النقد الأدبي بين سلطة الناقد وسطوة الجمهور

النقد الأدبي بين سلطة الناقد وسطوة الجمهور

لا يزدهر الإبداع الأدبي إلا عندما يزدهر النقد الأدبي ، فهما لبعضهما البعض كاليد للفم ، أو كالسقي للزرع .وقد أثبت التاريخ والواقع أن النقد الأدبي عندما ينحرف عن مساره الصحيح يضعف الإبداع الأدبي ، وتطفو على السطح مساحة تنتسب إلى الأدب وماهي من الأدب ، ولا تلبث في الوجود إلا عشية أو ضحاها لآنها تبحث عن الأضواء الكاشفة ، والمصالح الزائفة ، وتتزلف ، وتتوسل، وتتوسط ، لاصطياد الجوائز والتقرب إلى المسؤولين الإداريين على الثقافة ليعرفوهم ويكرموهم ، في غياب كلي للنقد أو شبه النقد ، كما هو موجود عندنا في أيامنا هذه ، فلدينا المئات من الجمعيات الأدبية المعتمدة والتي تتلقى الدعم المادي من الدولة و تشهد حضورا إداريا وغيابا ميدانيا وإبداعيا . و ما نشاهده في وسائل الإعلام من محاولات إحياء الإبداع الأدبي، والمثال على ذلك مسابقة أمير الشعراء وشاعر المليون التي تنظمها إحدى الفضائيات العربية ويشرف في لجنة التحكيم على هذه المسابقة مجموعة من كبار النقاد في العالم العربي منهم الأستاذ الدكتور عبد المالك مرتاض من الجزائر والدكتور صلاح فضل من مصر ، ولكن المشكلة تكمن في تصويت الجمهور الذي قد يرجح الكفة لغير المبدع على حساب المبدع الذي ينصرف بالأسى و يرجع بالأسف والحسرة ، حتى أن واحدا من النقاد في لجنة التحكيم قال لأحد الشعراء (( إنك لشاعر لو كان لك جمهور يصوّت عليك )) إن الناقد سيد محكّم ، وهو فوق الشاعر وفوق الجمهور، ووظيفته صناعة الذوق العام العالي ، وتوجيه الجمهور نحو الإبداع الأدبي الراقي ، ورأي الجمهور مؤسّس على عصبية عاطفية وليس على قواعد علمية كرأي الناقد ، ولن يكون الجمهور أهلا للتصويت إلا إذا كان من الأدباء أو من المتخصصين في الأدب . إن الجمهور يحتاج إلى الناقد وصوت الناقد يعلوعلى الجمهور وعلى الشاعر ولا يعلى عليه لأنه خبير و ببساطة فهو كمراقب الجودة الذي يمنع الفساد ويشجع النوعية .وأتمنى في مثل هذه المسابقات أن يمنع الجمهور من التصويت ويترك له فقط فرصة التصفيق أو التصفيرلا غير ، ليعبّر عن انطباعه وتترك الكلمة الفصل للناقد لأنه هو القاضي بين المبدع والمتلقي و هو لا يسمح أبدا بتمرير السلع الفاسدة أو استهلاكها .


وكانت البلاغة ولا تزال في جميع الآداب هي الصفة المميزة للإبداع ، والمعيار الأول في النقد ، فالمبدع بليغ والناقد بلاغي ويجتمعان في علاقة جدلية لا انفصام لها لصناعة الأدب الجيد والذوق الرفيع . وفي تراثنا الأدبي من الأمثلة والشواهد ما يؤكد هذه الحتمية الجدلية بين الإبداع والنقد ، ويجعل من وجودها شرطا لازما للإبداع الأدبي الذي افتقدناه قي الوقت الراهن بسبب وجود هذه المناهج النقدية التي تريد أن تكيف الأدب في غير طبيعته وغير أسلوبه فيقع في الاختناق و الانزلاق.