب خارجية أخرى
خلاصة في مميزات أبن قتيبة في النقد
وعلى الرغم من فقر المصطلح النقدي لدى أبن قتيبة فقد تمرس في مقدمته بأكبر المشكلات النقدية فتحدث عن الشعر من خلال قضية اللفظ والمعنى، والتكلف وجودة الصنعة، وعن ضرورة التناسب بين الموضوعات في القصيدة الواحدة وتلاحقها في سياق، واعتمادها على وحدة معنوية تقيم التلاحم و " القران " بين أبياتها، وعن أسباب خارجة عن الشعر أحياناً تمنحه في نفوس الناس منعزلة وقيمة، وعن العيوب الشكلية التي تعتري العلاقات الإعرابية والنغمات الموسيقية والقوافي. وألمح إلى أهمية التأثير في نفسيات الجماهير بالتناسب والمشاركة العاطفية، وتحدث عن الشاعر متكلفاً ومطبوعاً، وعن المؤثرات والحوافز التي تفعل فعلها في نفسه، وعن علاقة الشاعرية بالأزمنة والأمكنة وعن ثقافة الشاعر، وتفاوت الشعراء في " الطاقة الشعرية "
أبو العباس عبد الله بن المعتز ( - 296)
ناقد انطباعي
لعل ابن المعتز خير مثل الناقد الذي كان يؤمن بقول القائل " أشعر الناس من أنت في شعره حتى تفرغ منه "لأنه يريح الناقد من المفاضلة أو البحث عن تداول المعنى، قاعدة قد ينفر منها النقد الموضوعي الخالص، ولكن نقاد العرب لم يوردوا قوله توجز معنى النقد التأثري مثلها. ولا ريب في أن الظهور بهذا المظهر التاثري يحقق له صفة الناقد العادل أكثر مما تحققه الموضوعية،
رسالته في أبي تمام والتطور في رأيه النقدي
إلا ان ابن المعتز لم يكن دائماً ذلك الناقد التأثري وإنما نعتقد أن كتاب " طبقات الشعراء " يمثل مرحلة متأخرة في حياته، وبين موقفه من قضية السرقة، وهو يشبه آراء نقاد آخرين من معاصريه فقال: " ولا يعذر الشاعر في سرقته حتى يزيد في إضاءة المعنى أو يأتي بأجزل من الكلام الأول، ثم بين أن العيوب التي عدها وأورد شواهدها من شعره لم تكن إلا نماذج وأنه أسقط ذكر عيوب أخرى ولم يثبتها في رسالته
أبو تمام ومذهبه سبب في تأليف كتاب البديع
ويصح لنا أن نقول إن أبا تمام كان يمثل " مشكلة فنية " لدى ابن المعتز، وكانت سبباً من الأسباب التي وجهته إلى تأليف كتاب البديع، ليدل على أن هذا الفن موجود عند العرب وفي القرآن والحديث وكلام الصحابة، وان المحدثين لم يكونوا مبتكرين له ومع أن الكتاب قد سمي باسم " البديع " ، فإن ابن المعتز أضاف إليه " بعض محاسن الكلام والشعر " لتكثر فائدة كتابه وقد عرف ابن المعتز بين أبناء عصره باللهج بالبديع والإحساس الدقيق في استكشاف نماذجه وبحثه عنها في الأدب العربي القديم، حتى كانوا يسلمون له السبق في هذا الميدان؛
الاتجاهات النقدية في القرن الرابع
أبو تمام - المتنبي - أرسطو، وأثرهم في نقد القرن الرابع
لولا ثلاثة أشخاص كانوا قوى دافعة في توجيه النظرية الشعرية في نقد القرن الرابع جعلوا للنقد محوراً ومجالاً، سواء أكان ذلك في الحدود النظرية أو التطبيقية، ولذلك يمكن أن يدرس معظم النقد في القرن الرابع في ثلاثة فصول هي: الصراع النقدي حول أبي تمام، والنقد في علاقته بالثقافة اليونانية، ومعركة النقد التي دارت حول المتنبي.
وقد استعمل النقد في هذه المجالات جميع الوسائل التي ورثها من العصر السابق، ومما قبله من عصور، غير أن هذه الصور النقدية الثلاث - يجب إلا تحجب عن أنظارنا الجهود النقدية الأخرى: فهناك محاولة أبن طباطبا في " عيار الشعر " ، وأكبرها عمقاً، كذلك المبادئ النقدية استخدمت في دراسة الإعجاز القرآني على يد جماعة من غير النقاد فيهم الخطابي والرماني والباقلاني،
النقد في كتاب الصاحبي
أما ما أورده أبن فارس في كتاب الصاحبي عن الشعر فإنه كرر فيه تعريف قدامة بن جعفر للشعر بأنه " كلام موزون مقفى دال على معنى " ثم زاد على ذلك قوله " ويكون أكثر من بيت " ثم ذكر الأسباب التي جعلت النبي منزهاً عن الشعر وفي جملتها أن الشعر يقوم على الكذب، وتحدث عن ركوب الشعراء للضرورات والجوازات، ومن ملاحظاته قوله في تفاوت وهو يرى أن الاختيار الذي يزاوله الناس إنما هو شهوات، كل يستحسن شيئاً حسب شهوته النقد في اختيار الخالدين المسمى الأشباه والنظائر
ومن أهم المختارات العامة حماسة الخالديين التي تسمى " الأشباه والنظائر " ، ويمثل هذا الكتاب عودة إلى إبراز روائع الشعر الجاهلي وشعر المخضرمين وتعليقات الخالديين تتفاوت بين شرح للمعنى أو التنويه بحسن التشبيه أو حسن التقسيم أو جودة المعنى وأشباه ذلك ومع إن " الأشباه والنظائر " تشبه " المفضليات " من حيث اعتمادها شعر غير المشاهير، فإنها تختلف عنها وعن حماسة أبي تمام وعن كثير من كتب الاختيارات بوضوح كثير من الأسس النقدية فيها من خلال المفاضلة والمقارنة وإرسال الأحكام والتعليقات
النقد في تشبيهات أبن أبي عون
وهناك اختيارات اعتمدت قاعدة صورية لا موضوعية أو جمعت بين الاثنتين واعني بذلك كتب التشبيهات وفي طليعتها كتاب أبن أبي عون في هذا الموضوع.
السرقات في نقد القرن الرابع
وقد شغل النقد في القرن الرابع كثيراً بالكشف عن السرقات؛ ولعل التأليف في السرقات يربو على المؤلفات في أي موضوع آخر.
وسنتحدث في الصفحات التالية عن أهم الظواهر النقدية في القرن الرابع اعتماد الذوق الفني في إنشاء نظرية شعرية
(عيار الشعر لابن طباطبا - 322)
لمحة عن ابن طباطبا
عاش الشاعر أبو الحسن محمد بن احمد بن طباطبا بأصبهان وتوفي فيها، وله كتب ألفها في الأشعار والآداب أشهرها " عيار الشعر " وقد نعده في تاريخ النقد الأدبي حلقة متممة لما جاء به ابن قتيبة. وكانت لديه أثارة من ثقافة فلسفية أو اعتزالية أفادته في تعميق نظرته عامة
تعريف الشعر عند أبن طباطبا
يعرف ابن طباطبا الشعر بأنه " كلام منظوم " وإن الفرق بينه وبين النثر إنما يكمن في النظم، اتباع السنة العربية في الشعر و أبن طباطبا على تضييقه في هذه الاتباعية ينفذ إلى أغوار عميقة توضح انه لا يرى الشعر شيئاً منفصلاً عن البيئة والمثل الأخلاقية وإن لم يستطع أن يطبق على معاصريه قانون " تغير البيئات والأزمنة
الشعر نتاج الوعي المطلق
لا يلبث عند الخوض في طريقة بناء الشعر أن يقضي قضاء مبرماً على ما سماه النقاد بشعر الطبع عند العرب، وان يعتمد صنعة جديدة المضمون والطريقة في النظم، إذ يصبح الشعر لديه " جيشان فكر " - قائماً على الوعي التام المطلق،
تضاؤل المسافة بين القصيدة والرسالة
محا أبن طباطبا الفروق بين القصيدة والرسالة النثرية في البناء والتدرج واتصال " الأفكار " : " إ ، ولكن يظل هناك فرق بين القصيدة والرسالة: فقد يجوز في الرسالة ان يبنى فيها كل فصل قائماً بنفسه، أما القصيدة فلا يجوز فيها ذلك بل يجب أن تكون كلها " ككلمة واحدة
الوحدة في القصيدة وحدة بناء
ان الوحدة فيها قد تكون وحدة بناء وحسب، والصورة الصناعية لا تفارق خيال ابن طباطبا في عمل الشعر، ومن ثم تصور ابن طباطبا الوحدة في العمل الفني كالسبيكة المفرغة من جميع أصناف المعادن
مأزق الشعر المحدث، هو السر في اختيار هذه الطريق
أكبر الظن انهذه الطريق كانت تعبيراً عن أزمة الشاعر المحدث، الذي كان في رأي ابن طباطبا في محنة: " لأنهم قد سبقوا إلى كل معنى بديع ولفظ فصيح وحيلة لطيفة وخلابة ساحرة،
قلة المعاني لدى الشاعر المحدث وطريقته في تحصيلها
على الشاعر ان يستعمل " المعاني المأخوذة في غير الجنس الذي تناولها منه، وتعود صورة الجوهري الصائغ إلى ذهن ابن طباطبا فيشبه هذا الأخذ بعمل الصائغ الذي يذيب الحجر الكريم ويعيد صياغته بأحسن مما كان عليه
صورة العلاقة بين اللفظ والمعنى
ولكنه لابد ان يكبر فيه شيئين: أولهما هذا التصور الذي لا يختل أبداً لصورة القصيدة في نفسه، وثانيهما هذا الإلحاح الشديد على نوع من الوحدة لا نجده كثيراً عند غيره من النقاد. وذلك هو تصوره للعلاقة بين المعنى واللفظ في القصيدة على نحو العلاقة بين الروح والجسد،
ولما كان ينظم الشعر في رأي ابن طباطبا عملاً عقلياً خالصاً، كان تأثير الشعر عقلياً كذلك، لأنه مقصود بمخاطبة الفهم، ووسيلته إلى هذه المخاطبة هي " الجمال " أو الحسن، والسر في كل جمال الاعتدال والفهم هو القوة التي تجد في الشعر " لذة " و هنا موقف لابد من ان يستوقفنا في تاريخ النقل العربي، وهو الإلحاح على فكرة المتعة المترتبة على الجمال في الشعر، وتعريف العلة الجمالية بأنها " الاعتدال " ، ومع ان الناقد يربط بين الغايتين اللذية والأخلاقية فانه اكثر جنوحاً إلى تأكيد المتعة الجمالية الخالصة، لأنها هي التي تتحقق في " الفهم " أولاً .
الصدق - يسبب الاتجاه العقلي - أساس الشعر
وما دام الفهم هو منبع الشعر ومصبه، فلا غرابة أن يجعل ابن طباطبا عنصر " الصدق " أهم عناصر الشعر وأكبر مزاياه؛ ولهذا كانت لفظة الصدق متفاوتة الدلالة عند ابن طباطبا:
(1) فهناك الصدق عن ذات النفس بكشف المعاني المختلجة فيها والتصريح بما يكتم منها والاعتراف بالحق في جميعها
(2) وهناك صدق التجربة الإنسانية عامة
(3) وهناك الصدق التاريخي،
(4) " الصدق الأخلاقي " وهو ما لا مدخل فيه للكذب بنسبة الكرم إلى البخيل او نسبة الجبن إلى الشجاع،
(5) الصدق التصويري أو ما يسميه ابن طباطبا " صدق التشبيه
تلخيص عام لموقفه النقدي
ولكن ذلك هو ابن طباطبا في نقده، يرى اتباع السنة حيث أمكن ذلك أمراً لازماً. وينفي الفرق بين القصيدة والرسالة إلا في النظم ويتصور الوحدة في القصيدة وحدة مبنى قائم على تسلسل المعاني والموضوعات. بحيث تكون " العملية " الشعرية عملاً عقلياً واعياً تمام الوعي. ويعتبر التأثير الآتي من قبل الجمال - وهو الاعتدال - تأثيراً في الفهم على شكل
لذة كاللذة التي تجدها الحواس المختلفة في مدركاتها، وإذا كان الاعتدال ميزة للجمال في الكيان الكلي، فان الصدق - على اختلاف مفهوماته - هو الذي يهيئ الفهم لقبول المحتوى والتجربة
2 - الصراع النقدي حول أبي تمام
أبو تمام لدى نقاد القرن السابق
كانت الظاهرة التي يمثلها أبو تمام في الشعر قد شغلت النقاد والمتذوقين في القرن الثالث، ثم ورثها نقاد القرن الرابع وأمعنوا فيها أما الخصومة الشفوية حوله فقد كانت واسعة النطاق، ولم تسكن نائرتها في القرن الرابع، بل لعلها ازدادت في النصف الأول منه حدة، وقد تحددت تلك العيوب في سرقته لبعض المعانيوفي تعسفه للاستعارة وبعض وجوه البديع الأخرى وفي الابتداءات البشعة وفي استعماله لألفاظ وحشية غريبة وفي استغلاق بعض معانيه،
رسالة أبن عمار القطريلي في أخطاء أبي تمام
كتب أحمد بن عبيد الله بن عمار القطريلي ( - 319) رسالة يبين فيها أخطاءه في الألفاظ انتصار الصولي لأبي تمام
وكان موقف ابي بكر محمد بن يحيى الصولي ( - 335) رداً على أمثال أبن عمار ممن حاولوا أن يغمطوا أبا تمام حسناته، فكتب أخبار أبي تمام ومجمل رأي الصولي أن النقد لا يكون بإبراز بعض العيوب والتشهير بالشاعر من أجلها وإغفال ما له من حسنات كثيرة إزاءها؛
موقف الصولي من العلاقة بين الشعر والدين
وقد نبه الصولي إلى ناحية المعتقد الديني، فقد أتهم أبو تمام بأنه كان يخل بفروضه وهذه قضية خطيرة في النقد، ومن استقلال النظرة النقدية في تاريخ النقد العربي أن نجد هذا الفصل التام فيها عند الصولي.
الحق أن كتاب الصولي يعد في كتب السيرة أكثر مما يعد في كتب النقد، غير أن كل من تعرض لأبي تمام كان في الغالب مضطراً للوقوف عند البحتري لأن الذين كانوا يغضون من شأن الأول كانوا ؟في الأكثر - يكبرون من الثاني.
ثم قسم الآمدي بعد ذلك ما أورده أبو الضياء الى أنواع:
معان قال أبو الضياء إنها مسروقة إلا انه اخطأ لأنه ليس بين كل معنيين منها أي تناسب، و معان زعم أبو الضياء أنها مسروقة، ولكن الاتفاق فيها في الألفاظ وهذا غير محضور على الشاعر،
الآمدي ومؤلفاته في النقد
أبا القاسم الحسن بن بشر الآمدي ( - 370) ، ناقد متخصص، جعل النقد أهم ميدان لجهوده، وفيه كتب اكثر مؤلفاته، فمن ذلك: كتاب معاني الشعر للبحتري، كتاب الرد على ابن عمار فيما خطا فيه أبا تمام
فالآمدي سيطر على التراث النقدي حتى عصره. وتصدى بالتعقب لأهم اثرين نقديين ظهرا في أوائل القرن الرابع وهما عيار الشعر، ونقد الشعر؛ وكان ناقداً بناء، وكان منهجه واضحاً في اكبر اثر نقدي وصل إلينا من آثاره وذلك هو " كتاب الموازنة بين الطائيين " .
الآمدي يحس أنه الناقد الحق الذي صوره ابن سلام
وقد كان الآمدي صورة ذلك الإحساس الذي عبر عن ابن سلام بإيجاز حين ميز دور الناقد، أن النقد " علم " يعرف به الشعر، وليست تكفي فيه الوسائل الثقافية مهما تنوعت، لأن حفظ الأشعار أو دراسة المنطق أو معرفة الجدل أو الاطلاع على اللغة أو الفقه ليست هي الطريق التي تكفل لصاحبها إحراز " علم الشعر " ؛ ولذلك يشكو الآمدي من كثرة المدعين للمعرفة بعلم الشعر؛ فمن الواجب ألا ينازعوا الناقد في حكم أصدره. ذلك لأنه مهيأ لذلك بالطبيعة أولاً وبكثرة النظر في الشعر والأرتياض له وطول الملابسة فيه.
الموازنة المعللة هي الطريقة التي يثبت بها المرء انه قد أصبح ناقداً، فليكن الآمدي ذلك الناقد، وليقم الموازنة المعللة
منزلة كتاب الموازنة في تاريخ النقد، ومنهج المؤلف فيه
فكتاب " الموازنة " وثبة في تاريخ النقد العربي، ذلك لانه ارتفع عن سذاجة النقد القائم على المفاضلة بوحي من " الطبيعة " فكان موازنة مدروسة مؤيدة بالتفصيلات التي تلم بالمعاني والألفاظ والموضوعات الشعرية بفروعها المختلفة، وكان تعبيراً عن المعانات التي لا تعرف الكلل في استقصاء موضوع الدراسة من جميع أطرافه، أضف إلى ذلك أن كتاب الآمدي قد استغل جميع وسائل النقد التي عرفت في عصره: من تبيان للمعاني المسروقة ومن سلوك سبيل القراءة الدقيقة والفحص الشديد، ومن الاحتكام إلى الذوق الفردي حيناً وإلى الثقافة حيناً آخر،
الموازنة ذات مظهر علمي موهم باستغلال الإحصاء
اكبر الظن أن الموازنة كانت في حينها تلبية " علمية المظهر " والمنهج لحاجة ذلك الصراع الدائر بين المتطرفين من الفريقين؛ فمن حق الموازنة ان تكون قائمة على الحساب: هذه حسنة يقابلها حسنة وهذه خمس سيئات يقابلها أربع، فإن شئت بعد ذلك أن تقوم بعملية جمع وطرح، استطعت ان تصل إلى نوع من الحكم قائم على الدقة الإحصائية،
الموازنة نظرياً نقطة التقاء المنصفين وعملياً توقع الآمدي في التناقض
ان الموازنة نقطة الالتقاء بين المنصفين من كلا الفريقين: وبها ينكشف الغطاء عن مذهبين متوازيين عاشا جنباً إلى جنب في تاريخ الشعر العربي وتاريخ الذوق العربي.
عمود الشعر نظرية خدمة للبحتري وأنصاره فأبعدت الموازنة عن الإنصاف
كان يؤثر طريقة البحتري ويميل إليها. ومن اجل ذلك جعلها " عمود الشعر " ونسبها إلى الأوائل وصرح بأنه من هذا الفريق دون مواربة:
ولا ريب في أن الآمدي حاول أن يكون منصفاً، وظهر بمظهر المنصف في مواطن عديدة، ولكن ميله كثيراً ما كان يوجهه رغماً عنه، فقد عرض لسرقات أبي تمام من جميع الشعراء على نحو تفصيلي. فلما وصل إلى البحتري، اكتفى بكر ما سرقه البحتري من أبي تمام وحسب،
قانون " عمود الذوق " يقتل الاستعارة
وإذا كان الآمدي - خدمة لقانونه هذا - قد تناول القواعد القديمة من اعتماد كل أصول اللياقة وعلى قانون منتهى الجودة و قد تجاوز حدود تلك القواعد وبيان ذلك أن الشعر لا يتأثر كثيراً إذا أخطأ الشاعر فجعل ذيل فرسه طويلاً،أو استعمل السوط في حثه على الجري
حملة الآمدي على استعارات أبي تمام
بعبارة أخرى: إن اخطر ما في هذا الاحتكام إلى طريقة العرب هو ما يصيب الاستعارة، لان تعقب الاستعارة يعني التدخل في التشخيص والقدرة الخيالية لدى الشاعر. ثم أراد أن يفهمنا بان هذه الاستعارات خارجة عما نهجه العرب
الصلة بين ابن طباطبا والآمدي في الاتباعية
وهذا الذي ذهب إليه الآمدي من الاحتكام إلى طريقة العرب، يذكرنا أيضاً بالمنهج الذي اختاره ابن طباطبا في " عيار الشعر " ، حين حدد طريقة العرب في التشبيه، إلا أن الآمدي أربى عليه وكمل عمله، حين اهتم بالاستعارة،
خضوع الآمدي الذي يحتكم إلى طريقة العرب لمؤثرات أجنبية دون أن يفهمها
ومن غريب أمر الآمدي الذي يبني أكثر نقده على الاحتكام إلى طريقة العرب يستأنس أحياناً بثقافة فلسفية في الحديث عن صناعة الشعر،
الذوق الخاص والأحكام التأثرية، ومعاداة العمق في المعنى
الآمدي قد درس علم الكلام، غير أنه لم يتأثر به في النقد إلا تأثراً شكلياً. فهو لا يستطيع أن يتقبل ذوقياً إلا المعنى القريب الذي يسلم للقارئ نفسه في صياغة جميلة إسلاماً مباشراً، دون إعمال خيال أو إجهاد فكر،
نشأة الآمدي التأثرية وأثرها في نقده
السبب في هذا صعوبة التعليل واعتماد الآمدي على حكم " الطبيعة " نتيجة النشأة التأثرية، ، وكان ذوقه قد حدد وجهته في أخذ ما يأخذه وطرح ما لا يستسيغه، وفي هذه المرحلة يكون الإعجاب شيئاً لا يعلل، ويظل هذا الإعجاب هو المحرك الكبير دون أن يهتدي الناقد إلى إدراك الأسس الجمالية في الشيء الجميل، و
تلخيص كتاب
تاريخ النقد الادبي عند العرب / احسان عباس
مقدم للاستاذ الدكتور الفاضل:
ماجد جعافرة
اعداد الطالب :
سمير خالد احمد الغزوي
النقد الأدبي في أواخر القرن الثاني
نظرة عامة في قواعد النقد حتى أواخر هذا القرن
المحاولات النقدية في القرن الثالث
إن النقد الأدبي لم يفز من النقاد بكتاب خاص مستقل في هذا القرن،ذلك هو صورة ما وصلنا، إذ يبدو إننا يجب أن نفسح المجال لآثار قد تنفتح عنها باب المستقبل، وفي طليعة ذلك جهد
دور الناشئ الأكبر في النقد
والناشئ الأكبر كان شاعراً متكلماً نحوياً عروضياً، وما كنا نعلم أن له مشاركة في النقد، لولا أن أبا حيان التوحيدي وصفه في كتاب " البصائر والذخائر " بالتفوق في هذا المضمار
فالناشئ يقول في تعريف الشعر ووصفه: " الشعر قيد الكلام وعقال الأدب وسور البلاغة ومحل البراعة ومجال الجنان ومسرح البيان وذريعة المتوسل ووسيلة المترسل وذمام الغريب وحرمة الأديب وعصمة الهارب وعذر الراهب وفرحة المتمثل وحاكم الأعراب وشاهد الصواب ". فهذا التعريف يشير إلى طبيعة الشعر
وليس في مقدورنا أن نحكم على كتاب الناشئ وجهده عامة، لأنا لا نملك إلا أربعة
اثر الاعتزال في النقد
وقد اندفع المعتزلة نحو استبانة المقاييس البلاغية والنقدية لعاملين كبيرين:
(1) أولهما أن البلاغة عنصر هام في الإقناع، والإقناع غاية الجدل
(2) وثانيهما: إيمان المعتزلة - أن الشعر العربي مصدر من مصادر المعرفة الكبرى ووعاء لها،
ويمنح هذا الإيمان أصحابه قوة في وقفتهم ضد الشعوبية لأن الشعر في تصور هؤلاء المدافعين عن العرب تراث عربي خالص، ليس هناك ما يشبهه لدى الأمم الأخرى إلا شبهاً عارضاً،
كذلك فإن إلحاح المتأدبين من المعتزلة على اتخاذ الشعر وعاء للمعرفة، كان ذا اثر في توجيه النقد الأدبي، وأصبحت الحاجة ماسة إلى نقد يعتمد تبيان الجمال لا المنفعة الثقافية في الشعر. وقد تعددت المحاولات النقدية في القرن الثالث. ووقعت تحت فئات متباينة، نميز فيها خمساً:
1-
الاهتمام بإبراز المعاني المشتركة بين الشعراء:
وهو اهتمام أدى إلى تتبع السرقات، ومن صور الاهتمام بها في القرن الثالث: كتاب سرقات الشعراء وما اتفقوا عليه لابن السكيت وكتاب إغارة كثير على الشعراء للزبير بن بكار وكتاب سرقات البحتري من أبي تمام وكتاب سرقات الشعراء لأحمد بن أبي طاهر طيفور والحاجة التي دفعت إلى هذا اللون من الاهتمام في ذلك القرن هي الانشغال بقضية المعنى،
النقد الضمني:
فكانت من ذلك كتب الاختيار التي ظهرت في ذلك القرن، وهي كتب لا تقوم على أسس نقدية صريحة، بل تعتمد على ذوق صاحبها، وذوقه يرتد إلى " مسبقات " ضمنية توجهه في أخذ ما يثبته وترك ما ينفيه،
حماسة أبي تمام
وقد خالف أبو تمام ( - 231) في تأليف كتاب " الحماسة " هذه الروح المتوجهة نحو الشعر المحدث، لأن ما أورده في كتابه من شعر المحدثين قليل، ولا ريب في أن موقفه يثير إعجابنا ودهشتنا معاً، فهو شاعر ذو طريقة خاصة في الشعر يهاجمها كثير من النقاد والمتذوقين حينئذ. و هو يعمد إلى الشعر القديم، وقد دلت مختاراته على أنه يستطيع أن يتجاوز طريقته الشعرية وما فيها من طلب للصور ومن إغراب في توليد المعاني واستغلال للذكاء الواعي إلى شعر مشمول بالبساطة
حماسة البحتري
ولقد حاول البحتري (284) محاكاة صنيع ابي تمام،لكنه غلبت عليه النزعة الاخلاقية،
المنظوم والمنثور لابن طيفور
لم يقصره على الشعر دون النثر، ثم هو مييز النظم والنثر على درجتين: (أ) المفرد في الإحسان. (ب) المشارك بعضه بعضاً في الإحسان؛
القصائد الطوال؟
نفهم انه حتى القرن الثالث لم تكن تلك القصائد تسمى معلقات إذ لم ترد هذه اللفظة في كتاب " المنظوم والمنثور "
يستنتج من هذه الروايات التي أوردها ابن طيفور أن عملية انتخاب عدد معين من القصائد يتراوح بين 7 - 12 قصيدة قد قام به غير واحد، وان التمحيص قد تناول المختارات فأسقط منها ما أسقط، وأثبت ما اثبت، وأن الإجماع تم حول سبع قصائد طوال لا دخل للجاهليين باختيارها وهي: قصيدة امرئ القيس وزهير وطرفة وعمرو وعنترة ولبيد والحارث ابن حلزة، ثم حاول بعضهم أن يلحق بها قصيدة عبيد (أقفر من أهله ملحوب) وقصيدة الأعشى وقصيدة النابغة.
الأسس النقدية في اختيار تلك القصائد (1) اشتمال القصيدة على معان كثيرة لا مثل لها، مثل قصيدة امرئ القيس وزهير (2) وانفرادها بمحاسن لم تجئ في غيرها وإطلاق خاتمة بليغة فيها كقصيدة طرفة. (3) وانفرادها في الوزن والعروض كقصيدة عبيد
موقف ضد الاختيار
حين يبلغ التقدير لشاعر ما درجة تشبه التقديس، يصبح شعره غير قابل للأختيار، أي يصبح جميع ما قاله مختاراً، ولكن مثل هذا الأمر نادر الوقوع؛
3 - إعادة صياغة النظريات القديمة:
أن جهد العلماء والرواة وقف أحياناً عند حدود البيت المفرد، أو تعداه إلى استبانة صفة عامة في طبيعة الشعر كاللين أو الفحولة، غير أن بعض نقاد القرن الثالث كانوا مخلصين للموروث الذي تلقوه عن أساتذتهم، وكانوا يرون أن الحل للمشكلات الأدبية هو تطوير النظريات التي لقنوها عن أولئك الأساتذة وإعادة صياغتها
محمد بن سلام الجمحي ( - 232)
ابن سلام يهتم بدور الناقد
كان ابن سلام من أول من نص على استقلال النقد الأدبي فأفرد الناقد بدور خاص، حين جعل للشعر - أي بنقده والحكم عليه - " صناعة " يتقنها " أهل العلم بها " ، مثلما أن ناقد الدرهم والدينار يعرف صحيحهما من زائفهما بالمعاينة والنظر؛ ولكن ابن سلام يمنح الناقد البصير " سلطاناً مطلقاً " فمتى قال رأيه في أمر وجد على الآخرين ان يأخذوا بحكمه لانه لا يحسنون ما يحسنه.
الناقد وقصة الانتحال
تصدى ابن سلام في مقدمته إلى ضروب الانتحال وأسبابه فدون في ذلك نظرات لم يطورها من جاء بعده
فكرة الطبقات
وقد بنى ابن سلام كتابه، كما يدل عنوانه على فكرة " الطبقات " ، فذكر من شعراء الجاهلية عشر طبقات في كل طبقة أربعة شعراء، ثم اتبعهم بذكر ثلاث طبقات أخرى هي: طبقة أصحاب المراثي، وطبقة شعراء القرى العربية، وطبقة شعراء اليهود؛ ثم جعل شعراء الإسلام في عشر طبقات أخرى، منتهياً بذلك إلى أواخر العصر الأموي، ولم يلق بالا إلى من نشأ بعدهم من شعراء حتى عصره.
الأساس في قسمة الشعراء إلى طبقات
يبدو أن " الفحولة " هي الأساس الأول في ذلك، فكل من ذكرهم في كتابه شعراء فحول،
أما الأساس الثاني فهو تقارب كل أصحاب طبقة في أشعارهم ويبدو التصنيف الرباعي قائماً على نوع من التحكم في العدد. و مبدأ اعتمده ابن سلام حين تحدث الطبقة السابعة من فحول الجاهلية يرى أن الفحول لا تتحقق بقصيدة أو عدد قليل من القصائد، ولابد من اعتبار " الكم " وبقي من مقاييس الأصمعي مقياس " اللين " ، وقد كان هذا المقياس حاضراً في ذهن ابن سلام غير أنه لم يقرنه بالخير، و اتخذ " اللين " أداة للتوقف في أخذ الشعر والاسترابة فيه،
ثعلب ( - 291) وكتاب " قواعد الشعر "
موقع ثعلب في القرن الثالث
ان كتاب " قواعد الشعر " الذي يحمل اسمه لا يعدو أن يكون عودة إلى الأحكام التي سبقت ابن سلام والأصمعي،
وتفسير ذلك أن ثعلباً كان عالماً في النحو واللغة، وأنه كان يعرف حده فيقف عنده، ولا يدعي ما لا يعرف،
الشك في نسبة قواعد الشعر إلى ثعلب
ان نسبة الكتاب إليه محل شك - فيما أرى - إذ لم تشر المصادر القديمة إلى كتاب له بهذا الاسم، لان اضطراب الأنواع والتقسيمات وعدم وضوح منهج معين في تبويب الكتاب يدل على أن مؤلفاته لم يدرك القرن الرابع،
الطابع العام لكتاب قواعد الشعر
ويتسم كتاب قواعد الشعر بغرابة المنحى وشذاجته معاً، وبالتفرد في كثير من المصطلح النقدي. فلن تجد ناقداً سوى مؤلف هذا الكتاب يجعل قواعد الشعر هي: الأمر والنهي والخبر والاستخبار، وأن فنون الشعر من مدح ورثاء واعتذار
عودة إلى المصطلح البدوي
إن مؤلف " قواعد الشعر " قد عاد إلى الخليل بن أحمد، فتحدث عما يخل باتساق النظم من سناد وإقواء وأكفاء وإجازة وايطاء، ان مصطلح " قواعد الشعر " قد ربط بالسلاسل القوية جسم البيت الواحد وشده كتافاً.
4 - المفاضلة بين شاعرين:
كانت المفاضلة بين شاعرين وأكثر محوراً يدور حول كثير من النقد القديم، ولكن أصولها كانت بسيطة ساذجة، من ذلك رسالة كتبها أبو احمد يحيى بن علي المنجم (241 - 300) يفاضل فيها بين العباس بن الأحنف والعتابي، ويفضل الأول منهما على الثاني وقد بنيت الرسالة على أصول مناظرة قامت بينه وبين رجل يدعى المتفقه الموصلي في مجلس علي بن عيسى الوزير، فلما انقض المجلس، كتب ابن المنجم رسالة في هذا الموضوع وأنفذها إلى الوزير المذكور
5 - النظرة التوفيقية:
كانت هذه النظرة ثمرة الصراع الذي نشأ بين القديم والمحدث من الشعر؛ وهو صراع لم يكن حاداً كما قد يتبادر إلى الأذهان، وكان للنقاد التوفيقيين ولغلبة ذوق العصر أثرهما في تخفيف حدته وتقصير مدته؛
أبو العباس المبرد (210 - 286)
لم يدرج المبرد في النقاد؟
كان المبرد أسرع من معاصره اللغوي إلى تبني الشعر المحدث ومنحه شيئاً كثيراً من عطفه، واعتماده أصلاً من أصوله في تدريسه لطلابه فهو لم يكتف بإيراد نماذج منه في كتبه العامة كالكامل والفاضل، وإنما خصص كتاب " الروضة " لأشعار المحدثين غير أن هذه الصلة بين المبرد والشعر المحدث لا تتجاوز مجال العطف، غير أنه صريح في موقفه التوفيقي
محاولته الكشف عن سرقات الشعراء
أخذ يدل على المعاني المسروقة، لا بين الشعر والشعر وحسب، بل بين الشعر والنثر،
خلطه بين الشعر والخطابة
غير أنه يبدو لنا أن المبرد كان قد تمثل قواعد " الخطابة " اكثر من تمثله لمبادئ نقد الشعر، فمزج بين الفنين في نقده - فتراه يتحدث في الشعر عن " الاستعانة " ، وأصل الاستعانة أن يعمد المتحدث إلى ألفاظ يتكئ عليها ليتذكر ما بعدها؛ ومرة بتحدث عن التشبيه حديثاً طويلاً
نظرته إلى قضية اللفظ والمعنى
الشعر لديه مستحسن أحياناً لصحة معناه وجزالة لفظه وكثرة ورود معناه بين الناس أو لقرب مأخذه أو لسهولته وحسنه أما الضرورات اللفظية والالتواء في المعاني واستعمال الكلمات الهجينة فذلك هو ما ينكره ويمقته
عمرو بن بحر الجاحظ ( - 255)
الشعر مصدر للمعرفة
استغل الجاحظ الشعر مصدراً لمعارفه العامة، إذ استمد منه تصوره للخطابة وبعض معلوماته عن الحيوان، بل إنه جاء بأشعار وشرحها لان شرحها يعينه على استخراج ما فيها من معرة علمية، وهو إذا روى الشعر بمعزل هم الاستشهاد فإنما يريده للمذاكرة أو للترويح عن النفس ومع ذلك كله يتميز الجاحظ عن جميع الرواة ومرد هذا إلى طبيعته الذاتية وملكاته وسعة ثقافته. موقفه من الصراع بين القديم والحديث
ان الجاحظ كان توفيقي النظرة لا يعتقد بتفضيل قديم على محدث.
نظريته في الغريزة والبيئة والعرق
فأول ذلك ان الشعر في الجماعات إنما يعتمد على ثلاثة عناصر: الغزيرة (أي الطبع العام المواتي للشعر) والبلد (أي البيئة) والعرق (أي الصلة الدموية) غير أن الجاحظ لم يتقيد بالبيئة كثيراً، حين ذهب إلى ان العرق العربي (سواء أكان المرء عربياً في الحاضرة أو أعرابياً في البادية) أشعر من العرق المولد الذي يعيش في مدينة أو قرية -
العلاقة بين الشعر والرسم
لو تخطى الجاحظ حدود التعريف لوجد نفسه في مجال المقارنة بين فنين: الشعر والرسم - بل إن تعريفه لا يخرج عن قول هوراس: " الشعر والرسم "
نظرية المعاني المطروحة
اتجه الجاحظ هذا الاتجاه لان عصر الجاحظ كان يشهد بوادر حملة عنيفة يقوم بها النقاد لتبيان السرقة في المعاني بين الشعراء، و قد حاول الرد على هذا التيار بان يقرر أن الأفضلية للشكل لان المعاني قدر مشترك بين الناس جميعاً.
تناقض الجاحظ في موقفه من الشكل
ثم وقف الجاحظ من نظريته في الشكل موقفين آخرين أحدهما يؤيدها والثاني ينقضها، فأما الأول فهو إصراره على أن الشعر لا يترجم " وأما الثاني فهو قوله إن هناك معاني لا يمكن ان تسرق فقوله إنه لا يسرق دليل على أن " السر في المعنى " قبل اللفظ،
موقفه من الصحيح والمتحول
ويكمل الجاحظ منهج ابن سلام في التمييز بين الصحيح والمنحول في الشعر، فيستخدم شهادة الرواة، ويتخذ تفاوت الشعر وسيلة يثبت بها الانتحال،
حدته في الحكم
كان حاداً أحياناً في نقده، ولكن هذه الحدة نجيء مرات مشفوعة بالسخرية، ولكنه آثر في أغلب الأحوال ان يكف من لذعاته،
أحكام عامة
وتدفعه حماسته أحياناً إلى إرسال أحكام كبيرة لا نستطيع اليوم أن نستوثق من صحتها،
أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (213 - 276)
منهج أبن قتيبة في مؤلفاته المختلفة توفيقي
تدل مؤلفات أبن قتيبة على تعدد مناحي اهتمامه، فأبن قتيبة يكمل دور الجاحظ في الدفاع عن العرب والرد على الشعوبية. و ينحو منحى الجاحظ في اتخاذ الشعر العربي مصدراً للمعرفة،
نظرته التوفيقية في النقد
إذا استثنينا هذه الناحية وجدنا أن التوفيق والتسوية صفتان تمثلان جهد أبن قتيبة في مختلف الميادين، ومنها النقد الأدبي، وبينا انحاز الجاحظ إلى جانب اللفظ، ذهب أبن قتيبة مذهب التسوية.
مشكلة اللفظ والمعنى
اتجه أبن قتيبة في هذا نحو المنطق ووجد أن الشعر أربعة أضرب، (أ) لفظ جيد ومعنى جيد (ب) لفظ جيد ومعنى رديء (ج) لفظ رديء ومعنى جيد (د) لفظ رديء ومعنى رديء. وقد استعملنا هنا لفظتي " فالمسألة إذن مسألة صلة بين المعنى واللفظ، وعلاقة الجودة في كليهما معاً هي المفضلة، وهذا يعني أن المعاني نفسها تتفاوت.
ثنائية الطبع والتكلف
قد كثر الحديث في عصره عن الطبع والتكلف، دون تحديد لهذين المصطلحين، فتناولهما أبن قتيبة بالتفسير والتمثيل. فالتكلف حين يكون وصفاً للشاعر مختلف عن " التكلف " حين يكون وصفاً للشعر، وتقابل لفظة " الطبع " عند أبن قتيبة ما سماه الجاحظ " الغريزة " ،
الحالات النفسية وعلاقتها بالشعر
ولما وقع أبن قتيبة في نطاق الحديث عن " الطبع " بمعنى " المزاج " ، كان لابد له من أن يلتفت إلى الحالات النفسية وعلاقتها بالشعر، وقد تناولها من ثلاثة جوانب:
(أ) من جانب الحوافز النفسية الدافعة (ب) من جانب العلاقة بين الشاعر والزمن، فبعض الحالات النفسية والجسدية كالغم وسوء الغذاء تمنع من قول الشعرولعله كان في هذا أدق فهماً للطبيعة الإنسانية من صاحبيه
(ج) مراعاة الحالة النفسية في السامعين (أي في الجمهور)، ومن هذه الناحية علل أبن قتيبة بناء القصيدة العربية: من استهلالها بالبكاء على الأطلال ثم الانتقال إلى وصف الرحلة والنسيب: " ليميل نحوه القلوب ويصرف إليه الوجوه وليستدعي إصغاء الأسماع لأن التشبيب قريب من النفوس لائط بالقلوب لما جعل الله في تركيب العباد من محبة الغزل وإلف النساء، فليس يكاد أحد يخلو من أن يكون متعلقاً منه بسبب وضارباً فيه بسهم حلال أو حرام؛ فإذا استوثق من الإصغاء إليه والاستماع له عقب بإيجاب الحقوق..
وقد فهم بعض الدارسين حرم على المتأخرين التحلل من ربقة هذا النظام، وكان أبن قتيبة يومئ من طرف خفي إلى أن أبا نواس لم يصنع شيئاً فنياً في دعوته، لأن الوقوف على الحانات بدل الوقوف على الأطلال تغيير في الموضوع لا في الطريقة الفنية.
اهتمام أبن قتيبة بالشاعر يفوق اهتمامه بالشعر
مما تقدم نرى أن اهتمام أبن قتيبة متجه في أكثره نحو الشاعر(دون إغفال للشعر والجمهور) فهو إما متكلف أو مطبوع، ولحالته النفسية أثر بين في الشعر، وللغرائز عند الشعراء أثر في تبيانهم في الفنون الشعرية المختلفة. و الطبع يتضمن تلك القوة التخيلية التي تستثار بالحوافز ويورد أبن قتيبة ملاحظ جزئية، إن بعض الشعر يروى لخصائص أخرى كالإصابة في التصوير أو جمال النغمة أو طرافة المعنى المستغرب أو لأسباب خارجية أخرى
خلاصة في مميزات أبن قتيبة في النقد
وعلى الرغم من فقر المصطلح النقدي لدى أبن قتيبة فقد تمرس في مقدمته بأكبر المشكلات النقدية فتحدث عن الشعر من خلال قضية اللفظ والمعنى، والتكلف وجودة الصنعة، وعن ضرورة التناسب بين الموضوعات في القصيدة الواحدة وتلاحقها في سياق، واعتمادها على وحدة معنوية تقيم التلاحم و " القران " بين أبياتها، وعن أسباب خارجة عن الشعر أحياناً تمنحه في نفوس الناس منعزلة وقيمة، وعن العيوب الشكلية التي تعتري العلاقات الإعرابية والنغمات الموسيقية والقوافي. وألمح إلى أهمية التأثير في نفسيات الجماهير بالتناسب والمشاركة العاطفية، وتحدث عن الشاعر متكلفاً ومطبوعاً، وعن المؤثرات والحوافز التي تفعل فعلها في نفسه، وعن علاقة الشاعرية بالأزمنة والأمكنة وعن ثقافة الشاعر، وتفاوت الشعراء في " الطاقة الشعرية "
أبو العباس عبد الله بن المعتز ( - 296)
ناقد انطباعي
لعل ابن المعتز خير مثل الناقد الذي كان يؤمن بقول القائل " أشعر الناس من أنت في شعره حتى تفرغ منه "لأنه يريح الناقد من المفاضلة أو البحث عن تداول المعنى، قاعدة قد ينفر منها النقد الموضوعي الخالص، ولكن نقاد العرب لم يوردوا قوله توجز معنى النقد التأثري مثلها. ولا ريب في أن الظهور بهذا المظهر التاثري يحقق له صفة الناقد العادل أكثر مما تحققه الموضوعية،
رسالته في أبي تمام والتطور في رأيه النقدي
إلا ان ابن المعتز لم يكن دائماً ذلك الناقد التأثري وإنما نعتقد أن كتاب " طبقات الشعراء " يمثل مرحلة متأخرة في حياته، وبين موقفه من قضية السرقة، وهو يشبه آراء نقاد آخرين من معاصريه فقال: " ولا يعذر الشاعر في سرقته حتى يزيد في إضاءة المعنى أو يأتي بأجزل من الكلام الأول، ثم بين أن العيوب التي عدها وأورد شواهدها من شعره لم تكن إلا نماذج وأنه أسقط ذكر عيوب أخرى ولم يثبتها في رسالته
أبو تمام ومذهبه سبب في تأليف كتاب البديع
ويصح لنا أن نقول إن أبا تمام كان يمثل " مشكلة فنية " لدى ابن المعتز، وكانت سبباً من الأسباب التي وجهته إلى تأليف كتاب البديع، ليدل على أن هذا الفن موجود عند العرب وفي القرآن والحديث وكلام الصحابة، وان المحدثين لم يكونوا مبتكرين له ومع أن الكتاب قد سمي باسم " البديع " ، فإن ابن المعتز أضاف إليه " بعض محاسن الكلام والشعر " لتكثر فائدة كتابه وقد عرف ابن المعتز بين أبناء عصره باللهج بالبديع والإحساس الدقيق في استكشاف نماذجه وبحثه عنها في الأدب العربي القديم، حتى كانوا يسلمون له السبق في هذا الميدان؛
الاتجاهات النقدية في القرن الرابع
أبو تمام - المتنبي - أرسطو، وأثرهم في نقد القرن الرابع
لولا ثلاثة أشخاص كانوا قوى دافعة في توجيه النظرية الشعرية في نقد القرن الرابع جعلوا للنقد محوراً ومجالاً، سواء أكان ذلك في الحدود النظرية أو التطبيقية، ولذلك يمكن أن يدرس معظم النقد في القرن الرابع في ثلاثة فصول هي: الصراع النقدي حول أبي تمام، والنقد في علاقته بالثقافة اليونانية، ومعركة النقد التي دارت حول المتنبي.
وقد استعمل النقد في هذه المجالات جميع الوسائل التي ورثها من العصر السابق، ومما قبله من عصور، غير أن هذه الصور النقدية الثلاث - يجب إلا تحجب عن أنظارنا الجهود النقدية الأخرى: فهناك محاولة أبن طباطبا في " عيار الشعر " ، وأكبرها عمقاً، كذلك المبادئ النقدية استخدمت في دراسة الإعجاز القرآني على يد جماعة من غير النقاد فيهم الخطابي والرماني والباقلاني،
النقد في كتاب الصاحبي
أما ما أورده أبن فارس في كتاب الصاحبي عن الشعر فإنه كرر فيه تعريف قدامة بن جعفر للشعر بأنه " كلام موزون مقفى دال على معنى " ثم زاد على ذلك قوله " ويكون أكثر من بيت " ثم ذكر الأسباب التي جعلت النبي منزهاً عن الشعر وفي جملتها أن الشعر يقوم على الكذب، وتحدث عن ركوب الشعراء للضرورات والجوازات، ومن ملاحظاته قوله في تفاوت وهو يرى أن الاختيار الذي يزاوله الناس إنما هو شهوات، كل يستحسن شيئاً حسب شهوته النقد في اختيار الخالدين المسمى الأشباه والنظائر
ومن أهم المختارات العامة حماسة الخالديين التي تسمى " الأشباه والنظائر " ، ويمثل هذا الكتاب عودة إلى إبراز روائع الشعر الجاهلي وشعر المخضرمين وتعليقات الخالديين تتفاوت بين شرح للمعنى أو التنويه بحسن التشبيه أو حسن التقسيم أو جودة المعنى وأشباه ذلك ومع إن " الأشباه والنظائر " تشبه " المفضليات " من حيث اعتمادها شعر غير المشاهير، فإنها تختلف عنها وعن حماسة أبي تمام وعن كثير من كتب الاختيارات بوضوح كثير من الأسس النقدية فيها من خلال المفاضلة والمقارنة وإرسال الأحكام والتعليقات
النقد في تشبيهات أبن أبي عون
وهناك اختيارات اعتمدت قاعدة صورية لا موضوعية أو جمعت بين الاثنتين واعني بذلك كتب التشبيهات وفي طليعتها كتاب أبن أبي عون في هذا الموضوع.
السرقات في نقد القرن الرابع
وقد شغل النقد في القرن الرابع كثيراً بالكشف عن السرقات؛ ولعل التأليف في السرقات يربو على المؤلفات في أي موضوع آخر.
وسنتحدث في الصفحات التالية عن أهم الظواهر النقدية في القرن الرابع اعتماد الذوق الفني في إنشاء نظرية شعرية
(عيار الشعر لابن طباطبا - 322)
لمحة عن ابن طباطبا
عاش الشاعر أبو الحسن محمد بن احمد بن طباطبا بأصبهان وتوفي فيها، وله كتب ألفها في الأشعار والآداب أشهرها " عيار الشعر " وقد نعده في تاريخ النقد الأدبي حلقة متممة لما جاء به ابن قتيبة. وكانت لديه أثارة من ثقافة فلسفية أو اعتزالية أفادته في تعميق نظرته عامة
تعريف الشعر عند أبن طباطبا
يعرف ابن طباطبا الشعر بأنه " كلام منظوم " وإن الفرق بينه وبين النثر إنما يكمن في النظم، اتباع السنة العربية في الشعر و أبن طباطبا على تضييقه في هذه الاتباعية ينفذ إلى أغوار عميقة توضح انه لا يرى الشعر شيئاً منفصلاً عن البيئة والمثل الأخلاقية وإن لم يستطع أن يطبق على معاصريه قانون " تغير البيئات والأزمنة
الشعر نتاج الوعي المطلق
لا يلبث عند الخوض في طريقة بناء الشعر أن يقضي قضاء مبرماً على ما سماه النقاد بشعر الطبع عند العرب، وان يعتمد صنعة جديدة المضمون والطريقة في النظم، إذ يصبح الشعر لديه " جيشان فكر " - قائماً على الوعي التام المطلق،
تضاؤل المسافة بين القصيدة والرسالة
محا أبن طباطبا الفروق بين القصيدة والرسالة النثرية في البناء والتدرج واتصال " الأفكار " : " إ ، ولكن يظل هناك فرق بين القصيدة والرسالة: فقد يجوز في الرسالة ان يبنى فيها كل فصل قائماً بنفسه، أما القصيدة فلا يجوز فيها ذلك بل يجب أن تكون كلها " ككلمة واحدة
الوحدة في القصيدة وحدة بناء
ان الوحدة فيها قد تكون وحدة بناء وحسب، والصورة الصناعية لا تفارق خيال ابن طباطبا في عمل الشعر، ومن ثم تصور ابن طباطبا الوحدة في العمل الفني كالسبيكة المفرغة من جميع أصناف المعادن
مأزق الشعر المحدث، هو السر في اختيار هذه الطريق
أكبر الظن انهذه الطريق كانت تعبيراً عن أزمة الشاعر المحدث، الذي كان في رأي ابن طباطبا في محنة: " لأنهم قد سبقوا إلى كل معنى بديع ولفظ فصيح وحيلة لطيفة وخلابة ساحرة،
قلة المعاني لدى الشاعر المحدث وطريقته في تحصيلها
على الشاعر ان يستعمل " المعاني المأخوذة في غير الجنس الذي تناولها منه، وتعود صورة الجوهري الصائغ إلى ذهن ابن طباطبا فيشبه هذا الأخذ بعمل الصائغ الذي يذيب الحجر الكريم ويعيد صياغته بأحسن مما كان عليه
صورة العلاقة بين اللفظ والمعنى
ولكنه لابد ان يكبر فيه شيئين: أولهما هذا التصور الذي لا يختل أبداً لصورة القصيدة في نفسه، وثانيهما هذا الإلحاح الشديد على نوع من الوحدة لا نجده كثيراً عند غيره من النقاد. وذلك هو تصوره للعلاقة بين المعنى واللفظ في القصيدة على نحو العلاقة بين الروح والجسد،
ولما كان ينظم الشعر في رأي ابن طباطبا عملاً عقلياً خالصاً، كان تأثير الشعر عقلياً كذلك، لأنه مقصود بمخاطبة الفهم، ووسيلته إلى هذه المخاطبة هي " الجمال " أو الحسن، والسر في كل جمال الاعتدال والفهم هو القوة التي تجد في الشعر " لذة " و هنا موقف لابد من ان يستوقفنا في تاريخ النقل العربي، وهو الإلحاح على فكرة المتعة المترتبة على الجمال في الشعر، وتعريف العلة الجمالية بأنها " الاعتدال " ، ومع ان الناقد يربط بين الغايتين اللذية والأخلاقية فانه اكثر جنوحاً إلى تأكيد المتعة الجمالية الخالصة، لأنها هي التي تتحقق في " الفهم " أولاً .
الصدق - يسبب الاتجاه العقلي - أساس الشعر
وما دام الفهم هو منبع الشعر ومصبه، فلا غرابة أن يجعل ابن طباطبا عنصر " الصدق " أهم عناصر الشعر وأكبر مزاياه؛ ولهذا كانت لفظة الصدق متفاوتة الدلالة عند ابن طباطبا:
(1) فهناك الصدق عن ذات النفس بكشف المعاني المختلجة فيها والتصريح بما يكتم منها والاعتراف بالحق في جميعها
(2) وهناك صدق التجربة الإنسانية عامة
(3) وهناك الصدق التاريخي،
(4) " الصدق الأخلاقي " وهو ما لا مدخل فيه للكذب بنسبة الكرم إلى البخيل او نسبة الجبن إلى الشجاع،
(5) الصدق التصويري أو ما يسميه ابن طباطبا " صدق التشبيه
تلخيص عام لموقفه النقدي
ولكن ذلك هو ابن طباطبا في نقده، يرى اتباع السنة حيث أمكن ذلك أمراً لازماً. وينفي الفرق بين القصيدة والرسالة إلا في النظم ويتصور الوحدة في القصيدة وحدة مبنى قائم على تسلسل المعاني والموضوعات. بحيث تكون " العملية " الشعرية عملاً عقلياً واعياً تمام الوعي. ويعتبر التأثير الآتي من قبل الجمال - وهو الاعتدال - تأثيراً في الفهم على شكل
لذة كاللذة التي تجدها الحواس المختلفة في مدركاتها، وإذا كان الاعتدال ميزة للجمال في الكيان الكلي، فان الصدق - على اختلاف مفهوماته - هو الذي يهيئ الفهم لقبول المحتوى والتجربة
2 - الصراع النقدي حول أبي تمام
أبو تمام لدى نقاد القرن السابق
كانت الظاهرة التي يمثلها أبو تمام في الشعر قد شغلت النقاد والمتذوقين في القرن الثالث، ثم ورثها نقاد القرن الرابع وأمعنوا فيها أما الخصومة الشفوية حوله فقد كانت واسعة النطاق، ولم تسكن نائرتها في القرن الرابع، بل لعلها ازدادت في النصف الأول منه حدة، وقد تحددت تلك العيوب في سرقته لبعض المعانيوفي تعسفه للاستعارة وبعض وجوه البديع الأخرى وفي الابتداءات البشعة وفي استعماله لألفاظ وحشية غريبة وفي استغلاق بعض معانيه،
رسالة أبن عمار القطريلي في أخطاء أبي تمام
كتب أحمد بن عبيد الله بن عمار القطريلي ( - 319) رسالة يبين فيها أخطاءه في الألفاظ انتصار الصولي لأبي تمام
وكان موقف ابي بكر محمد بن يحيى الصولي ( - 335) رداً على أمثال أبن عمار ممن حاولوا أن يغمطوا أبا تمام حسناته، فكتب أخبار أبي تمام ومجمل رأي الصولي أن النقد لا يكون بإبراز بعض العيوب والتشهير بالشاعر من أجلها وإغفال ما له من حسنات كثيرة إزاءها؛
موقف الصولي من العلاقة بين الشعر والدين
وقد نبه الصولي إلى ناحية المعتقد الديني، فقد أتهم أبو تمام بأنه كان يخل بفروضه وهذه قضية خطيرة في النقد، ومن استقلال النظرة النقدية في تاريخ النقد العربي أن نجد هذا الفصل التام فيها عند الصولي.
الحق أن كتاب الصولي يعد في كتب السيرة أكثر مما يعد في كتب النقد، غير أن كل من تعرض لأبي تمام كان في الغالب مضطراً للوقوف عند البحتري لأن الذين كانوا يغضون من شأن الأول كانوا ؟في الأكثر - يكبرون من الثاني.
ثم قسم الآمدي بعد ذلك ما أورده أبو الضياء الى أنواع:
معان قال أبو الضياء إنها مسروقة إلا انه اخطأ لأنه ليس بين كل معنيين منها أي تناسب، و معان زعم أبو الضياء أنها مسروقة، ولكن الاتفاق فيها في الألفاظ وهذا غير محضور على الشاعر،
الآمدي ومؤلفاته في النقد
أبا القاسم الحسن بن بشر الآمدي ( - 370) ، ناقد متخصص، جعل النقد أهم ميدان لجهوده، وفيه كتب اكثر مؤلفاته، فمن ذلك: كتاب معاني الشعر للبحتري، كتاب الرد على ابن عمار فيما خطا فيه أبا تمام
فالآمدي سيطر على التراث النقدي حتى عصره. وتصدى بالتعقب لأهم اثرين نقديين ظهرا في أوائل القرن الرابع وهما عيار الشعر، ونقد الشعر؛ وكان ناقداً بناء، وكان منهجه واضحاً في اكبر اثر نقدي وصل إلينا من آثاره وذلك هو " كتاب الموازنة بين الطائيين " .
الآمدي يحس أنه الناقد الحق الذي صوره ابن سلام
وقد كان الآمدي صورة ذلك الإحساس الذي عبر عن ابن سلام بإيجاز حين ميز دور الناقد، أن النقد " علم " يعرف به الشعر، وليست تكفي فيه الوسائل الثقافية مهما تنوعت، لأن حفظ الأشعار أو دراسة المنطق أو معرفة الجدل أو الاطلاع على اللغة أو الفقه ليست هي الطريق التي تكفل لصاحبها إحراز " علم الشعر " ؛ ولذلك يشكو الآمدي من كثرة المدعين للمعرفة بعلم الشعر؛ فمن الواجب ألا ينازعوا الناقد في حكم أصدره. ذلك لأنه مهيأ لذلك بالطبيعة أولاً وبكثرة النظر في الشعر والأرتياض له وطول الملابسة فيه.
الموازنة المعللة هي الطريقة التي يثبت بها المرء انه قد أصبح ناقداً، فليكن الآمدي ذلك الناقد، وليقم الموازنة المعللة
منزلة كتاب الموازنة في تاريخ النقد، ومنهج المؤلف فيه
فكتاب " الموازنة " وثبة في تاريخ النقد العربي، ذلك لانه ارتفع عن سذاجة النقد القائم على المفاضلة بوحي من " الطبيعة " فكان موازنة مدروسة مؤيدة بالتفصيلات التي تلم بالمعاني والألفاظ والموضوعات الشعرية بفروعها المختلفة، وكان تعبيراً عن المعانات التي لا تعرف الكلل في استقصاء موضوع الدراسة من جميع أطرافه، أضف إلى ذلك أن كتاب الآمدي قد استغل جميع وسائل النقد التي عرفت في عصره: من تبيان للمعاني المسروقة ومن سلوك سبيل القراءة الدقيقة والفحص الشديد، ومن الاحتكام إلى الذوق الفردي حيناً وإلى الثقافة حيناً آخر،
الموازنة ذات مظهر علمي موهم باستغلال الإحصاء
اكبر الظن أن الموازنة كانت في حينها تلبية " علمية المظهر " والمنهج لحاجة ذلك الصراع الدائر بين المتطرفين من الفريقين؛ فمن حق الموازنة ان تكون قائمة على الحساب: هذه حسنة يقابلها حسنة وهذه خمس سيئات يقابلها أربع، فإن شئت بعد ذلك أن تقوم بعملية جمع وطرح، استطعت ان تصل إلى نوع من الحكم قائم على الدقة الإحصائية،
الموازنة نظرياً نقطة التقاء المنصفين وعملياً توقع الآمدي في التناقض
ان الموازنة نقطة الالتقاء بين المنصفين من كلا الفريقين: وبها ينكشف الغطاء عن مذهبين متوازيين عاشا جنباً إلى جنب في تاريخ الشعر العربي وتاريخ الذوق العربي.
عمود الشعر نظرية خدمة للبحتري وأنصاره فأبعدت الموازنة عن الإنصاف
كان يؤثر طريقة البحتري ويميل إليها. ومن اجل ذلك جعلها " عمود الشعر " ونسبها إلى الأوائل وصرح بأنه من هذا الفريق دون مواربة:
ولا ريب في أن الآمدي حاول أن يكون منصفاً، وظهر بمظهر المنصف في مواطن عديدة، ولكن ميله كثيراً ما كان يوجهه رغماً عنه، فقد عرض لسرقات أبي تمام من جميع الشعراء على نحو تفصيلي. فلما وصل إلى البحتري، اكتفى بكر ما سرقه البحتري من أبي تمام وحسب،
قانون " عمود الذوق " يقتل الاستعارة
وإذا كان الآمدي - خدمة لقانونه هذا - قد تناول القواعد القديمة من اعتماد كل أصول اللياقة وعلى قانون منتهى الجودة و قد تجاوز حدود تلك القواعد وبيان ذلك أن الشعر لا يتأثر كثيراً إذا أخطأ الشاعر فجعل ذيل فرسه طويلاً،أو استعمل السوط في حثه على الجري
حملة الآمدي على استعارات أبي تمام
بعبارة أخرى: إن اخطر ما في هذا الاحتكام إلى طريقة العرب هو ما يصيب الاستعارة، لان تعقب الاستعارة يعني التدخل في التشخيص والقدرة الخيالية لدى الشاعر. ثم أراد أن يفهمنا بان هذه الاستعارات خارجة عما نهجه العرب
الصلة بين ابن طباطبا والآمدي في الاتباعية
وهذا الذي ذهب إليه الآمدي من الاحتكام إلى طريقة العرب، يذكرنا أيضاً بالمنهج الذي اختاره ابن طباطبا في " عيار الشعر " ، حين حدد طريقة العرب في التشبيه، إلا أن الآمدي أربى عليه وكمل عمله، حين اهتم بالاستعارة،
خضوع الآمدي الذي يحتكم إلى طريقة العرب لمؤثرات أجنبية دون أن يفهمها
ومن غريب أمر الآمدي الذي يبني أكثر نقده على الاحتكام إلى طريقة العرب يستأنس أحياناً بثقافة فلسفية في الحديث عن صناعة الشعر،
الذوق الخاص والأحكام التأثرية، ومعاداة العمق في المعنى
الآمدي قد درس علم الكلام، غير أنه لم يتأثر به في النقد إلا تأثراً شكلياً. فهو لا يستطيع أن يتقبل ذوقياً إلا المعنى القريب الذي يسلم للقارئ نفسه في صياغة جميلة إسلاماً مباشراً، دون إعمال خيال أو إجهاد فكر،
نشأة الآمدي التأثرية وأثرها في نقده
السبب في هذا صعوبة التعليل واعتماد الآمدي على حكم " الطبيعة " نتيجة النشأة التأثرية، ، وكان ذوقه قد حدد وجهته في أخذ ما يأخذه وطرح ما لا يستسيغه، وفي هذه المرحلة يكون الإعجاب شيئاً لا يعلل، ويظل هذا الإعجاب هو المحرك الكبير دون أن يهتدي الناقد إلى إدراك الأسس الجمالية في الشيء الجميل، و
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih