العربية لغة مقدسة
العربية لغة القرآن الكريم، وهو مهيمن على ما سواه من الكتب الأخرى, وهذا يقتضي أن تكون لغته مهيمنة على ما سواها من اللغات الأخرى. وهي لغة خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله الله للبشرية جمعاء، واختار الله له اللغة العربية، وهذا يعني صلاحيتها لأن تكون لغة البشرية جمعاء، ينبغي أن ندرك أبعاد هذه المسألة.
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 192- 195). فلما وصفها الله بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرة عنها، وهذا وسام شرف وتاج كلّل الله به مفرق العربية، خصوصًا حين ناط الله بها كلامه المنزل، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: 3). وقال تعالى:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت: 3). وقال: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} (الزمر: 28). ومن هنا قال حافظ إبراهيم على لسان العربية:
وسعتُ كتاب الله لفظًا وغايةً ... وما ضقتُ عن آيٍ به وعظاتِ
فهو يشير إلى الطاقات الهائلة والمخزون الضخم الذي تمتلكه العربية التي وسعت هذا القرآن بكل أبعاده وآفاقه. إنها لغة الخلود حيث لا يمكن أن تزول عن الأرض إلا أن يزول هذا الكتاب المنزّل، وقد تكفل الله بحفظها ضمنيًّا في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9).
ومن الطريف ما ذكره محمد الخضر حسين: "كتب (جون فرن) قصة خيالية بناها على سياح يخترقون طبقات الكرة الأرضية حتى يصلوا أو يدنوا من وسطها، ولما أرادوا العودة إلى ظاهر الأرض بدا لهم هنالك أن يتركوا أثرًا يدل على مبلغ رحلتهم، فنقشوا على الصخر كتابة باللغة العربية، ولما سئل جون فرن عن اختياره للغة العربية, قال: إنها لغة المستقبل, ولا شك أنه يموت غيرها, وتبقى حية حتى يرفع القرآن نفسه"[1].
وتعدّ اللغة العربية أكبر لغات المجموعة السامية[2] العربي، إضافةً إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال. من حيث عدد المتحدثين، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، حيث يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة[3] كلغة أم، ويتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية، ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن
وللغة العربية أهمية قصوى لدى أتباع الديانة الإسلامية؛ فهي لغة مصدري التشريع الأساسيين في الإسلام: القرآن والسنة النبوية، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلمات هذه اللغة.
وبانتشار الإسلام وحضارته ارتفعت مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأردية.
ويطلق العرب على اللغة العربية لقب لغة الضاد؛ وذلك لأنها الوحيدة بين لغات العالم التي تحتوي على حرف الضاد. وهي اللغة الرسمية في كل دول العالم العربي، إضافةً إلى كونها لغة رسمية ثانية في دول أخرى، مثل: السنغال، ومالي، وتشاد، وإريتريا. وقد اعتمدت العربية كإحدى لغات منظمة الأمم المتحدة الرسمية الست.
وتحتوي اللغة العربية على 28 حرفًا مكتوبًا، وتكتب من اليمين إلى اليسار بعكس الكثير من لغات العالم، ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها.
نشأة اللغة العربية:
هناك نظريات متعددة حول نشأة اللغة، أشهرها أربع نظريات:
(1) نظرية التوقيف: قال بها أفلاطون وأبو علي الفارسي، وابن حزم، وابن قدامة, وأبو الحسن الأشعري, والآمدي, وابن فارس، ومعظم رجال الدين، ويستدلون بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (البقرة: 31). وبما جاء في سفر التكوين: "وجبل الربّ الإله كل حيوانات البرية، وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، فكل ما دعا به آدم من ذات نفس حيّة فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء، وجميع حيوانات البرّيّة" (الإصحاح الثاني عشر: آية 19، 20).
(2) نظرية المواضعة والاصطلاح: قال بها سقراط، وديمقريط، وآدم سميث، ومن العرب أبو الحسن البصري، وأبو إسحاق الإسفراييني، والسيوطي، وابن خلدون.
(3) نظرية المحاكاة: تعني أن يحاكي الإنسان ما حوله في الطبيعة من الظواهر, وأول من أشار إلى ذلك ابن جِنِّي في الخصائص، ثم قال: "وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل"[4]. ولكنه لم يستقر على هذا الرأي أيضًا بعد أن ناقش الرأيين السابقين. والأسلم ألاّ ننسب الرجل إلى مذهب بعينه من المذاهب الثلاثة.
(4) نظرية الغريزة: يريدون أن الله زوّد الإنسان بآلة الكلام، وبجهاز للنطق، فهو حتمًا سينطق شاء أم أبى.
والحديث في أصل نشأة اللغة – كما يرى الإمام الغزالي - فضولٌ لا أصل له، وكأنه يدعو إلى الانصراف عنه إلى معالجة اللغة بوصفها حقيقة واقعية في وضعها الراهن, وهذا التوجُّه من الإمام الغزالي ينسجم تمامًا مع توجه علم اللغة المعاصر الذي أخرج هذه القضية من نطاق مباحث علم اللغة.
وقد تشعبت مجموعة اللغات السامية من أصل واحد؛ ولما خرج الساميون من مهدهم لتكاثر عددهم اختلفت لغتهم الأولى بالاشتقاق والاختلاط، وزاد هذا الاختلاف انقطاع الصلة وتأثير البيئة وتراخي الزمن حتى أصبحت كل لهجة منها لغة مستقلة.
ويقال: إن أحبار اليهود هم أول من فطن إلى ما بين اللغات السامية من علاقة وتشابه في أثناء القرون الوسطى، ولكن علماء المشرقيات من الأوربيين هم الذين أثبتوا هذه العلاقة بالنصوص حتى جعلوها حقيقة علمية لا إبهام فيها ولا شك.
والعلماء يردّون اللغات السامية إلى الآرامية والكنعانية والعربية، كما يردّون اللغات الآرية إلى اللاتينية واليونانية والسنسكريتية. فالآرامية أصل الكلدانية والآشورية والسريانية، والكنعانية مصدر العبرانية والفينيقية، والعربية تشمل المضَرية الفصحى ولهجات مختلفة تكلمتها قبائل اليمن والحبشة. والراجح في الرأي أن العربية أقرب المصادر الثلاثة إلى اللغة الأم؛ لأنها بانعزالها عن العالم سلمت مما أصاب غيرها من التطور والتغير تبعًا لأحوال العمران.
وليس في مقدور الباحث اليوم أن يكشف عن أطوار النشأة الأولى للغة العربية؛ لأن التاريخ لم يسايرها إلا وهي في وفرة الشباب والنماء، والنصوص الحجرية التي أخرجت من بطون الجزيرة لا تزال لندرتها قليلة الغناء؛ وحدوث هذه الأطوار التي أتت على اللغة فوحّدت لهجاتها، وهذّبت كلماتها معلوم بأدلة العقل والنقل، فإن العرب كانوا أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين، فكان من الطبيعي أن ينشأ من ذلك ومن اختلاف الوضع والارتجال، ومن كثرة الحل والترحال، وتأثير الخلطة والاعتزال، اضطراب في اللغة كالترادف، واختلاف اللهجات في الإبدال والإعلال والبناء والإعراب، وهَنات المنطق كعجعجة[5] قُضاعة، وطمطمانية[6] حِمْير، وفحفحة[7] هذيل، وعنعنة[8] تميم، وكشكشة[9] أسد، وقطْعةِ[10] طيئ، وغير ذلك مما باعد بين الألسنة، وأوشك أن يقسم اللغة إلى لغات لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها[11].
ولغات العرب على تعددها واختلافها إنما ترجع إلى لغتين أصليتين: لغة الشمال ولغة الجنوب، وبين اللغتين بونٌ بعيد في الإعراب والضمائر وأحوال الاشتقاق والتصريف، حتى قال أبو عمرو بن العلاء: "ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا".
على أن اللغتين وإن اختلفتا لم تكن إحداهم بمعزل عن الأخرى؛ فإن القحطانيين جلوا عن ديارهم بعد سيل العرم[12] وتفرقوا في شمال الجزيرة، واستطاعوا بما لهم من قوة، وبما كانوا عليه من رقي، أن يخضعوا العدنانيين لسلطانهم في العراق والشام، كما أخضعوهم من قبل لسلطانهم في اليمن.
فكان إذن بين الشعبين اتصال سياسي وتجاري يقرب بين اللغتين في الألفاظ، ويجانس بين اللهجتين في المنطق، دون أن تتغلب إحداهما على الأخرى؛ لقوة القحطانيين من جهة، ولاعتصام العدنانيين بالصحراء من جهة أخرى. وتطاول الأمد على هذه الحال حتى القرن السادس للميلاد، فأخذت دولة الحميريين تزول وسلطانهم يزول بتغلب الأحباش على اليمن طورًا، وتسلُّط الفرس عليه طورًا آخر. وكان العدنانيون حينئذٍ على نقيض هؤلاء تتهيأ لهم أسباب النهضة والألفة والوحدة والاستقلال بفضل الأسواق والحج، ومنافستهم للحميريين والفرس، واختلاطهم بالروم والحبشة من طريق الحرب والتجارة، ففرضوا لغتهم وأَدبهم على حمير الذليلة المغلوبة، ثم جاء الإسلام فساعد العوامل المتقدمة على محو اللهجات الجنوبية، وذهاب القومية اليمنية؛ فاندثرت لغة حمير وآدابهم وأخبارهم حتى اليوم.
ولم تتغلب لغات الشمال على لغات الجنوب فحسب، وإنما استطاعت كذلك أن تبرأ مما جنته عليها الأمية الهمجية والبداوة من اضطراب المنطق، واختلاف الدلالة، وتعدد الوضع؛ فتغلبت منها لغة قريش على سائر اللغات لأسباب دينية واقتصادية واجتماعية أهمها:
1- الأسواق: وكان العرب يقيمونها في أشهر السنة للبياعات والتسوُّق، وينتقلون من بعضها إلى بعض، فتدعوهم طبيعة الاجتماع إلى المقارضة بالقول، والمفاوضة في الرأي، والمبادهة بالشعر، والمباهاة بالفصاحة، والمفاخرة بالمحامد وشرف الأصل، فكان من ذلك للعرب معونة على توحيد اللسان والعادة والدين والخلق؛ إذ كان الشاعر أو الخطيب إنما يتوخى الألفاظ العامة والأساليب الشائعة قصدًا إلى إفهام سامعيه، وطمعًا في تكثير مشايعيه. والرواة من ورائه يطيّرون شعره في القبائل، وينشرونه في الأنحاء، فتنتشر معه لهجته وطريقته وفكرته.
وأشهر هذه الأسواق عكاظ ومجنة وذو المجاز، وكانت سوق عكاظ أشهر فضلاً، وأقوى أثرًا في تهذيب العربية، وكانت تقوم من هلال ذي القعدة وتستمر إلى العشرين منه، فتفدُ إليها زعماء العرب وأمراء القول للمتاجرة والمنافرة ومفاداة الأسرى وأداء الحج. وكان كل شريف إنما يحضر سوق ناحيته إلا عكاظ، فإنهم كانوا يتوافدون إليها من كل فج؛ لأنها متوجِّهُهُم إلى الحج، ولأنها تقام في الأشهر الحرم، وذلك - ولا ريب - سر قوتها وسبب شهرتها. وكان مرجعهم في الفصل بينهم إلى محكّمين اتفقوا عليهم، وخضعوا لهم، فكانوا يحكمون لمن وضح بيانه، وفصح لسانه.
2- أثر مكة وعمل قريش: كان لموقع مكة أَثر بالغ في وحدة اللغة ونهضة العرب؛ لأنها كانت في النصف الثاني من القرن السادس محطًّا للقوافل الآتية من الجنوب، تحمل السلع من الهند واليمن، فيبتاعها المكّيون ويصرفونها في أسواق الشام ومصر. وكانت جواد مكة التجارية آمنة لحرمة البيت ومكانة قريش، فكان تُجّارهم يخرجون بقوافلهم الموقرة وعِيرهم الدَّثْر آمنين، فينزلون الأسواق ويهبطون الآفاق فيستفيدون بسطة في العلم، وقوة في الفهم، وثروة في المال، وخبرة بأمور الحياة.
وهي مع ذلك متجرة للعرب، ومثابة للناس يأتون إليها من كل فج عميق، وعلى كل ضامر ليقضوا مناسكهم ويشتروا مرافقهم مما تنتجه أو تجلبه؛ إضافةً إلى أن قريشًا أهلها وأمراءها كانوا - لمكانتهم من الحضارة وزعماتهم في الحج، ورياستهم في عكاظ، وإيلافهم رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى حوران - أشدَّ الناس بالقبائل ارتباطًا، وأكثرهم بالشعوب اختلاطًا. كانوا يختلطون بالحبشة في الجنوب، وبالفرس في الشرق، وبالروم في الشمال. ثم كانوا على أثارة من العلم بالكتب المنزلة: باليهودية في يثرب وما جاورها من أرض خيبر وتيماء، وبالنصرانية في الشام ونجران والحيرة؛ فتهيأت لهم بذلك الوسائل لثقافة اللسان والفكر. ثم سمعوا المناطق المختلفة، وتدبروا المعاني الجديدة، ونقلوا الألفاظ المستحدثة، واختاروا لغتهم من أفصح اللغات، فكانت أعذبها لفظًا، وأبلغها أسلوبًا، وأوسعها مادة، ثم أخذ الشعراء يؤثرونها حتى نزل بها القرآن الكريم، فأتم لها الذيوع والغلبة[13].
[1] محمد الخضر حسين: القياس في اللغة العربية، دار الحداثة، ط2، 1983م، ص12.
[2] السامية نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام، وهذه المجموعة هي: البابلية، والآشورية، والعبرانية، والفينيقية، والآرامية، والحبشية.
[3] سكان الدول العربية مجتمعة يصل إلى 422 مليون نسمة (تقرير CIA World Fact book لعام 2005م).
[4] ابن جني: الخصائص 1/47.
[5] العجعجة: قلب الياء جيمًا بعد العين وبعد الياء المشددة، مثل راعي يقولون فيها: راعج، وفي كرسي: كرسج.
[6] الطمطمانية: هي جعل إم بدل أل في التعريف، فيقولون في البر: إمبر، وفي الصيام: إمصيام.
[7] الفحفحة: هي جعل الحاء عينًا، مثل: أحل إليه فيقولون: أعل إليه.
[8] العنعنة: هي إبدال العين في الهمزة إذا وقعت في أول الكلمة، فيقولون في أمان: عمان.
[9] الكشكشة: جعل الكاف شينًا، مثل: عليك فيقولونها: عليش.
[10] القطعة: هي حذف آخر الكلمة، مثل قولهم: يا أبا الحسن، تصبح: يا أبا الحسا.
[11] انظر في ذلك: أحمد حسن الزيات: تاريخ الأدب العربي، دار المعرفة، بيروت - لبنان، الطبعة السادسة، 1420هـ/ 2000م.
[12] حدث ذلك سنة 447م، كما حققه غلازر الألماني.
[13] أحمد حسن الزيات: تاريخ الأدب العربي.
http://www.islamstory.com/%D9%82%D8%B5%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9
العربية لغة القرآن الكريم، وهو مهيمن على ما سواه من الكتب الأخرى, وهذا يقتضي أن تكون لغته مهيمنة على ما سواها من اللغات الأخرى. وهي لغة خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله الله للبشرية جمعاء، واختار الله له اللغة العربية، وهذا يعني صلاحيتها لأن تكون لغة البشرية جمعاء، ينبغي أن ندرك أبعاد هذه المسألة.
قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 192- 195). فلما وصفها الله بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرة عنها، وهذا وسام شرف وتاج كلّل الله به مفرق العربية، خصوصًا حين ناط الله بها كلامه المنزل، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الزخرف: 3). وقال تعالى:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت: 3). وقال: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} (الزمر: 28). ومن هنا قال حافظ إبراهيم على لسان العربية:
وسعتُ كتاب الله لفظًا وغايةً ... وما ضقتُ عن آيٍ به وعظاتِ
فهو يشير إلى الطاقات الهائلة والمخزون الضخم الذي تمتلكه العربية التي وسعت هذا القرآن بكل أبعاده وآفاقه. إنها لغة الخلود حيث لا يمكن أن تزول عن الأرض إلا أن يزول هذا الكتاب المنزّل، وقد تكفل الله بحفظها ضمنيًّا في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9).
ومن الطريف ما ذكره محمد الخضر حسين: "كتب (جون فرن) قصة خيالية بناها على سياح يخترقون طبقات الكرة الأرضية حتى يصلوا أو يدنوا من وسطها، ولما أرادوا العودة إلى ظاهر الأرض بدا لهم هنالك أن يتركوا أثرًا يدل على مبلغ رحلتهم، فنقشوا على الصخر كتابة باللغة العربية، ولما سئل جون فرن عن اختياره للغة العربية, قال: إنها لغة المستقبل, ولا شك أنه يموت غيرها, وتبقى حية حتى يرفع القرآن نفسه"[1].
وتعدّ اللغة العربية أكبر لغات المجموعة السامية[2] العربي، إضافةً إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة، كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال. من حيث عدد المتحدثين، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، حيث يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة[3] كلغة أم، ويتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية، ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن
وللغة العربية أهمية قصوى لدى أتباع الديانة الإسلامية؛ فهي لغة مصدري التشريع الأساسيين في الإسلام: القرآن والسنة النبوية، ولا تتم الصلاة في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلمات هذه اللغة.
وبانتشار الإسلام وحضارته ارتفعت مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأردية.
ويطلق العرب على اللغة العربية لقب لغة الضاد؛ وذلك لأنها الوحيدة بين لغات العالم التي تحتوي على حرف الضاد. وهي اللغة الرسمية في كل دول العالم العربي، إضافةً إلى كونها لغة رسمية ثانية في دول أخرى، مثل: السنغال، ومالي، وتشاد، وإريتريا. وقد اعتمدت العربية كإحدى لغات منظمة الأمم المتحدة الرسمية الست.
وتحتوي اللغة العربية على 28 حرفًا مكتوبًا، وتكتب من اليمين إلى اليسار بعكس الكثير من لغات العالم، ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها.
نشأة اللغة العربية:
هناك نظريات متعددة حول نشأة اللغة، أشهرها أربع نظريات:
(1) نظرية التوقيف: قال بها أفلاطون وأبو علي الفارسي، وابن حزم، وابن قدامة, وأبو الحسن الأشعري, والآمدي, وابن فارس، ومعظم رجال الدين، ويستدلون بقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} (البقرة: 31). وبما جاء في سفر التكوين: "وجبل الربّ الإله كل حيوانات البرية، وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، فكل ما دعا به آدم من ذات نفس حيّة فهو اسمها. فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء، وجميع حيوانات البرّيّة" (الإصحاح الثاني عشر: آية 19، 20).
(2) نظرية المواضعة والاصطلاح: قال بها سقراط، وديمقريط، وآدم سميث، ومن العرب أبو الحسن البصري، وأبو إسحاق الإسفراييني، والسيوطي، وابن خلدون.
(3) نظرية المحاكاة: تعني أن يحاكي الإنسان ما حوله في الطبيعة من الظواهر, وأول من أشار إلى ذلك ابن جِنِّي في الخصائص، ثم قال: "وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل"[4]. ولكنه لم يستقر على هذا الرأي أيضًا بعد أن ناقش الرأيين السابقين. والأسلم ألاّ ننسب الرجل إلى مذهب بعينه من المذاهب الثلاثة.
(4) نظرية الغريزة: يريدون أن الله زوّد الإنسان بآلة الكلام، وبجهاز للنطق، فهو حتمًا سينطق شاء أم أبى.
والحديث في أصل نشأة اللغة – كما يرى الإمام الغزالي - فضولٌ لا أصل له، وكأنه يدعو إلى الانصراف عنه إلى معالجة اللغة بوصفها حقيقة واقعية في وضعها الراهن, وهذا التوجُّه من الإمام الغزالي ينسجم تمامًا مع توجه علم اللغة المعاصر الذي أخرج هذه القضية من نطاق مباحث علم اللغة.
وقد تشعبت مجموعة اللغات السامية من أصل واحد؛ ولما خرج الساميون من مهدهم لتكاثر عددهم اختلفت لغتهم الأولى بالاشتقاق والاختلاط، وزاد هذا الاختلاف انقطاع الصلة وتأثير البيئة وتراخي الزمن حتى أصبحت كل لهجة منها لغة مستقلة.
ويقال: إن أحبار اليهود هم أول من فطن إلى ما بين اللغات السامية من علاقة وتشابه في أثناء القرون الوسطى، ولكن علماء المشرقيات من الأوربيين هم الذين أثبتوا هذه العلاقة بالنصوص حتى جعلوها حقيقة علمية لا إبهام فيها ولا شك.
والعلماء يردّون اللغات السامية إلى الآرامية والكنعانية والعربية، كما يردّون اللغات الآرية إلى اللاتينية واليونانية والسنسكريتية. فالآرامية أصل الكلدانية والآشورية والسريانية، والكنعانية مصدر العبرانية والفينيقية، والعربية تشمل المضَرية الفصحى ولهجات مختلفة تكلمتها قبائل اليمن والحبشة. والراجح في الرأي أن العربية أقرب المصادر الثلاثة إلى اللغة الأم؛ لأنها بانعزالها عن العالم سلمت مما أصاب غيرها من التطور والتغير تبعًا لأحوال العمران.
وليس في مقدور الباحث اليوم أن يكشف عن أطوار النشأة الأولى للغة العربية؛ لأن التاريخ لم يسايرها إلا وهي في وفرة الشباب والنماء، والنصوص الحجرية التي أخرجت من بطون الجزيرة لا تزال لندرتها قليلة الغناء؛ وحدوث هذه الأطوار التي أتت على اللغة فوحّدت لهجاتها، وهذّبت كلماتها معلوم بأدلة العقل والنقل، فإن العرب كانوا أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين، فكان من الطبيعي أن ينشأ من ذلك ومن اختلاف الوضع والارتجال، ومن كثرة الحل والترحال، وتأثير الخلطة والاعتزال، اضطراب في اللغة كالترادف، واختلاف اللهجات في الإبدال والإعلال والبناء والإعراب، وهَنات المنطق كعجعجة[5] قُضاعة، وطمطمانية[6] حِمْير، وفحفحة[7] هذيل، وعنعنة[8] تميم، وكشكشة[9] أسد، وقطْعةِ[10] طيئ، وغير ذلك مما باعد بين الألسنة، وأوشك أن يقسم اللغة إلى لغات لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها[11].
ولغات العرب على تعددها واختلافها إنما ترجع إلى لغتين أصليتين: لغة الشمال ولغة الجنوب، وبين اللغتين بونٌ بعيد في الإعراب والضمائر وأحوال الاشتقاق والتصريف، حتى قال أبو عمرو بن العلاء: "ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا".
على أن اللغتين وإن اختلفتا لم تكن إحداهم بمعزل عن الأخرى؛ فإن القحطانيين جلوا عن ديارهم بعد سيل العرم[12] وتفرقوا في شمال الجزيرة، واستطاعوا بما لهم من قوة، وبما كانوا عليه من رقي، أن يخضعوا العدنانيين لسلطانهم في العراق والشام، كما أخضعوهم من قبل لسلطانهم في اليمن.
فكان إذن بين الشعبين اتصال سياسي وتجاري يقرب بين اللغتين في الألفاظ، ويجانس بين اللهجتين في المنطق، دون أن تتغلب إحداهما على الأخرى؛ لقوة القحطانيين من جهة، ولاعتصام العدنانيين بالصحراء من جهة أخرى. وتطاول الأمد على هذه الحال حتى القرن السادس للميلاد، فأخذت دولة الحميريين تزول وسلطانهم يزول بتغلب الأحباش على اليمن طورًا، وتسلُّط الفرس عليه طورًا آخر. وكان العدنانيون حينئذٍ على نقيض هؤلاء تتهيأ لهم أسباب النهضة والألفة والوحدة والاستقلال بفضل الأسواق والحج، ومنافستهم للحميريين والفرس، واختلاطهم بالروم والحبشة من طريق الحرب والتجارة، ففرضوا لغتهم وأَدبهم على حمير الذليلة المغلوبة، ثم جاء الإسلام فساعد العوامل المتقدمة على محو اللهجات الجنوبية، وذهاب القومية اليمنية؛ فاندثرت لغة حمير وآدابهم وأخبارهم حتى اليوم.
ولم تتغلب لغات الشمال على لغات الجنوب فحسب، وإنما استطاعت كذلك أن تبرأ مما جنته عليها الأمية الهمجية والبداوة من اضطراب المنطق، واختلاف الدلالة، وتعدد الوضع؛ فتغلبت منها لغة قريش على سائر اللغات لأسباب دينية واقتصادية واجتماعية أهمها:
1- الأسواق: وكان العرب يقيمونها في أشهر السنة للبياعات والتسوُّق، وينتقلون من بعضها إلى بعض، فتدعوهم طبيعة الاجتماع إلى المقارضة بالقول، والمفاوضة في الرأي، والمبادهة بالشعر، والمباهاة بالفصاحة، والمفاخرة بالمحامد وشرف الأصل، فكان من ذلك للعرب معونة على توحيد اللسان والعادة والدين والخلق؛ إذ كان الشاعر أو الخطيب إنما يتوخى الألفاظ العامة والأساليب الشائعة قصدًا إلى إفهام سامعيه، وطمعًا في تكثير مشايعيه. والرواة من ورائه يطيّرون شعره في القبائل، وينشرونه في الأنحاء، فتنتشر معه لهجته وطريقته وفكرته.
وأشهر هذه الأسواق عكاظ ومجنة وذو المجاز، وكانت سوق عكاظ أشهر فضلاً، وأقوى أثرًا في تهذيب العربية، وكانت تقوم من هلال ذي القعدة وتستمر إلى العشرين منه، فتفدُ إليها زعماء العرب وأمراء القول للمتاجرة والمنافرة ومفاداة الأسرى وأداء الحج. وكان كل شريف إنما يحضر سوق ناحيته إلا عكاظ، فإنهم كانوا يتوافدون إليها من كل فج؛ لأنها متوجِّهُهُم إلى الحج، ولأنها تقام في الأشهر الحرم، وذلك - ولا ريب - سر قوتها وسبب شهرتها. وكان مرجعهم في الفصل بينهم إلى محكّمين اتفقوا عليهم، وخضعوا لهم، فكانوا يحكمون لمن وضح بيانه، وفصح لسانه.
2- أثر مكة وعمل قريش: كان لموقع مكة أَثر بالغ في وحدة اللغة ونهضة العرب؛ لأنها كانت في النصف الثاني من القرن السادس محطًّا للقوافل الآتية من الجنوب، تحمل السلع من الهند واليمن، فيبتاعها المكّيون ويصرفونها في أسواق الشام ومصر. وكانت جواد مكة التجارية آمنة لحرمة البيت ومكانة قريش، فكان تُجّارهم يخرجون بقوافلهم الموقرة وعِيرهم الدَّثْر آمنين، فينزلون الأسواق ويهبطون الآفاق فيستفيدون بسطة في العلم، وقوة في الفهم، وثروة في المال، وخبرة بأمور الحياة.
وهي مع ذلك متجرة للعرب، ومثابة للناس يأتون إليها من كل فج عميق، وعلى كل ضامر ليقضوا مناسكهم ويشتروا مرافقهم مما تنتجه أو تجلبه؛ إضافةً إلى أن قريشًا أهلها وأمراءها كانوا - لمكانتهم من الحضارة وزعماتهم في الحج، ورياستهم في عكاظ، وإيلافهم رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى حوران - أشدَّ الناس بالقبائل ارتباطًا، وأكثرهم بالشعوب اختلاطًا. كانوا يختلطون بالحبشة في الجنوب، وبالفرس في الشرق، وبالروم في الشمال. ثم كانوا على أثارة من العلم بالكتب المنزلة: باليهودية في يثرب وما جاورها من أرض خيبر وتيماء، وبالنصرانية في الشام ونجران والحيرة؛ فتهيأت لهم بذلك الوسائل لثقافة اللسان والفكر. ثم سمعوا المناطق المختلفة، وتدبروا المعاني الجديدة، ونقلوا الألفاظ المستحدثة، واختاروا لغتهم من أفصح اللغات، فكانت أعذبها لفظًا، وأبلغها أسلوبًا، وأوسعها مادة، ثم أخذ الشعراء يؤثرونها حتى نزل بها القرآن الكريم، فأتم لها الذيوع والغلبة[13].
[1] محمد الخضر حسين: القياس في اللغة العربية، دار الحداثة، ط2، 1983م، ص12.
[2] السامية نسبة إلى سام بن نوح عليه السلام، وهذه المجموعة هي: البابلية، والآشورية، والعبرانية، والفينيقية، والآرامية، والحبشية.
[3] سكان الدول العربية مجتمعة يصل إلى 422 مليون نسمة (تقرير CIA World Fact book لعام 2005م).
[4] ابن جني: الخصائص 1/47.
[5] العجعجة: قلب الياء جيمًا بعد العين وبعد الياء المشددة، مثل راعي يقولون فيها: راعج، وفي كرسي: كرسج.
[6] الطمطمانية: هي جعل إم بدل أل في التعريف، فيقولون في البر: إمبر، وفي الصيام: إمصيام.
[7] الفحفحة: هي جعل الحاء عينًا، مثل: أحل إليه فيقولون: أعل إليه.
[8] العنعنة: هي إبدال العين في الهمزة إذا وقعت في أول الكلمة، فيقولون في أمان: عمان.
[9] الكشكشة: جعل الكاف شينًا، مثل: عليك فيقولونها: عليش.
[10] القطعة: هي حذف آخر الكلمة، مثل قولهم: يا أبا الحسن، تصبح: يا أبا الحسا.
[11] انظر في ذلك: أحمد حسن الزيات: تاريخ الأدب العربي، دار المعرفة، بيروت - لبنان، الطبعة السادسة، 1420هـ/ 2000م.
[12] حدث ذلك سنة 447م، كما حققه غلازر الألماني.
[13] أحمد حسن الزيات: تاريخ الأدب العربي.
http://www.islamstory.com/%D9%82%D8%B5%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih