الشعر العربي الحديث: بنياته وإبدالاتها
الرومانسية العربية ( 2 )
محمد بنيس، دار توبقال، ط. 1 ، 1990 .
يقتحم محمد بنيس صدر الرومانسية العربية متبنيا الخطة المرسومة مسبقا من خلال الجزء الأول من كتابه الذي يحمل العنوان الفرعي " التقليدية". إن النص - المتن – هو الأساس في الدراسة، والهدف منه هو إبراز لقاء الرومانسية العربية مع مثيلاتها الغربية " الحديثة" المخترقة لسور التقليدية وممارستها النصية.
قبل الخوض في مكونات الرومانسية( الغربية والعربية) سجل محمد بنيس مجموعة من الملاحظات وهي:
1 - غياب الرومانسية الألمانية عن الثقافة العربية منذ القرن العشرين.
2 - تأثير قصيدة" البحيرة " لألفونس دولامارتين.
3 - تصوير دعاة الرومانسية كدعاة للاستعمار.
4 - اتسام هذه المرحلة بالمحاكمة العلنية.
ولعل التأثير المسبق الذي لحق الرومانسية العربية خلف رد فعل مباشر ، كان من أبرزه أن جعل جماعة "يينا" تشكل المصدر لها من خلال نظريتها القائمة على:
1 - تجديد الرؤية للقديم.
2 - إنتاج ما لم يُقل.
3 - المطلق الأدبي.
من هنا كانت الرومانسية العربية البديل الأول لخلق النص الفعال المبني على الثورة، وهذا ما جعلها لا تبني أسسها على نظريات فكرية شمولية تحقق المبتغى.
ومن أبرز المواقف التي سجلها محمد بنيس في مؤلفه، مواقف جماعة" أبولو" التي تنحصر في:
· السمو بالشعر العربي.
· مناهضة النهضات الفنية في الشعر.
· ترقية مستوى الشعراء.
من أجل استثمار هذه المقولات النظرية، قدم محمد بنيس نماذج شعرية لأربعة شعراء هم: مطران وجبران وأبي القاسم الشابي وعبد الكريم بن ثابت. وقبل الخوض في نموذجيته عن كل واحد، قام بدراسة العلاقة بين الشعر والنثر في الشعرية العربية مدخلا لتأسيس الرومانسية العربية ( البديلة). التي جاءت رد فعل للشعرية العربية القديمة القائمة في قراءتها على أساس الإعجاز القرآني وحل المنظوم ونظم المنثور.
إذن، ما يميز الشعر عن الكتابات الأخرى هو وظيفة كل خطاب على حدة. مما أظهر قصيدة النثر خلال هذه الأزمة لخرق القواعد الصامتة للنمط الأول في البيت الشعري. وأحمد شوقي - في هذا الصدد- يفسر الوضعية الجديدة بجملة من الملاحظات:
1 - عدم تعرضه في مقدمة ديوانه للقرآن( باعتباره إعجازا)
2 - تمجيد الشعر القديم.
3 -إحلال الشعر والشعراء محل المقدس.
4 - إلغاء الفصل بين الشعر والنثر.
ثم ُيلحق جبران في هذا الصدد لعدم إدراجه الكتاب المقدس في الشعرية العربية القديمة لأسباب تعود إلى جوهره غير العربي وعدم اعتماده اللغة كإعجاز.
أما في الفصل الثالث من دراسته، فاستنبط محمد بنيس البنيات النصية من خلال اعتماده نقاطا هي: البناء الإيقاعي والمقطع والوحدة والنص.
قام في البناء الإيقاعي بدراسة أنماط شعرية للشعراء الأربعة السالفي الذكر، مبينا هيمنة الإيقاع (بمقاطعه) بديلا للعروض (الضيق)، وخير دليل يميز هذه التجربة هو قصيدة "المساء" لمطران التي تحفل بطريقتها في تغييب الاستهلال، وإحلال المقطع بكامله محله، ثم استعمال الأوزان الخفيفة، وأخيرا الإدماج أي التخلي عن نظام البيت المتفرد. (أو التدوير كما سمته نازك الملائكة).
وهذا الأمر جعل الرومانسيين يستلهمون قصيدة النثر نقيضا للقصيدة العروضية، والخروج بالنص ككل (أي السياق العام) ثم دحض وظيفة البناء النصي للأغراض الشعرية.
وعلى غرار التقليدية وبنوع من التحديث يقوم البيت في الرومانسية العربية على عناصر متفاعلة تحكمه قوانين ثلاثة هي:
-1 المكان البلاغي: بمكوناته البيانية.
2 - المكان الشعري: وتميزه دراسات باشلار الذي يقترح دراسة صورة واحدة من خلال أعمال مت عددة (شعرية الصور: هي الإلحاح على الكلمة الممتلئة)
3 - المكان الأنتروبولوجي: إذ ليس هناك ما هو غير دال في النص.
قبل الخوض في دراسة التطبيقات الشعرية والممارسات النصية، قدم محمد بنيس الأساس الذي يعتبره الركيزة الأولى لقيام الرومانسية العربية من خلال شعرية المتخيل وحدودها مع جان بورغوس الذي يستند على توجهين:
1 - التعريف الذي أعطاه يونغ ( التفريق بين الاستعارة والصورة)
2 - استقاء التعريف من الابستمولوجية التكوينية لبياجي (الصورة خلق خاص).
إذن، فهذه النظرية جعلت محمد بنيس لا يتخطى المتن الشعري إلا بموازاة مع تركيب الخلاصات الذاتية للكاتب أو الشاعر من خلال بنيات المتخيل في كل نص، وهو مجال الفصل الخامس من الدراسة. فقام على هذا الأساس تقريب قصائد أربع هي:
*"المساء" لخليل مطران :
تتوزع على ثلاثة تركيبات متباينة هي:
-1 تركيب التقابل بين الذات المتكلمة ومكوناتها.
2 - تركيب الترابط: حط العلاقة الموجودة بين الصور الميتة للمتخيل في القصيدة.
3 - تركيب التجانس: مدى تناغم العلاقات الرابطة بين صورة وصورة، حتى يصبح الخطاب منبثقا عن وحدة القراءة.
*"جمال الموت" جبران:
إن أعمال جبران تشهد بتفرد وتوحد بنية المتخيل فيها من خلال تركيبات:
1 - تركيب الرؤيا.
2 - تركيب الترابط: إذ تضع الصور لمسيرتها خطا نتبعه في مقاربتنا لحقيقتها المنطقية.
3 - تركيب التجانس: إذ هو مدار الحركة والتحول والنمو.
*"الجنة الضائعة" للشابي:
وهو نص مليء بالتراكيب: التلاحم، النمو… وبالتالي فمنظوره قائم على لمس المتخيل الشعري في نصوص الرومانسية العربية قبل أن تكون إقرارا لها. وقد قدم المؤلف ذلك منة خلال التراكيب القابلة للكشف والاستكشاف وغير القابلة له.
*" المعاني باقيات" عبد الكريم بن ثابت:
يبرزه المؤلف من خلال تركيبات ثلاثة:
1 - تركيب الاستكشاف.
2 - تركيب الحركية.
3 - تركيب الاستثمار.
بعد هذا الجرد التطبيقي التزامني مع الممارسة النظرية، التي قدم من خلالها محمد بنيس أسس الرومانسية العربية القائم على المتخيل الشعري. قام بقراءتها كذلك من خلال ذاتها الإيقاعية. وقد قام الشعر العربي الحديث في تأسيسه الرومانسية على النبوة والحقيقة والتقدم والخيال. وهي مفاهيم مشتركة مع التقليدية، وأصبحت في نفس الوقت تحمل دلالات مناقضة لها.
وف ي الأخير يؤكد محمد بنيس نقطتين رئيسيتين هما:
1 - الدوال وأنساقها عرفت إبدالا نوعيا في الرومانسية العربية وهذه الدوال متنوعة منها الإيقاعي والمعجمي والصوري.
2 - الذات الكاتبة الرومانسية حققت إمضاء نصوصها.
وهذا الأمر لافت للنظر في غيره من النصوص التطبيقية اللاحقة، وسيمر به مح مد بنيس مر "اللئيم" إذ يتبناه ويفرق فيه دراسته حتى تكون النظرة التأويلية لكل مكوناته. وهو الفعل الذي جعل المتن الشعري عنده مؤسسا على النقيض والدليل في آن، النقيض لمصدره التقليدي والبديل للتقليدية العربية..
محمد دخيسي
منقول
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih