علم اللسان” في المفهوم العربي، قراءة في نصّيـن تراثيـّين:
ستستند هذه المقاربة إلى نصّين من التراث العربي، لكل من الفارابي وابن خلدون، وستقف من خلالهما على تداول مصطلح (علم اللسان) في التراث العربي، وعلى مدلوله. وتجتهد في التقريب بينه و بين المفهوم الغربي الحديث الذي مرّ بنا في المبحث السابق.
أ- النص الأول:
ذكر الفارابي في (إحصاء العلوم) قوله: “علم اللسان ضربان: أحدهما حفظ الألفاظ الدالة عند أمة ما وعلى ما يدل عليه شيء منها. والثاني قوانين تلك الألفاظ.
وعلم اللسان عند كل أمة ينقسم سبعة أجزاء عظمى: علم الألفاظ المفردة، علم الألفاظ المركبة، علم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وقوانين الألفاظ عندما تركّب, وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة وقوانين تصحيح الأشعار.”10.
لعل هذا من النصوص النادرة في التراث العربي، التي تعرض بصورة صريحة مصطلح ” علم اللسان”، بهذا التفصيل. وقبل أن يتناول الفارابي أقسام علم اللسان، يحدّد مـجاليْه الواسعين اللذين تنضوي تحتهما كل الأقسام التي يفصلها بعد ذلك؛ فعلم اللسان ضربان واسعان:
أ-1- حفظ الألفاظ الدالة عند أمة ما وما يدل عليه شيء منها؛ أي معرفة الجانب المادّي للغة والإحاطة بثروتها اللفظية، دوالها ومدلولاتها. ويمكن أن نجمل هذا الضرب الأول في دراسة اللغة، في: مادة اللغة أو بنيتها.
أ-2- معرفة قوانين الألفاظ في لغة ما؛ أي الإحاطة بنظام اللغة وقوانينها الصوتية، الصرفية، النحوية والدلالية. ويلخّص هذان الضربان طبيعة اللغة البشرية في أنها مادّة ونظام، وعلى عالم اللسان الإحاطة بمعرفة المادّة (الدّوالّ والمدلولات) ومعرفة النظام (القواعد والقوانين).
هذا من حيث طبيعة العلم (علم اللسان)، وما الذي ينبغي أن يحيط به. ثم ينتقل الفارابي بعد ذلك إلى تحديد العلوم الفرعية التي تُدرَج ضمن علم اللسان، بضربيْه المذكورين، ويجعلها سبعة علوم عظمى.
وقبل تفصيل هذه العلوم، ينبغي الإشارة إلى ما في قوله (وعلم اللسان عند كل أمة) من دلالة على عالمية العلم وشموله كلّ ما يميز اللغة البشرية، وهو في هذا المنطلق لا يختلف عما قامت عليه اللسانيات
الحديثة من تعميم أسسها العلمية على مختلف اللغات البشرية، وبذلك كانت اللسانيات علما عامّا لا يخصّ لغةً بعينها، بقدر ما تقوم مفاهيمه على خصائص اللغة الإنسانية (البنية، النظام، العلامة، الدال والمدلول، الاستبدال والتوزيع …).
وكذلك، لا يجعل الفارابي أقسام علم اللسان المذكورة مقتصرة على لغة ما ولكنها أقسام (علمية) لا تخلو منها أي لغة :
أ – علم الألفاظ المفردة : هو علم يتناول دراسة الألفاظ مفردةً، فيقف على تحديد دلالتها الإفرادية ومجال استعمالها. ويمكن أنه يُصنّف –بحسب الضربين المذكورين- في الضرب الأول، كما أنه يمكن أن يقابل حديثا ما يعرف بـ (علم المفردات Lexicology).
ب – علم الألفاظ المركبة : يتناول دراسة الألفاظ مركبةً، فيقف على تحديد دلالتها التركيبية ومجالات استعمالها، وهو أيضا ينضوي ضمن الضرب الأول المتعلق بمعرفة الجانب المادّي للغة.
ويمكن أن يمثل مجموعُ القسم الأول (علم الألفاظ المفردة وعلم الألفاظ المركبة) ما يُعرف حديثا بـ (علم الدلالة / semantics)؛ حيث إنه يتناول دراسة المعنى دون تمييز بين معنى إفراديّ أو معنى تركيبي.
هذا فيما يتعلق بالأقسام التي تنضوي ضمن الضرب الأول، أما بقية الأقسام، فيبدو أنها ضمن الضرب الثاني جميعا، لاحتوائها على لفظ (قوانين)، نحو:
جـ – علم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة : والاختلاف بين هذا القسم والقسم السابق، في لفظ (قوانين)؛ حيث يجعلها ضمن معرفة النظام لا معرفة المادة، ويتناول هذا العلم قوانين بنية اللفظ المفرد وقواعده، ويقابله حديثا علم الصرف الذي يدرس بنية الكلمة دراسة إفرادية، فيقف على خصائصها الصرفية Morphology.
د- علم قوانين الألفاظ عندما تركّب: يتناول قواعد التراكيب ونظام ائتلاف الوحدات اللغوية فيما بينها، ويقابل حديثا علم التراكيب (syntax).
هـ- علم قوانين تصحيح الكتابة: موضوعه الكتابة ورسم الحروف والكلمات ونظام الخطّ في اللغة، وهو علم زهد فيه الناس اليوم، ولم يعد ذا أهمية ضمن مدوّنة العلوم اللغوية التي يُعنَون بها، و إن كانت الحاجة إلى معرفة قواعده لا تزال قائمة. ولعل من نتائج هذا الزهد في علم نظام الكتابة/ علم نظام الخطّ، ما نعيشه يوميا من هِنات كثيرة في رسم الهمز والتاء، ومواضع الألف، وحالات رسم بعض الكلمات،… و يشكو كثيرٌ من الناس –في العربية مثلا- قصورا في هذه المواضع، ولو كان هذا العلم قائما –في تقديري- إلى جانب علم الصّرف والنحو، لزالت معظم هذه المشكلات.
و- علم قوانين تصحيح القراءة: تشمل (القراءة) مختلف نواحي الأداء اللغوي والنطق بالأصوات. ولذلك يُقترح هذا العلم ليكون مقابلا لـ (علم الأصوات/ phonetics) حديثا، على ما في تسمية (قوانين تصحيح القراءة) من تجاوز للأداء الصوتي الموضوعي، إلى الأداء الفني والوظيفي للغة؛ فليس النطق مقصورا على الصوت وحده، بقدر ما هو نطق للغة وتمـثُّـلٌ لحالات دلالاتها المتعددة. و بذلك فالتسمية (قراءة) تكون أكثر إحالة على نطق اللغة وأدائها.
ح- قوانين تصحيح الأشعار: هو سابع أقسام علم اللسان عند الفارابي، وموضوعه تصحيح الأشعار، و لفظ (الأشعار) إحاليّ أيضا، مثل: لفظ (القراءة) في القسم السابق، ويمكن أن يشمل نظامَ كلِّ الأشكال الأدبية بفنونها المختلفة، وقواعد تحريرها؛ من قوانين الخطبة مثلا، إلى قوانين القصيدة، إلى قوانين المقامة، على القصة والرواية… ولعلّ في هذا القسم جانبا هامّا ينبغي الالتفات إليه، لأنه ينظر إلى النص الأدبي (الفني) نظرة متكاملة؛ حيث يميز بين جانبه الفني وجانبه العلمي أو التقني. ففي القصيدة مثلا جانب فني متعلق بالقريحة ومستوى التجربة وسَخاء الإلهام، وفيها أيضا جانب تقني/ علمي، ينبغي أن يحيط به الشاعر لينظم نصا جديرا بلقب “الشعر” و قمينا بالإحتفاء، وهذا الجانب العلمي كما يمكن أن يُوهب إلهاما، يمكن له أيضا أن يُتعلم ويُكتسب.
فالأدب -حسَب هذا القسم إذاً- علمٌ وفنّ؛ علمٌ من حيث قوانينه وقواعدُه، وفنّ من حيث معاينته وتجربته وخيالاته وتصويرُه.
وأقترح لهذا القسم تسمية علم (الصناعة الأدبية)، ويمكن أن يشمل علم العروض مثلا (في الشعر)، وعلم البلاغة بمختلف أقسامها، وكل ماله علاقة بقواعد صناعة الأدب.
ولعلّ هذا العلم أيضا يشكو زهد بعض الناس اليوم فيه، مثل (علم قوانين الكتابة). ومن نتائج هذا الزهد ضياع الكثير من الإمكانات البشرية الفنية في صناعة الأدب، فكم من موهبة أدبية أو تجربة فنية رائدة ضاعت في مدارج الرياح، لأننا لم نوفر لها سبيلا لمعرفة قوانين صياغة هذه التجربة، ونظام توجيه هذه الموهبة … و غير ذلك.
و إذا ما نظرنا إلى هذه الأقسام السبعة نظرة رأسية، يمكن أن نحدد منها أربعة أقسام، هي (علم الدلالة، علم التراكيب، علم الصرف، علم الصوت ) وهي مرتبة من الكل إلى الجزء أو من العامّ إلى الخاصّ – وهذا موافق لمنهجٍ من مناهج البحث في العلوم عند القدماء- والعلوم الأربعة هذه، هي ما يشكّلُ مفهوم (علم اللسان) الحديث عند (دي سوسير).
و يُضاف إليها في مفهوم (علم اللسان) عند الفارابي قسمان آخران، هما: علم قوانين الكتابة وعلم قوانين الصناعة الأدبية.
ب- النص الثاني:
نجد مصطلح اللسان شائعا في مقدمة ابن خلدون***، ويوصف بأنه موضوعٌ للدراسة العلمية، ولقد أفرد فصلا عنوانه (في علوم اللسان العربي) 11 ، أدرج ضمنه: “علم النحو، علم اللغة، علم البيان وعلم الأدب.”.
- علم النحو: بعموم إطلاقه، يستخدم قديما للدلالة على قوانين اللغة من صوت وصرف وتراكيب. و هو (علم النحو) الذي عرفه الأوائل من قبل أن تجزّأ علوم اللغة، ويظهر في (الكتاب) لسيبويه مثلا.
- علم اللغة: هو العلم بالثروة اللفظية في اللغة، والإحاطة بدوالها ومدلولاتها، ويظهر في (العين) للفراهيدي، و(الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها) لابن فارس، و(الخصائص) لابن جنّي، وغيرهم.
ومن خلال هذين القسمين، يتضح الضربان اللذان حدّدهما الفارابي من قبل؛ فـ(علم النحو) علمٌ بالنظام، و(علم اللغة) علمٌ بالمادة.
- علم البيان: وهو العلم بالبيان بمفهومه المطلق في الآية الكريمة: “خلق الإنسان، علّمه البيان”12 ويشمل كل ما يندرج في معرفته طرق البيان وأساليبه و أفانينه، من بلاغة وغيرها.
- علم الأدب: هو العلم بالجانب العلمي، التقني في الأدب، والإحاطة بقوانين الصناعة الأدبية.
وبمقارنة سريعة بين أقسام (علم اللسان) عند الفارابي، وأقسامه عند (ابن خلدون) يتضح أن الفارابي أكثر إيغالا في تفصيل علوم اللسان وتجزئتها، خلافا لابن خلدون الذي فضّل مذهب الإجمال، وإن كانا لا يختلفان فيما يشمله علم اللسان عموما.
فعلم الأدب عند ابن خلدون هو علم قوانين تصحيح الأشعار عند الفارابي، وعلم النحو يشمل علم قوانين الألفاظ المفردة وقوانين الألفاظ المركبة وعلم تصحيح القراءة.
و علم اللّغة يشمل القسمين الأولين: علم الألفاظ المفردة وعلم الألفاظ المركبة. أما علم البيان، فيأخذ بعضا مما يشمله (علم الأدب) و(علم البلاغة العربية).
و لأن ابن خلدون يصنّف ضمن المتأخّرين عن الفارابي، فقد أغفل الحديث عن قسم يتناول علم قوانين الكتابة والإملاء.
وإذا ما تناولنا النصين معا، في نظرة إجمالية لا نجد بينهما فرقا لصياغة مفهوم عربيّ لـ (علم اللّسان):
هو علم موضوعُه اللغة وتطبيقاتها؛ حيث يشمل دراسةَ جانبها المادي (الدالّ والمدلولات) ونظامها (القواعد الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية)، ويتجاوز ذلك إلى العلم بقوانين الصناعة الأدبية (بعدّها ممارسةً للغة) والعلم بقوانين الرسم والكتابة.
و إذا ما قارنا هذا المفهوم بـ (علم اللّسان) في مفهومه الحديث اتضح الاتفاق في أنّ كلا من المفهوم العربي و المفهوم الغربي الحديث يقوم على مبدإ أن علم اللسان علمٌ شاملٌ لا يخصّ لغة بعينها، ويجتهد في تقديم مفاهيم عامة لمجموع أشكال اللغة البشريّة.
أما من حيث نقاط التباين فإن المفهوم العربي لـ (علم اللسان) أشمل وأوسع من المفهوم الحديث –مع الاعتداد بالظروف العلمية والحضارية والفكرية لكل مفهوم، ولا ينبغي معالجة هذا التمايز بعيدا عن هذه الاختلافات- كونه يتجاوز العلم باللغة في ذاتها (نحو ما حدّده دي سوسير) إلى العلم بمجالات استخدامها. وفي هذا الفرق عدّة ملاحظات أهمّها:
- إنّ الثقافة العربية القديمة لم تنشأ على التجزيء، بقدر ما انطلقت من الكليات: فلم تفصل بين اللغة و الأدب، ولا بين علم النحو وعلم اللغة والبلاغة، لأنها في منظورها بنية واحدة، وكيان موحّد لا ينبغي فصل أجزائه. ولعلّ ذلك –من ناحية أخرى- سمة مميزة لها، لا ينبغي أن نشترطها في الثقافات الأخرى، لنحفظ شيئا من الخصوصية بين ثقافات الشعوب، وإن كنا في موضوع اللغة بالذات من حيث هي علم لا نعتني كثيرا بهذه الفروق.
- إن الثقافة الحديثة عموما، نشأت في ظروف تقوم على الجزئيات، والبحث في العلاقات بين بُنى الأشياء، ولذلك فظروف تأسيس (علم اللسان) عند (دي سوسير) كانت تقتضي أن ينظر إليه نظرة مجزّأة داعية إلى الاستقلال؛ حيث فصل اللغة عن الفلسفة ليؤسّس علما مستقلا لها، ولكن هذا الفصل ظرفـيّ –في تقديري- إذ سرعان ما عادت البحوث اللغوية إلى حضيرة الفلسفة (والفلسفة التحليلية) على الأقل بعد نحو 40 سنة تقريبا لدى الألمان والإنجليز، ثم إلى حضيرة العلوم الاجتماعية في السبعينيات من القرن الماضي لدى الألمان أيضا والانجليز والأمريكان والفرنسيين.
و لعل أحدث الاتجاهات اللسانية اليوم هي التي تستغلّ مختلف الظروف التي تُستعمل فيها اللغة، وهي نتاح لكل هذه التحوّلات، فيما يعرف بـ (اللسانيات التداولية).
* كاتب وشاعر، أستاذ محاضر، جامعة سطيف ، الجزائر.
الإحالات:
1- فردينان دي سوسير: (1857-1913) ولد بجنيف، درس الفيزياء والكيمياء، لكنه استجاب إلى ميولاته اللغوية بمقالة حول أصل اللغات كتبها وهو في الخامسة عشر من عمره. درس الفارسية، الإيرلندية القديمة، السلافية القديمة واللاتينية، وكان يشارك في نقاشات النحاة الجدد ببرلين.قدم مذكرته الجامعية الأولى في 1879، بعنوان: le système primitif des voyelles dans les langues indoeuropéènnes
وناقش بعدها رسالته للدكتوراه، في 1880، حول: De l’emploi du génitif absolu en sanskrit
ثم انتقل إلى باريس ليكمل تقديم محاضرات في النحو المقارن لـ: ميشال بريال في مدرسة الدراسات العليا. وفي 1907 ينتقل إلى جنيف ليقدم خلاصة أفكاره في محاضرات للطلاب حول نظام اللغة وقواعدها، لتُجمع بعده في كتاب، ينشر في 1916، بعنوان: Cours de linguistique générale
( محاضرات في اللسانيات العامة) على يد شارل بالي وألبير سيشهاي انطلاقا من الملاحظات التي أوردها في محاضراته المقدمة بجامعة جنيف، في 1906/1907، 1908/1909 و1910/1911.
إميل دوركايم : هو زعيم المدرسة الفرنسية لعلم الاجتماع، وهو منشئ علم الاجتماع الحديث، ويعتبر أحد دعائم الحركة العلمية بصفة علمية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، ولقد أدت كتاباته في الفلسفة الاجتماعية إلى ذيوع شهرته. وبناءاً على ذلك كلف بتدريس الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بوردو .
سيجموند فرويد: ولد عام 1856في مدينة فريبورغ، وعاش في فينا من سنته الرابعة، درس الطب وعلم الأحياء. و تابع دراسته بالعلوم. تعمّق بدراسة الخلايا العصبية بالمجهر مما زرع به حب العلوم التي تدور حول الوظيفة العصبية و النفسية. ترك التدريس الجامعي وفتح عيادة طبية بدأ بها الاهتمام بالاضطرابات النفسية. انتقل إلى باريس و تعاون مع شاركو واكتشفا معا التنويم المغنطيس.
*- ولعل الظاهرة الاجتماعية بمفهومها الاجتماعي أوسع مما تقدمه اللغة؛ إذ أن من أهم ما يميزها، أنها ليست من وضع الأفراد، وتظهر بالتدريج، كما تزول بالتدريج أيضا.
2- فردينان دي سوسير: علم اللغة العام، ترجمة الدكتور يوئيل يوسف عزيز، مراجعة النص العربي د مالك يوسف المطلبي، العراق، بيت الموصل، 1988، ص 21.
- اختلفت الترجمة العربية لمصطلحي دي سوسير langage و langue؛ فترحمت الأولى إلى لغة ولسان، وترجمت الثانية إلى كليهما أيضا. وتستخدمهما اليوم المؤلفات العربية بالترجمتين معا. ولإزالة أي غموض، أنصح للطلاب باستخدام langage / لغة : للدلالة على الظاهرة الإنسانية كما حددها دي سوسير. أما langue / لسان، فعلى الظاهرة الاجتماعية. وذلك –في تقديري- موافق لدلالة كل منهما في المنظومة المعرفية العربية؛ حيث دلّ اللسان في معظم استخداماته، في النص الجاهلي والقرآن الكريم، على التنوع اللغوي، واستخدام اللغة بهذا المعنى متأخر عنه، فهو الظاهرة الاجتماعية. والأفضل لنا أن نحتفظ بالتمييز بين مستويات اللغة الثلاثة مفهوميا، لئلا نتيه في تعدّد المصطلحات.
3- فردينان دي سوسير: علم اللغة العام، ص 20.
4- المرجع نفسه، ص27.
5- عبد العزيز حمودة: المرايا المقعرة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، رقم 272، ص 257.
6- فردينان دي سوسير: محاضرات في الألسنية العامة، ص 39.
7- jean dubois et autres: dictionnaire de linguistique, France, larrousse, 1988, p401
8 – georges mounin: dictionnaire de la linguistique, France, quadrige, puf,1993, p204.
9- jean perrot: la linguistique, que sais-je, France,puf, 16 di , 1998, p91.
10- الفارابي (أبو نصر محمد بن طرخان): إحصاء العلوم، تحقيق عثمان أمين، القاهرة، 1931، ص18.
الفارابي: هو أبو نصر محمد بن طرخان ولد سنة 259هـ في فاراب من بلاد الترك من أرض خراسان، وهو فارسي المنسب، وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى الشام، وأقام بها إلى حين وفاته.
كان متقناً للفلسفة، بارعاً في العلوم الرياضية، وكانت له قوة في صناعة الطب، ولم يباشر أعمالها.
وكان يحسن عدة لغات غير العربية: منها التركية، والفارسية، ويلم بالسريانية.
أما وفاته فكانت في رجب سنة 339هـ عند سيف الدولة علي بن حمدان في خلافة الراضي، وصلى عليه سيف الدولة في دمشق في خمسة عشر رجلا من خاصته.
*** ابن خلدون: هو ولي الدين بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي المولود في تونس عام 1332م (732هـ) أسرته أسرة علم وأدب. قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر، وعمل بالتدريس في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامع القرويين في فاس وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة. وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيها متميزا خاصة انه سليل المدرسة الزيتونية العريقة. وتوفي في مصر عام 1406م، ودفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال القاهرة.
11- ابن خلدون: المقدمة، بيروت، دار صادر، ، ط1، 2000، ص 441، 447.
12- سورة الرحمن، الآيتان: 3 و4.
المراجع:
- ابن خلدون: المقدمة، بيروت، دار صادر، ، ط1، 2000.
- عبد العزيز حمودة: المرايا المقعرة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، رقم 272.
- الفارابي (أبو نصر محمد بن طرخان): إحصاء العلوم، تحقيق عثمان أمين، القاهرة، 1931.
- فردينان دي سوسير: علم اللغة العام، ترجمة الدكتور يوئيل يوسف عزيز، مراجعة النص العربي د مالك يوسف المطلبي، العراق، بيت الموصل، 1988.
المراجع بالفرنسية:
- jean dubois et autres: dictionnaire de linguistique, France, larrousse, 1988.
- georges mounin: dictionnaire de la linguistique, France, quadrige, puf,1993.
- jean perrot: la linguistique, que sais-je, France,puf, 16 di , 1998
المــــــــــــــــــــصدر
ستستند هذه المقاربة إلى نصّين من التراث العربي، لكل من الفارابي وابن خلدون، وستقف من خلالهما على تداول مصطلح (علم اللسان) في التراث العربي، وعلى مدلوله. وتجتهد في التقريب بينه و بين المفهوم الغربي الحديث الذي مرّ بنا في المبحث السابق.
أ- النص الأول:
ذكر الفارابي في (إحصاء العلوم) قوله: “علم اللسان ضربان: أحدهما حفظ الألفاظ الدالة عند أمة ما وعلى ما يدل عليه شيء منها. والثاني قوانين تلك الألفاظ.
وعلم اللسان عند كل أمة ينقسم سبعة أجزاء عظمى: علم الألفاظ المفردة، علم الألفاظ المركبة، علم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة، وقوانين الألفاظ عندما تركّب, وقوانين تصحيح الكتابة، وقوانين تصحيح القراءة وقوانين تصحيح الأشعار.”10.
لعل هذا من النصوص النادرة في التراث العربي، التي تعرض بصورة صريحة مصطلح ” علم اللسان”، بهذا التفصيل. وقبل أن يتناول الفارابي أقسام علم اللسان، يحدّد مـجاليْه الواسعين اللذين تنضوي تحتهما كل الأقسام التي يفصلها بعد ذلك؛ فعلم اللسان ضربان واسعان:
أ-1- حفظ الألفاظ الدالة عند أمة ما وما يدل عليه شيء منها؛ أي معرفة الجانب المادّي للغة والإحاطة بثروتها اللفظية، دوالها ومدلولاتها. ويمكن أن نجمل هذا الضرب الأول في دراسة اللغة، في: مادة اللغة أو بنيتها.
أ-2- معرفة قوانين الألفاظ في لغة ما؛ أي الإحاطة بنظام اللغة وقوانينها الصوتية، الصرفية، النحوية والدلالية. ويلخّص هذان الضربان طبيعة اللغة البشرية في أنها مادّة ونظام، وعلى عالم اللسان الإحاطة بمعرفة المادّة (الدّوالّ والمدلولات) ومعرفة النظام (القواعد والقوانين).
هذا من حيث طبيعة العلم (علم اللسان)، وما الذي ينبغي أن يحيط به. ثم ينتقل الفارابي بعد ذلك إلى تحديد العلوم الفرعية التي تُدرَج ضمن علم اللسان، بضربيْه المذكورين، ويجعلها سبعة علوم عظمى.
وقبل تفصيل هذه العلوم، ينبغي الإشارة إلى ما في قوله (وعلم اللسان عند كل أمة) من دلالة على عالمية العلم وشموله كلّ ما يميز اللغة البشرية، وهو في هذا المنطلق لا يختلف عما قامت عليه اللسانيات
الحديثة من تعميم أسسها العلمية على مختلف اللغات البشرية، وبذلك كانت اللسانيات علما عامّا لا يخصّ لغةً بعينها، بقدر ما تقوم مفاهيمه على خصائص اللغة الإنسانية (البنية، النظام، العلامة، الدال والمدلول، الاستبدال والتوزيع …).
وكذلك، لا يجعل الفارابي أقسام علم اللسان المذكورة مقتصرة على لغة ما ولكنها أقسام (علمية) لا تخلو منها أي لغة :
أ – علم الألفاظ المفردة : هو علم يتناول دراسة الألفاظ مفردةً، فيقف على تحديد دلالتها الإفرادية ومجال استعمالها. ويمكن أنه يُصنّف –بحسب الضربين المذكورين- في الضرب الأول، كما أنه يمكن أن يقابل حديثا ما يعرف بـ (علم المفردات Lexicology).
ب – علم الألفاظ المركبة : يتناول دراسة الألفاظ مركبةً، فيقف على تحديد دلالتها التركيبية ومجالات استعمالها، وهو أيضا ينضوي ضمن الضرب الأول المتعلق بمعرفة الجانب المادّي للغة.
ويمكن أن يمثل مجموعُ القسم الأول (علم الألفاظ المفردة وعلم الألفاظ المركبة) ما يُعرف حديثا بـ (علم الدلالة / semantics)؛ حيث إنه يتناول دراسة المعنى دون تمييز بين معنى إفراديّ أو معنى تركيبي.
هذا فيما يتعلق بالأقسام التي تنضوي ضمن الضرب الأول، أما بقية الأقسام، فيبدو أنها ضمن الضرب الثاني جميعا، لاحتوائها على لفظ (قوانين)، نحو:
جـ – علم قوانين الألفاظ عندما تكون مفردة : والاختلاف بين هذا القسم والقسم السابق، في لفظ (قوانين)؛ حيث يجعلها ضمن معرفة النظام لا معرفة المادة، ويتناول هذا العلم قوانين بنية اللفظ المفرد وقواعده، ويقابله حديثا علم الصرف الذي يدرس بنية الكلمة دراسة إفرادية، فيقف على خصائصها الصرفية Morphology.
د- علم قوانين الألفاظ عندما تركّب: يتناول قواعد التراكيب ونظام ائتلاف الوحدات اللغوية فيما بينها، ويقابل حديثا علم التراكيب (syntax).
هـ- علم قوانين تصحيح الكتابة: موضوعه الكتابة ورسم الحروف والكلمات ونظام الخطّ في اللغة، وهو علم زهد فيه الناس اليوم، ولم يعد ذا أهمية ضمن مدوّنة العلوم اللغوية التي يُعنَون بها، و إن كانت الحاجة إلى معرفة قواعده لا تزال قائمة. ولعل من نتائج هذا الزهد في علم نظام الكتابة/ علم نظام الخطّ، ما نعيشه يوميا من هِنات كثيرة في رسم الهمز والتاء، ومواضع الألف، وحالات رسم بعض الكلمات،… و يشكو كثيرٌ من الناس –في العربية مثلا- قصورا في هذه المواضع، ولو كان هذا العلم قائما –في تقديري- إلى جانب علم الصّرف والنحو، لزالت معظم هذه المشكلات.
و- علم قوانين تصحيح القراءة: تشمل (القراءة) مختلف نواحي الأداء اللغوي والنطق بالأصوات. ولذلك يُقترح هذا العلم ليكون مقابلا لـ (علم الأصوات/ phonetics) حديثا، على ما في تسمية (قوانين تصحيح القراءة) من تجاوز للأداء الصوتي الموضوعي، إلى الأداء الفني والوظيفي للغة؛ فليس النطق مقصورا على الصوت وحده، بقدر ما هو نطق للغة وتمـثُّـلٌ لحالات دلالاتها المتعددة. و بذلك فالتسمية (قراءة) تكون أكثر إحالة على نطق اللغة وأدائها.
ح- قوانين تصحيح الأشعار: هو سابع أقسام علم اللسان عند الفارابي، وموضوعه تصحيح الأشعار، و لفظ (الأشعار) إحاليّ أيضا، مثل: لفظ (القراءة) في القسم السابق، ويمكن أن يشمل نظامَ كلِّ الأشكال الأدبية بفنونها المختلفة، وقواعد تحريرها؛ من قوانين الخطبة مثلا، إلى قوانين القصيدة، إلى قوانين المقامة، على القصة والرواية… ولعلّ في هذا القسم جانبا هامّا ينبغي الالتفات إليه، لأنه ينظر إلى النص الأدبي (الفني) نظرة متكاملة؛ حيث يميز بين جانبه الفني وجانبه العلمي أو التقني. ففي القصيدة مثلا جانب فني متعلق بالقريحة ومستوى التجربة وسَخاء الإلهام، وفيها أيضا جانب تقني/ علمي، ينبغي أن يحيط به الشاعر لينظم نصا جديرا بلقب “الشعر” و قمينا بالإحتفاء، وهذا الجانب العلمي كما يمكن أن يُوهب إلهاما، يمكن له أيضا أن يُتعلم ويُكتسب.
فالأدب -حسَب هذا القسم إذاً- علمٌ وفنّ؛ علمٌ من حيث قوانينه وقواعدُه، وفنّ من حيث معاينته وتجربته وخيالاته وتصويرُه.
وأقترح لهذا القسم تسمية علم (الصناعة الأدبية)، ويمكن أن يشمل علم العروض مثلا (في الشعر)، وعلم البلاغة بمختلف أقسامها، وكل ماله علاقة بقواعد صناعة الأدب.
ولعلّ هذا العلم أيضا يشكو زهد بعض الناس اليوم فيه، مثل (علم قوانين الكتابة). ومن نتائج هذا الزهد ضياع الكثير من الإمكانات البشرية الفنية في صناعة الأدب، فكم من موهبة أدبية أو تجربة فنية رائدة ضاعت في مدارج الرياح، لأننا لم نوفر لها سبيلا لمعرفة قوانين صياغة هذه التجربة، ونظام توجيه هذه الموهبة … و غير ذلك.
و إذا ما نظرنا إلى هذه الأقسام السبعة نظرة رأسية، يمكن أن نحدد منها أربعة أقسام، هي (علم الدلالة، علم التراكيب، علم الصرف، علم الصوت ) وهي مرتبة من الكل إلى الجزء أو من العامّ إلى الخاصّ – وهذا موافق لمنهجٍ من مناهج البحث في العلوم عند القدماء- والعلوم الأربعة هذه، هي ما يشكّلُ مفهوم (علم اللسان) الحديث عند (دي سوسير).
و يُضاف إليها في مفهوم (علم اللسان) عند الفارابي قسمان آخران، هما: علم قوانين الكتابة وعلم قوانين الصناعة الأدبية.
ب- النص الثاني:
نجد مصطلح اللسان شائعا في مقدمة ابن خلدون***، ويوصف بأنه موضوعٌ للدراسة العلمية، ولقد أفرد فصلا عنوانه (في علوم اللسان العربي) 11 ، أدرج ضمنه: “علم النحو، علم اللغة، علم البيان وعلم الأدب.”.
- علم النحو: بعموم إطلاقه، يستخدم قديما للدلالة على قوانين اللغة من صوت وصرف وتراكيب. و هو (علم النحو) الذي عرفه الأوائل من قبل أن تجزّأ علوم اللغة، ويظهر في (الكتاب) لسيبويه مثلا.
- علم اللغة: هو العلم بالثروة اللفظية في اللغة، والإحاطة بدوالها ومدلولاتها، ويظهر في (العين) للفراهيدي، و(الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها) لابن فارس، و(الخصائص) لابن جنّي، وغيرهم.
ومن خلال هذين القسمين، يتضح الضربان اللذان حدّدهما الفارابي من قبل؛ فـ(علم النحو) علمٌ بالنظام، و(علم اللغة) علمٌ بالمادة.
- علم البيان: وهو العلم بالبيان بمفهومه المطلق في الآية الكريمة: “خلق الإنسان، علّمه البيان”12 ويشمل كل ما يندرج في معرفته طرق البيان وأساليبه و أفانينه، من بلاغة وغيرها.
- علم الأدب: هو العلم بالجانب العلمي، التقني في الأدب، والإحاطة بقوانين الصناعة الأدبية.
وبمقارنة سريعة بين أقسام (علم اللسان) عند الفارابي، وأقسامه عند (ابن خلدون) يتضح أن الفارابي أكثر إيغالا في تفصيل علوم اللسان وتجزئتها، خلافا لابن خلدون الذي فضّل مذهب الإجمال، وإن كانا لا يختلفان فيما يشمله علم اللسان عموما.
فعلم الأدب عند ابن خلدون هو علم قوانين تصحيح الأشعار عند الفارابي، وعلم النحو يشمل علم قوانين الألفاظ المفردة وقوانين الألفاظ المركبة وعلم تصحيح القراءة.
و علم اللّغة يشمل القسمين الأولين: علم الألفاظ المفردة وعلم الألفاظ المركبة. أما علم البيان، فيأخذ بعضا مما يشمله (علم الأدب) و(علم البلاغة العربية).
و لأن ابن خلدون يصنّف ضمن المتأخّرين عن الفارابي، فقد أغفل الحديث عن قسم يتناول علم قوانين الكتابة والإملاء.
وإذا ما تناولنا النصين معا، في نظرة إجمالية لا نجد بينهما فرقا لصياغة مفهوم عربيّ لـ (علم اللّسان):
هو علم موضوعُه اللغة وتطبيقاتها؛ حيث يشمل دراسةَ جانبها المادي (الدالّ والمدلولات) ونظامها (القواعد الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية)، ويتجاوز ذلك إلى العلم بقوانين الصناعة الأدبية (بعدّها ممارسةً للغة) والعلم بقوانين الرسم والكتابة.
و إذا ما قارنا هذا المفهوم بـ (علم اللّسان) في مفهومه الحديث اتضح الاتفاق في أنّ كلا من المفهوم العربي و المفهوم الغربي الحديث يقوم على مبدإ أن علم اللسان علمٌ شاملٌ لا يخصّ لغة بعينها، ويجتهد في تقديم مفاهيم عامة لمجموع أشكال اللغة البشريّة.
أما من حيث نقاط التباين فإن المفهوم العربي لـ (علم اللسان) أشمل وأوسع من المفهوم الحديث –مع الاعتداد بالظروف العلمية والحضارية والفكرية لكل مفهوم، ولا ينبغي معالجة هذا التمايز بعيدا عن هذه الاختلافات- كونه يتجاوز العلم باللغة في ذاتها (نحو ما حدّده دي سوسير) إلى العلم بمجالات استخدامها. وفي هذا الفرق عدّة ملاحظات أهمّها:
- إنّ الثقافة العربية القديمة لم تنشأ على التجزيء، بقدر ما انطلقت من الكليات: فلم تفصل بين اللغة و الأدب، ولا بين علم النحو وعلم اللغة والبلاغة، لأنها في منظورها بنية واحدة، وكيان موحّد لا ينبغي فصل أجزائه. ولعلّ ذلك –من ناحية أخرى- سمة مميزة لها، لا ينبغي أن نشترطها في الثقافات الأخرى، لنحفظ شيئا من الخصوصية بين ثقافات الشعوب، وإن كنا في موضوع اللغة بالذات من حيث هي علم لا نعتني كثيرا بهذه الفروق.
- إن الثقافة الحديثة عموما، نشأت في ظروف تقوم على الجزئيات، والبحث في العلاقات بين بُنى الأشياء، ولذلك فظروف تأسيس (علم اللسان) عند (دي سوسير) كانت تقتضي أن ينظر إليه نظرة مجزّأة داعية إلى الاستقلال؛ حيث فصل اللغة عن الفلسفة ليؤسّس علما مستقلا لها، ولكن هذا الفصل ظرفـيّ –في تقديري- إذ سرعان ما عادت البحوث اللغوية إلى حضيرة الفلسفة (والفلسفة التحليلية) على الأقل بعد نحو 40 سنة تقريبا لدى الألمان والإنجليز، ثم إلى حضيرة العلوم الاجتماعية في السبعينيات من القرن الماضي لدى الألمان أيضا والانجليز والأمريكان والفرنسيين.
و لعل أحدث الاتجاهات اللسانية اليوم هي التي تستغلّ مختلف الظروف التي تُستعمل فيها اللغة، وهي نتاح لكل هذه التحوّلات، فيما يعرف بـ (اللسانيات التداولية).
* كاتب وشاعر، أستاذ محاضر، جامعة سطيف ، الجزائر.
الإحالات:
1- فردينان دي سوسير: (1857-1913) ولد بجنيف، درس الفيزياء والكيمياء، لكنه استجاب إلى ميولاته اللغوية بمقالة حول أصل اللغات كتبها وهو في الخامسة عشر من عمره. درس الفارسية، الإيرلندية القديمة، السلافية القديمة واللاتينية، وكان يشارك في نقاشات النحاة الجدد ببرلين.قدم مذكرته الجامعية الأولى في 1879، بعنوان: le système primitif des voyelles dans les langues indoeuropéènnes
وناقش بعدها رسالته للدكتوراه، في 1880، حول: De l’emploi du génitif absolu en sanskrit
ثم انتقل إلى باريس ليكمل تقديم محاضرات في النحو المقارن لـ: ميشال بريال في مدرسة الدراسات العليا. وفي 1907 ينتقل إلى جنيف ليقدم خلاصة أفكاره في محاضرات للطلاب حول نظام اللغة وقواعدها، لتُجمع بعده في كتاب، ينشر في 1916، بعنوان: Cours de linguistique générale
( محاضرات في اللسانيات العامة) على يد شارل بالي وألبير سيشهاي انطلاقا من الملاحظات التي أوردها في محاضراته المقدمة بجامعة جنيف، في 1906/1907، 1908/1909 و1910/1911.
إميل دوركايم : هو زعيم المدرسة الفرنسية لعلم الاجتماع، وهو منشئ علم الاجتماع الحديث، ويعتبر أحد دعائم الحركة العلمية بصفة علمية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، ولقد أدت كتاباته في الفلسفة الاجتماعية إلى ذيوع شهرته. وبناءاً على ذلك كلف بتدريس الاجتماع في كلية الآداب بجامعة بوردو .
سيجموند فرويد: ولد عام 1856في مدينة فريبورغ، وعاش في فينا من سنته الرابعة، درس الطب وعلم الأحياء. و تابع دراسته بالعلوم. تعمّق بدراسة الخلايا العصبية بالمجهر مما زرع به حب العلوم التي تدور حول الوظيفة العصبية و النفسية. ترك التدريس الجامعي وفتح عيادة طبية بدأ بها الاهتمام بالاضطرابات النفسية. انتقل إلى باريس و تعاون مع شاركو واكتشفا معا التنويم المغنطيس.
*- ولعل الظاهرة الاجتماعية بمفهومها الاجتماعي أوسع مما تقدمه اللغة؛ إذ أن من أهم ما يميزها، أنها ليست من وضع الأفراد، وتظهر بالتدريج، كما تزول بالتدريج أيضا.
2- فردينان دي سوسير: علم اللغة العام، ترجمة الدكتور يوئيل يوسف عزيز، مراجعة النص العربي د مالك يوسف المطلبي، العراق، بيت الموصل، 1988، ص 21.
- اختلفت الترجمة العربية لمصطلحي دي سوسير langage و langue؛ فترحمت الأولى إلى لغة ولسان، وترجمت الثانية إلى كليهما أيضا. وتستخدمهما اليوم المؤلفات العربية بالترجمتين معا. ولإزالة أي غموض، أنصح للطلاب باستخدام langage / لغة : للدلالة على الظاهرة الإنسانية كما حددها دي سوسير. أما langue / لسان، فعلى الظاهرة الاجتماعية. وذلك –في تقديري- موافق لدلالة كل منهما في المنظومة المعرفية العربية؛ حيث دلّ اللسان في معظم استخداماته، في النص الجاهلي والقرآن الكريم، على التنوع اللغوي، واستخدام اللغة بهذا المعنى متأخر عنه، فهو الظاهرة الاجتماعية. والأفضل لنا أن نحتفظ بالتمييز بين مستويات اللغة الثلاثة مفهوميا، لئلا نتيه في تعدّد المصطلحات.
3- فردينان دي سوسير: علم اللغة العام، ص 20.
4- المرجع نفسه، ص27.
5- عبد العزيز حمودة: المرايا المقعرة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، رقم 272، ص 257.
6- فردينان دي سوسير: محاضرات في الألسنية العامة، ص 39.
7- jean dubois et autres: dictionnaire de linguistique, France, larrousse, 1988, p401
8 – georges mounin: dictionnaire de la linguistique, France, quadrige, puf,1993, p204.
9- jean perrot: la linguistique, que sais-je, France,puf, 16 di , 1998, p91.
10- الفارابي (أبو نصر محمد بن طرخان): إحصاء العلوم، تحقيق عثمان أمين، القاهرة، 1931، ص18.
الفارابي: هو أبو نصر محمد بن طرخان ولد سنة 259هـ في فاراب من بلاد الترك من أرض خراسان، وهو فارسي المنسب، وكان ببغداد مدة ثم انتقل إلى الشام، وأقام بها إلى حين وفاته.
كان متقناً للفلسفة، بارعاً في العلوم الرياضية، وكانت له قوة في صناعة الطب، ولم يباشر أعمالها.
وكان يحسن عدة لغات غير العربية: منها التركية، والفارسية، ويلم بالسريانية.
أما وفاته فكانت في رجب سنة 339هـ عند سيف الدولة علي بن حمدان في خلافة الراضي، وصلى عليه سيف الدولة في دمشق في خمسة عشر رجلا من خاصته.
*** ابن خلدون: هو ولي الدين بن عبد الرحمن بن خالد (خلدون) الحضرمي المولود في تونس عام 1332م (732هـ) أسرته أسرة علم وأدب. قضى أغلب مراحل حياته في تونس والمغرب الأقصى وكتب الجزء الأول من المقدمة بقلعة أولاد سلامة بالجزائر، وعمل بالتدريس في جامع الزيتونة بتونس وفي المغرب بجامع القرويين في فاس وبعدها في الجامع الأزهر بالقاهرة. وفي آخر حياته تولى القضاء المالكي بمصر بوصفه فقيها متميزا خاصة انه سليل المدرسة الزيتونية العريقة. وتوفي في مصر عام 1406م، ودفن في مقابر الصوفية عند باب النصر شمال القاهرة.
11- ابن خلدون: المقدمة، بيروت، دار صادر، ، ط1، 2000، ص 441، 447.
12- سورة الرحمن، الآيتان: 3 و4.
المراجع:
- ابن خلدون: المقدمة، بيروت، دار صادر، ، ط1، 2000.
- عبد العزيز حمودة: المرايا المقعرة، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، رقم 272.
- الفارابي (أبو نصر محمد بن طرخان): إحصاء العلوم، تحقيق عثمان أمين، القاهرة، 1931.
- فردينان دي سوسير: علم اللغة العام، ترجمة الدكتور يوئيل يوسف عزيز، مراجعة النص العربي د مالك يوسف المطلبي، العراق، بيت الموصل، 1988.
المراجع بالفرنسية:
- jean dubois et autres: dictionnaire de linguistique, France, larrousse, 1988.
- georges mounin: dictionnaire de la linguistique, France, quadrige, puf,1993.
- jean perrot: la linguistique, que sais-je, France,puf, 16 di , 1998
المــــــــــــــــــــصدر
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih