مرحبا بكم في المنتدى ،
ساهموا معنا في تطوير المنتدى
تخيل نفسك أستاذا و محاضرا سجل ،
و انشر على الموقع ...........
و ذلك من أجل العلم و طلبة العلم ،
و مرحبا من جديد ، التسجيل في ثوان لا تترددوا...


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل


مرحبا بكم في المنتدى ،
ساهموا معنا في تطوير المنتدى
تخيل نفسك أستاذا و محاضرا سجل ،
و انشر على الموقع ...........
و ذلك من أجل العلم و طلبة العلم ،
و مرحبا من جديد ، التسجيل في ثوان لا تترددوا...

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كـــن أول المـعـجـبـين

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع

لا يوجد مستخدم

المواضيع الأخيرة

» أنواع الزحافات :..........
ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية Emptyالجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star

» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية Emptyالخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star

» مصطلحات توليدية
ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية Emptyالسبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد

» ارجو المساعدة
ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية Emptyالجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان

» مساعدة عاجلة جداااااااااا
ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية Emptyالثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان

» كتب في علم الدلالة
ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية Emptyالثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih

» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية Emptyالثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih

» المعجم الالكتروني
ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية Emptyالثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih

» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية Emptyالثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih

دخول

لقد نسيت كلمة السر

دروس في النـــــــــــحو


    ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية

    avatar
    الشاعر
    طالب متميز
    طالب متميز


    عدد المساهمات : 105
    تاريخ التسجيل : 26/11/2009

    كتاب ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية

    مُساهمة من طرف الشاعر الخميس أبريل 07, 2011 5:58 pm

    ميلان كونديرا : الرواية التي لا تكتشف جزءاً من الوجود , رواية لا أخلاقية


    أود أن نخصص هذه المحادثة لجماليات رواياتك. ولكن بمَ نبدأ ؟

    - لنبدأ بالتأكيد على أن رواياتي ليست روايات سيكولوجية , وبعبارة أكثر دقة : تتواجد رواياتي فيما وراء جماليات الرواية التي توصف عادة بالرواية السيكولوجية.

    ولكن أليست الروايات جميعها سيكولوجية بالضرورة ؟ أي أنها تعكف على لغز النفس ؟

    - لنكن أشد دقة : تعكف جميع الروايات في كل زمان على لغز ( الأنا ) إذ ما إن تبتكر كائناً خيالياً , شخصية قصصية , حتى تواجه آلياً السؤال التالي : ماهي الأنا ؟ , وبم يمكن إدراك الأنا ؟ إنه واحد من هذه الأسئلة التي تقوم عليها الرواية بوصفها كذلك. ويمكن إن شئت أن تميز بين مختلف النزعات وربما بين مختلف المراحل في تاريخ الرواية من خلال مختلف الإجابات التي قدمت عن هذا السؤال. لم يكن القصاصون الأوروبيون الأوائل يعرفون المقاربة السيكولوجية. يقص علينا بوكاشيو أحداثاً ومغامرات مثلاً , ومع ذلك تتميز وراء كل هذه القصص المسلية القناعة التالية وهي أن الإنسان يخرج من عالم الحياة اليومية المتكررة الذي تتشابه فيه الأشياء جميعاً بواسطة الفعل , وبـ( الفعل ) إنما يتميز الإنسان عن الآخرين ويصير فرداً. قال دانتي : " يقوم القصد الأول للفاعل في كل فعل يمارسه على كشف صورته الخاصة به ". فُهِمَ الفعل في البدء على أنه اللوحة الذاتية للفاعل. لكن ديدرو , بعد أربعة قرون من بوكاشيو , كان أكثر شكاً : إذ يفتن بطله جاك القدري خطيبة صديقه ويسكر من السعادة , لكن أباه يضربه. وتمر كتيبة عسكر فيلتحق بها , ويتلقى رصاصة في ركبته عند أول معركة تجعله يعرج حتى موته. كان يظن أنه يبدأ مغامرة عاطفية في حين أنه كان يتقدم في الواقع نحو عاهته. ومن ثم فإنه لم يستطع أبداً أن يتعرف ذاته في فعله. إذ انفتح بينه وبين الفعل شق. يريد الإنسان أن يكشف بـ( الفعل ) عن صورته الخاصة به , لكن هذه الصورة لا تشبهه. إن الطابع المعقد للفعل هو أحد اكتشافات الرواية الكبرى. ولكن إذا لم يكن بالإمكان إدراك الأنا في الفعل , فأين وكيف يمكن إدراكها ؟ هاهنا تأتي اللحظة التي توجّب على الرواية في بحثها عن الأنا أن تهمل عالم الفعل المرئي لتعكف على اللامرئي في الحياة الداخلية. إذ سيكتشف ريتشاردسون في منتصف القرن الثامن عشر شكل الرواية القائم على الرسائل حيث تعترف الشخصيات بأفكارها وبمشاعرها.

    أي ولادة الرواية السيكولوجية ؟

    - لنتلاف هذه الكلمة التقريبية وغير الصحيحة ولنستخدم بدلها هذه الجملة الوصفية : لقد أطلق ريتشاردسون الرواية على طريقة استكشاف الحياة الداخلية للإنسان. ونحن نعرف كبار من تابعوا مساره : غوته في آلام فارتر وكونستان ثم ستندال وكتّاب عصره.
    وتتواجد قمة هذا التحوّل فيما يبدو لي لدى كل من بروست وجويس.
    لكن جويس يحلل شيئاً أكثر استعصاءاً على الإدراك من ( زمن بروست الضائع ) : اللحظة الحاضرة. ليس ثمة في الظاهر ما هو أكثر وضوحاً وواقعية وقابلية للمس من اللحظة الحاضرة , ومع ذلك فإنها تفلت منّا كليّة. هنا يتركز حزن الحياة كلّه.
    خلال ثانية واحدة يسجل نظرنا وسمعنا وشمّنا ( عن وعي أو بالرغم منّا ) كميّة من الأحداث , وتمر عبر رأسنا مواكب من الأحاسيس والأفكار. كل هنيهة تمثّل عالماً صغيراً يتم نسيانه إلى غير رجعة في الهنيهة التالية. والواقع أن ميكروسكوب جويس الضخم يعرف أن يوقف هذه اللحظة الخيالية وأن يقبض عليها ويجعلنا نراها. سوى أن البحث عن الأنا ينتهي مرة أخرى إلى مفارقة غريبة : فبقدر ما يكون حقل رؤية الميكروسكوب الذي يراقب الأنا واسعاً بقدر ما تفلت الأنا ووحدتها منّا : إذ أننا نتشابه جميعاً تحت عدسة جويس الكبرى التي تقسم النفس إلى ذرّات. ولكن إذا كانت الأنا وطابعها الفريد غير قابلين للإدراك في حياة الإنسان الداخلية , فأين وكيف يسعنا إدراكهما ؟

    وهل يسعنا إدراكهما ؟

    - من المؤكد أنه لايسعنا إدراكهما. فقد انتهى الحديث عن الأنا دوماً وسينتهي دوماً إلى عدم إشباع غريب ولا أقول إلى فشل. لأن الرواية لا تستطيع اختراق حدود إمكاناتها الخاصة بها , كما أن إضاءة هذه الحدود يعتبر أصلاً إكتشافاً كبيراً واستثماراً إدراكياً هائلاً. سوى أن كبار الروائيين , بعد أن مسّوا القاع الذي يقتضيه سبر الحياة الداخلية للأنا بالتفصيل , بدأوا البحث بوعي أو بغير وعي , عن توجهً جديد. غالباً ما نتحدث عن ثلاثي الرواية المقدس : بروست وجويس وكافكا. ومع ذلك فإن كافكا في تاريخي الشخصي للرواية هو الذي يفتح التوجه الجديد : ( توجّه ما بعد بروست ). فالطريقة التي يتصوّر بها الأنا غير منتظرة على الإطلاق. كيف تم تعريف ك بوصفه كائنا فريداً ؟ لم يتم تعريفه بمظهره الخارجي ( فنحن لا نعرف عن هذا المظهر شيئاً ) ولا بسيرته ( التي لا نعرفها ) ولا باسمه ( فليس له اسم ) , ولا بذكرياته , ولا بميوله , ولا بعقده. هل تم تعريفه بسلوكه ؟ إن المدى الحر لأفعاله محدود بشكل يرثى له. هل تم تعريفه بأفكاره الداخلية ؟ نعم.
    فكافكا يتابع دون توقف تأملات ك , لكن هذه التأملات تتجه حصراً نحو الوضع الحاضر : مالذي يجب فعله هنا , في الوقت الراهن ؟ الذهاب إلى الإستجواب أم الإستنكاف عن ذلك ؟ الإنصياع لنداء الكاهن أم لا ؟ كل حياة ك الداخلية مستغرقة بالوضع الذي يجد نفسه حبيساً فيه , ولا شئ مما يمكن له تجاوز هذا الوضع ( ذكريات ك , تأملاته الميتافيزيقية وآراؤه في الآخرين ) يتكشف لنا. كان العالم الداخلي للإنسان لدى بروست يؤلف معجزة , لانهاية لم تكن تكف عن إثارة إعجابنا. لكن هذا لم يكن موضع دهشة كافكا. فهو لا يتسائل عما هي الدوافع الداخلية التي تحدد سلوك الإنسان , وإنما يطرح سؤالاً جذرياً مختلفاً :
    ماهي إمكانات الإنسان التي تبقت له في عالم باتت فيه الأسباب الخارجية ساحقة إلى حد لم تعد معه المحركات الداخلية تزن شيئاً ؟ في الحقيقة , مالذي كان يمكن لذلك أن يغير من مصير واستعداد ك لو كانت له نوازع جنسية مثلية أو قصة حب مؤلمة وراءه ؟ لاشئ.


    هذا ما تقوله في روايتك ( خفة الكائن التي لا تُحتمل ) : " ليست الرواية اعترافاً من اعترافات المؤلف , بل هي سبر ماهي الحياة الإنسانية في الفخ الذي استحاله العالم ". ولكن ماذا يعني ذلك : الفخ ؟

    - أن تكون الحياة فخاً , هذا ما كنّا نعرفه دوماً : فقد ولدنا دون أن نطلب ذلك , حبيسي جسد لم نختره , ومعدّين للموت أخيراً. وبالمقابل يهيئ لنا فضاء العالم إمكانية دائمة للخلاص. فالجندي يستطيع الهرب من الجيش وبدء حياة أخرى في بلد مجاور. أما في عصرنا فإن العالم ينغلق من حولنا فجأة. إن الحدث الحاسم لتحوّل العالم هذا إلى فخ كان دون شك حرب عام 1914 التي يطلق عليها ( للمرّة الأولى في التاريخ ) الحرب العالمية. عالميّة على نحو مزيّف. فهي لم تكن تخص سوى أوربا , لا بل جزءاً من أوربا لا أوربا كلها. على أن صفة ( عالمية ) تعبّر بفصاحة عن شعور الهلع إزاء حقيقة أنه لاشئ من الآن فصاعداً مما يجري على سطح المعمورة يمكن أن يبقى قضية محليّة , وأن كل الكوارث تعني العالم كلّه , وأننا بتنا خاضعين أكثر فأكثر لعوامل خارجية , لأوضاع لا يستطيع أي امرئ الفرار منها. أوضاع تجعلنا نشبه أكثر فأكثر بعضنا البعض الآخر. لكن افهمني جيداً. إذا كنت أضع نفسي فيما وراء الرواية السيكولوجية فلا يعني هذا أنني أريد حرمان شخصياتي من الحياة الداخلية , وإنما يعني فقط أن ثمة ألغازاً ومسائل أخرى تلاحقها رواياتي في المقام الأول. هذا لا يعني أيضاً أنني أعترض على الروايات المسحورة بعلم النفس. إذ أن تغير الأوضاع بعد بروست يملؤني بالحنين. مع بروست يبتعد عنّا ببطء جمال هائل إلى الأبد ودون رجعة. كان لغومبروفيتش فكرة مضحكة بقدر ماهي عظيمة : إن وزن ( أنا ) نا , كما يقول , يتوقف على كمّية السكان على سطح الكرة الأرضية. ومن ثم فإن دمقرطيس يمثل واحداً من أربعمائة مليون من البشر , وبراهمز واحداً من مليار , وغومبروفيتش نفسه واحداً من مليارين ... من وجهة نظر هذا الحساب يصير وزن اللانهاية البروستية , وزن الأنا , الحياة الداخلية للأنا , خفيفاً أكثر فأكثر. وقد عبرنا في هذا السياق نحو الخفة حدّاً قاتلاً.

    منذ كتاباتك الأولى تؤلف ( خفة الكائن التي لا تُحتمل ) للأنا همّك الدائم. إنني أفكر خصوصاً بمجموعتك ( غراميات مضحكة ) , وبقصة ( إدوار والإله ) فيها مثلاً. فبعد ليلة الحب الأولى التي يقضيها مع الفتاة أليس , يصاب إدوار بوعكة غريبة حاسمة في قصته. فقد كان ينظر إلى صديقته ويقول لنفسه : " إن أفكار أليس ليست في الواقع سوى شيئاً ملصوقاً على مصيره , وأن مصيره ليس إلا شيئاً ملصوقاً على جسده , ولم يعد يرى فيها سوى تجميعاً عرضياً لجسد وأفكار وسيرة , تجميعاً غير عضوي , وتعسفي , وقابل للتغيير ". وفي قصة أخرى أيضاً ( لعبة الأوتوستوب ) , تبدو الفتاة في المقاطع الأخيرة من القصة قلقة من عدم يقينها من هويتها إلى الدرجة التي كانت تكرر فيها وهي تبكي بكاءاً شديداً : " إنني أنا , إنني أنا , إنني أنا ... ".

    - في رواية ( خفة الكائن التي لا تُحتمل ) تنظر تيريزا إلى نفسها في المرآة , وتتسائل مالذي سيحصل لو أن أنفها امتد كل يوم ميليمتراً واحداً , وبعد كم من الزمن سيصير وجهها وجهاً غير معروف ؟. وإذا لم يعد وجه تيريزا يشبه تيريزا , فهل تظل تيريزا هي هي ؟ أين تبدأ الأنا وأين تنتهي ؟ كما ترى : ليس ثمة أي دهشة إزاء لا نهائية النفس غير المسبورة أو بالأحرى ثمة دهشة أمام لايقينية الأنا من هويتها.

    هنا غياب كامل للمنولوج في رواياتك.

    - لقد وضع جويس في رأس بلوم مكبر صوت. وبفضل هذا التجسس العظيم الذي هو المنولوج الداخلي تعلمنا الكثير عن أنفسنا. لكنّي أنا لن أعرف استخدام مكبر الصوت هذا.


    يحتاز المونولوج الداخلي في رواية ( أوليس ) لجويس كل الرواية , إنه الأساس الذي يقوم عليه بناؤها , والعنصر التقني السائد. هل التأمل الفلسفي هو الذي يقوم بهذا الدور عندك ؟

    - إنني أرى أن كلمة فلسفي غير دقيقة هنا. فالفلسفة تعرض أفكارها في فضاء تجريدي بلا شخصيات وبلا مواقف.

    تبدأ روايتك ( خفة الكائن التي لا تُحتمل ) بتأمل في العودة الأبدية لنيتشه. وإلا , فما هو التأمل الفلسفي المعروض بطريقة تجريدية بدون شخصيات أو مواقف ؟

    - لا ! , هذا التأمل يُدخِل مباشرة ومنذ السطر الأول في الرواية الموقف الأساسي لشخصية ما - توماس , إنه يعرض مشكلته : خفة الوجود في عالم ليس فيه عودة أبدية. وكما ترى هانحن نعود إلى سؤالنا : مالذي يوجد وراء الرواية الموصوفة بالسيكولوجية ؟. وبعبارة أخرى , ماهي الطريقة غير السيكولوجية لإدراك الأنا ؟. إدراك الأنا في رواياتي يعني إدراك جوهر إشكاليتها الوجودية. أي إدراك رمزها الوجودي. لقد لاحظت أثناء كتابة رواية ( خفة الكائن التي لا تُحتمل ) أن رمز هذه الشخصية أو تلك يتألف من بعض الكلمات الجوهرية. فبالنسبة لتيريزا مثلاً : الجسد , النفس , الدوار , الضعف , المثل الأعلى , الجنة.
    وبالنسبة لتوماس : الخفة , الجاذبية. في الفصل الذي يحمل عنوان ( الكلمات غير المفهومة ) أفحص الرمز الوجودي لكل من فرانز وسابينا بتحليل عدة كلمات : المرأة , الإخلاص , الخيانة , الموسيقى , الظلمة , النور , الموكب , الجمال , الوطن , المقبرة , القوة. لكل واحدة من هذه الكلمات دلالة مختلفة في الرمز الوجودي للآخر. لم يدرس بالطبع هذا الرمز بشكل مجرد , وإنما كان يتكشف بالتدريج في الفعل وفي المواقف. خذ مثلاً ( الحياة هي في مكانٍ آخر ) القسم الثالث : ما يزال البطل جاروميل الخجول , بكراً. يتنزّه ذات يوم مع صديقته التي تضع رأسها فجأه على كتفه. كان في قمة سعادته , بل وكان مستثاراً جسدياً. أتوقف عند هذا الحدث الصغير وألاحظ : " إن أعظم سعادة عرفها جاروميل تمثّلت في الإحساس برأس فتاة على كتفه " . وبدءاً من ذلك أجهد في إدراك إيروسية جاروميل : " كان رأس فتاة يعني في نظره شيئاً أهم من جسدها " , وهذا لايعني , وهو ما أنبه إليه , أن الجسد لا يمثل شيئاً بالنسبة له , وإنما أنه " لم يكن يرغب عري جسد فتاة ", وإنما كان يرغب امتلاك وجه فتاة , وأن يمنحه هذا الوجه الجسد كبرهان على حبّه. أحاول أن أطلق اسماً على هذا الموقف , وأختار كلمة الحنان.
    وأفحص هذه الكلمة : مالحنان في الواقع ؟ وأتوصل إلى الإجابات التالية : " يولد الحنان في اللحظة التي يلقى بنا فيها على عتبة سن الرشد , عندما نعي بقلق امتيازات الطفولة التي لم نكن نفهمها عندما كنّا أطفالاً ". ثم : " الحنان هو الرعب الذي يوحي لنا به سن الرشد ". وتعريف آخر أيضاً : " الحنان هو ابتكار فضاء اصطناعي يتوجب أن يعامل فيه الآخر بوصفه طفلاً ". كما ترى , إنني لا أطلعك على ما يدور في رأس جاروميل , وإنما أبين لك ما يدور في رأسي أنا : أراقب مطوّلاً جاروميلي وأجهد أن أقترب خطوة خطوة من قلب موقفه لأفهمه وأسميه وأدركه.
    في ( خفة الكائن التي لا تُحتمل ) تعيش تيريزا مع توماس , لكن حبها يتطلب منها استنفار كل قواها , وفجأه لم تعد تستطيع الإحتمال , فتريد العودة إلى الوراء , ( إلى الأسفل ) من حيث أتت. وأتسائل : مالذي أصابها ؟ وأجد الجواب : لقد أصيبت بالدوار. ولكن ماهو الدوار ؟ أبحث عن التعريف وأقول : " رغبة خانقة , لا تقاوم , في السقوط ". لكني سرعان ما أصحح نفسي وأدقق التعريف : " أن يصاب المرء بالدوار يعني أن يكون سكراناً من ضعفه. إننا نعي ضعفنا ولا نريد مقاومته بل الإستسلام له. نسكر من ضعفنا , نود أن نكون أكثر ضعفاً. إننا نريد أن ننهار في الطريق أمام نظر الجميع , إننا نريد أن نكون على الأرض , بل ماهو أسفل من الأرض ,". إن ( الدوار ) واحد من مفاتيح فهم تيريزا. إنه ليس مفتاحاً صالحاً لفهمك أو لفهمي. ومع ذلك فأنت وأنا نعرف هذا النوع من الدوار على الأقل كإمكانية , إحدى إمكانات وجودنا. كان علي أن أبتكر تيريزا , أنا ( تجريبي ) لأفهم هذه الإمكانية , وأفهم الدوار.
    على أن المواقف الخاصة ليست وحدها التي تستجوب على هذا النحو فحسب , إذ الرواية كلها ليست إلا استجواباً طويلاً.
    إن الإستجواب التأملي ( التأمل الإستجوابي ) هو القاعدة التي بنيت عليها كل رواياتي. فلنبق عند رواية ( الحياة هي في مكان آخر ). كان عنوان هذه الرواية ( العصر الغنائي ). وقد غيرته في اللحظة الأخيرة تحت إلحاح الأصدقاء الذين كانوا يجدونه مبتذلاً ومنفراً. وقد ارتكبت حماقة بتنازلي لهم. فالواقع أنني أجد جيداً اختيار عنوان للرواية يقول مقولتها الرئيسية : ( المزحة ) , ( كتاب الضحك والنسيان ) , ( خفة الكائن التي لا تحتمل ) وحتى ( غراميات مضحكة ). يجب ألا يجعلنا هذا العنوان نتوقع انطواء الكتاب على قصص حب مسلية. ففكرة الحب مرتبطة دوماً بالجد. في حين أن الغرام المرح هو نوع من الحب يخلو من الجد. وذلك مفهوم رئيسي بالنسبة للإنسان الحديث. لكن لنعد إلى ( الحياة هي في مكان آخر ). تعتمد هذه الرواية على عدة أسئلة : ماهو الموقف الغنائي ؟. ماهو الشباب بوصفه مرحلة غنائية من العمر ؟ ماهو معنى هذا الزواج المثلث : الغنائية , الثورة , الشباب ؟. وماذا يعني أن يكون المرء شاعراً ؟ أذكر أنني كتبت هذه الرواية مع فرضية عمل تتمثل في هذا التعريف الذي سجلته في مفكرتي : " الشاعر هو شاب تقوده أمه إلى أن يعرض نفسه عارياً أمام عالم يعجز عن الدخول فيه ". وكما ترى فإن هذا التعريف ليس سوسيولوجياً ولا جمالياً ولا سيكولوجياً.

    إنه فنومنولوجي.

    - ليست هذا الصفة رديئة لكني أمتنع عن استخدامها. إذ أنني أخاف الأساتذة الذين لا يرون في الفن سوى واحداً من مشتقات التيارات الفلسفية والنظرية. كانت الرواية تعرف اللاوعي قبل فرويد , وتعرف صراع الطبقات قبل ماركس , وتمارس الفنومنولوجية ( أي البحث عن جوهر المواقف الإنسانية ) قبل الفنومنولوجيين. ما أروع الأوصاف الفنومنولوجية لدى بروست الذي لم يتعرف على أي فنومنولوجي.

    فلنلخص : ثمة عدة طرق لإدراك الأنا. عن طريق الفعل أولاً , ثم في الحياة الداخلية. أما فيما يخصك فإنك تؤكد : أن الأنا محدودة بجوهر إشكاليتها الوجودية. ولهذا الموقف عندك عدة نتائج. مثلاً يبدو استشراسك في فهم جوهر الموقف وكأنه يلغي في نظرك تقنيات الوصف جميعاً. فأنت لا تقول شيئاً عن المظهر المادي لشخصياتك. ولما كان البحث عن الدوافع السيكولوجية لا يهمك بقدر ما يهمك تحليل المواقف , فإنك شديد البخل فيما يتعلق بماضي شخصياتك. أولا يوشك الطابع التجريدي شبه الغالب على قصك أن يجعل من شخصياتك أقل حياة ؟

    - حاول أن تطرح السؤال ذاته على كافكا أو على موزيل. لقد سبق طرحه على كل حال على موزيل. لا بل إن مثقفين مرهفين أخذوا عليه أنه ليس روائياً حقيقياً , فوالتر بينجامين يعجب بذكائه لا بفنه. ويجد إدوار روديتي شخصياته خالية من الحياة ويقترح عليه أن يتخذ من بروست مثلاً يسير على هديه. يقول : ما أشد حياة مدام فيردوران وحقيقيتها بالمقارنة مع ديوتيم !. الواقع أن قرنين من الواقعية السيكولوجية قد أوجدا قوانين لا يكاد يمكن الخروج عنها :
    1 – يجب إعطاء أكبر قدر من المعلومات عن الشخصية عن مظهرها الخارجي وعن طريقتها في الكلام والسلوك.
    2 – يجب عرض ماضي الشخصية لأننا سنجد فيه كل دوافع سلوكها في الحاضر.
    3 – يجب أن يكون للشخصية استقلالها التام , أي أن على المؤلف أن يختفي وأن تختفي آراؤه الشخصية كيلا ينزعج القارئ الذي يريد الاستسلام للوهم واعتبار التخيل واقعاً. في حين أن موزيل قد أخل بهذا العقد القديم المبرم بين الرواية والقارئ. وكذلك فعل روائيون آخرون معه. مالذي نعرفه عن إش ؟ , أعظم شخصيات بروخ ؟ لاشئ , سوى أن أسنانه كانت كبيرة. مالذي نعرفه عن طفولة ك أو عن شفايك ؟. لم يكن أيا من موزيل أو بروخ أو غومبروفيتش يجد حرجاً في تواجده من خلال أفكاره في رواياته. ليست الشخصية شبه كائن حي. إنها كائن خيالي. أنا تجريبي. وبذلك تعيد الرواية صلاتها ببداياتها. من المستحيل التفكير بدون كيشوت بوصفه كائناً حياً. ومع ذلك فأي شخصية في ذاكرتنا أشد حياة منه ؟ إفهمني جيداً. إنني لا أريد أن أنفج القارئ ورغبته الساذجة والمشروعة معاً في أن يستسلم لعالم الروائي التخييلي وخلطه من وقت لآخر مع الواقع. سوى أنني لا أعتقد أن تقنية الواقعية السيكولوجية ذات ضرورة قصوى لأجل ذلك. لقد قرأت رواية ( القصر ) للمرة الأولى عندما كنت في الرابعة عشر من عمري. في تلك الآونة كنت معجباً بلاعب هوكي على الجليد كان يسكن بجوارنا.وتصورت ك بملامحه , ومازلت حتى اليوم أراه كذلك. أريد أن أقول إن مخيلة القارئ تتمم آلياً مخيلة المؤلف. هل توماس أسمر أم أشقر ؟ وهل كان أبوه غنيا أم فقيرا ؟ اختر ما تشاء !.

    لكنك لا تمتثل دوماً لهذه القاعدة : فإذا لم يكن في ( خفة الكائن التي لا تحتمل ) لتوماس أي ماض فعلي فإن تيريزا تقدم لا مع طفولتها فحسب بل مع طفولة أمها !.

    - تجد في الرواية هذه الجملة : " لم تكن حياتها سوى امتداد لحياة أمها , شيئاً يشبه مسار كرة البلياردو الذي هو عبارة عن امتداد حركة تنفذها ذراع اللاعب ". إذا تكلمت عن الأم فليس لوضع قائمة بالمعلومات عن تيريزا , وإنما لأن أمها هي ثيمتها الرئيسية. ذلك أن تيريزا هي ( امتداد لأمها ) وهي تتألم من ذلك. نحن نعلم أيضاً أن لها ثديين صغيرين ( لهما لعوتان عريضتان غامقتا اللون من حول الحلمتين ) كما لو أنهما مرسومتان بيدي فلاح قام بتجميع صور فاحشة للمحتاجين , كان لابد من هذه المعلومات لأن جسد تيريزا كان هو الآخر ثيمة كبرى من ثيماتها. وبالمقابل , فإنني لا أقص شيئاً عن طفولة زوجها توماس , ولا عن أبيه ولا عن أمه ولا عن أسرته , كما أن جسده ووجهه بقيا مجهولين كلياً لأن جوهر إشكاليته الوجودية متجذر في ثيم أخرى. على أن غياب هذه المعلومات لا يجعل منه ( أقل حياة ). إذ أن جعل شخصية ما ( حية ) يعني : المضي حتى النهاية في إشكاليتها الوجودية. وهذا يعني المضي حتى النهاية في بعض المواقف , بعض الدوافع , بل بعض الكلمات التي يؤخذ بها , ولاشئ أكثر من ذلك.

    يمكن إذن تعريف مفهومك عن الرواية على أنها تأمل شاعري في الوجود. ومع ذلك فإن رواياتك لم تفهم كذلك. فنحن نجد فيها كثيراً من الأحداث السياسية التي غذت تفسيرات سوسيولوجية أو تاريخية أو أيديولوجية. فكيف توفق مابين اهتمامك بالتاريخ والمجتمع وبين قناعتك بأن الرواية تفحص قبل كل شئ لغز الوجود؟

    - يخص هيدغر الوجود بصيغة شبه شهيرة :
    الكينونة – في – العالم. لا يرجع الإنسان إلى العالم رجوع الذات إلى الموضوع , أو العين إلى اللوحة , ولا حتى كالممثل إلى ديكور خشبة المسرح. إن الإنسان والعالم مرتبطان ارتباط الحلزون بصدفته : فالعالم يؤلف جزءا من الإنسان , إنه بُعده. وبقدر ما يتغير العالم , يتغير الوجود ( الكينونة – في – العالم ) أيضاً. يملك عالم كينونتنا منذ بلزاك طابعاً تاريخياً وتدور حيوات الشخصيات في فضاء زمني محدود بتاريخ. ولم يعد بوسع الرواية أبداً أن تتخلص من ميراث بلزاك. حتى غومبروفيتش الذي كان يبتكر قصصاً خارقة ويغتصب كل قواعد احتمال التشابه لا يفلت من ذلك. فراوياته تجري في زمن محدد وتاريخي على نحو تام. لكن يجب ألا نخلط بين شيئين : هناك , من جهة , الرواية التي تفحص البعد التاريخي للوجود الإنساني , وهناك , من جهة أخرى , الرواية التي تمثل وضعاً تاريخياً , أو وصف مجتمع في لحظة معينة , أو تاريخاً مروياً. إنك تعرف كل هذه الروايات التي كتبت عن الثورة الفرنسية , أو عن ماري انطوانيت , أو عن 1914 , أو عن الحياة الجماعية في الإتحاد السوفيتي ( معها أو ضدها ) أو عن سنة 1984 , كلها عبارة عن روايات تعميم تترجم معرفة غير روائية في لغة روائية. في حين لا أتعب من التكرار مع بروخ : " إن السبب الوحيد لوجود الرواية هو أن تقول شيئاً لا يمكن أن تقوله سوى الرواية. "

    ولكن ماذا بوسع الرواية أن تقول من أشياء خاصة عن التاريخ ؟ أو ماهي طريقتك في معالجة التاريخ ؟

    - هي ذي عدة مبادئ هي في ذات الوقت مبادئي :
    أولاً : إنني أعالج كل الظروف التاريخية باقتصاد هائل. إن سلوكي إزاء التاريخ هو سلوك المخرج المسرحي الذي يتدبر أمر مشهد تجريدي بعدد من الأشياء لا غنى عنها للحدث.
    المبدأ الثاني : لا أحتفظ من الظروف التاريخية إلا بتلك التي تخلق لشخصياتي وضعاً وجودياً كشّافاً. مثلاً في رواية ( المزحة ) يرى لودفيك جميع أصدقائه وزملائه يرفعون أيديهم للتصويت بسهولة كاملة على طرده من الجامعة وبالتالي على قلب حياته رأساً على عقب.
    وهو على يقين من أنهم قادرون لو اضطر الأمر على التصويت بالسهولة ذاتها على إعدامه. ومن هنا تعريفه للإنسان : كائن قادر في أي ظرف على إرسال قريبه للموت. إن لتجربة لودفيك الأنتروبولوجية الأساسية جذورها التاريخية إذن , لكن وصف التاريخ ذاته ( دور الحزب , الجذور السياسية للإرهاب , تنظيم المؤسسات الإجتماعية , إلخ ) لا يهمني , ولن تجده في الرواية.
    المبدأ الثالث : يكتب علم التاريخ تاريخ المجتمعات لا تاريخ الإنسان.
    لذلك فغالباً ما ينسى علم التاريخ الأحداث التاريخية التي تتحدث عنها رواياتي. مثلاً : في السنوات التي تلت الغزو الروسي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 سبق الإرهاب ضد الشعب مجازر نظمت رسمياً للكلاب , تلك حلقة منسية لا أهمية لها في نظر المؤرخ أو عالم السياسة , لكنها ذات دلالة أنثروبولوجية رفيعة. ولم أوح بالجو التاريخي لروايتي ( فالس الوداع ) إلا بهذه الحلقة وحدها. مثل آخر : في اللحظة الحاسمة من روايتي ( الحياة هي في مكان آخر ) يتدخل التاريخ من خلال سروال بشع غير أنيق , لم يكن من الممكن العثور على مثيله في تلك الآونة , وإزاء أجمل فرصة غرامية تتاح له في حياته يخشى جاروميل من أن يكون هزءة في السروال فلا يجرؤ أن يتعرى , ويهرب. اللا أناقة , ظرف تاريخي آخر منسي ومع ذلك ما أشد أهميته بالنسبة لمن كان مرغماً على العيش تحت هيمنة النظام الشيوعي.
    على أن المبدأ الرابع هو الذي يمضي بعيداً : لا يكفي على الظرف التاريخي أن يخلق وضعاً وجودياً جديداً لشخصية الرواية , وإنما يجب أن يتم فهم وتحليل التاريخ في حد ذاته بوصفه وضعاً وجودياً.
    مثال : في ( خفة الكائن التي لا تحتمل ) يعود ألكسندر دوبتشك إلى براغ بعد أن اختطفه الجيش الروسي وسجنه وهدده وأرغمه على التفاوض مع بريجنيف , ويتحدث في الراديو , لكنه لايستطيع الكلام , فيحاول التقاط أنفاسه , ويتوقف بين الجمل وقفات طويلة مزعجة. إن ما تكشفه لي هذه الحلقة التاريخية ( المنسية كلياً , إذ أن فنيي الراديو أجبروا بعد ساعتين على قطع هذه الوقفات المؤلمة في خطابه ) , إنما هو الضعف.
    الضعف كمقولة للوجود شديدة العمومية : " إننا ضعفاء دوماً عندما نواجه قوة متفوقة حتى ولو كنا نملك جسد بطل رياضي كجسد دوبتشك ". لا تستطيع تيريزا تحمل مشهد هذا الضعف الذي يثيرها ويذلها فتفضل أن تهاجر. لكنها إزاء خيانات توماس لها تشبه دوبتشك إزاء بريجنيف : عزلاء وضعيفة. وأنت تعرف ماهو الدوار : أن تكون سكرانا من ضعفك , إنه الرغبة التي لا تقاوم في السقوط. وتفهم تيريزا فجأه أنها " واحدة من الضعفاء " , من معسكر الضعفاء , من بلد الضعفاء , وأن عليها أن تكون مخلصة لهم لأنهم على وجه الدقة ضعفاء , ولأنهم يحاولون التقاط أنفاسهم وسط الجمل. وها هي ذي سكرانه من ضعفها تهجر توماس وتعود إلى براغ , إلى مدينة الضعفاء. إن الوضع التاريخي ليس هنا مجرد خلفية , ليس ديكوراً وسط الأوضاع الإنسانية , وإنما هو في حد ذاته وضعا إنسانيا , وضعا وجودياً تم تكبيره.
    وكذلك ربيع براغ في ( كتاب الضحك والنسيان ) : لم يوصف في بعده السياسي التاريخي الاجتماعي بل بوصفه واحدا من المواقف الوجودية الأساسية. الإنسان ( جيل من الناس ) يفعل ( يقوم بثورة ) لكن فعله يفلت منه , ويكف عن إطاعته ( الثورة تعذب , وتقتل , وتهدم ) , فيفعل إذن كل شئ لتلافي ذلك وللتكفير عن هذا الفعل المتمرد ( يؤسس الجيل حركة معارضة إصلاحية ) ولكن عبثاً. إذ من غير الممكن على الإطلاق القبض على فعل سبق وأفلت مرة واحدة من أيدينا.

    وهو ما يذكر بموقف جاك القدري الذي تحدثت عنه في البداية

    - لكننا هذه المرة إزاء موقف جماعي وتاريخي.

    أليس من المهم لفهم رواياتك معرفة تاريخ تشيكوسلوفاكيا ؟

    - لا. كل ما تتوجب معرفته تقوله الرواية ذاتها.

    ألا تفترض قراءة الروايات أية معرفة تاريخية ؟

    - هناك تاريخ أوربا. منذ سنة الألف حتى أيامنا هذه , لا يؤلف هذا التاريخ سوى مغامرة مشتركة. إننا نؤلف جزءاً منه ولا تكشف أفعالنا الفردية أو القومية عن دلالتها الحاسمة إلا إذا وضعناها بالعلاقة مع هذا التاريخ. إنني أستطيع أن أفهم ( دون كيشوت ) دون أن أعرف تاريخ أسبانيا , لكني لا أستطيع فهمه دون أن تكون لدي فكرة , أيا كانت عموميتها عن المغامرة التاريخية لأوربا ولحقبة الفروسية مثلا التي اجتازتها , وللحب المهذب , وللعبور من القرون الوسطى حتى العصور الحديثة.

    في رواية ( الحياة هي في مكان آخر ) كل طور من أطوار حياة جاروميل يقارن بأجزاء من سيرة رامبو , كيتس , وليرمنتوف … إلخ. ويمتزج موكب الأول من مايو في براغ مع مظاهرات الطلبة عام 1968 في باريس. هكذا تخلق لبطلك مشهداً واسعاً يشتمل على كل أوربا. ومع ذلك فإن روايتك تدور في براغ. وتصل ذروتها لحظة الإنقلاب الشيوعي في عام 1948.

    - إنها في نظري رواية الثورة الأوربية بوصفها كذلك , وفي كثافتها.

    الثورة الأوربية , هذا الإنقلاب ؟ والمستورد فوق ذلك من روسيا ؟!

    - أيّا كانت عدم أصالته , فقد عشنا هذا الانقلاب كثورة. وعلى الرغم من خطابيته وأوهامه وردود فعله وإشاراته وجرائمه , فإنه يبدو لي تكثيفاً ساخراً للتقليد الثوري الأوربي. امتداداً وإنجازاً لحقبة الثورات الأوربية على نحو بشع. كذلك جاروميل , بطل هذه الرواية , هو ( امتداد ) فيكتور هيغو ورامبو ويمثل إنجازاً مضحكاً للشعر الأوربي. شأن باروسلاف في رواية ( المزحة ) الذي يمد التاريخ العريق للفن الشعبي في حقبة كان فيها هذا الفن على طريق الاندثار. شأن الدكتور هافل في رواية ( غراميات مضحكة ) الذي كان دون جوانا في وقت لم تعد فيه الدون جوانية ممكنة. شأن فرانز في رواية ( خفة الكائن التي لا تحتمل ) الذي كان الصدى الأخير لمسيرة اليسار الكبرى الأوربية. في حين تبتعد تيريزا في قرية ضائعة من بوهيميا , لا عن كل حياة عامة في بلدها فحسب بل ( عن الطريق حيث تتابع الانسانية سيدة الطبيعة ومالكتها مسيرتها إلى الأمام. كل هذه الشخصيات تنجز لا تاريخها الشخصي فحسب , بل تنجز فضلا عن ذلك التاريخ ما وراء الشخصي للمغامرات الأوربية.

    وهو مايعني أن رواياتك تتموضع في المشهد الأخير من الأزمنة الحديثة التي تسميها ( مرحلة المفارقات الأخيرة ).

    - ليكن. لكن لنتلاف سوء فهم ممكن. عندما كتبت قصة هافل في ( غراميات مضحكة ) , لم أكن أنوي الحديث عن دون جوان في الحقبة التي تنتهي فيها الدون جوانية. كتبت قصة تبدو لي مضحكة. هذا كل مافي الأمر. كل هذه التأملات عن المفارقات الأخيرة , إلخ , لم تسبق رواياتي , بل صدرت عنها. ولم أفكر بمصير صيغة ديكارت الشهيرة ( الإنسان سيد الطبيعة ومالكها ) إلا أثناء كتابة رواية ( خفة الكائن التي لا تحتمل ) وبوحي من شخصياتي التي تنسحب جميعاً بطريقة ما من العالم. إذ بعد أن نجح في صنع المعجزات في العلوم والتكنولوجيا يعي هذا السيد والمالك فجأة أنه لا يملك شيئاً وأنه ليس سيد الطبيعة ( فهو ينسحب شيئاً فشيئاً من الكوكب الأرضي ) ولا التاريخ ( الذي يفلت منه ) ولا نفسه ( فهو مقاد من قبل قوى روحه اللاعقلانية ). لكن إذا كان الإله قد مضى في سبيله , وإذا لم يعد الإنسان سيداً , فمن هو السيد إذن؟. إن الكوكب الأرضي يتقدم في الفراغ بدون أي سيد. تلك هي حقيقة ( خفة الكائن التي لا تحتمل ).

    ومع ذلك عندما نرى في الحقبة الراهنة لحظة متميزة , لا بل أهم لحظة على الإطلاق , باعتبارها لحظة النهاية , أولا تؤلف رؤيتنا هذه ضرباً من السراب الأناني ؟. كم عدد المرات التي سبق وظنت فيها أوربا أنها تعيش نهايتها , وقيامتها ؟.

    - أضف إلى كل المفارقات النهائية , مفارقة النهاية ذاتها. عندما تعلن ظاهرة ما , من بعيد , عن اختفائها القريب , فسنؤلف آنئذ مجموعة من الناس تعرف ذلك وربما تتأسف عليه. ولكن عندما يقترب الإحتضار من نهايته , فإن أنظارنا تتجه آنئذ نحو مكان آخر. يصير الموت لا مرئياً.
    لقد تلاشت من رأس الإنسان ومنذ زمن كل من النهر والسنونو والدروب التي تجتاز السهول ,ولم يعد أي امرئ بحاجة إلى ذلك. من سينتبه غداً عندما تختفي الطبيعة من الكوكب الأرضي؟. أين هم خلفاء أوكتافيو باز ورينيه شار ؟. أين هم كبار الشعراء ؟. هل اختفوا أم باتت أصواتهم غير مسموعة ؟. هناك على كل حال تغير هائل في أوربانا التي لم يكن من الممكن قديماً مجرد التفكير فيها بوصفها أرضا بلا شعراء. ولكن إذا كان الانسان قد فقد الحاجة إلى الشعر , فهل سينتبه إلى اختفائه ؟. ليست النهاية انفجاراً هائل الضجة. ربما ليس ثمة ماهو أشد هدوءا من النهاية.

    حسناً. ولكن إذا كان هناك شئ ينتهي فمن الممكن الافتراض ان هناك شيئا آخر يبدأ.

    - بالتأكيد.

    ولكن مالذي يبدأ ؟. إن ذلك لا يرى في رواياتك. ومن هنا هذا الشك : ألست أنك لا ترى سوى نصف وضعنا التاريخي فحسب ؟

    - من الممكن ذلك. لكنه ليس أمراً من الخطورة بمكان. في الواقع يجب فهم ماهي الرواية. يقص عليك المؤرخ أحداثاً تم وقوعها. في حين أن جريمة راسكولينكوف لم تقع أبداً. لا تفحص الرواية الواقع بل الوجود. والوجود ليس ما جرى , بل هو حقل الإمكانيات الإنسانية , كل ما يمكن للانسان أن يصيره , كل ماهو قادر عليه , يرسم الروائيون خريطة الوجود أثناء إكتشافهم هذه الإمكانية البشرية أو تلك. ولكن مرة أخرى : أن توجد يعني أن ( تكون – في – العالم ). يجب إذن فهم الشخصية وعالمها بوصفهما إمكانيات. كل ذلك واضح لدى كافكا :
    - لا يشبه العالم الكافكاوي أي واقع معروف , إنه إمكانية قصوى غير منجزة للعالم الإنساني. حقاً إن هذه الإمكانية تتباين وراء عالمنا الواقعي وتبدو كأنها تجسيد مسبق لمستقبلنا. لذلك نتحدث عن البعد التنبؤي في روايات كافكا. غير أنه حتى ولو لم تكن رواياته تنطوي على أي شئ تنبؤي فإنها لا تفقد قيمتها , لأنها تقبض على إمكانية الوجود ( إمكانية الإنسان وعالمه ) وتجعلنا نرى بذلك ما نحن عليه , مانحن قادرون عليه.

    لكن رواياتك تجري في عالم واقعي تماماً.

    - تذكّر رواية ( السائرون نياماً ) لبروخ , وهي ثلاثية تغطي ثلاثين عاماً من تاريخ أوربا. هذا التاريخ محدد في نظر بروخ بوصفه انحدارا مستمرا للقيم. وتبدو الشخصيات محبوسة ضمن هذه العملية كما لو أنها ضمن قفص وعليها أن تجد السلوك الملائم لهذا الاختفاء التدريجي للقيم المشتركة. كان بروخ بالطبع مقتنعا بصحة حكمه التاريخي , أي مقتنعا , بعبارة أخرى , بأن إمكانية العالم التي كان يرسمها كانت إمكانية منجزة. لكن لنحاول أن نتخيل أنه قد انخدع , وأنه كان ثمة بالموازاة مع عملية الإنحدار عملية أخرى تتم , تطور إيجابي لم يكون بروخ قادراً على رؤيته. فهل كان ذلك يغير شيئا من قيمة رواية ( السائرون نياماً ) ؟ لا. لأن عملية انحدار القيم هي إمكانية لا تناقش للعالم الإنساني. ولا يهم هنا سوى فهم الإنسان الملقى به في عاصفة هذه العملية , فهم حركاته , واستعداداته , ولاشئ غير ذلك.

    يجب اعتبار حقبة المفارقات النهائية التي تجري فيها رواياتك لا واقعا إذن , بل إمكانية.

    - إمكانية لأوربا. رؤية ممكنة لأوربا , موقف ممكن للإنسان.

    ولكن مادمت تحاول إدراك إمكانية لإدراك واقع , فلم اعتبار الصورة التي تعطيها مثلا عن براغ وعن الأحداث التي جرت فيها جدية ؟

    - إذا اعتبر المؤلف وضعا تاريخيا بوصفه إمكانية غير معروفة وكشافة للعالم الانساني. فإنه سيود وصفه كما هو. لكن ذلك لا يمنع من اعتبار الإخلاص للواقع التاريخي مسألة ثانوية بالنسبة لقيمة الرواية. إن الروائي ليس مؤرخاً ولا نبياً : إنه مستكشف للوجود. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 12:20 pm