"إعاقة الديموقراطية: الولايات المتحدة والديموقراطية"
نعوم تشومسكي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992، 489 ص.
1- ولد نعوم تشومسكي في السابع من ديسمبر من العام 1928، في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية من أبوين نزحا من روسيا في العام 1913 هربا من التجنيد الإجباري الذي تعرض له أبوه في الجيش القيصري آنئذ. وقد مرا بحياة تتسم بالفقر والحرمان شأنهما في ذلك شأن العديد من النازحين الجدد إلى أمريكا.
إلا أن والدي تشومسكي كانا حاصلين على تعليم جيد قبل وصولهما إلى أمريكا، بالتالي فلم يتعبا كثيرا في الحصول على عمل مجز. فوالد تشومسكي كان من المتخصصين البارزين في اللغة العبرية، مما أهله لتدريس اللغة إياها بأماكن متعددة بأمريكا، بل إنه ألف عددا لا بأس به من الكتب في هذا الموضوع لعل من أبرزها تحقيقه لكتاب عالم النحو اليهودي الأندلسي " ديفيد قمحي" الذي عاش في القرن السابع الهجري والذي يعتبر واحدا من الكتب الرئيسية في نحو اللغة العبرية. وهو كتاب ضخم ومتخصص قرأ نعوم تشومسكي مسودته وهو لا يزال دون الثانية عشرة من العمر.
وقد عمد والدا تشومسكي إلى إلحقاه مبكرا بمدرسة ابتدائية شديدة التأثر بفكر عالم التربية الأمريكي "جون ديوي" حيث مهمة التعليم، يقول تشومسكي فيما بعد، يجب "...أن تكون توفير الفرص من أجل أن يحقق الطفل ذاته بنفسه. فأحسن ما يمكن أن يقوم به التعليم هو توفير بيئة غنية متحدية للفرد كي يتفحصها، معتمدا على نفسه هو".
وقد تخرج تشومسكي من المدرسة إياها بتفوق كبير، ليلتحق بجامعة بنسلفانيا وهو في السادسة عشرة، وكان الطالب الوحيد الذي تخصص في تلك الفترة في دراسة اللغة العبرية بذات الجامعة فضلا عن دراسته للفلسفة واللسانيات بتزامن مع ذلك. وكان من أساتذته الذين أثروا فيه تأثيرا حاسما جورجيو ليفي ديللا فيدا، وزيلك هاريس.
حصل على الماجستير بالجامعة نفسها سنة 1951، ثم حصل على منحة للعمل باحثا في هارفارد حيث أنجز فيها بحثه المطول (ما يقرب من ألف صفحة): "البنية المنطقية للنظرية اللسانية" خارجا من حينه عن المنهج البنيوي السائد والمتأثر حصرا بالمدرسة السلوكية في علم النفس والقائم على وصف الظاهرة اللغوية لا تفسيرها.
هو كتاب " تركيبي" بامتياز كونه "أول محاولة جادة يقوم بها لساني لبناء نظرية شاملة عن اللغة ضمن إطار التقاليد المعروفة لبناء النظريات العلمية. وهي النظرية التي يمكن أن تفهم بالمعنى نفسه الذي تفهم به أية نظرية كيميائية أو إحيائية في تلك الحقول العلمية".
في سنة 1955 تعاقد تشومسكي مع جامعة ماساتشوستس للتقنية للعمل بها كباحث في مختبر الالكترونات وتحديدا في برنامج أبحاث تطوير الترجمة الآلية. إلا أن تشومسكي لم يكن متحمسا لمشروعات من ذات الطبيعة سيما وهي ممولة من لدن وزارة الدفاع الأمريكية لأغراض محددة لم تبد لتشومسكي سليمة.
بعد نشره لكتاب "البنى التركيبية" بدأ نجم تشومسكي في الصعود، وبدأ التحول عن المناهج السائدة في اللسانيات لفائدة منهجه التوليدي المتزايد الشيوع والانتشار سيما وأن صاحبه أضحى متسلحا بطاقة ندر مثيل لها في التفكير والتنظير والإنجاز التي لا يكاد يجاريه أحد فيها.
يقول ستيفن بنكر: "... يعد تشومسكي اليوم واحدا من الكتاب العشرة الأوائل الذين يكثر الاستشهاد بهم في الدراسات الإنسانية. فهو يتقدم على هيجل وشيشرون، ولا يسبقه إلا ماركس ولينين وشكسبير والإنجيل وأرسطو وأفلاطون وفرويد. وهو الوحيد الحي من أفراد هذه المجموعة".
فهو صاحب إنتاج علمي غزير وبالعديد من التخصصات، إذ نشر إلى حدود العام 1997( وقد كتب الكثير بعد هذا التاريخ)، أكثر من سبعين كتابا وأكثر من ألف مقالة في اللسانيات والفلسفة والسياسة وعلوم الإدراك وعلم النفس وما سواها. وقد استشهد به، فيما بين 1980 و1992 أربعة آلاف مرة في العلوم الإنسانية، و1619 مرة فيما يسمى بالعلوم الصحيحة.
يقول عنه اللساني الأمريكي البارز راي جاكندوف (أحد طلاب تشومسكي السابقين):"لا أعرف أحدا استطاع أن يهيمن على علم معين مثل هيمنة تشومسكي على اللسانيات، إلا فرويدالذي هيمن على علم النفس".
2- وإذا بات من المسلم به أن إسم نعوم تشومسكي غدا ملازما لسيرورة اللسانيات التوليدية والعنصر الأساس في شهرته العالمية، فإن عطاءه في السياسة (" قراصنة وأباطرة"، 1986) كما في الإيديولوجيا ("مثلث الشؤم"، 1984) كما في تاريخ الأفكار ("النظم العالمية، قديمها وحديثها: تواريخ الانشقاق"، مترجم سنة 1997) كما في غيرها جعلت من كتاباته مصدر استشهاد ومن مواقفه مصدر تقدير العديد (سيما بالعالم الثالث والوطن العربي تحديدا) وفي الآن ذاته مصدر تنديد وتهجم:
+ فهو بالنسبة لليهود نموذج "اليهودي الذي يكره نفسه" و "اللاسامي الكاره لذاته" سيما عندما يتنبأ بزوال إسرائيل (وهو الداعم في شبابه للصهيونية) إن هي استمرت في سياساتها ولم تعمل على إنقاذ نفسها عبر تحولها إلى دولة ثنائية القومية وإقرارها لمبدأ المساواة (وهو ما جلب له تقدير العديد من الكتاب والسياسيين العرب المتبنين لهذا المطلب).
+ وهو بالنسبة للأمريكيين " ناقد سليط اللسان"، " يساري مخالف للمبادئ الأمريكية" في فضحه للسياسات الخارجية الأمريكية وتنديده بدعمها الظاهر والمبطن للدول غير الديموقراطية ومعارضته الشديدة لغزوتي أفعانستان والعراق وتوضيح مدى عمل هذه السياسات على تقويض واحتواء الديموقراطيات التي تعارض مصالحها... جعل البعض يقول: "إن أعظم نكبتين في تاريخ أمريكا هما بيرل هاربر وولادة نعوم تشومسكي".
+ وهو بالنسبة للعرب (وللعالم الثالث عموما) نصير القضايا العادلة، المناهض الضروس للصهيونية والدافع بسبل في الحل تضمن للفلسطينيين استعادة الكرامة والعيش في إطار دولة قابلة للحياة حالا أو في المستقبل.
3- يتألف كتاب "إعاقة الديموقراطية" من إثنا عشرة فصل (لن نعرض هنا إلا لبعضها) تبدو في ظاهرها مستقلة، لكنها محكومة في جوهرها بخيط ناظم رفيع: كيف تحول الولايات المتحدة دون استنبات الديموقراطية من بين ظهرانيها وكيف تعمل على تقويض سبل قيام ديموقراطيات في مناطق العالم التي لها بها مصالح استراتيجية:
+ بالفصل الأول (" الحرب الباردة: الحقيقة والخيال") يرى المؤلف أن النظرة للحرب الباردة غالبا ما تتم على أساس من التفسير التقليدي عوض أن تنبني بالنظر إلى الحقائق التاريخية الثابتة.
يرتكز التفسير التقليدي للحرب الباردة على القول بأن العامل المحرك في هذه الحرب إنما "روحية العدوان السوفياتية الخبيثة، الروحية التي ابتغت الولايات المتحدة تطويقها واحتواءها".
لا يعاتب تشومسكي على هذا التفسير خاصيته العقائدية فحسب، بل وأيضا اعتماده على ما يشبه التقسيم على أساس من عقيدة الشر المطلق والخير المتسامي إذ على خلفيته دفعت الولايات المتحدة بأطروحة مفادها أنه لا يكفي القبول بوجود عدو، بل " يجب زرع بذور التحطيم" في داخله على اعتبار خطورة الحرب العسكرية وعدم ضمان نتائجها وتداعياتها.
أما المقاربة الثانية فترتكز على القول بأن المنطق وحده لا يكفي، إذ للحقائق أيضا أهميتها، وهو ما يستوجب البحث عن الدوافع الحقيقة التي ثوت خلفها من هذا الجانب كما من ذاك سيما تطلع الولايات المتحدة إلى زعامة العالم و"السيطرة على كل بقعة" من بقاعه وضمنها مناطق نفوذ الاتحاد السوفياتي بأوروبا الشرقية وبالعالم الثالث مع توظيف مقولة "ترويج الديموقراطية" و"الأمن القومي" وما سواها.
ويخلص تشومسكي إلى القول بأن "الحرب الباردة، إذا نظرنا إليها نظرة واقعية، قد انتهت نصف نهاية...إن نهايتها الصورية هي تركيب عقائدي أكثر منها حقيقة تاريخية، تركيب يقوم على تأويل يموه بعضا من وظائفها الجوهرية".
+ بالفصل الثاني (" الجبهة الداخلية") يقف المؤلف مليا عند عصر ريغان الذي، وإن اعترف بدوره في الدفع بالنظام السياسي، فهو لا يعترف له بحنكة "العباقرة المؤسسين". فهو في نظر تشومسكي " يعرف كيف يقرأ السطور التي يكتبها له الأغنياء الذين يدفعون جيدا من أجل هذه الخدمة... يبدو انه كان يؤدي للدرجة التي ترضي السادة الممولين، ويبدو انه كان مستمتعا بالتجربة. في جميع الأحوال، لقد أمضى عديد من الأيام السارة في أبهة وزخارف السلطة ولابد انه كان سعيد الوقت بمخصصات التقاعد التي وفرها له أولياء نعمته الشاكرين. حقا ليس من شأنه لو أن رؤساءه تركوا أكواما من الجثث المشوهة بفرق الموت التي اجتاحت أراضي السلفادور أو مئات الآلاف من المشردين في الشوارع".
وإذا كان تشومسكي لا ينكر على ريغان قدرته على الإقناع بالتواصل، فإنه يعتقد أن " رعاية الإرهاب الدولي الذي تقوده الدولة والإدارة الاقتصادية المصممة للكسب قصير الأجل لمصلحة الأغنياء هما أشهر السمات لعصر ريغان"...ناهيك عن كونه ارتفع " بالجشع إلى قيمة إنسانية عليا".
+ في الفصل الثالث ("المنظومة العالمية") ينطلق المؤلف من حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة عمدت، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلى تنظيم معظم مناطق العالم " وفق الحاجات المتصورة" لاقتصادها...حتى وإن لزم الأمر استخدام القوة.
كان تصميم السياسيين هو تفادي تعاظم خطر المنظومات الناشئة (من قبيل الكتلة الأوروبية) والعمل على احتواء الاتحاد السوفياتي و"ردع مخططاته العالمية" سيما بعدما دخل أفغانستان وبدا "يهدد بغزو أوروبا" واندفاعه لتقديم المعونات لحركات التحرير.
وعلى الرغم من تصريحات غورباتشوف واعتماده لسياسات جديدة، فإن الولايات المتحدة لم تهدأ إلا عندما رأت الاتحاد السوفياتي يتهاوى وتتقوض منظومته دونما أن يكون بإمكان المرء استشراف النتائج والتداعيات.
+ بالفصل الخامس ("عصر ما بعد الحرب الباردة") يلاحظ المؤلف لهفة الدول الكبرى للانقضاض على الأمبراطورية السوفياتية المتهاوية " بحثا عن الأسواق والموارد وفرص الاستثمار وتصدير التلوث واليد العاملة الرخيصة والأمكنة الخالية من الضرائب وغير ذلك من نعم العالم الثالث المألوفة... وتكون هذه الجهود المبذولة لغرض النموذج المفضل المكون من مجتمع ثنائي الطبقة، مفتوح للاستغلال وتحت حكم أرباب العمل مصحوبة بالكلام المزوق اللازم عن انتصار التعددية السياسية والديموقراطية".
تميز عصر ما بعد الحرب الباردة بإطلاق القوة لعواهنها من لدن الولايات المتحدة، إذ عمدت إلى غزو بنما على الرغم من تسترها التاريخي على ممارسات نورييغا وتواطؤ الاستخبارات الأمريكية مع متاجرته في المخذرات. لكنه تميز أيضا بتشبت أوروبا واليابان بمناطق نفوذهما في الشرق وعدم قدرة الولايات المتحدة في مساومتهم على ذلك... وهو ما يجعل من العصر إياه عصر انفتاح لكنه عصر ينذر بمخاطر أيضا.
+ بالفصل السادس ("عدوان شائن") يتحدث المؤلف فيه عن غزو العراق للكويت في غشت 1990 ورفع المسألة من لدن الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مصف الأهمية الكبرى "مع كلام خطابي بليغ بشأن نظام عالمي جديد يقوم على السلام والعدالة وقدسية القانون الدولي الذي صار بحوزتنا أخيرا الآن وقد انتهت الحرب الباردة بانتصار أولئك الذين تمسكوا دوما بهذه القيم بإخلاص تام".
يقر تشومسكي بهذه النقطة بأن "أول عمليتين عدوانيتين تقعان في عصر ما بعد الحرب الباردة كانتا متشابهتين بمعيار المبادئ والقانون، لكن لا مفر من وجود فوارق كذلك. والتفاوتات الأهم بينهما هو أن غزو الولايات المتحدة لبنما جرى من قبلنا، لذلك كان من أعمال الخير، في حين أن الغزو العراقي للكويت جاء مناقضا لمصالح الولايات المتحدة الجوهرية، لذلك كان شائنا وجاء انتهاكا للمبادئ المثلى للقانون الدولي وقواعد الأخلاق".
لم يكن صدام حسين عدوا للولايات المتحدة، يقول تشومسكي، بل كان حليفها بالمنطقة، لكن " قوميته المستقلة تهدد المصالح الأمريكية. عندئذ أصبح سجله في الفظائع الشنيعة متاحا لغايات الدعاية"... من هنا الانتقال من البنى الإيديولوجية إلى العمل وفق الحقائق على الأرض.
+ بالفصل الحادي عشر ("الديموقراطية في المجتمعات الصناعية") يستشهد المؤلف بالصحفي نيل لويس عند قوله: "إن التوق لرؤية الديموقراطية على الأسلوب الأمريكي وهي تستنسخ في أرجاء العالم كان محورا دائما في السياسة الخارجية الأمريكية"... إلا أن المؤلف يلاحظ أن "استعراضا خاطفا للسجل التاريخي يبين أن المحور الدائم في السياسة الخارجية الأمريكية إنما كان تخريب الأنظمة البرلمانية والإطاحة بها واللجوء إلى العنف لتدمير المنظمات الشعبية التي قد تتيح لأغلبية السكان فرصة الدخول إلى الحلبة السياسية".
بالتالي فإن "التفضيل للأشكال الديموقراطية في الدول العميلة في العالم الثالث ما هو إلا مسألة علاقات عامة"، لكن الأمر مختلف في العلاقات مع العالم الصناعي إذ الولايات المتحدة غير مناهضة للأشكال الديموقراطية بحد ذاتها...بالتالي فهي لا تعمد إلى تنفيذ "برامج التخريب والإرهاب أو تقوم بضربات عسكرية كما كان معتادا في العالم الثالث".
+ في الفصل الثاني عشر ("القوة والرأي") يقر المؤلف بأن "السيطرة على الفكر أهم للحكومات الحرة والشعبية منها للدول المستبدة والعسكرية... فبوسع الدولة المستبدة أن تسيطر على عدوها الداخلي بالقوة، ولكن ما أن تفقد الدولة هذا السلاح حتى يقتضي الأمر إيجاد وسائل أخرى لمنع الجماهير الجاهلة من التدخل في الشؤون العامة. فالجماهير لا علاقة لها بهذه الشؤون من قريب أو بعيد".
ويجزم تشومسكي بأن المجتمعات الحرة هي التي تكون الدولة من بين ظهرانيها محدودة القدرة على الإكراه، وهو حال الولايات المتحدة لكن فقط " بالنسبة للمواطن المحظوظ بالامتيازات نسبيا وله لون البشرة الصحيح".
لكن الإكراه ليس حصرا على الدولة، بل هو أيضا بجانب مالكي الاستثمار والإنتاج والتجارة وهم قلة قليلة من الأفراد تمتلك السلطة الفعالة في هذا المجال كما في مجال السياسة كما في مجال امتلاك أدوات "صناعة العقول"...هم كلهم مؤمنون بفكرة "أنه لا يمكن الحفاظ على السلطة القائمة إلا بإسكات النقاش المخرب".
ويختتم تشومسكي كتابه بالقول: "إننا لا نعرف هل أن غريزة الحرية هي غريزة حقيقية أم لا... فإذا أنكرنا غريزة الحرية فإننا لن نثبت سوى أن البشر ما هم إلا سلالة حيوانية فتاكة في طريق مسدود من التطور. أما إذا رعيناها، إن كانت حقيقية، فقد نجد طرقا لمعالجة المآسي والمشاكل الإنسانية المريعة والرهيبة في حجمها".
يحيى اليحياوي
الرباط، 27 أبريل 2006
http://www.elyahyaoui.org/chomsky_anti_democratie.htm
نعوم تشومسكي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1992، 489 ص.
1- ولد نعوم تشومسكي في السابع من ديسمبر من العام 1928، في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية من أبوين نزحا من روسيا في العام 1913 هربا من التجنيد الإجباري الذي تعرض له أبوه في الجيش القيصري آنئذ. وقد مرا بحياة تتسم بالفقر والحرمان شأنهما في ذلك شأن العديد من النازحين الجدد إلى أمريكا.
إلا أن والدي تشومسكي كانا حاصلين على تعليم جيد قبل وصولهما إلى أمريكا، بالتالي فلم يتعبا كثيرا في الحصول على عمل مجز. فوالد تشومسكي كان من المتخصصين البارزين في اللغة العبرية، مما أهله لتدريس اللغة إياها بأماكن متعددة بأمريكا، بل إنه ألف عددا لا بأس به من الكتب في هذا الموضوع لعل من أبرزها تحقيقه لكتاب عالم النحو اليهودي الأندلسي " ديفيد قمحي" الذي عاش في القرن السابع الهجري والذي يعتبر واحدا من الكتب الرئيسية في نحو اللغة العبرية. وهو كتاب ضخم ومتخصص قرأ نعوم تشومسكي مسودته وهو لا يزال دون الثانية عشرة من العمر.
وقد عمد والدا تشومسكي إلى إلحقاه مبكرا بمدرسة ابتدائية شديدة التأثر بفكر عالم التربية الأمريكي "جون ديوي" حيث مهمة التعليم، يقول تشومسكي فيما بعد، يجب "...أن تكون توفير الفرص من أجل أن يحقق الطفل ذاته بنفسه. فأحسن ما يمكن أن يقوم به التعليم هو توفير بيئة غنية متحدية للفرد كي يتفحصها، معتمدا على نفسه هو".
وقد تخرج تشومسكي من المدرسة إياها بتفوق كبير، ليلتحق بجامعة بنسلفانيا وهو في السادسة عشرة، وكان الطالب الوحيد الذي تخصص في تلك الفترة في دراسة اللغة العبرية بذات الجامعة فضلا عن دراسته للفلسفة واللسانيات بتزامن مع ذلك. وكان من أساتذته الذين أثروا فيه تأثيرا حاسما جورجيو ليفي ديللا فيدا، وزيلك هاريس.
حصل على الماجستير بالجامعة نفسها سنة 1951، ثم حصل على منحة للعمل باحثا في هارفارد حيث أنجز فيها بحثه المطول (ما يقرب من ألف صفحة): "البنية المنطقية للنظرية اللسانية" خارجا من حينه عن المنهج البنيوي السائد والمتأثر حصرا بالمدرسة السلوكية في علم النفس والقائم على وصف الظاهرة اللغوية لا تفسيرها.
هو كتاب " تركيبي" بامتياز كونه "أول محاولة جادة يقوم بها لساني لبناء نظرية شاملة عن اللغة ضمن إطار التقاليد المعروفة لبناء النظريات العلمية. وهي النظرية التي يمكن أن تفهم بالمعنى نفسه الذي تفهم به أية نظرية كيميائية أو إحيائية في تلك الحقول العلمية".
في سنة 1955 تعاقد تشومسكي مع جامعة ماساتشوستس للتقنية للعمل بها كباحث في مختبر الالكترونات وتحديدا في برنامج أبحاث تطوير الترجمة الآلية. إلا أن تشومسكي لم يكن متحمسا لمشروعات من ذات الطبيعة سيما وهي ممولة من لدن وزارة الدفاع الأمريكية لأغراض محددة لم تبد لتشومسكي سليمة.
بعد نشره لكتاب "البنى التركيبية" بدأ نجم تشومسكي في الصعود، وبدأ التحول عن المناهج السائدة في اللسانيات لفائدة منهجه التوليدي المتزايد الشيوع والانتشار سيما وأن صاحبه أضحى متسلحا بطاقة ندر مثيل لها في التفكير والتنظير والإنجاز التي لا يكاد يجاريه أحد فيها.
يقول ستيفن بنكر: "... يعد تشومسكي اليوم واحدا من الكتاب العشرة الأوائل الذين يكثر الاستشهاد بهم في الدراسات الإنسانية. فهو يتقدم على هيجل وشيشرون، ولا يسبقه إلا ماركس ولينين وشكسبير والإنجيل وأرسطو وأفلاطون وفرويد. وهو الوحيد الحي من أفراد هذه المجموعة".
فهو صاحب إنتاج علمي غزير وبالعديد من التخصصات، إذ نشر إلى حدود العام 1997( وقد كتب الكثير بعد هذا التاريخ)، أكثر من سبعين كتابا وأكثر من ألف مقالة في اللسانيات والفلسفة والسياسة وعلوم الإدراك وعلم النفس وما سواها. وقد استشهد به، فيما بين 1980 و1992 أربعة آلاف مرة في العلوم الإنسانية، و1619 مرة فيما يسمى بالعلوم الصحيحة.
يقول عنه اللساني الأمريكي البارز راي جاكندوف (أحد طلاب تشومسكي السابقين):"لا أعرف أحدا استطاع أن يهيمن على علم معين مثل هيمنة تشومسكي على اللسانيات، إلا فرويدالذي هيمن على علم النفس".
2- وإذا بات من المسلم به أن إسم نعوم تشومسكي غدا ملازما لسيرورة اللسانيات التوليدية والعنصر الأساس في شهرته العالمية، فإن عطاءه في السياسة (" قراصنة وأباطرة"، 1986) كما في الإيديولوجيا ("مثلث الشؤم"، 1984) كما في تاريخ الأفكار ("النظم العالمية، قديمها وحديثها: تواريخ الانشقاق"، مترجم سنة 1997) كما في غيرها جعلت من كتاباته مصدر استشهاد ومن مواقفه مصدر تقدير العديد (سيما بالعالم الثالث والوطن العربي تحديدا) وفي الآن ذاته مصدر تنديد وتهجم:
+ فهو بالنسبة لليهود نموذج "اليهودي الذي يكره نفسه" و "اللاسامي الكاره لذاته" سيما عندما يتنبأ بزوال إسرائيل (وهو الداعم في شبابه للصهيونية) إن هي استمرت في سياساتها ولم تعمل على إنقاذ نفسها عبر تحولها إلى دولة ثنائية القومية وإقرارها لمبدأ المساواة (وهو ما جلب له تقدير العديد من الكتاب والسياسيين العرب المتبنين لهذا المطلب).
+ وهو بالنسبة للأمريكيين " ناقد سليط اللسان"، " يساري مخالف للمبادئ الأمريكية" في فضحه للسياسات الخارجية الأمريكية وتنديده بدعمها الظاهر والمبطن للدول غير الديموقراطية ومعارضته الشديدة لغزوتي أفعانستان والعراق وتوضيح مدى عمل هذه السياسات على تقويض واحتواء الديموقراطيات التي تعارض مصالحها... جعل البعض يقول: "إن أعظم نكبتين في تاريخ أمريكا هما بيرل هاربر وولادة نعوم تشومسكي".
+ وهو بالنسبة للعرب (وللعالم الثالث عموما) نصير القضايا العادلة، المناهض الضروس للصهيونية والدافع بسبل في الحل تضمن للفلسطينيين استعادة الكرامة والعيش في إطار دولة قابلة للحياة حالا أو في المستقبل.
3- يتألف كتاب "إعاقة الديموقراطية" من إثنا عشرة فصل (لن نعرض هنا إلا لبعضها) تبدو في ظاهرها مستقلة، لكنها محكومة في جوهرها بخيط ناظم رفيع: كيف تحول الولايات المتحدة دون استنبات الديموقراطية من بين ظهرانيها وكيف تعمل على تقويض سبل قيام ديموقراطيات في مناطق العالم التي لها بها مصالح استراتيجية:
+ بالفصل الأول (" الحرب الباردة: الحقيقة والخيال") يرى المؤلف أن النظرة للحرب الباردة غالبا ما تتم على أساس من التفسير التقليدي عوض أن تنبني بالنظر إلى الحقائق التاريخية الثابتة.
يرتكز التفسير التقليدي للحرب الباردة على القول بأن العامل المحرك في هذه الحرب إنما "روحية العدوان السوفياتية الخبيثة، الروحية التي ابتغت الولايات المتحدة تطويقها واحتواءها".
لا يعاتب تشومسكي على هذا التفسير خاصيته العقائدية فحسب، بل وأيضا اعتماده على ما يشبه التقسيم على أساس من عقيدة الشر المطلق والخير المتسامي إذ على خلفيته دفعت الولايات المتحدة بأطروحة مفادها أنه لا يكفي القبول بوجود عدو، بل " يجب زرع بذور التحطيم" في داخله على اعتبار خطورة الحرب العسكرية وعدم ضمان نتائجها وتداعياتها.
أما المقاربة الثانية فترتكز على القول بأن المنطق وحده لا يكفي، إذ للحقائق أيضا أهميتها، وهو ما يستوجب البحث عن الدوافع الحقيقة التي ثوت خلفها من هذا الجانب كما من ذاك سيما تطلع الولايات المتحدة إلى زعامة العالم و"السيطرة على كل بقعة" من بقاعه وضمنها مناطق نفوذ الاتحاد السوفياتي بأوروبا الشرقية وبالعالم الثالث مع توظيف مقولة "ترويج الديموقراطية" و"الأمن القومي" وما سواها.
ويخلص تشومسكي إلى القول بأن "الحرب الباردة، إذا نظرنا إليها نظرة واقعية، قد انتهت نصف نهاية...إن نهايتها الصورية هي تركيب عقائدي أكثر منها حقيقة تاريخية، تركيب يقوم على تأويل يموه بعضا من وظائفها الجوهرية".
+ بالفصل الثاني (" الجبهة الداخلية") يقف المؤلف مليا عند عصر ريغان الذي، وإن اعترف بدوره في الدفع بالنظام السياسي، فهو لا يعترف له بحنكة "العباقرة المؤسسين". فهو في نظر تشومسكي " يعرف كيف يقرأ السطور التي يكتبها له الأغنياء الذين يدفعون جيدا من أجل هذه الخدمة... يبدو انه كان يؤدي للدرجة التي ترضي السادة الممولين، ويبدو انه كان مستمتعا بالتجربة. في جميع الأحوال، لقد أمضى عديد من الأيام السارة في أبهة وزخارف السلطة ولابد انه كان سعيد الوقت بمخصصات التقاعد التي وفرها له أولياء نعمته الشاكرين. حقا ليس من شأنه لو أن رؤساءه تركوا أكواما من الجثث المشوهة بفرق الموت التي اجتاحت أراضي السلفادور أو مئات الآلاف من المشردين في الشوارع".
وإذا كان تشومسكي لا ينكر على ريغان قدرته على الإقناع بالتواصل، فإنه يعتقد أن " رعاية الإرهاب الدولي الذي تقوده الدولة والإدارة الاقتصادية المصممة للكسب قصير الأجل لمصلحة الأغنياء هما أشهر السمات لعصر ريغان"...ناهيك عن كونه ارتفع " بالجشع إلى قيمة إنسانية عليا".
+ في الفصل الثالث ("المنظومة العالمية") ينطلق المؤلف من حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة عمدت، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، إلى تنظيم معظم مناطق العالم " وفق الحاجات المتصورة" لاقتصادها...حتى وإن لزم الأمر استخدام القوة.
كان تصميم السياسيين هو تفادي تعاظم خطر المنظومات الناشئة (من قبيل الكتلة الأوروبية) والعمل على احتواء الاتحاد السوفياتي و"ردع مخططاته العالمية" سيما بعدما دخل أفغانستان وبدا "يهدد بغزو أوروبا" واندفاعه لتقديم المعونات لحركات التحرير.
وعلى الرغم من تصريحات غورباتشوف واعتماده لسياسات جديدة، فإن الولايات المتحدة لم تهدأ إلا عندما رأت الاتحاد السوفياتي يتهاوى وتتقوض منظومته دونما أن يكون بإمكان المرء استشراف النتائج والتداعيات.
+ بالفصل الخامس ("عصر ما بعد الحرب الباردة") يلاحظ المؤلف لهفة الدول الكبرى للانقضاض على الأمبراطورية السوفياتية المتهاوية " بحثا عن الأسواق والموارد وفرص الاستثمار وتصدير التلوث واليد العاملة الرخيصة والأمكنة الخالية من الضرائب وغير ذلك من نعم العالم الثالث المألوفة... وتكون هذه الجهود المبذولة لغرض النموذج المفضل المكون من مجتمع ثنائي الطبقة، مفتوح للاستغلال وتحت حكم أرباب العمل مصحوبة بالكلام المزوق اللازم عن انتصار التعددية السياسية والديموقراطية".
تميز عصر ما بعد الحرب الباردة بإطلاق القوة لعواهنها من لدن الولايات المتحدة، إذ عمدت إلى غزو بنما على الرغم من تسترها التاريخي على ممارسات نورييغا وتواطؤ الاستخبارات الأمريكية مع متاجرته في المخذرات. لكنه تميز أيضا بتشبت أوروبا واليابان بمناطق نفوذهما في الشرق وعدم قدرة الولايات المتحدة في مساومتهم على ذلك... وهو ما يجعل من العصر إياه عصر انفتاح لكنه عصر ينذر بمخاطر أيضا.
+ بالفصل السادس ("عدوان شائن") يتحدث المؤلف فيه عن غزو العراق للكويت في غشت 1990 ورفع المسألة من لدن الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مصف الأهمية الكبرى "مع كلام خطابي بليغ بشأن نظام عالمي جديد يقوم على السلام والعدالة وقدسية القانون الدولي الذي صار بحوزتنا أخيرا الآن وقد انتهت الحرب الباردة بانتصار أولئك الذين تمسكوا دوما بهذه القيم بإخلاص تام".
يقر تشومسكي بهذه النقطة بأن "أول عمليتين عدوانيتين تقعان في عصر ما بعد الحرب الباردة كانتا متشابهتين بمعيار المبادئ والقانون، لكن لا مفر من وجود فوارق كذلك. والتفاوتات الأهم بينهما هو أن غزو الولايات المتحدة لبنما جرى من قبلنا، لذلك كان من أعمال الخير، في حين أن الغزو العراقي للكويت جاء مناقضا لمصالح الولايات المتحدة الجوهرية، لذلك كان شائنا وجاء انتهاكا للمبادئ المثلى للقانون الدولي وقواعد الأخلاق".
لم يكن صدام حسين عدوا للولايات المتحدة، يقول تشومسكي، بل كان حليفها بالمنطقة، لكن " قوميته المستقلة تهدد المصالح الأمريكية. عندئذ أصبح سجله في الفظائع الشنيعة متاحا لغايات الدعاية"... من هنا الانتقال من البنى الإيديولوجية إلى العمل وفق الحقائق على الأرض.
+ بالفصل الحادي عشر ("الديموقراطية في المجتمعات الصناعية") يستشهد المؤلف بالصحفي نيل لويس عند قوله: "إن التوق لرؤية الديموقراطية على الأسلوب الأمريكي وهي تستنسخ في أرجاء العالم كان محورا دائما في السياسة الخارجية الأمريكية"... إلا أن المؤلف يلاحظ أن "استعراضا خاطفا للسجل التاريخي يبين أن المحور الدائم في السياسة الخارجية الأمريكية إنما كان تخريب الأنظمة البرلمانية والإطاحة بها واللجوء إلى العنف لتدمير المنظمات الشعبية التي قد تتيح لأغلبية السكان فرصة الدخول إلى الحلبة السياسية".
بالتالي فإن "التفضيل للأشكال الديموقراطية في الدول العميلة في العالم الثالث ما هو إلا مسألة علاقات عامة"، لكن الأمر مختلف في العلاقات مع العالم الصناعي إذ الولايات المتحدة غير مناهضة للأشكال الديموقراطية بحد ذاتها...بالتالي فهي لا تعمد إلى تنفيذ "برامج التخريب والإرهاب أو تقوم بضربات عسكرية كما كان معتادا في العالم الثالث".
+ في الفصل الثاني عشر ("القوة والرأي") يقر المؤلف بأن "السيطرة على الفكر أهم للحكومات الحرة والشعبية منها للدول المستبدة والعسكرية... فبوسع الدولة المستبدة أن تسيطر على عدوها الداخلي بالقوة، ولكن ما أن تفقد الدولة هذا السلاح حتى يقتضي الأمر إيجاد وسائل أخرى لمنع الجماهير الجاهلة من التدخل في الشؤون العامة. فالجماهير لا علاقة لها بهذه الشؤون من قريب أو بعيد".
ويجزم تشومسكي بأن المجتمعات الحرة هي التي تكون الدولة من بين ظهرانيها محدودة القدرة على الإكراه، وهو حال الولايات المتحدة لكن فقط " بالنسبة للمواطن المحظوظ بالامتيازات نسبيا وله لون البشرة الصحيح".
لكن الإكراه ليس حصرا على الدولة، بل هو أيضا بجانب مالكي الاستثمار والإنتاج والتجارة وهم قلة قليلة من الأفراد تمتلك السلطة الفعالة في هذا المجال كما في مجال السياسة كما في مجال امتلاك أدوات "صناعة العقول"...هم كلهم مؤمنون بفكرة "أنه لا يمكن الحفاظ على السلطة القائمة إلا بإسكات النقاش المخرب".
ويختتم تشومسكي كتابه بالقول: "إننا لا نعرف هل أن غريزة الحرية هي غريزة حقيقية أم لا... فإذا أنكرنا غريزة الحرية فإننا لن نثبت سوى أن البشر ما هم إلا سلالة حيوانية فتاكة في طريق مسدود من التطور. أما إذا رعيناها، إن كانت حقيقية، فقد نجد طرقا لمعالجة المآسي والمشاكل الإنسانية المريعة والرهيبة في حجمها".
يحيى اليحياوي
الرباط، 27 أبريل 2006
http://www.elyahyaoui.org/chomsky_anti_democratie.htm
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih