المدارس المعجمية وقضية الترتيـب
الدكتور إدريس الناصري
أستاذ اللغة العربية- مريرت
توطـئــــــــة:
نقل ابن منظور في لسانه: المعجم الحروف المقطعة، سميت معجما لأنها أعجمية، قال: وإذا قلت: كتاب معجم فإن تعجيمه تنقيطه لكي تستبين عجمته وتضح[1]. ولا حظ ابن جني أن (ع،ج،م) وقعت في كلام العرب بمعنى الإبهام والإخفاء، وضد البيان والإفصاح. وانطلاقا من المفهوم الأول، وصفت بعض الكتب التي راعت في ترتيبها حروف الهجاء، سواء في الحرف الأول وحده أو في الحرفين الأولين، أو في حروفها جمعاء، أو على ترتيب ألف باء، أو ترتيب المخارج، أو ترتيب الأبجدية، بأنها تسير على حروف المعجم.
وعموما، فإن «المعجم كتاب يضم أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها وتفسير معانيها، على أن تكون المواد مرتبة ترتيبا خاصا، إما على حروف الهجاء، أو الموضوع. والمعجم الكامل هو الذي يضم كل كلمة في اللغة مصحوبة بشرح معناها واشتقاقها وطريقة نطقها وشواهد تبين مواضع استعمالها[2]». ويرى محمد أحمد أبو الفرج أن المعجم اللغوي يهتم بتفسير«معنى» كلمات اللغة. ففيه عنصران أساسيان: أولهما الكلمة، وثانيهما المعنى[3].
أولا: قضية الترتيب في المعاجم العربية:
الترتيب لغة: جعل كل شيء في مرتبته. ورتبه ترتيبا: أثبته[4]. ويقصد به عند الباحثين المتخصصين في القواميس وقضاياه: الطريقة أو المنهج الذي يتبعه المعجمي في تنظيم الثروة اللفظية من مورفيمات وكلمات وتعابير اصطلاحية وسياقية وعرضها في المعجم بحيث يستطيع القارئ، أو مستعمل المعجم المطلع على تلك المنهجية العثور على بغيته بسرعة، أي من غير أن يضيع وقتا أو يبذل جهدا[5].
لقد أعار القاموسيون اهتماما كبيرا لقضية الترتيب نظرا لكونها تؤثر بطريقة مباشرة على منهجيتهم في معالجة الذخيرة اللغوية. ونظرا لأهمية الترتيب في المعجم فقد اهتم الباحثون المعاصرون بهذه القضية أيما اهتمام.
وهكذا نجد الدكتور حسين نصار ، على سبيل المثال لا الحصر، في كتابه "المعجم العربي نشأته وتطوره" يقسم المدارس المعجمية حسب ترتيب مداخلها إلى المدارس التالية:
1- مدرسة الترتيب الصوتي والتقاليب، وتضم معاجم العين، البارع، التهذيب، المحيط، المحكم.
2- مدرسة الترتيب النحوي أو الترتيب بحسب الأبنية، وتشتمل على معاجم الجمهرة، المقاييس، المجمل.
3- مدرسة الترتيب الألفبائي بحسب الأواخر، وتضم معاجم الصحاح، العباب، لسان العرب، القاموس المحيط، تاج العروس.
4- مدرسة الترتيب الألفبائي بحسب الأوائل، وتضم أساس البلاغة، ومعاجم اليسوعيين، ومعجم اللغة العربية.
ثانيا: المدارس المعجمية:
1-مدرسة الترتيب الصوتي:
يعتبر هذا الترتيب من إبداع الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170أو175هـ).
أ) كتـــــاب العيـــن:
v منهجــــــــه: يقوم منهج الخليل في ترتيب ألفاظ اللغة على مجموعة أسس عامة هي:
- ترتيب الحروف: ابتكر الخليل نظاما قائما على الأصوات. يقول عمر الدقاق:« ولما كانت اللغة في نظر الخليل أصواتا ذات دلالة، وكان الفم من الحلق إلى الشفتين هو الآلة التي تطلق هذه الأصوات فمن الطريف أن ترتب الحروف على حسب مواضع خروجها داخل الفم، وأن يكون مُبتداها في أقصى الحلق ومنتهاها في رأس الشفاه»[6]. وهكذا رتب الحروف تبعا لمخارجها، مبتدئا بالأبعد في الحلق ومنتهيا بما يخرج من الشفتين فاستقام له الترتيب التالي: ع-ح-هـ-خ-غ-ق-ك-ج-ش-ض-ص-س-ز-ط-ت-د-ظ-ذ-ث-ر-ل-ن-ف-ب-م-و-ي-ا-ء. واتخذ هذا النظام أساسا له في ترتيب كتابه الجديد، وسمى كل حرف من هذه الحروف كتابا. فبدأ المعجم بكتاب العين، فكتاب الحاء، فكتاب الهاء...إلخ. واتسع عنوان الكتاب الأول منه(كتاب العين) فشمل المعجم كله.
- ترتيب الأبنية: الخطوة الثانية لديه استقصاء الأبنية فيما بين الثنائي والخماسي، فجعل هذه الأبنية أساس تقسيم الكتب إلى أبواب.
- ترتيب التقاليب: حيث استقصى تنقل كل حرف من نظامه في كل بناء من هذه الأبنية، فرأى أن حرف "العين" مثلا يمكن أن يغير موضعه في البناء الثنائي مرتين (عب، و بع)، وإذا كانت "العين" في بناء ثلاثي وكان معها حرفان "الهـاء" و "الدال" مثلا أمكن أن يأتي بـ 6 صور: عبد، بعد، بدع، عدب، دعب، دبع.
وقد سار على نهج الخليل مجموعة من المعاجم هي كالتالي:
ب) كتاب البارع لإسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (ت356هـ):
v منهجـــــــــه:
- ترتيب الحروف: رتب الحروف بحسب المخارج، كما فعل الخليل، ولكن مع تغيير طفيف. فكان الترتيب على النحو التالي: هـ-ع-غ-ق-ك-ض-ج-ش-ل-ر-ن-ط-د-ت-ص-ز-س-ظ-ذ-ث-ف-ب-م-و-ا-ي-ء.
- ترتيب الأبواب: حاول القالي إصلاح بعض الاضطراب في أبواب الخليل، ففرق بين بعض الأبنية المختلفة التي جعلها الخليل في باب واحد، وخصص لكل منها بابا فأصبحت الأبواب عنده ستة، هي بالترتيب: أبواب الثنائي المضاعف- يسميه الثنائي في الخط والثلاثي في الحقيقة- أبواب الثلاثي الصحيح، أبواب الثلاثي المعتل، أبواب الحواشي أو الأوشاب، أبواب الرباعي، أبواب الخماسي. أي زاد أبواب الثلاثي المعتل والخماسي.
- التقاليب: ملأ القالي هذه الأبواب بالتقاليب على نمط الخليل دون أدنى تغيير، وميز كل تقليب بتصديره بكلمة « مقلوبه»[7].
يقول عمر الدقاق: «وبرغم اشتهار هذا المعجم لم يمل الناس إليه منذ زمن قديم، وهو مع ذلك يعد في مقدمة المعاجم التي تبنت نهج الخليل في ترتيبه الخاص»[8].
ج) كتاب التهذيب للأزهري(ت370هـ):
v غرضـــــــــه: كان غرض الأزهري هو تنقية اللغة من الشوائب التي تسربت إليها على يد سابقيه ومعاصريه، ومن ثم سماه كما يقول في مقدمته « وقد سميت كتابي هذا تهذيب اللغة لأني قصدت بما جمعت فيه نفي ما أُدخل في لغات العرب».
v منهجـــــــــه: اتبع المنهج الذي وضعه الخليل في مقدمة "العين" بحذافيره، فالتزم ترتيب المخارج وقسم وفقه المعجم إلى كتب، وجعل كل كتاب في ستة أبواب على الوجه التالي:
1- الثنائي المضاعف: وتبدأ أبوابه بحرف مع كل من الحروف التي تليها مثل: "العين" مع "الحاء" و"العين" مع "الهاء"... وهكذا إلى آخر الحروف مع تقليبها إن كان المقلوب مستعملا، مثل: عق، قع. وفي هذه الحال لا يعاد التقليب عند ورود الحرف الثاني في موضعه اكتفاء بما تقدم.
2- أبواب الثلاثي الصحيح: وتبدأ "بالعين" مع "الحاء" ومايثلثهما بترتيب الحروف، ثم "العين" مع "الهاء" وما يثلثهما، ثم "العين" مع "الحاء" ثم مع "الغين"...إلخ. مع تقليب كل مجموعة ومراعاة عدم التكرار.
3- أبواب الثلاثي المعتل، وتجري على غرار ما سبق مع إلحاق المهموز بالمعتل بالألف.
4- أبواب اللفيف، وهو من الثلاثي أيضا، فمن لفيف "العين": عوى...وعى... ويتلوه لفيف "الحاء" "فالهاء" إلى آخر الحروف.
5- أبواب الرباعي، وتبدأ "بالعين" مع سائر الحروف على النسق المتقدم.
6- الخماسي، وهو الجزء الأخير في تهذيب اللغة وأكثر اقتضابا.
د) كتاب المحيط للصاحب بن عباد (ت385هـ):
v منهجــــــــه: اتبع فيه الصاحب ترتيب الخليل والأزهري للحروف، واتبع الأزهري وحده في تقسيم الأبواب على النحو التالي: الثنائي، المضاعف، الثلاثي الصحيح، الثلاثي المعتل، اللفيف، الرباعي، الخماسي. ووافقهما في نظام التقاليب أيضا[9].
هـ) كتاب المحكم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيدَه الأندلسي(ت458هـ):
v هدفــــــــــه: رمى إلى جمع المشتت من المواد اللغوية في الكتب والرسائل في كتاب واحد يغني عنها جميعها.
v منهجــــــــه: قسم كتابه إلى حروف مرتبة على ترتيب الخليل للمخارج، وكل حرف منها ينقسم إلى الأبواب التالية: الثنائي المضاعف الصحيح، الثلاثي الصحيح، الثنائي المضاعف المعتل، الثلاثي المعتل، الثلاثي اللفيف، الرباعي ، الخماسي. ولكنه زاد على الزبيدي بناء آخر هو السداسي، ذكره في حرف "الهاء" و"الحاء" و"الجيم". وملأ هذه الأبواب بالتقاليب وحدها إلا أبواب الثنائي المضاعف الصحيح والمعتل، فقد اتبع فيها نهج الزبيدي، وجعل في المادة منها أقساما خاصة للثنائي الخفيف مثل: مِن و صَه، والمضاعف "الفاء" و "اللام" مثل: كعك و هَيه، والمضاعف "الفاء" و"العين" مثل، هَوهاء.
v ظواهرالتنظيــم: أهم ظاهرة انفرد بها المحكم من غيره من المعاجم اللغوية ميل مواده إلى الانتظام في داخلها، وفقا للمنهج الذي وضعه لنفسه. فالأفعال يبين ماضيها ومضارعها ومصدرها والصفة منها، ولا يهمل من كل ذلك إلا القياسي. والأسماء يذكر مفردها وجموعها: القلة منها والكثرة الشاذة[10].
و) خصائص المدرسة وعيوبها:
يؤلف العين والبارع والتهذيب والمحيط والمحكم، وما دار حولهما من كتب مدرسة واحدة في تاريخ المعجمات العربية، والرابطة المشتركة التي تجمعهما ترتيبها حروف الهجاء بحسب مخارجها، وجعل هذا الترتيب أساس تقسيمها إلى كتب، ثم تقسيم هذه الكتب إلى أبواب تبعا للأبنية، ثم ملء هذه الأبواب بالتقاليب، والتزمت جميعها ترتيب كتاب العين للمخارج إلا البارع الذي سار على ترتيب مخالف أخذ أغلبه من ترتيب سيبويه مع خلطه بأشياء من ترتيب كتاب العين.
ومن الطبيعي ألا تتحد هذه الكتب جميعها في كل شيء، بل اختلفت في كثير من الوجوه... فقد كان هدف الخليل حصر اللغة واستقصاء الواضح والغريب منها، وهدف الأزهري تهذيبها وتخليصها من الغلط والتصحيف، وهدف ابن سيده جمع المشتت من اللغة في الكتب المتفرقة، وتصحيح ما فيها من أخطاء في التفسيرات النحوية، ويبدو أن هدف القالي يشبه هدف الأزهري، وأن هدف الصاحب بن عباد استدراك ما فاته سابقوه من غريب[11].
v المآخــــــــــذ: كان من أثر المنهج الذي سارت عليه هذه المدرسة أن وقعت في بعض الأخطاء والمآخذ التي ظهرت في الكتب الأولى، وحاولت الأخيرة أن تلطف منها كثيرا. ويأتي على رأس هذه المآخذ: صعوبة البحث فيها، ومشقة الاهتداء إلى اللفظ المراد، واستنفاد الوقت الطويل من الباحث بسبب الترتيب على المخارج والأبنية والتقاليب. ولعل تلك الصعوبة هي السبب الأول في قيام المدرسة الثانية من المعاجم. قال ابن دريد- رأس المدرسة الثانية- في مقدمة الجمهرة:« قد ألف الخليل بن أحمد كتاب العين، فأتعب من تصدى لغايته، وعَنى من سما إلى نهايته...». وقال ابن منظور من المدرسة الثالثة:« ولم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، ولا أكمل من المحكم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي... غير أن كلا منهما مطلب عسر المهلك، ومنهل وعر المسلك... وليس لذلك سبب إلا سوء الترتيب، وتخليط التفصيل والتبويب»[12].
2- مدرسة الترتيب النحوي أو الترتيب بحسب الأبنية:
أ) جمهرة اللغة لأبي بكر بن دريد(ت321هـ):
v غرضــــــــــــه: كما ذكر الأزهري أنه لم يودع معجمه من الألفاظ إلا ما صح له سماعا، فأسماه "تهذيب اللغة"، قال ابن دريد أيضا في خطبة كتابه معللا تسميته بالجمهرة:« وإنما أعرناه هذا الاسم، لأنا اخترنا له الجمهور من كلام العرب، وأرجأنا الوحشي المستنكر».
v منهــــــــــــــجه: اكتفى ابن دريد في "الجمهرة" بطرح الأساس الثاني وهو الترتيب الصوتي، وإبداله بالترتيب الألفبائي. يقول:« وأملينا هذا الكتاب وأجريناه على تأليف الحروف المعجمة إذ كانت بالقلوب أعبق، وفي الأسماع أنفذ، وكان علم العامة بها كعلم الخاصة، وطالبها من هذه الجهة بعيدا من الحيرة، مشفيا على المراد»[13]. وقد راعى ابن دريد أن يبدأ كل باب بالكلمة التي تبدأ بالحرف المعقود له الباب، يليه الحرف الذي بعده في الترتيب الألفبائي.
فأبواب "الباء" يصدرها "بالباء" مع "التاء"، وأبواب "التاء" يصدرها "بالتاء" مع "الثاء"، وأبواب "الدال" يصدرها بالدال مع "الذال"، ويستمر فيما بعدها من حروف، "فالدال" مع "الذال" مثلا ثم مع "السين" "فالشين" إلى آخر الحروف. أما "الدال" مع الحروف التي قبلها مثل "الخاء" و"الحاء" و"الجيم"، فقد وردت في الأبواب السابقة لسير المعجم على طريقة التقاليب، ولذلك لا يوردها هنا ثانية.. فإذا بلغ "الراء" بدأ بذكر الأصول التي تبدأ "براء" "فزاي" مثل: رزم، رزق، ثم ذكر الأصول التي تبدأ "براء" "فسين" مثل:رسغ، رسف، رسل. ولكنه لا يذكر في هذا الباب ربح، لأن ذكرها سبق في برح، ولا رجح لأن ذكرها سبق في جرح، ولا رحم لأنه سبق شرحها في حرم، ولا رزح لأنها سبقت في حرز، ولا رسخ لأنها سبقت في خرس، وعلى هذا فقس. ومما زاد منهج ابن دريد عسرا في الجمهرة أنه جعل لكل من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي ملحقات. فالمعجم عنده مقسم إلى الثنائي المضاعف وما يلحق به، فالثلاثي وما يلحق به...إلخ، كما ألحقت بهذه الأبواب أبواب أخرى في اللفيف، وأبواب سواها في النوادر.
ب) مقاييس اللغة / المجمل لأحمد بن فارس(ت395هـ):
v فكرة المقاييس: إن فكرة المقاييس التي أطلقها ابن فارس عنوانا لمعجمه كانت تشغل ذهنه، وهو يعني بالمقاييس الاشتقاق الكبير الذي يرجع مفردات كل مادة إلى معنى أو معان تشترك فيها هذه المفردات. وكان ابن فارس كثير الاهتمام بمبدأ القياس في اللغة.
v منهجـــــــه: بوب ابن فارس معجمه على الترتيب الألفبائي، متبعا في ذلك جمهرة ابن دريد، غير أن منهج ابن فارس في المقاييس والمجمل يختلف فيما عدا ذلك عن منهج ابن دريد في كونه طرح مبدأ التقاليب، واتخذ مبدأ الأصول في مواده اللغوية.
وقد جعل ابن فارس معجمه "المقاييس" في فصول توافق عدد حروف الهجاء، وسمى كل فصل كتابا، فكتاب للهمزة وكتاب ثان للباء وثالث للتاء... فكلمة بقل في كتاب "الباء"، وكلمة قبل في كتاب "القاف" في حين أن بقل وتقاليبها الخمســة( قلب-لقب-لبق-قبل-بلق) تجتمع معا عند ابن دريد. ثم قسم كل كتاب أو حرف ثلاثة أبواب، أي على حسب عدد الأبنية، أولها باب الثنائي المضاعف فباب الثلاثي، وأخيرا مازاد على الثلاثي من المجرد. وهذا تقسيم صغير وبسيط ومحكم، يفضل تقسيم الخليل وابن دريد، ويفوته اطرادا ويسرا. غير أن من عيوب طريقة ابن فارس في معجم "المقاييس" أن الحرف الثاني في كل كلمة لم يكن يبدأ من أول الحروف الهجائية بل من الحرف التالي لأول الكلمة، وذلك على غرار منحى ابن دريد في "الجمهرة"، فهو يجعل كل كتاب للحرف المعقود له مع ما يليه، وكأنه يعتبر الحرف المعقود له بداية للحروف. ففي كتاب "كتاب الجيم" مثلا يستهل المضاعف بكلمة جح وبعدها جخ، جد، جذ، جر، جز، جس، جم، جن، حتى ينتهي إلى جو، وعندئذ ينعطف من جديد لاستيفاء الحروف السابقة على الجيم، فيورد جأ، جب، جث. وهذا الانعطاف الغريب انفرد به ابن فارس.
وأخيرا يمكن القول بأن هذه المعاجم رغم محاولاتها الجديدة، فقد ظل التعقيد يشوب منهجها، لأنها بقيت ملتزمة بنظام التقاليب بحسب الأبنية.
3- مدرسة الترتيب الألفبائي بحسب الأواخر:
إن القواميس التي اتبعت هذه الطريقة في ترتيب مداخلها تعتبر الحرف الأخير أساسا للترتيب، وتنظر بعده للحرف الأول ثم الثاني فالثالث إن وجد، فتكون كل من أبد و أبر و أبط في باب مختلف عن الآخرين، فأبد في باب "الدال" فصل "الهمزة"، وقد اتبع هذه الطريقة ابن إسحاق الفارابي(ت350هـ)، وذلك في كتابه "ديوان الأدب". وللإشارة فإن هذا الكتاب قد جمع بين الترتيب النحوي والألفبائي.. ولقد اتبع هذا المنهج فيما بعد:
· الجوهري(ت395هـ) وذلك في قاموسه "الصحاح".
· الصاغاني(ت577هـ) وذلك في قاموسه "العباب".
· ابن منظور(ت711هـ) وذلك في قاموسه "لسان العرب".
· الفيروزآبادي(ت817هـ) وذلك في "القاموس المحيط".
· الزبيدي(ت1205هـ) وذلك في كتابه" تاج العروس".
وحسبنا في هذا المقام الضيق أن نركز على ثلاثة معاجم، تبيانا لخصائص هذه المدرسة المعجمية.
أ) تاج اللغة وصحاح العربية لأبي منصور إسماعيل بن حماد الجوهري(ت393هـ):
يقول الدكتور عبد العلي الودغيري متحدثا عن الصحاح:« فهذا هو القاموس الذي تمكن لأول مرة أن يحطم أغلب الأسس التي وضعها الخليل، ويقيم بعدها أسسا منهجية جديدة ظلت هي الأسس المعمول بها طوال القرون المتعاقبة»[14]. فماهي هذه الأسس؟
v منهجــــــــه: - قسم الجوهري الصحاح إلى ثمانية وعشرين بابا، أي لكل حرف من حروف الهجاء باب، أولها باب الهمزة، وآخرها باب الألف اللينة[15].
– تصنيف الألفاظ في كل باب على حسب الحرف الأخير، أي ترتيب الكلمات وفقا لأواخرها[16]. فكلمة بسط يبحث عنها في الصحاح في باب "الطاء"، وهذا الباب يضم جميع الكلمات المنتهية بطاء مثل: ربط و غلط وفرط وثبط.
- تجزئة كل باب إلى ثمانية وعشرين فصلا صغيرا، أي أن كل حرف من حروف الأبواب يضم ثمانية وعشرين حرفا تتعلق بأول الكلمة، وترتب هذه الكلمات بدورها أيضا ترتيبا ألفبائيا على حسب أولها داخل كل باب.
وقد أدخل الجوهري إلى منهجه عناصر أخرى[17]:
- التزام ما صح عنده من ألفاظ اللغة، وترك ما لم يصح. ومعنى هذا أنه تخلى عن فكرة الاستقصاء والشمولية اللذين سعى وراءهما الخليل وغيره.
- ضبط نطق الألفاظ بالعبارة كما فعل القالي وغيره، وذلك تجنبا للالتباس والتصحيف.
- استعمال مصطلحات خاصة به تعينه على الضبط والاختصار.
ب) لسان العرب لابن منظور(ت711هـ):
يعد "لسان العرب" من أضخم معاجم العربية قاطبة وأكثرها إسهابا وأغزرها مادة. وقد حرص ابن منظور أن يجتمع في معجمه عنصران هامان هما: الاستقصاء والترتيب، وأفاد في سبيل ذلك من جهود أسلافه، وصرح في مقدمته بأنه اعتمد على مجموعة من المعاجم التي تقدمته:« وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بسببها سوى أني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم...»[18].
v منهجـــــه: لا يختلف "لسان العرب" في طبيعة منهجه عن منهج "الصحاح"، فهو ينقسم أيضا إلى أبواب عددها ثمانية وعشرون، كما ينقسم كل باب من هذه الأبواب إلى فصول يبلغ أقصاها ثمانية وعشرين فصلا، ولا تختلف هذه الأبواب والفصول عن نظائرها في " الصحاح" إلا في ضخامتها وشدة تقصيها وكثرة الشواهد فيها. ومن هنا يصح القول في "اللسان" إنه أقرب شيء إلى أن يكون موسوعة شاملة في اللغة والأدب.
ج) القاموس المحيط للفيروزآبادي (ت817هـ):
v منهجــــــــه: تأثر الفيروزآبادي إلى حد كبير بصحاح الجوهري، وهذا جلي من ناحيتي الإيجاب والسلب. فهو قد ورث نظام "الصحاح" في ترتيبه الألفبائي، وفي اعتماده الحرف الأخير من اللفظ في تصنيف مواده. ومن أجل ذلك لم يكن هناك فرق أساسي بين هذين الكتابين: كتاب الصحاح وكتاب القاموس المحيط من حيث القواعد العامة للتنظيم والترتيب. وكل ما تميز به الثاني عن الأول هو مجموعة أمور جيء بها لمحاولة تلافي النقص والقصور اللذين اعتبرهما الفيروزآبادي داعيا لتأليف كتابه. وهذه الأمور تتلخص في النقط التالية[19]:
- الزيادة والاستقصاء في المواد: فقد لاحظ صاحب القاموس أن الجوهري أغفل عددا من الألفاظ والمعاني.. ولكنه مع ذلك لم يبلغ به الاستقصاء مبلغ "لسان العرب" الذي ألف قبله. وقيل إن مادته بلغت نحو 80000 في حين لا تزيد مواد "القاموس المحيط" عن 60000، ولا تزيد مادة "الصحاح" عن 40000.
- الاختصار في الشرح: وذلك عكس ما صنعه في جمع المادة المشروحة. فمن اختصاره حذفه أغلبية الشواهد (لا يعني أنه لم يهتم بها مطلقا) التي تزخر بها عادة قواميس العربية.. وحذفه أسماء الرواة واللغويين إلا في القليل، وتكثيف لغة الشرح وتركيزها إلى درجة الغموض في كثير من الأحيان.
- اتخاذ مصطلحات لضبط الألفاظ وتحقيق الرغبة الشديدة في اختصار لغة الشرح والتعريف.. وهذه بعض المصطلحات التي نص عليها المجد في خطبة القاموس:
- أنه إذا أعرى كلمة عن الضبط، فإنها بالفتح( أي بفتح أولها) إلا ما اشتهر بخلاف ذلك.
- أنه إذا قال:« وهي بهاء» بعد لفظ مذكر، فالمقصود أن تأنيث هذا اللفظ يكون بالهاء في آخره. فإذا قال مثلا كريم وهي بهاء) علم أن المؤنث من (كريم) هو (كريمة).
- أنه اتخذ رموزا للاختصار منها: م: بمعنى معروف. ع: بمعنى موضع. ج: بمعنى جمع. جج: بمعنى جمع الجمع. هـ: بمعنى قرية. د: بمعنى بلد أو بلدة. إلى غير ذلك.
نخلص مما سبق إلى أن التنظيم الذي اتبعته هذه المدرسة يمكن رده إلى سببين: أما أولا: فلعل الدافع إلى إيثار آخر حرف في الكلمة بدلا من أوله في تصنيف الألفاظ مرده إلى خصائص الكلمة العربية نفسها التي تتسم في طبيعتها بميزة الاشتقاق، والحرف الأخير من اللفظ وبخاصة لام الفعل يبدو أكثر ثباتا وتمكنا من سائر الحروف. وأما ثانيها: فلعل مرد ذلك أيضا إلى أن أكثر الألفاظ التي تحتاج إلى شرح إنما توجد في قوافي القصائد التي ينتهي رويها بحرف واحد، والشعر مصدر أساسي من مصادر اللغة والمعاجم.
4- مدرسة الترتيب الألفبائي بحسب الأوائل:
يقوم هذا النوع من الترتيب على جمع كل المداخل تحت الحرف الأول ثم ترتب وفق حرفها الثاني فالثالث وهكذا... ومن الأوائل الذين أخذوا بهذا الترتيب نجد أبا عمرو الشيباني(ت206هـ)، وذلك: في معجمه الجيم، وتبعه مجموعة من المعجميين كجار الله الزمخشري (ت538هـ) في كتابه " أساس البلاغة". وهو الكتاب الذي سنركز عليه الحديث بخصوص هذه المدرسة، ثم سنشير إلى بعض المعاجم الحديثة، التي تسير على الخطوات نفسها بشكل مجمل دون تفصيل.
أ) أساس البلاغة[20] لمحمود بن عمر بن محمد الزمخشري(ت538هـ):
v منهجـــــــــه: - صنف الزمخشري كتابه في ثمانية وعشرين بابا، كل حرف في باب أسماه كتابا، أولها كتاب الهمزة يليه كتاب "الباء" ثم "التاء" "فالثاء" "فالجيم"... إلخ.
- التزم في ترتيبه الحرف الأول وما يليه من حروف الهجاء، فعقد بابا للهمزة، فرع منه الهمزة مع الباء( أبب، أبد، أبر،أبس، أبش، أبض، أبط...وهكذا إلى أبي). وفرع منه الهمزة مع "التاء"( أتب، أتم، أتي). وفرع الهمزة مع "الحاء" ومع "الخاء" ومع "الدال"...وهكذا سار على هذا النهج في كل حرف، وبذلك يكون قد طرح الكثير من تعقيدات التبويب التي شابت المعجمات العربية قبله. ولاشك أن هذا التبويب الدقيق السهل جدير بقوله:« وقد رتب الكتاب على أشهر ترتيب متداولا، وأسهله متناولا...»[21].
- شرح المعاني الحقيقية للكلمات وأضاف إلى هذه المعاني الاستعمالات المجازية فقال مثلا في مادة (حدج): تراموا بالحدج وهو صغار الحنظل. ومن المجاز: حدجه بالسهم: رماه به، أصله الرمي بالحدج، ثم استعير للرمي بغيره... واتسعوا فقالوا: حدجه ببصره. وهكذا. وإضافة إلى جودة الترتيب تميز هذا المعجم بإفراد الحقيقة عن المجاز، وفصل الكناية عن التصريح.
ب) بعض المعاجم الحديثة:
· محيط المحيط لبطرس البستاني:
امتاز محيط المحيط بأمور منها: ترتيب مواده على حسب الحرف الأول مخالفا بذلك المحيط. كما زاد في تفصيل مواد أخرى مما أجمله الفيروزآبادي. وحذف مواد أخرى أكثرها أسماء أشخاص وقبائل. وقد أدخل البستاني ألفاظا جديدة منها ما يدل على معان تتصل بالدين المسيحي، ومنها ما هو عامي يتصل باللهجات غير الفصيحة، ومنها إيراد جانب من المصطلحات العلمية.
· أقرب الموارد: ألفه سعيد الخوري الشرتوني سنة 1889:
أسماه "أقرب الموارد في فُصح العربية والشوارد"، اعتمد فيه صاحبه على قاموس الفيروزآبادي بالإضافة إلى معظم معاجم القدماء.
· البستـــان: ألفه اللغوي اللبناني عبد الله البستاني:
يشبه في طريقته وحجمه محيط المحيط للبستاني، مع إضافة زيادات على بعض مواده. صدر عام 1930. وقد اختصر المؤلف معجمه في مجلد واحد أسماه "فاكهة البستان".
· المنجد: أخرجه الأب لويس معلوف سنة 1908:
استمد أكثر مواده من محيط المحيط للبستاني، و من بعض المعجمات القديمة.
· متن اللغة: أصدره مجمع اللغة العربية في دمشق عام 1958:
امتاز بحرصه على ذكر المجاز إلى جانب الحقيقة، واعتمد في كل ذلك على أصول المعجمات مثل اللسان و القاموس المحيط و أساس البلاغة و تاج العروس وغيرها.
· المعجم الوسيط: صدر عن المجمع اللغوي بمصر سنة 1960:
من خصائصه تشدده في هجر الحوشي والغريب، وتوسعه، في مقابل ذلك، في إدخال المصطلحات العلمية السائدة، ودعوته إلى الأخذ بما استقر من ألفاظ الحياة الشائعة.
· المعجم الكبير: صدر عن المجمع اللغوي في مصر أولا عام 1965:
و كان صدوره بداية في جزء فقط، ثم ظهر المجلد الأول من " المعجم الكبير" عام 1970، ويقتصر على حرف (الهمزة). من محامد هذا المعجم أنه يورد مع الكلمة العربية الصيغة التي وردت بها في كل اللغات السامية الأخرى: الأكادية والسريانية والحبشية والعبرية... وفي هذا فائدة كبيرة من وجهة الدراسات المقارنة للمادة اللغوية.
ثالثا: أسباب الاختلاف في الترتيب:
إن اختلاف المعاجم في وضعها وترتيبها ليست قضية فنية وتقنية، وإنما هي قضية ترجع إلى عدة أسباب منها ما يلي:
1- اختلاف نظرة المعجميين إلى ألفاظ اللغة والعلاقة بينها:
إن اختيار المعجمي لمنهجية معينة في ترتيب المداخل نابع في الأصل من نظرته الخاصة إلى ألفاظ اللغة موضوع الوصف والعلاقات بينها:
*عندما يقسم المعجمي ألفاظ اللغة إلى حقول دلالية- يعبر كل حقل منها عن مجال معين من الخبرة الإنسانية وترتبط الكلمات في داخله بعلاقات خاصة بحيث يكون معنى الكلمة ناتج من خلال علاقاتها بالكلمات الأخرى في داخل الحقل المعجمي- فإنه يرتب المداخل ترتيبا دلاليا كما هو واضح في معاجم الترادف، وهو الاشتراك في المعنى مثل الخوف والرهبة ومعاجم التوارد، وهو توارد الأفكار والخواطر حول مفهومين متقاربين مثل: السيارة، الشاحنة، الحافلة، القاطرة.
*وعندما ينظر المعجمي إلى الكون والعالم على أنه نظام من المفاهيم، وأن اللغة نظام من العلامات signes أو الاصطلاحات التي تعبر عن تلك المفاهيم، فإنه يميل إلى تقسيم مداخل معجمه حسب الموضوعات التي يتألف منها نظام المفاهيم فيرتب موضوعه ترتيبا موضوعيا[22].
* أما إذا نظر المعجمي إلى ألفاظ اللغة على أنها أفراد الأنواع وأجناس وأصناف نحوية، يشتمل كل منها على خصائص نحوية محددة تظهر في جميع أفراد ذلك النوع أو الجنس أو الصنف، فإن المعجمي يميل إلى الترتيب النحوي حيث تنظم فيه الأنواع النحوية وفق منهجية منطقية أو رياضية.
* وعندما ينظر إلى الثروة اللفظية للغة على أنها عبارة عن مجموعة من الأسر اللفظية تتألف كل أسرة فيها من الكلمات تولد من اللفظ الجذر أو الأم وفقا لصيغ صرفية معلومة.. فإن المعجمي يميل إلى اختيار الترتيب الجذري، فيدخل جميع أفراد الأسرة اللغوية تحت مدخل واحد وهو الجذر ليسهل على القارئ بسط المعلومات التركيبية والدلالية..
* أما إذا نظر المعجمي إلى الذخيرة اللغوية على أنها وحدات مستقلة داخل النظام اللغوي حيث تكون كلها متساوية وتتمتع كل واحدة منها بخصائص دلالية تميزها عن غيرها، وتمكنها من تأليف مدخل مستقل في المعجم، فإنه سيفضل الترتيب الهجائي الذي لا يفاضل بين مفردة وأخرى لأن الغرض منه التيسير على مستعمل المعجم في معرفة موضع الكلمات.
2 – اختلاف الترتيب تبعا لاختلاف الأهداف المتوخاة من تصنيف المعاجم:
إن اختلاف الترتيب راجع بالأساس إلى اختلاف الأهداف المتوخاة، وكذلك حسب نوعية القراء الذين يرمي المعجمي أن يستفيدوا من معجمه.
- فإذا كانت الغاية من المعجم عند المعجمي هي مساعدة اللغويين على حصر المخزون اللغوي بمستعمله ومهمله وقياس القوة الاشتقاقية التي تتمتع بها اللغة، فإن المعجمي يستسيغ الترتيب الصوتي والترتيب التقليبي.
- أما إذا كانت الغاية هي تزويد الطالب بما ينمق عباراته وأساليبه والتعبير بدقة عن مكونات مشاعره، فإن المعجمي قد يرتب مادته اللغوية ترتيبا دلاليا كما فعل ابن سيده في معجمه "المخصص".
- أما إذا كان هدف المعجمي هو تزويد الشعراء والكتاب بالقوافي اللازمة لنثرهم المسجوع أو لشعرهم العمودي، فإنه يميل إلى ترتيب مداخل معجمه ترتيبا ألفبائيا، ولكن بحسب الأواخر كما فعل الجوهري في "الصحاح".
خاتمــــــة:
يقول ابن منظور:« أما من أحسن جمعه فإنه لم يحسن وضعه، وأما من أجاد وضعه فإنه لم يجد جمعه. فلم يفد حسن الجمع مع إساءة الوضع، ولا نفعت إجادة الوضع مع رداءة الجمع»[23]. وبذلك يكون ابن منظور قد وفر في مقدمته نظرة نقدية إجمالية موجزة عن قضية الوضع والترتيب كما تصوره سابقوه.
وصفوة القول إن معاجمنا الأصيلة على جلال قدرها كانت تنطوي على عيوب جمة يتصل أكثرها بنظام التصنيف ونسق التأليف. ومع ذلك لا يمكننا أن نعد السابقين مقصرين فيما فعلوا، فقد كان همهم الأول الجمع والاستقصاء كما بذلوا ما وسعهم الجهد في ترتيب ما جمعوا واستقصوا برغم ضآلة ما كان بين أيديهم آنئذ من الوسائل والأدوات.
[1]- ( اللسان: عجم).
[2]-الصحاح ومدارس المعجمات العربية لعبد الغفور عطار، ص:63، والصحاح، مقدمة المحقق عبد الغفور، ص:38.
[3]-المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث، ص:9.
[4]- ( اللسان: رتب).
[5]- مجلة اللسان العربي م.1982.19: ترتيب المعجم العربي.علي القاسمي.
[6]- مصادر التراث العربي في اللغة والمعاجم والأدب والتراجم ص:165.
[7]- المعجم العربي نشأته وتطوره 1/288-289.
[8]- مصادر التراث العربي ص:173.
[9]- المعجم العربي نشأته وتطوره 1/333.
[10]- نفسه 1/356.
[11]- نفسه 1/365.
[12]- لسان العرب مقدمة ص:7.
[13]- الجمهرة 1/40.
[14]- قضايا المعجم العربي ص:98.
[15]- عمد صاحب الصحاح وأكثر أصحاب المعاجم من بعده إلى دمج حرفي الواو والياء في باب واحد، لأنهما كثيرا ما ينقلبان ألفا.
[16]- هذا المنهج الذي ابتدعه الجوهري يعرف أيضا بطريقة التقفية لأن الكلمات تتوالى خلاله على نسق الحرف الأخير الذي يشبه تتابع القوافي في القصيدة.
[17]- قضايا المعجم العربي ص:99.
[18]- لسا ن العرب مقدمة ص:8.
[19]- قضايا المعجم العربي ص: 101-104.
[20]- خصصنا هذا المعجم بدراسة مستقلة في مقال لنا نشر بجريدة الميثاق الوطني العدد 5411 .20 فبراير 1994. الملحق الثقافي.
[21]- أساس البلاغة مقدمة ص:8.
[22]- إن أصحاب هذه المعاجم ترتب الموضوعات على أبواب ثم تخص كل باب بموضوع تدرج فيه ألفاظه، ويمكن تقسيمه إلى أصحاب المعاجم الموضوعية المتخصصة والعامة.
بالنسبة للمتخصصة فهي التي تختص بموضوع واحد أو مادة علمية واحدة، وقد ظهرت بصمات هذا الترتيب في تلك الرسائل اللغوية التي ألفها اللغويون القدماء منذ القرن 3 أمثال الأصمعي(ت216هـ)، والذي ألف عددا لا يستهان به من المعاجم المتخصصة ومنها الإبل، والخيل، والوحوش، والنبات، والشجر، والأسلحة...
وأما المعاجم الموضوعية العامة فهي تلك التي تتناول المفردات التي يتألف منها متن اللغة مرتبة حسب موضوعا تها العامة. ومن المعاجم التي اتبعت هذه الطريقة" الغريب الصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت224هـ) إذ قسم كتابه إلى خمسة وعشرين موضوعا رئيسيا ( كتاب خلق الإنسان، كتاب النساء، كتاب الأطعمة...). وكل كتاب من هذه الكتب يشتمل على موضوعات متعددة يبلغ مجملها 900 موضوعا.
[23]- لسان العرب. مقدمة ص:8.
منقول
الدكتور إدريس الناصري
أستاذ اللغة العربية- مريرت
توطـئــــــــة:
نقل ابن منظور في لسانه: المعجم الحروف المقطعة، سميت معجما لأنها أعجمية، قال: وإذا قلت: كتاب معجم فإن تعجيمه تنقيطه لكي تستبين عجمته وتضح[1]. ولا حظ ابن جني أن (ع،ج،م) وقعت في كلام العرب بمعنى الإبهام والإخفاء، وضد البيان والإفصاح. وانطلاقا من المفهوم الأول، وصفت بعض الكتب التي راعت في ترتيبها حروف الهجاء، سواء في الحرف الأول وحده أو في الحرفين الأولين، أو في حروفها جمعاء، أو على ترتيب ألف باء، أو ترتيب المخارج، أو ترتيب الأبجدية، بأنها تسير على حروف المعجم.
وعموما، فإن «المعجم كتاب يضم أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها وتفسير معانيها، على أن تكون المواد مرتبة ترتيبا خاصا، إما على حروف الهجاء، أو الموضوع. والمعجم الكامل هو الذي يضم كل كلمة في اللغة مصحوبة بشرح معناها واشتقاقها وطريقة نطقها وشواهد تبين مواضع استعمالها[2]». ويرى محمد أحمد أبو الفرج أن المعجم اللغوي يهتم بتفسير«معنى» كلمات اللغة. ففيه عنصران أساسيان: أولهما الكلمة، وثانيهما المعنى[3].
أولا: قضية الترتيب في المعاجم العربية:
الترتيب لغة: جعل كل شيء في مرتبته. ورتبه ترتيبا: أثبته[4]. ويقصد به عند الباحثين المتخصصين في القواميس وقضاياه: الطريقة أو المنهج الذي يتبعه المعجمي في تنظيم الثروة اللفظية من مورفيمات وكلمات وتعابير اصطلاحية وسياقية وعرضها في المعجم بحيث يستطيع القارئ، أو مستعمل المعجم المطلع على تلك المنهجية العثور على بغيته بسرعة، أي من غير أن يضيع وقتا أو يبذل جهدا[5].
لقد أعار القاموسيون اهتماما كبيرا لقضية الترتيب نظرا لكونها تؤثر بطريقة مباشرة على منهجيتهم في معالجة الذخيرة اللغوية. ونظرا لأهمية الترتيب في المعجم فقد اهتم الباحثون المعاصرون بهذه القضية أيما اهتمام.
وهكذا نجد الدكتور حسين نصار ، على سبيل المثال لا الحصر، في كتابه "المعجم العربي نشأته وتطوره" يقسم المدارس المعجمية حسب ترتيب مداخلها إلى المدارس التالية:
1- مدرسة الترتيب الصوتي والتقاليب، وتضم معاجم العين، البارع، التهذيب، المحيط، المحكم.
2- مدرسة الترتيب النحوي أو الترتيب بحسب الأبنية، وتشتمل على معاجم الجمهرة، المقاييس، المجمل.
3- مدرسة الترتيب الألفبائي بحسب الأواخر، وتضم معاجم الصحاح، العباب، لسان العرب، القاموس المحيط، تاج العروس.
4- مدرسة الترتيب الألفبائي بحسب الأوائل، وتضم أساس البلاغة، ومعاجم اليسوعيين، ومعجم اللغة العربية.
ثانيا: المدارس المعجمية:
1-مدرسة الترتيب الصوتي:
يعتبر هذا الترتيب من إبداع الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170أو175هـ).
أ) كتـــــاب العيـــن:
v منهجــــــــه: يقوم منهج الخليل في ترتيب ألفاظ اللغة على مجموعة أسس عامة هي:
- ترتيب الحروف: ابتكر الخليل نظاما قائما على الأصوات. يقول عمر الدقاق:« ولما كانت اللغة في نظر الخليل أصواتا ذات دلالة، وكان الفم من الحلق إلى الشفتين هو الآلة التي تطلق هذه الأصوات فمن الطريف أن ترتب الحروف على حسب مواضع خروجها داخل الفم، وأن يكون مُبتداها في أقصى الحلق ومنتهاها في رأس الشفاه»[6]. وهكذا رتب الحروف تبعا لمخارجها، مبتدئا بالأبعد في الحلق ومنتهيا بما يخرج من الشفتين فاستقام له الترتيب التالي: ع-ح-هـ-خ-غ-ق-ك-ج-ش-ض-ص-س-ز-ط-ت-د-ظ-ذ-ث-ر-ل-ن-ف-ب-م-و-ي-ا-ء. واتخذ هذا النظام أساسا له في ترتيب كتابه الجديد، وسمى كل حرف من هذه الحروف كتابا. فبدأ المعجم بكتاب العين، فكتاب الحاء، فكتاب الهاء...إلخ. واتسع عنوان الكتاب الأول منه(كتاب العين) فشمل المعجم كله.
- ترتيب الأبنية: الخطوة الثانية لديه استقصاء الأبنية فيما بين الثنائي والخماسي، فجعل هذه الأبنية أساس تقسيم الكتب إلى أبواب.
- ترتيب التقاليب: حيث استقصى تنقل كل حرف من نظامه في كل بناء من هذه الأبنية، فرأى أن حرف "العين" مثلا يمكن أن يغير موضعه في البناء الثنائي مرتين (عب، و بع)، وإذا كانت "العين" في بناء ثلاثي وكان معها حرفان "الهـاء" و "الدال" مثلا أمكن أن يأتي بـ 6 صور: عبد، بعد، بدع، عدب، دعب، دبع.
وقد سار على نهج الخليل مجموعة من المعاجم هي كالتالي:
ب) كتاب البارع لإسماعيل بن القاسم القالي البغدادي (ت356هـ):
v منهجـــــــــه:
- ترتيب الحروف: رتب الحروف بحسب المخارج، كما فعل الخليل، ولكن مع تغيير طفيف. فكان الترتيب على النحو التالي: هـ-ع-غ-ق-ك-ض-ج-ش-ل-ر-ن-ط-د-ت-ص-ز-س-ظ-ذ-ث-ف-ب-م-و-ا-ي-ء.
- ترتيب الأبواب: حاول القالي إصلاح بعض الاضطراب في أبواب الخليل، ففرق بين بعض الأبنية المختلفة التي جعلها الخليل في باب واحد، وخصص لكل منها بابا فأصبحت الأبواب عنده ستة، هي بالترتيب: أبواب الثنائي المضاعف- يسميه الثنائي في الخط والثلاثي في الحقيقة- أبواب الثلاثي الصحيح، أبواب الثلاثي المعتل، أبواب الحواشي أو الأوشاب، أبواب الرباعي، أبواب الخماسي. أي زاد أبواب الثلاثي المعتل والخماسي.
- التقاليب: ملأ القالي هذه الأبواب بالتقاليب على نمط الخليل دون أدنى تغيير، وميز كل تقليب بتصديره بكلمة « مقلوبه»[7].
يقول عمر الدقاق: «وبرغم اشتهار هذا المعجم لم يمل الناس إليه منذ زمن قديم، وهو مع ذلك يعد في مقدمة المعاجم التي تبنت نهج الخليل في ترتيبه الخاص»[8].
ج) كتاب التهذيب للأزهري(ت370هـ):
v غرضـــــــــه: كان غرض الأزهري هو تنقية اللغة من الشوائب التي تسربت إليها على يد سابقيه ومعاصريه، ومن ثم سماه كما يقول في مقدمته « وقد سميت كتابي هذا تهذيب اللغة لأني قصدت بما جمعت فيه نفي ما أُدخل في لغات العرب».
v منهجـــــــــه: اتبع المنهج الذي وضعه الخليل في مقدمة "العين" بحذافيره، فالتزم ترتيب المخارج وقسم وفقه المعجم إلى كتب، وجعل كل كتاب في ستة أبواب على الوجه التالي:
1- الثنائي المضاعف: وتبدأ أبوابه بحرف مع كل من الحروف التي تليها مثل: "العين" مع "الحاء" و"العين" مع "الهاء"... وهكذا إلى آخر الحروف مع تقليبها إن كان المقلوب مستعملا، مثل: عق، قع. وفي هذه الحال لا يعاد التقليب عند ورود الحرف الثاني في موضعه اكتفاء بما تقدم.
2- أبواب الثلاثي الصحيح: وتبدأ "بالعين" مع "الحاء" ومايثلثهما بترتيب الحروف، ثم "العين" مع "الهاء" وما يثلثهما، ثم "العين" مع "الحاء" ثم مع "الغين"...إلخ. مع تقليب كل مجموعة ومراعاة عدم التكرار.
3- أبواب الثلاثي المعتل، وتجري على غرار ما سبق مع إلحاق المهموز بالمعتل بالألف.
4- أبواب اللفيف، وهو من الثلاثي أيضا، فمن لفيف "العين": عوى...وعى... ويتلوه لفيف "الحاء" "فالهاء" إلى آخر الحروف.
5- أبواب الرباعي، وتبدأ "بالعين" مع سائر الحروف على النسق المتقدم.
6- الخماسي، وهو الجزء الأخير في تهذيب اللغة وأكثر اقتضابا.
د) كتاب المحيط للصاحب بن عباد (ت385هـ):
v منهجــــــــه: اتبع فيه الصاحب ترتيب الخليل والأزهري للحروف، واتبع الأزهري وحده في تقسيم الأبواب على النحو التالي: الثنائي، المضاعف، الثلاثي الصحيح، الثلاثي المعتل، اللفيف، الرباعي، الخماسي. ووافقهما في نظام التقاليب أيضا[9].
هـ) كتاب المحكم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيدَه الأندلسي(ت458هـ):
v هدفــــــــــه: رمى إلى جمع المشتت من المواد اللغوية في الكتب والرسائل في كتاب واحد يغني عنها جميعها.
v منهجــــــــه: قسم كتابه إلى حروف مرتبة على ترتيب الخليل للمخارج، وكل حرف منها ينقسم إلى الأبواب التالية: الثنائي المضاعف الصحيح، الثلاثي الصحيح، الثنائي المضاعف المعتل، الثلاثي المعتل، الثلاثي اللفيف، الرباعي ، الخماسي. ولكنه زاد على الزبيدي بناء آخر هو السداسي، ذكره في حرف "الهاء" و"الحاء" و"الجيم". وملأ هذه الأبواب بالتقاليب وحدها إلا أبواب الثنائي المضاعف الصحيح والمعتل، فقد اتبع فيها نهج الزبيدي، وجعل في المادة منها أقساما خاصة للثنائي الخفيف مثل: مِن و صَه، والمضاعف "الفاء" و "اللام" مثل: كعك و هَيه، والمضاعف "الفاء" و"العين" مثل، هَوهاء.
v ظواهرالتنظيــم: أهم ظاهرة انفرد بها المحكم من غيره من المعاجم اللغوية ميل مواده إلى الانتظام في داخلها، وفقا للمنهج الذي وضعه لنفسه. فالأفعال يبين ماضيها ومضارعها ومصدرها والصفة منها، ولا يهمل من كل ذلك إلا القياسي. والأسماء يذكر مفردها وجموعها: القلة منها والكثرة الشاذة[10].
و) خصائص المدرسة وعيوبها:
يؤلف العين والبارع والتهذيب والمحيط والمحكم، وما دار حولهما من كتب مدرسة واحدة في تاريخ المعجمات العربية، والرابطة المشتركة التي تجمعهما ترتيبها حروف الهجاء بحسب مخارجها، وجعل هذا الترتيب أساس تقسيمها إلى كتب، ثم تقسيم هذه الكتب إلى أبواب تبعا للأبنية، ثم ملء هذه الأبواب بالتقاليب، والتزمت جميعها ترتيب كتاب العين للمخارج إلا البارع الذي سار على ترتيب مخالف أخذ أغلبه من ترتيب سيبويه مع خلطه بأشياء من ترتيب كتاب العين.
ومن الطبيعي ألا تتحد هذه الكتب جميعها في كل شيء، بل اختلفت في كثير من الوجوه... فقد كان هدف الخليل حصر اللغة واستقصاء الواضح والغريب منها، وهدف الأزهري تهذيبها وتخليصها من الغلط والتصحيف، وهدف ابن سيده جمع المشتت من اللغة في الكتب المتفرقة، وتصحيح ما فيها من أخطاء في التفسيرات النحوية، ويبدو أن هدف القالي يشبه هدف الأزهري، وأن هدف الصاحب بن عباد استدراك ما فاته سابقوه من غريب[11].
v المآخــــــــــذ: كان من أثر المنهج الذي سارت عليه هذه المدرسة أن وقعت في بعض الأخطاء والمآخذ التي ظهرت في الكتب الأولى، وحاولت الأخيرة أن تلطف منها كثيرا. ويأتي على رأس هذه المآخذ: صعوبة البحث فيها، ومشقة الاهتداء إلى اللفظ المراد، واستنفاد الوقت الطويل من الباحث بسبب الترتيب على المخارج والأبنية والتقاليب. ولعل تلك الصعوبة هي السبب الأول في قيام المدرسة الثانية من المعاجم. قال ابن دريد- رأس المدرسة الثانية- في مقدمة الجمهرة:« قد ألف الخليل بن أحمد كتاب العين، فأتعب من تصدى لغايته، وعَنى من سما إلى نهايته...». وقال ابن منظور من المدرسة الثالثة:« ولم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري، ولا أكمل من المحكم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده الأندلسي... غير أن كلا منهما مطلب عسر المهلك، ومنهل وعر المسلك... وليس لذلك سبب إلا سوء الترتيب، وتخليط التفصيل والتبويب»[12].
2- مدرسة الترتيب النحوي أو الترتيب بحسب الأبنية:
أ) جمهرة اللغة لأبي بكر بن دريد(ت321هـ):
v غرضــــــــــــه: كما ذكر الأزهري أنه لم يودع معجمه من الألفاظ إلا ما صح له سماعا، فأسماه "تهذيب اللغة"، قال ابن دريد أيضا في خطبة كتابه معللا تسميته بالجمهرة:« وإنما أعرناه هذا الاسم، لأنا اخترنا له الجمهور من كلام العرب، وأرجأنا الوحشي المستنكر».
v منهــــــــــــــجه: اكتفى ابن دريد في "الجمهرة" بطرح الأساس الثاني وهو الترتيب الصوتي، وإبداله بالترتيب الألفبائي. يقول:« وأملينا هذا الكتاب وأجريناه على تأليف الحروف المعجمة إذ كانت بالقلوب أعبق، وفي الأسماع أنفذ، وكان علم العامة بها كعلم الخاصة، وطالبها من هذه الجهة بعيدا من الحيرة، مشفيا على المراد»[13]. وقد راعى ابن دريد أن يبدأ كل باب بالكلمة التي تبدأ بالحرف المعقود له الباب، يليه الحرف الذي بعده في الترتيب الألفبائي.
فأبواب "الباء" يصدرها "بالباء" مع "التاء"، وأبواب "التاء" يصدرها "بالتاء" مع "الثاء"، وأبواب "الدال" يصدرها بالدال مع "الذال"، ويستمر فيما بعدها من حروف، "فالدال" مع "الذال" مثلا ثم مع "السين" "فالشين" إلى آخر الحروف. أما "الدال" مع الحروف التي قبلها مثل "الخاء" و"الحاء" و"الجيم"، فقد وردت في الأبواب السابقة لسير المعجم على طريقة التقاليب، ولذلك لا يوردها هنا ثانية.. فإذا بلغ "الراء" بدأ بذكر الأصول التي تبدأ "براء" "فزاي" مثل: رزم، رزق، ثم ذكر الأصول التي تبدأ "براء" "فسين" مثل:رسغ، رسف، رسل. ولكنه لا يذكر في هذا الباب ربح، لأن ذكرها سبق في برح، ولا رجح لأن ذكرها سبق في جرح، ولا رحم لأنه سبق شرحها في حرم، ولا رزح لأنها سبقت في حرز، ولا رسخ لأنها سبقت في خرس، وعلى هذا فقس. ومما زاد منهج ابن دريد عسرا في الجمهرة أنه جعل لكل من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي ملحقات. فالمعجم عنده مقسم إلى الثنائي المضاعف وما يلحق به، فالثلاثي وما يلحق به...إلخ، كما ألحقت بهذه الأبواب أبواب أخرى في اللفيف، وأبواب سواها في النوادر.
ب) مقاييس اللغة / المجمل لأحمد بن فارس(ت395هـ):
v فكرة المقاييس: إن فكرة المقاييس التي أطلقها ابن فارس عنوانا لمعجمه كانت تشغل ذهنه، وهو يعني بالمقاييس الاشتقاق الكبير الذي يرجع مفردات كل مادة إلى معنى أو معان تشترك فيها هذه المفردات. وكان ابن فارس كثير الاهتمام بمبدأ القياس في اللغة.
v منهجـــــــه: بوب ابن فارس معجمه على الترتيب الألفبائي، متبعا في ذلك جمهرة ابن دريد، غير أن منهج ابن فارس في المقاييس والمجمل يختلف فيما عدا ذلك عن منهج ابن دريد في كونه طرح مبدأ التقاليب، واتخذ مبدأ الأصول في مواده اللغوية.
وقد جعل ابن فارس معجمه "المقاييس" في فصول توافق عدد حروف الهجاء، وسمى كل فصل كتابا، فكتاب للهمزة وكتاب ثان للباء وثالث للتاء... فكلمة بقل في كتاب "الباء"، وكلمة قبل في كتاب "القاف" في حين أن بقل وتقاليبها الخمســة( قلب-لقب-لبق-قبل-بلق) تجتمع معا عند ابن دريد. ثم قسم كل كتاب أو حرف ثلاثة أبواب، أي على حسب عدد الأبنية، أولها باب الثنائي المضاعف فباب الثلاثي، وأخيرا مازاد على الثلاثي من المجرد. وهذا تقسيم صغير وبسيط ومحكم، يفضل تقسيم الخليل وابن دريد، ويفوته اطرادا ويسرا. غير أن من عيوب طريقة ابن فارس في معجم "المقاييس" أن الحرف الثاني في كل كلمة لم يكن يبدأ من أول الحروف الهجائية بل من الحرف التالي لأول الكلمة، وذلك على غرار منحى ابن دريد في "الجمهرة"، فهو يجعل كل كتاب للحرف المعقود له مع ما يليه، وكأنه يعتبر الحرف المعقود له بداية للحروف. ففي كتاب "كتاب الجيم" مثلا يستهل المضاعف بكلمة جح وبعدها جخ، جد، جذ، جر، جز، جس، جم، جن، حتى ينتهي إلى جو، وعندئذ ينعطف من جديد لاستيفاء الحروف السابقة على الجيم، فيورد جأ، جب، جث. وهذا الانعطاف الغريب انفرد به ابن فارس.
وأخيرا يمكن القول بأن هذه المعاجم رغم محاولاتها الجديدة، فقد ظل التعقيد يشوب منهجها، لأنها بقيت ملتزمة بنظام التقاليب بحسب الأبنية.
3- مدرسة الترتيب الألفبائي بحسب الأواخر:
إن القواميس التي اتبعت هذه الطريقة في ترتيب مداخلها تعتبر الحرف الأخير أساسا للترتيب، وتنظر بعده للحرف الأول ثم الثاني فالثالث إن وجد، فتكون كل من أبد و أبر و أبط في باب مختلف عن الآخرين، فأبد في باب "الدال" فصل "الهمزة"، وقد اتبع هذه الطريقة ابن إسحاق الفارابي(ت350هـ)، وذلك في كتابه "ديوان الأدب". وللإشارة فإن هذا الكتاب قد جمع بين الترتيب النحوي والألفبائي.. ولقد اتبع هذا المنهج فيما بعد:
· الجوهري(ت395هـ) وذلك في قاموسه "الصحاح".
· الصاغاني(ت577هـ) وذلك في قاموسه "العباب".
· ابن منظور(ت711هـ) وذلك في قاموسه "لسان العرب".
· الفيروزآبادي(ت817هـ) وذلك في "القاموس المحيط".
· الزبيدي(ت1205هـ) وذلك في كتابه" تاج العروس".
وحسبنا في هذا المقام الضيق أن نركز على ثلاثة معاجم، تبيانا لخصائص هذه المدرسة المعجمية.
أ) تاج اللغة وصحاح العربية لأبي منصور إسماعيل بن حماد الجوهري(ت393هـ):
يقول الدكتور عبد العلي الودغيري متحدثا عن الصحاح:« فهذا هو القاموس الذي تمكن لأول مرة أن يحطم أغلب الأسس التي وضعها الخليل، ويقيم بعدها أسسا منهجية جديدة ظلت هي الأسس المعمول بها طوال القرون المتعاقبة»[14]. فماهي هذه الأسس؟
v منهجــــــــه: - قسم الجوهري الصحاح إلى ثمانية وعشرين بابا، أي لكل حرف من حروف الهجاء باب، أولها باب الهمزة، وآخرها باب الألف اللينة[15].
– تصنيف الألفاظ في كل باب على حسب الحرف الأخير، أي ترتيب الكلمات وفقا لأواخرها[16]. فكلمة بسط يبحث عنها في الصحاح في باب "الطاء"، وهذا الباب يضم جميع الكلمات المنتهية بطاء مثل: ربط و غلط وفرط وثبط.
- تجزئة كل باب إلى ثمانية وعشرين فصلا صغيرا، أي أن كل حرف من حروف الأبواب يضم ثمانية وعشرين حرفا تتعلق بأول الكلمة، وترتب هذه الكلمات بدورها أيضا ترتيبا ألفبائيا على حسب أولها داخل كل باب.
وقد أدخل الجوهري إلى منهجه عناصر أخرى[17]:
- التزام ما صح عنده من ألفاظ اللغة، وترك ما لم يصح. ومعنى هذا أنه تخلى عن فكرة الاستقصاء والشمولية اللذين سعى وراءهما الخليل وغيره.
- ضبط نطق الألفاظ بالعبارة كما فعل القالي وغيره، وذلك تجنبا للالتباس والتصحيف.
- استعمال مصطلحات خاصة به تعينه على الضبط والاختصار.
ب) لسان العرب لابن منظور(ت711هـ):
يعد "لسان العرب" من أضخم معاجم العربية قاطبة وأكثرها إسهابا وأغزرها مادة. وقد حرص ابن منظور أن يجتمع في معجمه عنصران هامان هما: الاستقصاء والترتيب، وأفاد في سبيل ذلك من جهود أسلافه، وصرح في مقدمته بأنه اعتمد على مجموعة من المعاجم التي تقدمته:« وليس لي في هذا الكتاب فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بسببها سوى أني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من العلوم...»[18].
v منهجـــــه: لا يختلف "لسان العرب" في طبيعة منهجه عن منهج "الصحاح"، فهو ينقسم أيضا إلى أبواب عددها ثمانية وعشرون، كما ينقسم كل باب من هذه الأبواب إلى فصول يبلغ أقصاها ثمانية وعشرين فصلا، ولا تختلف هذه الأبواب والفصول عن نظائرها في " الصحاح" إلا في ضخامتها وشدة تقصيها وكثرة الشواهد فيها. ومن هنا يصح القول في "اللسان" إنه أقرب شيء إلى أن يكون موسوعة شاملة في اللغة والأدب.
ج) القاموس المحيط للفيروزآبادي (ت817هـ):
v منهجــــــــه: تأثر الفيروزآبادي إلى حد كبير بصحاح الجوهري، وهذا جلي من ناحيتي الإيجاب والسلب. فهو قد ورث نظام "الصحاح" في ترتيبه الألفبائي، وفي اعتماده الحرف الأخير من اللفظ في تصنيف مواده. ومن أجل ذلك لم يكن هناك فرق أساسي بين هذين الكتابين: كتاب الصحاح وكتاب القاموس المحيط من حيث القواعد العامة للتنظيم والترتيب. وكل ما تميز به الثاني عن الأول هو مجموعة أمور جيء بها لمحاولة تلافي النقص والقصور اللذين اعتبرهما الفيروزآبادي داعيا لتأليف كتابه. وهذه الأمور تتلخص في النقط التالية[19]:
- الزيادة والاستقصاء في المواد: فقد لاحظ صاحب القاموس أن الجوهري أغفل عددا من الألفاظ والمعاني.. ولكنه مع ذلك لم يبلغ به الاستقصاء مبلغ "لسان العرب" الذي ألف قبله. وقيل إن مادته بلغت نحو 80000 في حين لا تزيد مواد "القاموس المحيط" عن 60000، ولا تزيد مادة "الصحاح" عن 40000.
- الاختصار في الشرح: وذلك عكس ما صنعه في جمع المادة المشروحة. فمن اختصاره حذفه أغلبية الشواهد (لا يعني أنه لم يهتم بها مطلقا) التي تزخر بها عادة قواميس العربية.. وحذفه أسماء الرواة واللغويين إلا في القليل، وتكثيف لغة الشرح وتركيزها إلى درجة الغموض في كثير من الأحيان.
- اتخاذ مصطلحات لضبط الألفاظ وتحقيق الرغبة الشديدة في اختصار لغة الشرح والتعريف.. وهذه بعض المصطلحات التي نص عليها المجد في خطبة القاموس:
- أنه إذا أعرى كلمة عن الضبط، فإنها بالفتح( أي بفتح أولها) إلا ما اشتهر بخلاف ذلك.
- أنه إذا قال:« وهي بهاء» بعد لفظ مذكر، فالمقصود أن تأنيث هذا اللفظ يكون بالهاء في آخره. فإذا قال مثلا كريم وهي بهاء) علم أن المؤنث من (كريم) هو (كريمة).
- أنه اتخذ رموزا للاختصار منها: م: بمعنى معروف. ع: بمعنى موضع. ج: بمعنى جمع. جج: بمعنى جمع الجمع. هـ: بمعنى قرية. د: بمعنى بلد أو بلدة. إلى غير ذلك.
نخلص مما سبق إلى أن التنظيم الذي اتبعته هذه المدرسة يمكن رده إلى سببين: أما أولا: فلعل الدافع إلى إيثار آخر حرف في الكلمة بدلا من أوله في تصنيف الألفاظ مرده إلى خصائص الكلمة العربية نفسها التي تتسم في طبيعتها بميزة الاشتقاق، والحرف الأخير من اللفظ وبخاصة لام الفعل يبدو أكثر ثباتا وتمكنا من سائر الحروف. وأما ثانيها: فلعل مرد ذلك أيضا إلى أن أكثر الألفاظ التي تحتاج إلى شرح إنما توجد في قوافي القصائد التي ينتهي رويها بحرف واحد، والشعر مصدر أساسي من مصادر اللغة والمعاجم.
4- مدرسة الترتيب الألفبائي بحسب الأوائل:
يقوم هذا النوع من الترتيب على جمع كل المداخل تحت الحرف الأول ثم ترتب وفق حرفها الثاني فالثالث وهكذا... ومن الأوائل الذين أخذوا بهذا الترتيب نجد أبا عمرو الشيباني(ت206هـ)، وذلك: في معجمه الجيم، وتبعه مجموعة من المعجميين كجار الله الزمخشري (ت538هـ) في كتابه " أساس البلاغة". وهو الكتاب الذي سنركز عليه الحديث بخصوص هذه المدرسة، ثم سنشير إلى بعض المعاجم الحديثة، التي تسير على الخطوات نفسها بشكل مجمل دون تفصيل.
أ) أساس البلاغة[20] لمحمود بن عمر بن محمد الزمخشري(ت538هـ):
v منهجـــــــــه: - صنف الزمخشري كتابه في ثمانية وعشرين بابا، كل حرف في باب أسماه كتابا، أولها كتاب الهمزة يليه كتاب "الباء" ثم "التاء" "فالثاء" "فالجيم"... إلخ.
- التزم في ترتيبه الحرف الأول وما يليه من حروف الهجاء، فعقد بابا للهمزة، فرع منه الهمزة مع الباء( أبب، أبد، أبر،أبس، أبش، أبض، أبط...وهكذا إلى أبي). وفرع منه الهمزة مع "التاء"( أتب، أتم، أتي). وفرع الهمزة مع "الحاء" ومع "الخاء" ومع "الدال"...وهكذا سار على هذا النهج في كل حرف، وبذلك يكون قد طرح الكثير من تعقيدات التبويب التي شابت المعجمات العربية قبله. ولاشك أن هذا التبويب الدقيق السهل جدير بقوله:« وقد رتب الكتاب على أشهر ترتيب متداولا، وأسهله متناولا...»[21].
- شرح المعاني الحقيقية للكلمات وأضاف إلى هذه المعاني الاستعمالات المجازية فقال مثلا في مادة (حدج): تراموا بالحدج وهو صغار الحنظل. ومن المجاز: حدجه بالسهم: رماه به، أصله الرمي بالحدج، ثم استعير للرمي بغيره... واتسعوا فقالوا: حدجه ببصره. وهكذا. وإضافة إلى جودة الترتيب تميز هذا المعجم بإفراد الحقيقة عن المجاز، وفصل الكناية عن التصريح.
ب) بعض المعاجم الحديثة:
· محيط المحيط لبطرس البستاني:
امتاز محيط المحيط بأمور منها: ترتيب مواده على حسب الحرف الأول مخالفا بذلك المحيط. كما زاد في تفصيل مواد أخرى مما أجمله الفيروزآبادي. وحذف مواد أخرى أكثرها أسماء أشخاص وقبائل. وقد أدخل البستاني ألفاظا جديدة منها ما يدل على معان تتصل بالدين المسيحي، ومنها ما هو عامي يتصل باللهجات غير الفصيحة، ومنها إيراد جانب من المصطلحات العلمية.
· أقرب الموارد: ألفه سعيد الخوري الشرتوني سنة 1889:
أسماه "أقرب الموارد في فُصح العربية والشوارد"، اعتمد فيه صاحبه على قاموس الفيروزآبادي بالإضافة إلى معظم معاجم القدماء.
· البستـــان: ألفه اللغوي اللبناني عبد الله البستاني:
يشبه في طريقته وحجمه محيط المحيط للبستاني، مع إضافة زيادات على بعض مواده. صدر عام 1930. وقد اختصر المؤلف معجمه في مجلد واحد أسماه "فاكهة البستان".
· المنجد: أخرجه الأب لويس معلوف سنة 1908:
استمد أكثر مواده من محيط المحيط للبستاني، و من بعض المعجمات القديمة.
· متن اللغة: أصدره مجمع اللغة العربية في دمشق عام 1958:
امتاز بحرصه على ذكر المجاز إلى جانب الحقيقة، واعتمد في كل ذلك على أصول المعجمات مثل اللسان و القاموس المحيط و أساس البلاغة و تاج العروس وغيرها.
· المعجم الوسيط: صدر عن المجمع اللغوي بمصر سنة 1960:
من خصائصه تشدده في هجر الحوشي والغريب، وتوسعه، في مقابل ذلك، في إدخال المصطلحات العلمية السائدة، ودعوته إلى الأخذ بما استقر من ألفاظ الحياة الشائعة.
· المعجم الكبير: صدر عن المجمع اللغوي في مصر أولا عام 1965:
و كان صدوره بداية في جزء فقط، ثم ظهر المجلد الأول من " المعجم الكبير" عام 1970، ويقتصر على حرف (الهمزة). من محامد هذا المعجم أنه يورد مع الكلمة العربية الصيغة التي وردت بها في كل اللغات السامية الأخرى: الأكادية والسريانية والحبشية والعبرية... وفي هذا فائدة كبيرة من وجهة الدراسات المقارنة للمادة اللغوية.
ثالثا: أسباب الاختلاف في الترتيب:
إن اختلاف المعاجم في وضعها وترتيبها ليست قضية فنية وتقنية، وإنما هي قضية ترجع إلى عدة أسباب منها ما يلي:
1- اختلاف نظرة المعجميين إلى ألفاظ اللغة والعلاقة بينها:
إن اختيار المعجمي لمنهجية معينة في ترتيب المداخل نابع في الأصل من نظرته الخاصة إلى ألفاظ اللغة موضوع الوصف والعلاقات بينها:
*عندما يقسم المعجمي ألفاظ اللغة إلى حقول دلالية- يعبر كل حقل منها عن مجال معين من الخبرة الإنسانية وترتبط الكلمات في داخله بعلاقات خاصة بحيث يكون معنى الكلمة ناتج من خلال علاقاتها بالكلمات الأخرى في داخل الحقل المعجمي- فإنه يرتب المداخل ترتيبا دلاليا كما هو واضح في معاجم الترادف، وهو الاشتراك في المعنى مثل الخوف والرهبة ومعاجم التوارد، وهو توارد الأفكار والخواطر حول مفهومين متقاربين مثل: السيارة، الشاحنة، الحافلة، القاطرة.
*وعندما ينظر المعجمي إلى الكون والعالم على أنه نظام من المفاهيم، وأن اللغة نظام من العلامات signes أو الاصطلاحات التي تعبر عن تلك المفاهيم، فإنه يميل إلى تقسيم مداخل معجمه حسب الموضوعات التي يتألف منها نظام المفاهيم فيرتب موضوعه ترتيبا موضوعيا[22].
* أما إذا نظر المعجمي إلى ألفاظ اللغة على أنها أفراد الأنواع وأجناس وأصناف نحوية، يشتمل كل منها على خصائص نحوية محددة تظهر في جميع أفراد ذلك النوع أو الجنس أو الصنف، فإن المعجمي يميل إلى الترتيب النحوي حيث تنظم فيه الأنواع النحوية وفق منهجية منطقية أو رياضية.
* وعندما ينظر إلى الثروة اللفظية للغة على أنها عبارة عن مجموعة من الأسر اللفظية تتألف كل أسرة فيها من الكلمات تولد من اللفظ الجذر أو الأم وفقا لصيغ صرفية معلومة.. فإن المعجمي يميل إلى اختيار الترتيب الجذري، فيدخل جميع أفراد الأسرة اللغوية تحت مدخل واحد وهو الجذر ليسهل على القارئ بسط المعلومات التركيبية والدلالية..
* أما إذا نظر المعجمي إلى الذخيرة اللغوية على أنها وحدات مستقلة داخل النظام اللغوي حيث تكون كلها متساوية وتتمتع كل واحدة منها بخصائص دلالية تميزها عن غيرها، وتمكنها من تأليف مدخل مستقل في المعجم، فإنه سيفضل الترتيب الهجائي الذي لا يفاضل بين مفردة وأخرى لأن الغرض منه التيسير على مستعمل المعجم في معرفة موضع الكلمات.
2 – اختلاف الترتيب تبعا لاختلاف الأهداف المتوخاة من تصنيف المعاجم:
إن اختلاف الترتيب راجع بالأساس إلى اختلاف الأهداف المتوخاة، وكذلك حسب نوعية القراء الذين يرمي المعجمي أن يستفيدوا من معجمه.
- فإذا كانت الغاية من المعجم عند المعجمي هي مساعدة اللغويين على حصر المخزون اللغوي بمستعمله ومهمله وقياس القوة الاشتقاقية التي تتمتع بها اللغة، فإن المعجمي يستسيغ الترتيب الصوتي والترتيب التقليبي.
- أما إذا كانت الغاية هي تزويد الطالب بما ينمق عباراته وأساليبه والتعبير بدقة عن مكونات مشاعره، فإن المعجمي قد يرتب مادته اللغوية ترتيبا دلاليا كما فعل ابن سيده في معجمه "المخصص".
- أما إذا كان هدف المعجمي هو تزويد الشعراء والكتاب بالقوافي اللازمة لنثرهم المسجوع أو لشعرهم العمودي، فإنه يميل إلى ترتيب مداخل معجمه ترتيبا ألفبائيا، ولكن بحسب الأواخر كما فعل الجوهري في "الصحاح".
خاتمــــــة:
يقول ابن منظور:« أما من أحسن جمعه فإنه لم يحسن وضعه، وأما من أجاد وضعه فإنه لم يجد جمعه. فلم يفد حسن الجمع مع إساءة الوضع، ولا نفعت إجادة الوضع مع رداءة الجمع»[23]. وبذلك يكون ابن منظور قد وفر في مقدمته نظرة نقدية إجمالية موجزة عن قضية الوضع والترتيب كما تصوره سابقوه.
وصفوة القول إن معاجمنا الأصيلة على جلال قدرها كانت تنطوي على عيوب جمة يتصل أكثرها بنظام التصنيف ونسق التأليف. ومع ذلك لا يمكننا أن نعد السابقين مقصرين فيما فعلوا، فقد كان همهم الأول الجمع والاستقصاء كما بذلوا ما وسعهم الجهد في ترتيب ما جمعوا واستقصوا برغم ضآلة ما كان بين أيديهم آنئذ من الوسائل والأدوات.
[1]- ( اللسان: عجم).
[2]-الصحاح ومدارس المعجمات العربية لعبد الغفور عطار، ص:63، والصحاح، مقدمة المحقق عبد الغفور، ص:38.
[3]-المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث، ص:9.
[4]- ( اللسان: رتب).
[5]- مجلة اللسان العربي م.1982.19: ترتيب المعجم العربي.علي القاسمي.
[6]- مصادر التراث العربي في اللغة والمعاجم والأدب والتراجم ص:165.
[7]- المعجم العربي نشأته وتطوره 1/288-289.
[8]- مصادر التراث العربي ص:173.
[9]- المعجم العربي نشأته وتطوره 1/333.
[10]- نفسه 1/356.
[11]- نفسه 1/365.
[12]- لسان العرب مقدمة ص:7.
[13]- الجمهرة 1/40.
[14]- قضايا المعجم العربي ص:98.
[15]- عمد صاحب الصحاح وأكثر أصحاب المعاجم من بعده إلى دمج حرفي الواو والياء في باب واحد، لأنهما كثيرا ما ينقلبان ألفا.
[16]- هذا المنهج الذي ابتدعه الجوهري يعرف أيضا بطريقة التقفية لأن الكلمات تتوالى خلاله على نسق الحرف الأخير الذي يشبه تتابع القوافي في القصيدة.
[17]- قضايا المعجم العربي ص:99.
[18]- لسا ن العرب مقدمة ص:8.
[19]- قضايا المعجم العربي ص: 101-104.
[20]- خصصنا هذا المعجم بدراسة مستقلة في مقال لنا نشر بجريدة الميثاق الوطني العدد 5411 .20 فبراير 1994. الملحق الثقافي.
[21]- أساس البلاغة مقدمة ص:8.
[22]- إن أصحاب هذه المعاجم ترتب الموضوعات على أبواب ثم تخص كل باب بموضوع تدرج فيه ألفاظه، ويمكن تقسيمه إلى أصحاب المعاجم الموضوعية المتخصصة والعامة.
بالنسبة للمتخصصة فهي التي تختص بموضوع واحد أو مادة علمية واحدة، وقد ظهرت بصمات هذا الترتيب في تلك الرسائل اللغوية التي ألفها اللغويون القدماء منذ القرن 3 أمثال الأصمعي(ت216هـ)، والذي ألف عددا لا يستهان به من المعاجم المتخصصة ومنها الإبل، والخيل، والوحوش، والنبات، والشجر، والأسلحة...
وأما المعاجم الموضوعية العامة فهي تلك التي تتناول المفردات التي يتألف منها متن اللغة مرتبة حسب موضوعا تها العامة. ومن المعاجم التي اتبعت هذه الطريقة" الغريب الصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت224هـ) إذ قسم كتابه إلى خمسة وعشرين موضوعا رئيسيا ( كتاب خلق الإنسان، كتاب النساء، كتاب الأطعمة...). وكل كتاب من هذه الكتب يشتمل على موضوعات متعددة يبلغ مجملها 900 موضوعا.
[23]- لسان العرب. مقدمة ص:8.
منقول
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih