من روائع الادب الإسلامى ( عالم و طاغية ) للدكتور يوسف القرضاوى
الفصل الاول
من منظر واحد
الزمان : عصر بنى أمية فى عهد عبد الملك بن مروان و فى ولاية الحجاج بن يوسف الثقفى على العراق
المكان : مدينة واسط بالعراق و قد اختطها الحجاج بين الكوفة و البصرة
الأشخاص : الحجاج و قد تصدر مجلس الأمارة فى زهو و خيلاء و حوله أربعة من حاشيته و حراس مسلحون
*********************************************************************************************
أحد الحاشية : هنيئا" لك أيها الامير ما أحرزت من نصر على أعداء امير المؤمنين و أعدائك
ثان : إن العراق كله يتحدث عما أيد الله به امير المؤمنين على يديك و عن هزيمة الفاتن المفتونبن الاشعث و أنصاره المخذولين
ثالث : لقد غر هؤلاء الطامعين تسامح الامير و لين جانبه و شفقته على الرعية فجرأهم ذلك على الثورة عليه و العصيان و لكنهم علموا من هم و من هو الحجاج
الحجاج : ( فى زهو و خيلاء ) لقد ظن بن الاشعث أنه بانضمام الفقهاء إليه من امثال سعيد بن جبير يستطيع ان يكسب المعركة و لكن هيهات هيهات أن سيف الحجاج لا يكسر و جند بن مروان لا يقهر و عند ( دير الجماجم ) الخبر اليقين .
رابع : لقد حدثنى أيها الامير من شهدوا معركة ( دير الجماجم ) كيف عملت سيوفك فى بن الأشعث و أتباعه و كيف تطايرت رؤوسهم و تناثرت أشلاؤهم فلما حقت عليهم الهزيمة استسلموا للأسر أو الفرار
الحجاج : إن هؤلاء لم يتعظوا لما حدث لابن الزبير و غير بن الزبير على يد الحجاج فكان عاقبتهم ما ترون ، فلوقدوا ما شاءت لهم ظنونهم من نار الفتن فانا لها أنا لها
الثالث : ( مرة أخرى ) و لكن أيها الامير إياك ان تأخذك الرأفة بأسرى المعركة الذين لم يستسلموا إلا مرغمين و صدورهم تغلى حقدا" عليك و على بنى امية ، و لا تنس هؤلاء الفقهاء الذين أيدوا بن الأشعث لا بمجرد الكلام بل بحد الحسام و بخاصة ذلك الشيخ المسمى سعيد بن جبير
الحجاج : نحن بإنتظار كتاب من أمير المؤمنين فى شأنهم و لعله يصل اليوم
الأول : أمير المؤمنين لا يأمر فيهم بغير السيف جزاء ما قدمت أيديهم و من سل سيف البغى قتل به
الثانى : صدقت و البادى أظلم
الحاجب : وصل بريد أمير المؤمنين
الحجاج : هو ما كنا ننتظره ائتنى به
( الحجاج يفض الكتاب و يقرأه بصوت مسموع )
( سلام عليك و على من معك أما بعد :
فكل من شارك فى فتنة بن الأشعث فى معركة ( دير الجماجم ) فأعرضه على السيف
فمن أقر منهم بالكفر بخروجه علينا فخل عنه و من ابى و زعم أنه مؤمن فأضرب عنقه و السلام )
الحجاج : ( لحاجب ) ناد رئيس الشرطة
رئيس الشرطة : لبيك أيها الأمير
الحجاج : اذهب إلى السجن فأحضر المتهمين بعد ان تقرأ عليهم كتاب امير المؤمنين
رئيس الشرطة : سمعا" و طاعة
( يخرج و بعد لحظات يدخل الحاجب )
الحاجب : بالباب شيخ كبير يقول إن له حاجة إلى الامير
الحجاج : ردوه ليس هذا هو يوم الحوائج و طلاب الحوائج
الحاجب : لقد انتهرته الشرطة فبكى و صاح قائلا" : إما أن تدخلونى على الامير و إما أن تقتلونى، وهو شيخ مقوس الظهر تشتعل لحيته شيبا"
الحجاج : أدخله إذن
( يدخل شيخ و قور ذو لحية بيضاء )
الشيخ : السلام عليك أيها الأمير
الحجاج : و عليك السلام . ما حاجتك ؟
الشيخ : لقد أخذتم ابنى منذ سنة أو أكثر فلا انتم أطلقتموه و لا انتم حققتم فى امره ، و إن له أما" عجوزا" لا يرقأ لها دمع من أجله ، و أختا" أرملة هى أم لأيتام ثلاثة و هو العائل الوحيد لهذه الاسرة كلها و الإعتماد - بعد الله تعالى - عليه
الحجاج : ( غير مكترث ) و لماذا أخذناه ؟
الشيخ : ( محتدا" ) عجبا " ! أتحبسون الناس و لا تدرون لماذا حبستموهم ؟
الحجاج : ( متلطفا" ) يا شيخ المحبوسون كثيرون و لكل منهم جنايته و تهمته
الشيخ : إن ابنى لم يرتكب جناية و لا بعض جناية ، كل ما فى الأمر أن أحد أفراد العشيرة قد اتهمه عمالك فطلبوه ليقبضوا عليه فادلم يجدوه فأخذوا ابنى مكانه
الحجاج : هذا يحدث ، و الأجرب قد يعدى السليم ، فإن أردت أن نفرج عن ابنك فأحضر الرجل الهارب ، أما سمعت قول الشاعر :
و لرب ماخوذ بذنب عشيره و نجا المقارف صاحب الذنب
الشيخ فى صرامة : و لكنى سمعت الله تعالى قال غير ذلك !!!
الحجاج : و ماذا قال ؟
الشيخ : قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام ( معاذ الله أن ناخذ إلا من و جدنا متاعنا عنده إنا إذن لظالمون )
الحجاج : افحمتنى أيها الشيخ و قطعت حجتى ، أطلقوا سراح ابنه
أحد الحاشية : يا للعدل !!! حيا الله الامير العادل
ثان : أميرنا و قاف عند كتاب الله
آخر : الأمير لا يظلم مثقال ذرة
( يخرج الشيخ و بعد لحظات يدخل الحاجب )
الحاجب : رئيس الشرطة قد حضر و معه المتهمون
الحجاج : أدخاهم واحدا" بعد الآخر
( يدخل رجل عليه سيما الفروسية ، فينظر إليه الحجاج بتجهم و غيظ )
الحجاج : أنت أيضا" ؟؟ فى كل فتنة نراك !! بالامس كنت مع بن الزبير و اليوم مع بن الأشعث و لو أن فتنة قامت فى بلاد واق الواق لكنت أحد دعاتها ، ماذا جنيت أيها المنافق المغرور غير ذل الهزيمة و عارها ؟؟
الرجل : ( بثبات و اعتداد ) و الله ما ذل ذو حق و لو تألبت عليه الدنيا و ما عز ذو باطل و لو طلع من جبينه القمر
الحجاج : ( مهددا" ) قتلنى الله إن لم أقتلك
الرجل : و لكن عاملك أعطانى الأمانعلى عهد الله و ميثاقه
الحجاج : و هل راعيت لله عهدا" حتى نرعى عهدك ؟
الرجل : أو تغدر بى يا حجاج و تنكث عهد الله من بعد ميثاقه ؟
الحجاج : ( متهربا" من الإجابة ) أخبرنى : ما الذى أخرجك علينا هذه المرة ؟
الرجل : ( بإعتداد و قوة ) ما أخرجنى من قبل و سيخرجنى من بعد ، إنكم تريدونها ملكا" عضوضا" و نحن نريدها خلافة و شورى ، تريدونها كسروية أو قيصرية و نحن نريدها قرآنية إسلامية
الحجاج : ( ساخرا" ) أو تعلمنا انت الإسلام و فيه شابت نواصينا ؟
الرجل : أو يجهل أحد أن سفك الدماء و سلب الاموال و إخافة المسلمين و استباحة عرضهم منكر عظيم لا يقره الإسلام ؟
الحجاج : إنما نؤدب أمثالك من البغاة المفسدين
الرجل : وهبنى كنت باغيا" ، فهل عاملتنا بما يعامل به البغاة فى شرع الله ؟ إن البغاة لا يتبع مدبرهم و لا يقتل أسيرهم و لا يجهز على جريحهم و لا يؤخذ مالهم
الحجاج : و لكنكم لستم مجرد بغاة ، إنكم كفرتم بنقضكم البيعة و خروجكم على أمير المؤمنين
الرجل : إنما خرجنا على الظلم و الطغيان بعد أن نفد صبرنا ، و لم يخرج بن الأشعث وحده ، لقد خرج معه شعب العراق يتقدمه علماء العراق ، فهل هؤلاء العلماء كفار منافقون ؟ و أنت و جنودك يا حجاج المسلمون المؤمنون التائبون العابدو ن؟
الحجاج : ( مغضبا" ) أتسخر منى أيها الخبيث ؟ لألحقنك بغمامك المفتون الفتانبن الأشعث ، اذهبوا به فاضربوا عنقه
( ثم تلفت إلى الرجل فى شماتة قائلا " )
لتعلم أينا المقتول المخذول ؟ أنا أم انت ؟
الرجل : إنى أحسبك انك لن تموت مقتولا" يا حجاج
الحجاج : و لم أيها المتنبى ؟
الرجل : لأنى سمعت الصالحين من أمثال الحسن البصرى و سعيد بن جبير يدعون الله ألا يميتك مقتولا" و ألا تموت إلا على فراشك
الحجاج : ( مبتهجا" ) الحسن و سعيد يدعون الله ان أموت على فراشى ؟!
الرجل : أجل يا حجاج ، ليدخر الله عذابك كله إلى الآخرة و هو أشد و أخزى.
الحجاج : ( هائجا" ) اقتلوا الملعون ، اذهبوا به إلى الجلاد
أحد الحاشية : إنه يستحق
ثان : هذا أقل ما يجزى به مثله
آخر : و جزاء سيئة سيئة مثلها
( يدخل من المتهمين شيخ من بنى تميم و شاب من بنى بكر )
الحجاج : ( للشاب ) أمؤمن أنت أم كافر يا بكرى ؟
الشاب : أتريدنى مؤمنا" أم كافرا" ؟
الحجاج : ( فى صرامة ) لا مكان للجدال ، كافر أم مؤمن ؟
الشاب : بل كافر
الحجاج : ( فى خبث ) لكن الشيخ التميمى لا يرضى الكفر !!
الشيخ : أعن نفسى تخادعنى يا حجاج ؟ و الله لو كان شيئا" أعظم من الكفر لرضيت به حتى أنجو من سيفك ( فضحك الحجاج و أمر بتخلية سبيله )
( ثم يتقدم إليه رجل آخر )
الحجاج : على دين من أنت ؟
الرجل : على دين إبراهيم حنيفا" و ما كان من المشركين
الحجاج : اضربوا عنق هذا الكذاب
( ثم يتقدم رجل آخر )
الحجاج : على دين من انت ؟
الرجل : على دين أبيك الشيخ يوسف !!!!!
الحجاج : أما و الله لقد كام صواما" قواما" ، خل عنه يا غلام
( الغلام يفك قيد الرجل فيدنو من الحجاج و يقول له فى تحد) :
الرجل : يا حجاج : سألت صاحبى : على دين من انت ؟ فقال : على دين إبراهيم حنيفا" ، فأمرت به فقتل ، و سألتنى نفس السؤال فقلت :على دين ابيك الشيخ يوسف ، فقلت أما و الله لقد كان صواما" قواما" ، و أمرت بتخلية سبيلى
الحجاج : ( يهز رأسه ) نعم نعم
الرجل : و الله يا حجاج لو لم يكن لأبيك من السيئات إلا أنه ولد مثلك لكفاه ذلك شرا"
( الحاشية ينظر بعضهم إلى بعض فى دهشة و ذهول و همهمة )
الحجاج : ( فى هياج و انفعال ) اقتلوه ، اقتلوا الخبيث الملعون اضربوا عنقه
( ثم يدخل شاب عليه سيما الصلاح اسمه ثابت )
أحد الحاشية : ( هامسا" فى أذن الحجاج ) هذا من تلاميذ سعيد بن جبير
الحجاج : انت من تلاميذ الشيخ الضال المضل سعيد بن جبير ؟!
ثابت : لا
الحجاج : أو تنكر صلتك به ؟!
ثابت : الشيخ الذى ذكرته لا أعرفه ، إنما أعرف الشيخ الصالح المصلح العالم المجاهد سعيد بن جبير
الحجاج : الخارج على الخلافة و الساعى فى الفتنة ، يكون صالحا" مصلحا" أيها الجاهل المنافق
ثابت : من خرج على دين الله حق للناس أن يخرجوا عليه ، و الفتنة حقا" هى اضطهاد العلماء و الصالحين و تعذيبهم بغير حق ، ألم تقرأ يا حجاج قوله تعالى ( إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم و لهم عذاب الحريق )
الحجاج : هذا علم سعيد بن جبير
ثابت : بل هذا كلام الله و كلام رسوله
الحجاج : و الذى تحلف به لأحصدنكم حصدا" واحدا" بعد الآخر حتى لا أبقى منكم باقية
ثابت : أن تحصد و الله يزرع ، فأنظر أين قدرة المخلوق من قدرة الخالق ؟
الحجاج : اقتلوا هذا المتعالم ( ثم يلتفت إيه فى سخرية و يقول : لعل شيخك الصالح المصلح ينفعك اليوم )
ثابت : النفع و الضر بيد الله ( ألا له الخلق و له الأمر) و على مثل هذا اليوم وطنا أنفسنا ... لقد تمت الصفقة على يديك يا حجاج
الحجاج : أى صفقة ايها الجاهل المتعالم ؟
ثابت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة ) و هذا يوم نسلم السلعة لنتسلم الثمن : الجنة يا حجاج ( و من أوفى بعهده من الله )
الحجاج : لن تجد هناك إلا النار ، عجلوا به ، اضربوا عنقه
ثابت : ( فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا )
( يذهبون بثابت إلى السياف)
الحجاج : من بقى من هؤلاء المارقين
رئيس الشرطة : بقى عامر الشعبى ، و مطرف بن عبد الله ، و أما سعيد بن جبير فقد فر و اختفى كما تعلم
الحجاج : أو عجزتم بقضكم و قضيضكم عن تتبع بن جبير و القبض عليه ؟
رئيس الشرطة : أيد الله الامير ، إن بلاد الخلافة واسعة ، و فى استطاعة أى انسان أن يهرب و يختفى أياما" تطول أو تقصر ، و لمن لابد من معرفة مخبئه و العثور عليه فى القريب العاجل
الحجاج : أبقوا الإثنين فى السجن حتى نظفر بثالثهم ، فلن يفلت بن جبير من قبضتى ، أنا الحجاج أنا بن يوسف الثقفى
منقول:
منتدى شمس
الفصل الاول
من منظر واحد
الزمان : عصر بنى أمية فى عهد عبد الملك بن مروان و فى ولاية الحجاج بن يوسف الثقفى على العراق
المكان : مدينة واسط بالعراق و قد اختطها الحجاج بين الكوفة و البصرة
الأشخاص : الحجاج و قد تصدر مجلس الأمارة فى زهو و خيلاء و حوله أربعة من حاشيته و حراس مسلحون
*********************************************************************************************
أحد الحاشية : هنيئا" لك أيها الامير ما أحرزت من نصر على أعداء امير المؤمنين و أعدائك
ثان : إن العراق كله يتحدث عما أيد الله به امير المؤمنين على يديك و عن هزيمة الفاتن المفتونبن الاشعث و أنصاره المخذولين
ثالث : لقد غر هؤلاء الطامعين تسامح الامير و لين جانبه و شفقته على الرعية فجرأهم ذلك على الثورة عليه و العصيان و لكنهم علموا من هم و من هو الحجاج
الحجاج : ( فى زهو و خيلاء ) لقد ظن بن الاشعث أنه بانضمام الفقهاء إليه من امثال سعيد بن جبير يستطيع ان يكسب المعركة و لكن هيهات هيهات أن سيف الحجاج لا يكسر و جند بن مروان لا يقهر و عند ( دير الجماجم ) الخبر اليقين .
رابع : لقد حدثنى أيها الامير من شهدوا معركة ( دير الجماجم ) كيف عملت سيوفك فى بن الأشعث و أتباعه و كيف تطايرت رؤوسهم و تناثرت أشلاؤهم فلما حقت عليهم الهزيمة استسلموا للأسر أو الفرار
الحجاج : إن هؤلاء لم يتعظوا لما حدث لابن الزبير و غير بن الزبير على يد الحجاج فكان عاقبتهم ما ترون ، فلوقدوا ما شاءت لهم ظنونهم من نار الفتن فانا لها أنا لها
الثالث : ( مرة أخرى ) و لكن أيها الامير إياك ان تأخذك الرأفة بأسرى المعركة الذين لم يستسلموا إلا مرغمين و صدورهم تغلى حقدا" عليك و على بنى امية ، و لا تنس هؤلاء الفقهاء الذين أيدوا بن الأشعث لا بمجرد الكلام بل بحد الحسام و بخاصة ذلك الشيخ المسمى سعيد بن جبير
الحجاج : نحن بإنتظار كتاب من أمير المؤمنين فى شأنهم و لعله يصل اليوم
الأول : أمير المؤمنين لا يأمر فيهم بغير السيف جزاء ما قدمت أيديهم و من سل سيف البغى قتل به
الثانى : صدقت و البادى أظلم
الحاجب : وصل بريد أمير المؤمنين
الحجاج : هو ما كنا ننتظره ائتنى به
( الحجاج يفض الكتاب و يقرأه بصوت مسموع )
( سلام عليك و على من معك أما بعد :
فكل من شارك فى فتنة بن الأشعث فى معركة ( دير الجماجم ) فأعرضه على السيف
فمن أقر منهم بالكفر بخروجه علينا فخل عنه و من ابى و زعم أنه مؤمن فأضرب عنقه و السلام )
الحجاج : ( لحاجب ) ناد رئيس الشرطة
رئيس الشرطة : لبيك أيها الأمير
الحجاج : اذهب إلى السجن فأحضر المتهمين بعد ان تقرأ عليهم كتاب امير المؤمنين
رئيس الشرطة : سمعا" و طاعة
( يخرج و بعد لحظات يدخل الحاجب )
الحاجب : بالباب شيخ كبير يقول إن له حاجة إلى الامير
الحجاج : ردوه ليس هذا هو يوم الحوائج و طلاب الحوائج
الحاجب : لقد انتهرته الشرطة فبكى و صاح قائلا" : إما أن تدخلونى على الامير و إما أن تقتلونى، وهو شيخ مقوس الظهر تشتعل لحيته شيبا"
الحجاج : أدخله إذن
( يدخل شيخ و قور ذو لحية بيضاء )
الشيخ : السلام عليك أيها الأمير
الحجاج : و عليك السلام . ما حاجتك ؟
الشيخ : لقد أخذتم ابنى منذ سنة أو أكثر فلا انتم أطلقتموه و لا انتم حققتم فى امره ، و إن له أما" عجوزا" لا يرقأ لها دمع من أجله ، و أختا" أرملة هى أم لأيتام ثلاثة و هو العائل الوحيد لهذه الاسرة كلها و الإعتماد - بعد الله تعالى - عليه
الحجاج : ( غير مكترث ) و لماذا أخذناه ؟
الشيخ : ( محتدا" ) عجبا " ! أتحبسون الناس و لا تدرون لماذا حبستموهم ؟
الحجاج : ( متلطفا" ) يا شيخ المحبوسون كثيرون و لكل منهم جنايته و تهمته
الشيخ : إن ابنى لم يرتكب جناية و لا بعض جناية ، كل ما فى الأمر أن أحد أفراد العشيرة قد اتهمه عمالك فطلبوه ليقبضوا عليه فادلم يجدوه فأخذوا ابنى مكانه
الحجاج : هذا يحدث ، و الأجرب قد يعدى السليم ، فإن أردت أن نفرج عن ابنك فأحضر الرجل الهارب ، أما سمعت قول الشاعر :
و لرب ماخوذ بذنب عشيره و نجا المقارف صاحب الذنب
الشيخ فى صرامة : و لكنى سمعت الله تعالى قال غير ذلك !!!
الحجاج : و ماذا قال ؟
الشيخ : قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام ( معاذ الله أن ناخذ إلا من و جدنا متاعنا عنده إنا إذن لظالمون )
الحجاج : افحمتنى أيها الشيخ و قطعت حجتى ، أطلقوا سراح ابنه
أحد الحاشية : يا للعدل !!! حيا الله الامير العادل
ثان : أميرنا و قاف عند كتاب الله
آخر : الأمير لا يظلم مثقال ذرة
( يخرج الشيخ و بعد لحظات يدخل الحاجب )
الحاجب : رئيس الشرطة قد حضر و معه المتهمون
الحجاج : أدخاهم واحدا" بعد الآخر
( يدخل رجل عليه سيما الفروسية ، فينظر إليه الحجاج بتجهم و غيظ )
الحجاج : أنت أيضا" ؟؟ فى كل فتنة نراك !! بالامس كنت مع بن الزبير و اليوم مع بن الأشعث و لو أن فتنة قامت فى بلاد واق الواق لكنت أحد دعاتها ، ماذا جنيت أيها المنافق المغرور غير ذل الهزيمة و عارها ؟؟
الرجل : ( بثبات و اعتداد ) و الله ما ذل ذو حق و لو تألبت عليه الدنيا و ما عز ذو باطل و لو طلع من جبينه القمر
الحجاج : ( مهددا" ) قتلنى الله إن لم أقتلك
الرجل : و لكن عاملك أعطانى الأمانعلى عهد الله و ميثاقه
الحجاج : و هل راعيت لله عهدا" حتى نرعى عهدك ؟
الرجل : أو تغدر بى يا حجاج و تنكث عهد الله من بعد ميثاقه ؟
الحجاج : ( متهربا" من الإجابة ) أخبرنى : ما الذى أخرجك علينا هذه المرة ؟
الرجل : ( بإعتداد و قوة ) ما أخرجنى من قبل و سيخرجنى من بعد ، إنكم تريدونها ملكا" عضوضا" و نحن نريدها خلافة و شورى ، تريدونها كسروية أو قيصرية و نحن نريدها قرآنية إسلامية
الحجاج : ( ساخرا" ) أو تعلمنا انت الإسلام و فيه شابت نواصينا ؟
الرجل : أو يجهل أحد أن سفك الدماء و سلب الاموال و إخافة المسلمين و استباحة عرضهم منكر عظيم لا يقره الإسلام ؟
الحجاج : إنما نؤدب أمثالك من البغاة المفسدين
الرجل : وهبنى كنت باغيا" ، فهل عاملتنا بما يعامل به البغاة فى شرع الله ؟ إن البغاة لا يتبع مدبرهم و لا يقتل أسيرهم و لا يجهز على جريحهم و لا يؤخذ مالهم
الحجاج : و لكنكم لستم مجرد بغاة ، إنكم كفرتم بنقضكم البيعة و خروجكم على أمير المؤمنين
الرجل : إنما خرجنا على الظلم و الطغيان بعد أن نفد صبرنا ، و لم يخرج بن الأشعث وحده ، لقد خرج معه شعب العراق يتقدمه علماء العراق ، فهل هؤلاء العلماء كفار منافقون ؟ و أنت و جنودك يا حجاج المسلمون المؤمنون التائبون العابدو ن؟
الحجاج : ( مغضبا" ) أتسخر منى أيها الخبيث ؟ لألحقنك بغمامك المفتون الفتانبن الأشعث ، اذهبوا به فاضربوا عنقه
( ثم تلفت إلى الرجل فى شماتة قائلا " )
لتعلم أينا المقتول المخذول ؟ أنا أم انت ؟
الرجل : إنى أحسبك انك لن تموت مقتولا" يا حجاج
الحجاج : و لم أيها المتنبى ؟
الرجل : لأنى سمعت الصالحين من أمثال الحسن البصرى و سعيد بن جبير يدعون الله ألا يميتك مقتولا" و ألا تموت إلا على فراشك
الحجاج : ( مبتهجا" ) الحسن و سعيد يدعون الله ان أموت على فراشى ؟!
الرجل : أجل يا حجاج ، ليدخر الله عذابك كله إلى الآخرة و هو أشد و أخزى.
الحجاج : ( هائجا" ) اقتلوا الملعون ، اذهبوا به إلى الجلاد
أحد الحاشية : إنه يستحق
ثان : هذا أقل ما يجزى به مثله
آخر : و جزاء سيئة سيئة مثلها
( يدخل من المتهمين شيخ من بنى تميم و شاب من بنى بكر )
الحجاج : ( للشاب ) أمؤمن أنت أم كافر يا بكرى ؟
الشاب : أتريدنى مؤمنا" أم كافرا" ؟
الحجاج : ( فى صرامة ) لا مكان للجدال ، كافر أم مؤمن ؟
الشاب : بل كافر
الحجاج : ( فى خبث ) لكن الشيخ التميمى لا يرضى الكفر !!
الشيخ : أعن نفسى تخادعنى يا حجاج ؟ و الله لو كان شيئا" أعظم من الكفر لرضيت به حتى أنجو من سيفك ( فضحك الحجاج و أمر بتخلية سبيله )
( ثم يتقدم إليه رجل آخر )
الحجاج : على دين من أنت ؟
الرجل : على دين إبراهيم حنيفا" و ما كان من المشركين
الحجاج : اضربوا عنق هذا الكذاب
( ثم يتقدم رجل آخر )
الحجاج : على دين من انت ؟
الرجل : على دين أبيك الشيخ يوسف !!!!!
الحجاج : أما و الله لقد كام صواما" قواما" ، خل عنه يا غلام
( الغلام يفك قيد الرجل فيدنو من الحجاج و يقول له فى تحد) :
الرجل : يا حجاج : سألت صاحبى : على دين من انت ؟ فقال : على دين إبراهيم حنيفا" ، فأمرت به فقتل ، و سألتنى نفس السؤال فقلت :على دين ابيك الشيخ يوسف ، فقلت أما و الله لقد كان صواما" قواما" ، و أمرت بتخلية سبيلى
الحجاج : ( يهز رأسه ) نعم نعم
الرجل : و الله يا حجاج لو لم يكن لأبيك من السيئات إلا أنه ولد مثلك لكفاه ذلك شرا"
( الحاشية ينظر بعضهم إلى بعض فى دهشة و ذهول و همهمة )
الحجاج : ( فى هياج و انفعال ) اقتلوه ، اقتلوا الخبيث الملعون اضربوا عنقه
( ثم يدخل شاب عليه سيما الصلاح اسمه ثابت )
أحد الحاشية : ( هامسا" فى أذن الحجاج ) هذا من تلاميذ سعيد بن جبير
الحجاج : انت من تلاميذ الشيخ الضال المضل سعيد بن جبير ؟!
ثابت : لا
الحجاج : أو تنكر صلتك به ؟!
ثابت : الشيخ الذى ذكرته لا أعرفه ، إنما أعرف الشيخ الصالح المصلح العالم المجاهد سعيد بن جبير
الحجاج : الخارج على الخلافة و الساعى فى الفتنة ، يكون صالحا" مصلحا" أيها الجاهل المنافق
ثابت : من خرج على دين الله حق للناس أن يخرجوا عليه ، و الفتنة حقا" هى اضطهاد العلماء و الصالحين و تعذيبهم بغير حق ، ألم تقرأ يا حجاج قوله تعالى ( إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم و لهم عذاب الحريق )
الحجاج : هذا علم سعيد بن جبير
ثابت : بل هذا كلام الله و كلام رسوله
الحجاج : و الذى تحلف به لأحصدنكم حصدا" واحدا" بعد الآخر حتى لا أبقى منكم باقية
ثابت : أن تحصد و الله يزرع ، فأنظر أين قدرة المخلوق من قدرة الخالق ؟
الحجاج : اقتلوا هذا المتعالم ( ثم يلتفت إيه فى سخرية و يقول : لعل شيخك الصالح المصلح ينفعك اليوم )
ثابت : النفع و الضر بيد الله ( ألا له الخلق و له الأمر) و على مثل هذا اليوم وطنا أنفسنا ... لقد تمت الصفقة على يديك يا حجاج
الحجاج : أى صفقة ايها الجاهل المتعالم ؟
ثابت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأن لهم الجنة ) و هذا يوم نسلم السلعة لنتسلم الثمن : الجنة يا حجاج ( و من أوفى بعهده من الله )
الحجاج : لن تجد هناك إلا النار ، عجلوا به ، اضربوا عنقه
ثابت : ( فاقض ما أنت قاض إنما تقضى هذه الحياة الدنيا )
( يذهبون بثابت إلى السياف)
الحجاج : من بقى من هؤلاء المارقين
رئيس الشرطة : بقى عامر الشعبى ، و مطرف بن عبد الله ، و أما سعيد بن جبير فقد فر و اختفى كما تعلم
الحجاج : أو عجزتم بقضكم و قضيضكم عن تتبع بن جبير و القبض عليه ؟
رئيس الشرطة : أيد الله الامير ، إن بلاد الخلافة واسعة ، و فى استطاعة أى انسان أن يهرب و يختفى أياما" تطول أو تقصر ، و لمن لابد من معرفة مخبئه و العثور عليه فى القريب العاجل
الحجاج : أبقوا الإثنين فى السجن حتى نظفر بثالثهم ، فلن يفلت بن جبير من قبضتى ، أنا الحجاج أنا بن يوسف الثقفى
منقول:
منتدى شمس
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih