"الأمية في المغرب: هل من علاج؟"
محمد مصطفى القباج, منشورات رمسيس, الرباط, 1998, 150 ص.
1- هذا الكتاب هو مجموعة من الأبحاث والمقالات صاغها المؤلف في الفترة ما بين 1980 و 1997, حول ظاهرة الأمية بالمغرب.
ينطلق المؤلف من مسلمة أساس مفادها أن "الأمية وضع غير طبيعي, وأن الأمي شخص يعسر عليه أن يندمج اندماجا إيجابيا في المجتمع, وأن يشارك مشاركة فعالة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, كما يتعذر عليه التواصل مع الآخرين. هذا يعني أن الأمي يعجز عن تحقيق مصالحه, من جراء جهله وضعف مهاراته, وعلى رأسها القراءة والكتابة والحساب".
ويلاحظ الكاتب أن فهم إشكالية الأمية لا يمكن أن يتم إلا بالانطلاق من ثنائية التخلف والتنمية, سيما بظل الثورات التكنولوجية, وانفتاح الاقتصادات, وتزايد وتيرة منظومة السوق وما سوى ذلك. إن الأمية خاصة, والتعليم بوجه عام, لا يمكن, بنظر المؤلف تناولهما "إلا كمركب من مركبات التنمية. فبدون تعليم وبدون محو للأمية, لا يمكن تحقيق المشروع التنموي. محو الأمية والتعليم من حتميات النهوض والتقدم, ومن العوامل التي تؤمن إقلاعة حضارية ناجحة".
ويتابع الكاتب القول: إن "الرخاء الاقتصادي لا نفع فيه بدون تعليم, النسيج الاجتماعي سيكون هشا بغيابه, المشاركة السياسية لا قيمة لها بدونه, العدالة بمفهومها الأخلاقي لا تكون ممكنة إلا به. وبالتالي, فإن التعليم يتأثر بكل مركب ويؤثر فيه, وتكامل المركبات يقيم توازن النسق المتناسب مع الجهات, دولا كانت أو أقاليم داخل الدولة الواحدة".
معنى هذا, بقصد الكاتب, أنه غالبا ما يتم التعرض لظاهرة الأمية من منظور تربوي أو مهني أو ثقافي, لكن نادرا ما يتم التصدي لفهمها باعتبارها مركبا من مركبات المشروع التنموي. ويستدل على ذلك أنه على الرغم من تراجع نسبة الأمية, فإن الأعداد المطلقة للأميين تتزايد باطراد لأسباب متشعبة, لعل أحدها التزايد الديموغرافي, وارتفاع منسوب الأمية في صفوف النساء والفتيات سيما بالعالم القروي, ناهيك عن "هشاشة الأنظمة التعليمية,التي تعرف نسبا عالية من التسربات والانقطاعات, وخللا في الخريطة المدرسية".
من هنا, يقر المؤلف بأن الاعتماد على تحديد الحاجيات والأهداف والتطلعات "يسهل بناء المناهج, وإبداع الطرق, وحصر المضامين التي لن تكون واحدة بالنسبة لكل جهات البلد الواحد. إنها حتما ستتنوع بتنوع السكان والمناطق, ويكون تحقيق الأهداف التنموية بنسب مرتفعة, خاصة في عصر تستعمل فيه الرسائل والمعلومات والمعطيات قنوات عديدة للبث والالتقاط,غير مهارات القراءة والكتابة والحساب".
إننا بهذا الأسلوب, يلاحظ المؤلف, "نقرب خطط محو الأمية من محيطها المباشر, ونجعل المعنيين ينخرطون في تحديد الأهداف, بل وربما في اختيار المضامين والمناهج والطرق, بل أكثر من ذلك قد يساهمون في إيجاد الفضاءات المناسبة لتلقين المهارات المرغوب فيها".
2- ن الإنسان, يقول الكاتب, إنما يشكل الدعامة الأساسية لكل عمل تنموي "اقتصادي واجتماعي وفكري, وأن تكوينه تعليميا ومهنيا وتربويا هو استثمار اقتصادي مربح إلى حد كبير, يضمن نجاح كل مخطط, بحيث أن انعدام هذا التكوين أو ضعفه يخل بالارتباط بين الموارد الطبيعية والموارد البشرية, وبالتالي يعيق العملية التنموية ويفقدها طابع الشمولية والتكاملية".
ويخلص المؤلف إلى الاعتقاد بأنه من المنظور التكاملي للتنمية, فإن الأمية كغياب لتكوين الإنسان ووعيه, إنما تشكل عائقا حقيقيا في وجه التنمية الشاملة, بالتالي فلا تنمية مع الأمية.
ويخلص بالمحصلة إلى الاعتقاد بأن محو الأمية "أمر متيسر إذا توافرت الإرادة السياسية الصارمة, الرسمية والشعبية, لأن الأمية ليست قدرا محتوما, إنها حالة تاريخية وظرفا مؤقتا, ثم لأنها إرث استعماري. فلقد سعى الاستعمار إلى تجهيل المواطنين, فلا يحق للاستقلال أن يواصل نفس السعي عن قصد أو عن غير قصد, ذلك لأن الأنظمة القوية هي قوية بوعي مواطنيها وتكوينهم التعليمي والمهني".
إلا أن عملية محو الأمية, يعترف المؤلف, "عملية شاقة, تستوجب تنظيما محكما وإعدادا دقيقا, وإنجازا متقنا ومتابعة يقظة حازمة, وربطا ذكيا بين الرغبة في التعلم والحوافز الفردية, وبيداغوجيا مطابقة ليست هي بالضرورة البيداغوجيا المدرسية".
إن عناصر العلاج, بالمغرب وبغيره, إنما تتبدى للكاتب في الخطوات التالية:
+ استصدار القرار السياسي للقضاء على الأمية في إطار ما تحتمه ضرورات التنمية.
+ العمل بمبدأ التعبئة الشاملة في جو من الحماس والنضالية.
+ تأطير التعبئة بتنظيم وطني لخطط الحملات, ينسق بين الجهود ويوفر الإمكانيات.
+ القيام بالدراسات الضرورية لإبداع بيداغوجيا مطابقة, وطرق في التعليم يطبعها الإبداع والخلق, "ولن تكون هذه الدراسات مجدية إذا لم تكن ثمرة تكامل بين أصناف عدة من المعارف والخبرات, لأن مواجهة الأمية أصبحت تقتضي تعدد الاختصاصات (مثلا علوم التربية, وسائل الاتصال, العلوم الاجتماعية, العلوم الإنسانية, بل وحتى بعض فروع العلوم الدقيقة...الخ).
+ توفير الاعتمادات اللازمة التي تسمح بسد حاجيات التأطير والتجهيز, وتوفير الأدوات التعليمية الأساسية والمساعدة (وسائل الاتصال والإعلام) وإعداد المناهج ووسائل المتابعة المستوحاة من فلسفة التعليم المستمر.
+ البحث عن مصادر توفر المساعدات اللوجيستية الإضافية, التي يمكن الحصول عليها من مختلف المنظمات الدولية, التي لها علاقة بشؤون الطفولة ومحو الأمية, عملا بمبدأ التضامن الدولي.
+ انتهاج أسلوب الواقعية في مواجهة الأمية, "أي التقليل من دعاوى استئصال آفة الأمية في خطط قريبة المدى وبحملات خجولة ومحدودة".
إن ضمان النجاح والفاعلية لأي خطة لمحاربة الأمية إنما يجب أن يرتكز, يؤكد المؤلف, على أسلوب في الشراكة متين بين المؤسسة التربوية والمؤسسة الإعلامية ومركبات المجتمع المدني, وذلك "حتى تكون الرسالة المبثوثة قوية في نشر الوعي وتعميقه, وتوفير الحوافز والمشوقات المشجعة على الخروج من ربقة الأمية كشرط ضروري لتحسين وضعية الأفراد والجماعات".
يحيى اليحياوي
الرباط, 22 أبريل
2010المصدر
محمد مصطفى القباج, منشورات رمسيس, الرباط, 1998, 150 ص.
1- هذا الكتاب هو مجموعة من الأبحاث والمقالات صاغها المؤلف في الفترة ما بين 1980 و 1997, حول ظاهرة الأمية بالمغرب.
ينطلق المؤلف من مسلمة أساس مفادها أن "الأمية وضع غير طبيعي, وأن الأمي شخص يعسر عليه أن يندمج اندماجا إيجابيا في المجتمع, وأن يشارك مشاركة فعالة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية, كما يتعذر عليه التواصل مع الآخرين. هذا يعني أن الأمي يعجز عن تحقيق مصالحه, من جراء جهله وضعف مهاراته, وعلى رأسها القراءة والكتابة والحساب".
ويلاحظ الكاتب أن فهم إشكالية الأمية لا يمكن أن يتم إلا بالانطلاق من ثنائية التخلف والتنمية, سيما بظل الثورات التكنولوجية, وانفتاح الاقتصادات, وتزايد وتيرة منظومة السوق وما سوى ذلك. إن الأمية خاصة, والتعليم بوجه عام, لا يمكن, بنظر المؤلف تناولهما "إلا كمركب من مركبات التنمية. فبدون تعليم وبدون محو للأمية, لا يمكن تحقيق المشروع التنموي. محو الأمية والتعليم من حتميات النهوض والتقدم, ومن العوامل التي تؤمن إقلاعة حضارية ناجحة".
ويتابع الكاتب القول: إن "الرخاء الاقتصادي لا نفع فيه بدون تعليم, النسيج الاجتماعي سيكون هشا بغيابه, المشاركة السياسية لا قيمة لها بدونه, العدالة بمفهومها الأخلاقي لا تكون ممكنة إلا به. وبالتالي, فإن التعليم يتأثر بكل مركب ويؤثر فيه, وتكامل المركبات يقيم توازن النسق المتناسب مع الجهات, دولا كانت أو أقاليم داخل الدولة الواحدة".
معنى هذا, بقصد الكاتب, أنه غالبا ما يتم التعرض لظاهرة الأمية من منظور تربوي أو مهني أو ثقافي, لكن نادرا ما يتم التصدي لفهمها باعتبارها مركبا من مركبات المشروع التنموي. ويستدل على ذلك أنه على الرغم من تراجع نسبة الأمية, فإن الأعداد المطلقة للأميين تتزايد باطراد لأسباب متشعبة, لعل أحدها التزايد الديموغرافي, وارتفاع منسوب الأمية في صفوف النساء والفتيات سيما بالعالم القروي, ناهيك عن "هشاشة الأنظمة التعليمية,التي تعرف نسبا عالية من التسربات والانقطاعات, وخللا في الخريطة المدرسية".
من هنا, يقر المؤلف بأن الاعتماد على تحديد الحاجيات والأهداف والتطلعات "يسهل بناء المناهج, وإبداع الطرق, وحصر المضامين التي لن تكون واحدة بالنسبة لكل جهات البلد الواحد. إنها حتما ستتنوع بتنوع السكان والمناطق, ويكون تحقيق الأهداف التنموية بنسب مرتفعة, خاصة في عصر تستعمل فيه الرسائل والمعلومات والمعطيات قنوات عديدة للبث والالتقاط,غير مهارات القراءة والكتابة والحساب".
إننا بهذا الأسلوب, يلاحظ المؤلف, "نقرب خطط محو الأمية من محيطها المباشر, ونجعل المعنيين ينخرطون في تحديد الأهداف, بل وربما في اختيار المضامين والمناهج والطرق, بل أكثر من ذلك قد يساهمون في إيجاد الفضاءات المناسبة لتلقين المهارات المرغوب فيها".
2- ن الإنسان, يقول الكاتب, إنما يشكل الدعامة الأساسية لكل عمل تنموي "اقتصادي واجتماعي وفكري, وأن تكوينه تعليميا ومهنيا وتربويا هو استثمار اقتصادي مربح إلى حد كبير, يضمن نجاح كل مخطط, بحيث أن انعدام هذا التكوين أو ضعفه يخل بالارتباط بين الموارد الطبيعية والموارد البشرية, وبالتالي يعيق العملية التنموية ويفقدها طابع الشمولية والتكاملية".
ويخلص المؤلف إلى الاعتقاد بأنه من المنظور التكاملي للتنمية, فإن الأمية كغياب لتكوين الإنسان ووعيه, إنما تشكل عائقا حقيقيا في وجه التنمية الشاملة, بالتالي فلا تنمية مع الأمية.
ويخلص بالمحصلة إلى الاعتقاد بأن محو الأمية "أمر متيسر إذا توافرت الإرادة السياسية الصارمة, الرسمية والشعبية, لأن الأمية ليست قدرا محتوما, إنها حالة تاريخية وظرفا مؤقتا, ثم لأنها إرث استعماري. فلقد سعى الاستعمار إلى تجهيل المواطنين, فلا يحق للاستقلال أن يواصل نفس السعي عن قصد أو عن غير قصد, ذلك لأن الأنظمة القوية هي قوية بوعي مواطنيها وتكوينهم التعليمي والمهني".
إلا أن عملية محو الأمية, يعترف المؤلف, "عملية شاقة, تستوجب تنظيما محكما وإعدادا دقيقا, وإنجازا متقنا ومتابعة يقظة حازمة, وربطا ذكيا بين الرغبة في التعلم والحوافز الفردية, وبيداغوجيا مطابقة ليست هي بالضرورة البيداغوجيا المدرسية".
إن عناصر العلاج, بالمغرب وبغيره, إنما تتبدى للكاتب في الخطوات التالية:
+ استصدار القرار السياسي للقضاء على الأمية في إطار ما تحتمه ضرورات التنمية.
+ العمل بمبدأ التعبئة الشاملة في جو من الحماس والنضالية.
+ تأطير التعبئة بتنظيم وطني لخطط الحملات, ينسق بين الجهود ويوفر الإمكانيات.
+ القيام بالدراسات الضرورية لإبداع بيداغوجيا مطابقة, وطرق في التعليم يطبعها الإبداع والخلق, "ولن تكون هذه الدراسات مجدية إذا لم تكن ثمرة تكامل بين أصناف عدة من المعارف والخبرات, لأن مواجهة الأمية أصبحت تقتضي تعدد الاختصاصات (مثلا علوم التربية, وسائل الاتصال, العلوم الاجتماعية, العلوم الإنسانية, بل وحتى بعض فروع العلوم الدقيقة...الخ).
+ توفير الاعتمادات اللازمة التي تسمح بسد حاجيات التأطير والتجهيز, وتوفير الأدوات التعليمية الأساسية والمساعدة (وسائل الاتصال والإعلام) وإعداد المناهج ووسائل المتابعة المستوحاة من فلسفة التعليم المستمر.
+ البحث عن مصادر توفر المساعدات اللوجيستية الإضافية, التي يمكن الحصول عليها من مختلف المنظمات الدولية, التي لها علاقة بشؤون الطفولة ومحو الأمية, عملا بمبدأ التضامن الدولي.
+ انتهاج أسلوب الواقعية في مواجهة الأمية, "أي التقليل من دعاوى استئصال آفة الأمية في خطط قريبة المدى وبحملات خجولة ومحدودة".
إن ضمان النجاح والفاعلية لأي خطة لمحاربة الأمية إنما يجب أن يرتكز, يؤكد المؤلف, على أسلوب في الشراكة متين بين المؤسسة التربوية والمؤسسة الإعلامية ومركبات المجتمع المدني, وذلك "حتى تكون الرسالة المبثوثة قوية في نشر الوعي وتعميقه, وتوفير الحوافز والمشوقات المشجعة على الخروج من ربقة الأمية كشرط ضروري لتحسين وضعية الأفراد والجماعات".
يحيى اليحياوي
الرباط, 22 أبريل
2010المصدر
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih