محمد صديق حسن خان
هو الإمام العلامة المحقق محيي السنة وقامع البدعة النواب أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله القِنَّوجِي البخاري نزيل بهوبال ويرجع نسبه إلى زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب .
ولادته ونشأته :
ولد في بلدة " بريلي " موطن جده من جهة الأم عام ( 1248 هـ ) ونشأ في بلدة " قِنَّوْج " موطن آبائه بالهند في حجر أمه يتيمًا على العفاف والطهارة وتلقى الدروس في علوم شتى على صفوة من علماء قِنَّوْج ونواحيها وغيرهم .
شيوخه وتلاميذه :
درس المؤلف على شيوخ كثيرين من مشايخ الهند واليمن واستفاد منهم في علوم القرآن والحديث وغيرهما ومن أشهر شيوخه :
1 - أخوه الأكبر السيد العلامة أحمد بن حسن بن علي .
2 - الشيخ الفاضل المفتي محمد صدر الدين خان الدهلوي .
3 - الشيخ القاضي حسين بن محسن السبعي الأنصاري تلميذ العلامة محمد بن ناصر الحازمي تلميذ العلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني .
4 - الشيخ المعمر الصالح عبد الحق بن فضل الله الهندي .
5 - الشيخ التقي محمد يعقوب المهاجر إلى مكة .
ولقد أجازه شيوخ كثيرون ذكرهم في ثبته " سلسة العَسْجَد في مشايخ السند " .
وله تلاميذ كثيرون درسوا عليه واستجازوه ، منهم :
1 - العلامة المحدث يحيى بن محمد بن أحمد بن حسن الحازمي قاضي عدن .
2 - الشيخ العلامة السيد نعمان خير الدين الألوسى مفتى بغداد .
زواجه :
تزوج المؤلف ملكة بهوبال : " نواب شاهجهان بيكم " عام ( 1288 هـ ) وعمل وزيرًا لها ونائبًا عنها ولقب بـ " النواب " .
عقيدته ومذهبه :
كان الشيخ حريصًا أشد الحرص على العقيدة الصافية والدعوة إلى الكتاب والسنة وذم التقليد والجمود كما تدل على ذلك سيرته ومؤلفاته . وكتابه العظيم " الدين الخالص " يشهد له بذلك .
والمصنف - رحمه الله - كان أشعريًّا كما هو معروف لدى أهل العلم ، وكتابه " فتح البيان في مقاصد القرآن " يدل على ذلك ، ولقد يسر الله له الحج عام ( 1285 هـ ) ولا بد أنه التقى بعلماء أهل السنة في سفرته ، وكما أن الشيخ العلامة حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد المتوفى عام ( 1301 هـ ) كاتب المؤلف بشأن كتابه " فتح البيان " ووجه له نصيحة ذهبية فيها الشهادة له بالعلم والتحقيق وإعذاره فيما ذهب إليه وحثه على الاستفادة من كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم كالكافية الشافية - النونية - والعقل والنقل ، والتسعينية والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ، واجتماع الجيوش الإسلامية ونحوهن من كتبهما ، وبعد ذلك وفي عام ( 1289 هـ ) صنف المؤلف رسالته " قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر " واستفاد من نصيحة الشيخ العلامة حمد بن عتيق وانكب على كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم واغترف من كتبهما وكتب غيرهما من أهل السنة وحث على ذلك كما تراه في الرسالة ( ص 48 ) وكما صنف " قصد السبيل في ذم الكلام والتأويل " .
وأسوق إليك أخي القارئ رسالة الشيخ العلامة حمد بن عتيق لما فيها من فوائد ذهبية ، وحكمة بليغة في الدعوة وشهادة للمؤلف بالعلم ، وتواضع من مرسلها ، رحمهما الله وسائر علماء المسلمين .
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من حمد بن عتيق إلى الإمام المعظم والشريف المقدم المسمى محمد الملقب صديق زاده الله من التحقيق وأجاره في ماله من عذاب الحريق .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فالموجب للكتاب إبلاغ السلام والتحفي والإكرام شيد الله بك قواعد الإسلام ونشر بك السنن والأحكام .
اعلم وفقك الله أنه كان يبلغنا أخبار سارة بظهور أخ صادق ذي فهم راسخ وطريقة مستقيمة يقال له صديق فنفرح بذلك ونسر لغرابة الزمان وقلة الإخوان وكثرة أهل البدع والإغلال . ثم وصل إلينا كتاب " الحِطَّة " و " تحرير الأحاديث "
في تلك الفصول فازددنا فرحًا وحمدنا لربنا العظيم لكون ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس وكان لي ابن يتشبث بالعلم ويحب الطلب فجعل يتوق إلى اللحوق بكم والتخرج عليكم والالتقاط من جواهركم لذهاب العلم في أقطارنا وعموم الجهلة وغلبة الأهواء فبينما نحن كذلك إذ وصل إلينا التفسير بكماله فرأينا أمرًا عجيبًا ما كنا نظن أن الزمان يسمح بمثله وما قرب منه - لما في التفاسير التي تصل إلينا من التحريف والخروج عن طريقة الاستقامة وحمل كلام الله على غير مراد الله وركوب التفاسير في حملة على المذاهب الباطلة وجعلت السنة كذلك فلما نظرنا في ذلك التفسير تبين لنا حسن قصد منشيه وسلامة عقيدته وتبعده من تعمد مذهب غير ما عليه السلف الكرام . فعلمنا أن ذلك من قبيل قوله تعالى : وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [ الكهف : 65 ] .
فالحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرا طيبا كما يحب ربنا ويرضى وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . فزاد اشتياق التائق وتضاعفت رغبته ولكن العوائق كثيرة والمثبطات مضاعفة والله على كل شيء قدير فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإن شاءه الناس فمن العوائق تباعد الديار وطول المسافات فإن مَقَرَّنا في فلج اليمامة - ومنها خطر الطريق وكثرة القطاع وتسلط الحرامية في نهب الأموال واستباحة الدماء وإخافة السبيل ، ومنها ما في الطريق من أهل البدع والضلال بل وأهل الشرك من رافضي وجهمي إلى معتزلي ونحوهم وكلهم أعداء قاتلهم الله - رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا - ومع ذلك فنحن نرجو أن يبعث الله لهذا الدين من ينصره وأن يجعلنا من أهله وأن يسهل الطريق ويرفع الموانع ونسأله أن يَمُنَّ بذلك فهو القادر عليه ولما رأينا ما منَّ الله به عليكم من التحقيق وسعة الاطلاع وعرفنا تمكنكم من الآلات وكانت نونية ابن القيم المسماة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية بين أيدينا ولنا بها عناية ولكن أفهامنا قاصرة وبضاعتنا مزجاة من أبواب العلم جملة وفيها مواضع محتاجة إلى البيان ولم يبلغنا أن أحدًا تصدى لشرحها غلب على الظن أنك تقدر على ذلك فافعل ذلك يكن من مكاسب الأجور وهي واصلة إليك إن شاء الله فاجعل قراها شرحها وبيان معناها وأصلح النية في ذلك تكن حربًا لجميع أهل البدع فإنها لم تبق طائفة منهم إلا ردت عليها فهذان مقصدان من بعثها إليك أحدهما شرحها والثاني الاستعانة بها على الرد على أهل البدع لأن مثلك يحتاج إلى ذلك لكونك في زمان الغرابة وبلاد الغربة - فإن كنت حريصًا على ذلك فعليك بكتاب العقل والنقل والتسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة والجيوش الإسلامية لابن القيم ونحوهن من كتبهما فإن فيها الهدى والشفاء - ولنا مقصد رابع مهم وهو أن هذا التفسير العظيم وصل إلينا في شعبان سنة سبع وتسعين ومائتين وألف 1297 هجرية فنظرت فيه وفي هذا الشهر وفي شوال فتجهز الناس للحج ولم أتمكن إلا من بعضه ومع ذلك وقفت فيه على مواضع تحتاج إلى تحقيق وظننت أن لذلك سببين أحدهما أنه لم يحصل منكم إمعان نظر في هذا الكتاب بعد إتمامه والغالب على من صنف الكتب كثرة ترداده وإبقائه في يده سنين يبديه ويعيده ويمحو ويثبت ويبدل العبارات حتى يغلب على ظنه الصحة غالبًا ولعل الأصحاب عاجلوك بتلقيه قبل ذلك . والثاني أن ظاهر الصنيع أنك أحسنت الظن ببعض المتكلمة وأخذت من عباراتهم بعضا بلفظه وبعضا بمعناه فدخل عليك شيء من ذلك ولم تمعن النظر فيها ولهم عبارات مزخرفة فيها الداء العضال . وما دخل عليك من ذلك فنقول إن شاء الله بحسن القصد واعتماد الحق وتحري الصدق والعدل وهو قليل بالنسبة إلى ما وقع فيه كثير ممن صنف في التفسير وغيره . وإذا نظر السني المنصف في كثير من التفاسير وشرح الحديث وجد قلته وما هو أكثر منه وقد سلكتم في هذا التفسير في مواضع منه مسلك أهل التأويل مع أنه قد وصل إلينا لكم رسالة في ذم التأويل مختصرة وهي كافية ومطلعة على أن ما وقع في التفسير صدر من غير تأمل وأنه من ذلك القليل .
وكذلك في التفسير من مخالفة أهل التأويل ما يدل على ذلك . وأنا اجترأت عليك وإن كان مثلي لا ينبغي له ذلك لأنه غلب على ظني إصغاؤك إلى التنبيه ولأن من أخلاق أئمة الدين قبول التنبيه والمذاكرة وعدم التكبر وإن كان القائل غير أهل . ولأنه بلغني عن بعض من اجتمع بك أنك تحب الاجتماع بأهل العلم وتحرص على ذلك وتقبل العلم ولو ممن هو دونك بكثير فرجوت أن ذلك عنوان توفيق جعلك الله كذلك وخيرًا من ذلك .
واعلم أرشدك الله أن الذي جرينا عليه أنه إذا وصل إلينا شيء من المصنفات في التفسير أو شرح حديث اختبرناه واعتبرنا معتقده في العلو والصفات والأفعال فوجدنا الغالب على كثير من المتأخرين أو أكثرهم مذهب الأشاعرة الذي حاصله نفي العلو وتأويل الآيات في هذا الباب بالتأويلات الموروثة عن بشر المريسي وأضرابه من أهل البدع والضلال ومن نظر في شروح البخاري ومسلم ونحوهما وجد ذلك فيها - وأما ما صنف في الأصول والعقائد فالأمر فيه ظاهر لذوي الألباب فمن رزقه الله بصيرة ونورًا وأمعن النظر فيما قالوه وعرضه على ما جاء عن الله ورسوله وما عليه أهل السنة المحضة تبين له المنافاة بينهما وعرف ذلك كما يعرف الفرق بين الليل والنهار . فأعرض عما قالوه وأقبل على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها ففيه الشفاء والمقنع وبعض المصنفين يذكر ما عليه السلف وما عليه المتكلمون ويختاره ويقرره - فلما اعتبرنا هذا التفسير وجدناك وافقتهم في ذكر المذهبين وخالفتهم في اختيار ما عليه السلف وتقرره وليتك اقتصرت على ذلك ولم تكبر هذا الكتاب بمذهب أهل البدع فإنه لا خير في أكثره وما فيه من شيء صحيح فقد وجد في كلام السلف وأئمة السنة ما يغني عنه بعبارات تنشرح لها الصدور . وقد يكون لكم من القصد نظير ما بلغني عن الشوكاني - رحمه الله - لما قيل له لأي شيء تذكر كلام الزيدية في هذا الشرح ؟ قال ما معناه لآمن الإعراض عن الكتاب ورجوت أن ذكر ذلك أدعى إلى قبوله وتلقيه وقد قيض الله لكتب أهل السنة المحضة من يتلقاها ويعتني بها وأظهرها مع ما فيها من الرد على أهل البدع وعيبهم وتكفير بعض دعاتهم وغلاتهم ، فإن الله قد ضمن لهذا الدين أن يظهر على الدين كله - والمقصود : أن في هذا التفسير مواضع تحتاج إلى تحقيق ولنذكر بعض ذلك فمنه أني نظرت في الكلام على آية الاستواء فرأيتك قد أطلت الكلام في بعض المواضع بذكر كلام المبتدعة النفاة كما تقدم . ومنه أن في الكلام تعارضًا - كقولكم في آية يونس : وظاهر الآية على أنه سبحانه إنما استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض لأن كلمة [ ثم ] للترتيب - ثم قلتم في سورة الرعد - وثم هنا لمجرد العطف لا للترتيب لأن الاستواء عليه غير مرتب على رفع السماوات . وكذلك قلتم في سورة السجدة وليست ثم للترتيب بل بمعنى الواو .
فلينظر في هذا من وجهين - أحدهما أن ظاهره التعارض - الثاني : أن القول بأن ثم لمجرد العطف لا الترتيب في هذه الآيات - إنما يقوله من فسر الاستواء بالقهر والغلبة وعدم الترتيب ظاهر على قولهم - وأما السلف وأئمة السنة وأهل التحقيق فقد جعلوا اطراد الآيات في جميع المواضع دليلًا على ثبوت الترتيب وردوا به على نفاة الاستواء وأبطلوا به تأويلاتهم كما هو معروف ومقرر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره فانظر من أين دخلت عليك هذه العبارات . وقد رأيت للرازي عبارة في التفسير تفهم ذلك فلعلك بنيت على قوله - وهذا الرجل وإن كان يلقب بالفخر فله كلام في العقائد قد زل فيه زلات عظيمة وآخر أمره الحيرة نرجو أنه تاب من ذلك ومات على السنة . فلا تغتر بأمثال هؤلاء - قال شيخ الإسلام رحمه الله في المحصل :
وسائر كتب الكلام والمختلف أهلها مثل كتب الرازي وأمثاله وكتب المعتزلة والشيعة والفلاسفة ونحو هؤلاء لا يوجد فيها ما بعث الله به رسوله في أصول الدين بل وجد فيها حق ملبوس بباطل - انتهى من منهاج السنة وقد قال بعض العلماء في المحصل :
محصل في أصول الدين حاصله من بعد تحصيله أصل بلا دين
أصل الضلال الشرك المبين وما فيه فأكثره وحي الشياطين
فكيف تسمح نفس عاقل أن يعتمد على مثل قول هؤلاء - ومن ذلك أنكم قلتم في سورة يونس أيضًا : استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وهذه طريقة السلف المفوضين : وقد تقدس الديان عن المكان والمعبود عن الحدود انتهى . فإن كان المراد بالتفويض ما يقوله بعض النفاة وينسبونه إلى السلف . وهو أنهم يمرون الألفاظ ويؤمنون بها من غير أن يعتقدوا لها معاني تليق بالله أو أنهم لا يعرفون معانيها فهذا أكذب على السلف من النفاة وإذا قال السلف كما جاءت بلا كيف فإنما ينفون علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة .
ولو كانوا قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول وأمروها كما جاءت بلا كيف فالاستواء لا يكون حينئذ معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف الجر . وأيضًا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم من اللفظ معنى . وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا ثبتت الصفات . هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ولا نشك أن هذا اعتقادك ولكن المراد أنه دخل عليك بعض الألفاظ من كلام أهل البدع لم تتصور مرادهم فتنبه لمثل ذلك .
وأما قول القائل يتقدس الديان عن المكان فهذا لم ينطق السلف فيه بنفي ولا إثبات وهو من عبارات المتكلمين ومرادهم به نفي علو الله على خلقه لأن لفظ المكان فيه إجمال يحتمل الحق والباطل كلفظ الجهة والعلو والكلام في ذلك معروف في كتب شيخ الإسلام وابن القيم فارجع إلى ذلك تجده ولا نطيل به وحسبنا الاقتصار في هذا الباب على ما ورد في الكتاب والسنة كما قال الإمام أحمد : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث . ومن ذلك ما ذكرتم عند قوله تعالى : ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [ فصلت : 11 ] وقد قيل إن خلق جرم الأرض متقدم على السماء ووجودها متأخر وقد ذكره جماعة من أهل العلم هذا جمع جيد يجب المصير إليه وفي حم السجدة - الجواب أن الخلق ليس عبارة عن الإيجاد والتكوين فقط بل عبارة عن التقدير أيضًا - والمعنى ( قضى ) أن يحدث الأرض في يومين بعد إحداث السماء والجواب المشهور أنه خلق الأرض أولًا ثم خلق السماء بعدها ثم دحا الأرض وحدها والأول أولى - ففي هذا نوع تعارض .
ومن ذلك قولكم على البسملة : والرحمة إرادة الخير والإحسان لأهله . وقيل ترد عقوبة من يستحق العقاب وإسداء الخير والإحسان إلى من لا يستحقه فهو على الأول صفة وعلى الثاني صفة فعل - انتهى - وهذا هو التأويل المعروف عن بعض أهل البدع يردون هذه الصفات إلى الإرادة فرارًا مما فهموه حيث قالوا إن الرحمة ورقة القلب لا يصلح نسبتها إلى الله تعالى - فقال لهم أهل السنة هذه رحمة المخلوق ورحمة الرب تليق بجلاله لا يعلم كيف هي إلا هو ويلزمهم في الإرادة نظير ما فروا منه في الرحمة . فإن الإرادة هي ميل القلب فإما أن تثبت إرادة تليق بالرب تعالى وهو الحق في جميع الصفات وإما أن تقابل بالتأويل وهو الباطل - والآفة دخلت على النفاة من جهة أنهم لم يفهموا من صفات الرب إلا ما يليق بالمخلوق فذهبوا لينفوا ذلك . ويقابلونه بالتأويلات .
قال شيخ الإسلام : إنهم شبهوا أولًا فعطلوا آخرا - وأهل السنة والجماعة أثبتوا لله جميع الصفات على ما يليق بجلاله ونفوا عنه مشابهة المخلوقين فسلموا من التشبيه والتعطيل - ومن ذلك أنكم أكثرتم في هذا التفسير من حمل بعض الآيات على المجاز وأنواعه وقد علمتم أن تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز حدث بعد القرون المفضلة ولم يتكلم الرب به ولا رسوله ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان . والذي يتكلم به من أهل اللغة يقول في بعض الآيات هذا في اللغة ومراده أن هذا مما يجوز في اللغة لم يرد بهذا الحادث ولا خطر بباله ولا سيما أنهم قالوا : إن المجاز يصح نفيه فكيف يليق حمل الآيات القرآنية على مثل ذلك .
وقد أتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان الكبير بما كفى وشفى وذكر الآيات التي استدلوا بها وبعض الأمثلة التي ذكروها وأجاب عن ذلك بما إذا طالعه المنصف عرف الصواب وقواعده أن المجاز لا يدخل في النصوص ولا يهولنك إطباق المتأخرين فإنهم قد أطبقوا على ما هو شر منه والعاقل يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال . ومن عرف غربة الإسلام والسنة لم يغتر بأقوال الناس وإن كثرت .
والله تعالى يقول : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ . . . الآية [ الأنعام : 116 ] ومن أبلغ الناس بحثًا في المعاني الزمخشري وله في تفسيره مواضع حسنة ولكنه معروف بالاعتزال ونفي الصفات والتكلف في التأويلات والحكم على الله بالشريعة الباطلة مع ما هو عليه من سبه السلف وذمهم والتنقص لهم وفي تفسيره عقارب لا يعرفها إلا الخواص من أهل السنة وقد قال فيه بعض العلماء :
ولكنه فيه مجال لقائل وزلات سوء قد أخذن المخانقا
ويشهد في معنى القليل إشارة بتكثير ألفاظ تسمى الشقاشقا
يُقَوِّل فيها الله ما ليس قائلا وكان مجما في الخطاية وامقا
ويشتم أعلام الأئمة ضلة ولا سيما إن أولجوه المضائقا
لئن لم تداركه من الله رحمة لسوف يرى للكافرين مرافقا
والمقصود أن الاعتماد على مثل أقوال هؤلاء لا يليق بالمحقق لا سيما فيما يتعلق بمعرفة الله وتوحيده وأنت ترى مثل محمد بن جرير الطبري وأقرانه ومن قبله ومن يقربه في زمانه لم يعرج على هذه الأمور وكذلك المحققون من المتأخرين كابن كثير ونحوه . وكما هو المأثور عن السلف رحمهم الله تعالى وما استنبطوا منه .
فنسأل الله أن يلحقنا بآثار الموحدين وأن يحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة بمنه وكرمه - وقد اجترأت عليك بمثل هذا الكلام نصحًا لله ورسوله رجاء من الله أن ينفع بك في هذا الزمان الذي ذهب فيه العلم النافع ولم يبق إلا رسومه ، وأنا أنتظر منك الجواب ورد ما صدر مني من الخطاب . ثم إني لما رأيت الترجمة وقد سمي فيها بعض مصنفاتك وكنت في بلاد قليلة فيها الكتب ، وقد ابتليت بالدخول في أمور الناس لأجل ضرورتهم كما قيل : خلا لك الجو فبيضي واصفري - فألتمس من جنابك التفضل علينا ببلوغ السول من أقضية الرسول ، والروضة الندية شرح الدرر البهية ونيل المرام شرح آيات الأحكام . فنحن في ضرورة عظيمة إلى هذه كلها فاجعل من صالح أعمالك معونة إخوانك ومحبيك بها وابعث بها إلينا مأجورا إن شاء الله تعالى . وليكن ذلك على يد الأخ أحمد بن عيسى الساكن في مكة المكرمة المشرفة واكتب لنا تعريفا بأحوالكم . ولعل أحدًا منكم يتلقى هذا العلم ويعتني به ويحفظه عنك واحرص على ذلك طمعا أن يجمع لك شرف الدنيا والآخرة ونسأل الله أن يهب لك ذلك . ثم اعلم أني قد بلغت السبعين وأنا في معترك الأعمار لا آمن هجوم المنية ولي أولاد ثمانية منهم ثلاثة يطلبون العلم كبيرهم سعد المذكور أولا ويليه عبد العزيز وتحته عبد اللطيف ونرجو أنهم من أهل الكتب وممن يعتز بها ويحفظها . وبقيتهم صغار منهم من هو في المكتب .
ومن دعائنا : . . . رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [ الفرقان : 74 ] رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ البقرة : 128 ] لا تنسنا من صالح دعائك كما هو لك مبذول .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
انتهى نصّ الرسالة
من صفاته والثناء عليه :
كان " صديق خان " آية من آيات الله في العلم والأخلاق الفاضلة والتمسك بالكتاب والسنة ، وصرف مما آتاه الله من المال والجاه في خدمة الإسلام والدين وفي نشر علم الحديث والدعوة إلى العقيدة السلفية والعمل بالكتاب والسنة وإعانة العلماء والأدباء وجمع مكتبة مملوءة بالكتب القيمة ، وطبع " فتح الباري " ، و " تفسير ابن كثير " ، و " نيل الأوطار " على نفقته في الهند ومصر وتركيا ووزعها مجانًا جزاه الله خيرًا ورتب إعانات مالية للعلماء ورغبهم في ترجمة كتب الحديث إلى اللغة السائدة في الهند وطبعت على نفقته .
وكما استدعى العلامة بشير السهسواني صاحب " صيانة الإنسان " المتوفى عام ( 1295 ) وفوض إليه رئاسة المدارس الدينية ببهوبال .
وحسبك في الثناء عليه كتبه القيمة في فنون شتى وكفاك قول معاصره العلامة الشيخ حمد بن عتيق فيما كتبه إليه إنه أخ صادق ذو فهم راسخ وطريقة مستقيمة ، وشهادته له بالتمكن من الآلات وسعة الاطلاع وغير ذلك من الثناء الجميل على هذا الإمام الجليل .
مؤلفاته :
للمؤلف كتب كثيرة . بلغات مختلفة في علوم متنوعة . ولقد ذكر المؤلف في ترجمته لنفسه في " أبجد العلوم " ( 3 / 275 - 279 ) مصنفاته إلى تاريخه والذي يعنينا هنا ما كان باللغة العربية ولقد ذكر الدكتور جميل أحمد في كتابه " حركة التأليف باللغة العربية في الإقليم الشرقي الهندي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد " ( ص 274 - 281 ) مؤلفات محمد صديق حسن خان وجعلها في ثلاث زمر :
1 - ما طبع ونشر .
2 - ما لا يزال مخطوطًا .
3 - ما كان مجهولًا ، وقف على اسمه في كتب القِنَّوْجِي الأخرى ، أو في غيرها من الكتب .
أما الكتب التي طبعت فهي :
1 - فتح البيان في مقاصد القرآن : المطبعة الكبرى الأميرية بالقاهرة :
1300 - 1302 هـ ( في عشرة أجزاء ) ، الطبعة الأولى ببهوبال .
2 - نيل المرام من تفسير آيات الأحكام : لكهنو 1392 هـ مطبعة المدني بمصر 1382 هـ / 1962 م .
3 - الدين الخالص ( جمع فيه آيات التوحيد الواردة في القرآن ، ولم يغادر آية منها إلا أتى عليها بالبيان الوافي ) : دهلي - مطبعة المدني بمصر - 1379 هـ / 1959 م .
4 - حسن الأسوة بما ثبت عن الله ورسوله في النسوة : الجوائب 1301 هـ .
5 - عون الباري بحل أدلة البخاري ( شرح كتاب التجريد ) : بولاق 1297 هـ ( 8 أجزاء ) على هامش " نيل الأوطار " ، بهوبال 1299 هـ ( جزآن ) .
6 - السراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج : بهوبال 1302 هـ .
7 - أربعون حديثًا في فضائل الحج والعمرة : بهوبال .
8 - أربعون حديثًا متواترة : بهوبال .
9 - العبرة بما جاء في الغزو والشهادة والهجرة : بهوبال 1294 هـ / 1877 م .
10 - الحرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون ( في الحديث ) : بهوبال .
11 - الرحمة المهداة إلى من يريد زيادة العلم على أحاديث المشكاة : دلهي .
12 - الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة ، في اتباع السنة : بهوبال 1295 هـ .
13 - يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار : بهوبال 1294 هـ .
14 - الحطة في ذكر الصحاح الستة : النظامية بكانبور 1283 هـ .
15 - الموائد العوائد من عيون الأخبار والفوائد ( جمع فيه حوالي ثلاثمائة حديث ) : بهوبال 1298 هـ .
16 - الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة : بهوبال 1293 هـ / 1876 م ، الجوائب بالآستانة - 1876 أيضا .
17 - الروضة الندية ، شرح الدرر البهية للقاضي محمد اليمني الشوكاني : العلوية بلكهنو 1290 هـ ، مصر 1296 هـ .
18 - فتح العلام ، شرح بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني : المطبعة الأميرية القاهرة : 1302 هـ / 1885 م .
19 - حصول المأمول من علم الأصول ( تلخيص إرشاد الفحول للشوكاني ) ، ( في أصول الفقه ) : الجوائب 1296 هـ / 1879 م ، مصر 1338 هـ .
20 - الإقليد لأدلة الاجتهاد والتقليد : الجوائب 1295 هـ / 1878 م .
21 - ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي : الصديقية ، بهوبال 1294 هـ. 22 - ذخر المحتي من آداب المفتي : بهوبال 1294 هـ .
23 - الغنة ببشارة أهل الجنة : بولاق 1302 هـ / 1885 م .
24 - الموعظة الحسنة بما يخطب به في شهور السنة : بهوبال 1295 هـ ، مصر 1307 هـ .
25 - الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح : لكهنو .
26 - قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر : كانبور .
27 - إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة : بهوبال 1294 هـ / 1877 م .
28 - حضرات التجلي من نفحات التجلي والتخلي ( في الكلام ) : بهوبال 1298 هـ .
29 - الطريقة المثلى في الإرشاد إلى ترك التقليد واتباع ما هو الأولى : الآستانة 1296 هـ / 1879 م .
30 - قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل : بهوبال 1295 هـ .
31 - قضاء الأرب في تحقيق مسألة النسب : كانبور 1283 هـ .
32 - البلغة في أصول اللغة : الشاهجانية ببهوبال 1294 هـ ، الجوائب 1296 هـ / 1879 م .
33 - لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من المعرب والدخيل والمولد والأغلاط : بهوبال ، 1291 هـ - 1296 هـ / 1879 م .
34 - العلم الخفاق من علم الاشتقاق : الجوائب 1296 هـ ، مصر 1346 هـ .
35 - طلب الأدب من أدب الطلب .
36 - مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام ( في الجنة وأهل الجنة ) : النظامية بكانبور 1289 هـ .
37 - غصن البان المورق بمحسنات البيان ( يشتمل على ثلاثة علوم : علم البيان ، وعلم المعاني ، وعلم البديع ) : الجوائب ، بهوبال 1294 هـ / 1877 م .
38 - نشوة السكران من صهباء تذكار الغزلان ، في ذكر أنواع العشق وأحوال العشاق والعشيقات من النسوان ، وما يتصل بذلك من تطورات الصبوة والهيمان : بهوبال 1294 ، الجوائب 1296 هـ / 1879 م .
39 - الكلمة العنبرية في مدح خير البرية ( قصيدة ) .
40 - لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان . ( يحتوي من تواريخ الأمم السالفة قسطا وافرا ، ويذكر الليالي والأيام والشهور والأعوام والساعات والدقائق وفصول العام ) : الجوائب 1296 هـ / 1879 م .
41 - خبيئة الأكوان في افتراق الأم على المذاهب والأديان : الجوائب 1296 هـ / 1879 م ( في آخر لقطة العجلان ) ، كانبور .
42 - أبجد العلوم : الصديقية ببهوبال 1296 هـ / 1878 م .
43 - التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول : ( كتاب حافل مشحون بتراجم 543 عالما وعالمة من العالم الإسلامي ) : المطبعة الهندية العربية ، بومباي 1383 هـ / 1963 م .
44 - رحلة الصديق إلى البيت العتيق : العلوية بلكهنو 1289 هـ / 1872 م .
45 - تخريج الوصايا من خبايا الزوايا : مصر .
أما الكتب التي لا تزال مخطوطة فهي :
1 - ربيع الأدب .
2 - تكحيل العيون بتعاريف العلوم والفنون .
3 - إحياء الميت بذكر مناقب أهل البيت .
4 - التذهيب ، شرح التهذيب : في المنطق .
وأما الكتب المجهولة فهي :
1 - خلاصة الكشاف .
2 - ملاك السعادة .
3 - اللواء المعقود لتوحيد الرب المعبود .
4 - النذير العريان من دركات الميزان .
5 - الروض البسام .
6 - هداية السائل إلى أدلة المسائل .
7 - رياض الجنة في تراجم أهل السنة .
وفاته :
مات المصنف رحمه الله عام ( 1357 هـ ) عن ( 59 ) سنة وترك اثنين من أبنائه وهما : السيد أبو الخير مير نور الحسن خان الطيب ، وهو ولده الأكبر ، والسيد الشريف أبو النصر مير علي حسن خان الطاهر .
كتبه : عاصم بن عبد الله القريوتى
المصدر : تحقيق كتاب قطف الثمر فى بيان عقيدة أهل الأثر
محمد صديق حسن خان العلماء والمشايخ.
http://www.alnasiha.net/cms/node/228
هو الإمام العلامة المحقق محيي السنة وقامع البدعة النواب أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله القِنَّوجِي البخاري نزيل بهوبال ويرجع نسبه إلى زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب .
ولادته ونشأته :
ولد في بلدة " بريلي " موطن جده من جهة الأم عام ( 1248 هـ ) ونشأ في بلدة " قِنَّوْج " موطن آبائه بالهند في حجر أمه يتيمًا على العفاف والطهارة وتلقى الدروس في علوم شتى على صفوة من علماء قِنَّوْج ونواحيها وغيرهم .
شيوخه وتلاميذه :
درس المؤلف على شيوخ كثيرين من مشايخ الهند واليمن واستفاد منهم في علوم القرآن والحديث وغيرهما ومن أشهر شيوخه :
1 - أخوه الأكبر السيد العلامة أحمد بن حسن بن علي .
2 - الشيخ الفاضل المفتي محمد صدر الدين خان الدهلوي .
3 - الشيخ القاضي حسين بن محسن السبعي الأنصاري تلميذ العلامة محمد بن ناصر الحازمي تلميذ العلامة القاضي محمد بن علي الشوكاني .
4 - الشيخ المعمر الصالح عبد الحق بن فضل الله الهندي .
5 - الشيخ التقي محمد يعقوب المهاجر إلى مكة .
ولقد أجازه شيوخ كثيرون ذكرهم في ثبته " سلسة العَسْجَد في مشايخ السند " .
وله تلاميذ كثيرون درسوا عليه واستجازوه ، منهم :
1 - العلامة المحدث يحيى بن محمد بن أحمد بن حسن الحازمي قاضي عدن .
2 - الشيخ العلامة السيد نعمان خير الدين الألوسى مفتى بغداد .
زواجه :
تزوج المؤلف ملكة بهوبال : " نواب شاهجهان بيكم " عام ( 1288 هـ ) وعمل وزيرًا لها ونائبًا عنها ولقب بـ " النواب " .
عقيدته ومذهبه :
كان الشيخ حريصًا أشد الحرص على العقيدة الصافية والدعوة إلى الكتاب والسنة وذم التقليد والجمود كما تدل على ذلك سيرته ومؤلفاته . وكتابه العظيم " الدين الخالص " يشهد له بذلك .
والمصنف - رحمه الله - كان أشعريًّا كما هو معروف لدى أهل العلم ، وكتابه " فتح البيان في مقاصد القرآن " يدل على ذلك ، ولقد يسر الله له الحج عام ( 1285 هـ ) ولا بد أنه التقى بعلماء أهل السنة في سفرته ، وكما أن الشيخ العلامة حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد المتوفى عام ( 1301 هـ ) كاتب المؤلف بشأن كتابه " فتح البيان " ووجه له نصيحة ذهبية فيها الشهادة له بالعلم والتحقيق وإعذاره فيما ذهب إليه وحثه على الاستفادة من كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم كالكافية الشافية - النونية - والعقل والنقل ، والتسعينية والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ، واجتماع الجيوش الإسلامية ونحوهن من كتبهما ، وبعد ذلك وفي عام ( 1289 هـ ) صنف المؤلف رسالته " قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر " واستفاد من نصيحة الشيخ العلامة حمد بن عتيق وانكب على كتب شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم واغترف من كتبهما وكتب غيرهما من أهل السنة وحث على ذلك كما تراه في الرسالة ( ص 48 ) وكما صنف " قصد السبيل في ذم الكلام والتأويل " .
وأسوق إليك أخي القارئ رسالة الشيخ العلامة حمد بن عتيق لما فيها من فوائد ذهبية ، وحكمة بليغة في الدعوة وشهادة للمؤلف بالعلم ، وتواضع من مرسلها ، رحمهما الله وسائر علماء المسلمين .
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
من حمد بن عتيق إلى الإمام المعظم والشريف المقدم المسمى محمد الملقب صديق زاده الله من التحقيق وأجاره في ماله من عذاب الحريق .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فالموجب للكتاب إبلاغ السلام والتحفي والإكرام شيد الله بك قواعد الإسلام ونشر بك السنن والأحكام .
اعلم وفقك الله أنه كان يبلغنا أخبار سارة بظهور أخ صادق ذي فهم راسخ وطريقة مستقيمة يقال له صديق فنفرح بذلك ونسر لغرابة الزمان وقلة الإخوان وكثرة أهل البدع والإغلال . ثم وصل إلينا كتاب " الحِطَّة " و " تحرير الأحاديث "
في تلك الفصول فازددنا فرحًا وحمدنا لربنا العظيم لكون ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس وكان لي ابن يتشبث بالعلم ويحب الطلب فجعل يتوق إلى اللحوق بكم والتخرج عليكم والالتقاط من جواهركم لذهاب العلم في أقطارنا وعموم الجهلة وغلبة الأهواء فبينما نحن كذلك إذ وصل إلينا التفسير بكماله فرأينا أمرًا عجيبًا ما كنا نظن أن الزمان يسمح بمثله وما قرب منه - لما في التفاسير التي تصل إلينا من التحريف والخروج عن طريقة الاستقامة وحمل كلام الله على غير مراد الله وركوب التفاسير في حملة على المذاهب الباطلة وجعلت السنة كذلك فلما نظرنا في ذلك التفسير تبين لنا حسن قصد منشيه وسلامة عقيدته وتبعده من تعمد مذهب غير ما عليه السلف الكرام . فعلمنا أن ذلك من قبيل قوله تعالى : وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [ الكهف : 65 ] .
فالحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرا طيبا كما يحب ربنا ويرضى وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . فزاد اشتياق التائق وتضاعفت رغبته ولكن العوائق كثيرة والمثبطات مضاعفة والله على كل شيء قدير فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإن شاءه الناس فمن العوائق تباعد الديار وطول المسافات فإن مَقَرَّنا في فلج اليمامة - ومنها خطر الطريق وكثرة القطاع وتسلط الحرامية في نهب الأموال واستباحة الدماء وإخافة السبيل ، ومنها ما في الطريق من أهل البدع والضلال بل وأهل الشرك من رافضي وجهمي إلى معتزلي ونحوهم وكلهم أعداء قاتلهم الله - رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا - ومع ذلك فنحن نرجو أن يبعث الله لهذا الدين من ينصره وأن يجعلنا من أهله وأن يسهل الطريق ويرفع الموانع ونسأله أن يَمُنَّ بذلك فهو القادر عليه ولما رأينا ما منَّ الله به عليكم من التحقيق وسعة الاطلاع وعرفنا تمكنكم من الآلات وكانت نونية ابن القيم المسماة بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية بين أيدينا ولنا بها عناية ولكن أفهامنا قاصرة وبضاعتنا مزجاة من أبواب العلم جملة وفيها مواضع محتاجة إلى البيان ولم يبلغنا أن أحدًا تصدى لشرحها غلب على الظن أنك تقدر على ذلك فافعل ذلك يكن من مكاسب الأجور وهي واصلة إليك إن شاء الله فاجعل قراها شرحها وبيان معناها وأصلح النية في ذلك تكن حربًا لجميع أهل البدع فإنها لم تبق طائفة منهم إلا ردت عليها فهذان مقصدان من بعثها إليك أحدهما شرحها والثاني الاستعانة بها على الرد على أهل البدع لأن مثلك يحتاج إلى ذلك لكونك في زمان الغرابة وبلاد الغربة - فإن كنت حريصًا على ذلك فعليك بكتاب العقل والنقل والتسعينية لشيخ الإسلام ابن تيمية وكتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة والجيوش الإسلامية لابن القيم ونحوهن من كتبهما فإن فيها الهدى والشفاء - ولنا مقصد رابع مهم وهو أن هذا التفسير العظيم وصل إلينا في شعبان سنة سبع وتسعين ومائتين وألف 1297 هجرية فنظرت فيه وفي هذا الشهر وفي شوال فتجهز الناس للحج ولم أتمكن إلا من بعضه ومع ذلك وقفت فيه على مواضع تحتاج إلى تحقيق وظننت أن لذلك سببين أحدهما أنه لم يحصل منكم إمعان نظر في هذا الكتاب بعد إتمامه والغالب على من صنف الكتب كثرة ترداده وإبقائه في يده سنين يبديه ويعيده ويمحو ويثبت ويبدل العبارات حتى يغلب على ظنه الصحة غالبًا ولعل الأصحاب عاجلوك بتلقيه قبل ذلك . والثاني أن ظاهر الصنيع أنك أحسنت الظن ببعض المتكلمة وأخذت من عباراتهم بعضا بلفظه وبعضا بمعناه فدخل عليك شيء من ذلك ولم تمعن النظر فيها ولهم عبارات مزخرفة فيها الداء العضال . وما دخل عليك من ذلك فنقول إن شاء الله بحسن القصد واعتماد الحق وتحري الصدق والعدل وهو قليل بالنسبة إلى ما وقع فيه كثير ممن صنف في التفسير وغيره . وإذا نظر السني المنصف في كثير من التفاسير وشرح الحديث وجد قلته وما هو أكثر منه وقد سلكتم في هذا التفسير في مواضع منه مسلك أهل التأويل مع أنه قد وصل إلينا لكم رسالة في ذم التأويل مختصرة وهي كافية ومطلعة على أن ما وقع في التفسير صدر من غير تأمل وأنه من ذلك القليل .
وكذلك في التفسير من مخالفة أهل التأويل ما يدل على ذلك . وأنا اجترأت عليك وإن كان مثلي لا ينبغي له ذلك لأنه غلب على ظني إصغاؤك إلى التنبيه ولأن من أخلاق أئمة الدين قبول التنبيه والمذاكرة وعدم التكبر وإن كان القائل غير أهل . ولأنه بلغني عن بعض من اجتمع بك أنك تحب الاجتماع بأهل العلم وتحرص على ذلك وتقبل العلم ولو ممن هو دونك بكثير فرجوت أن ذلك عنوان توفيق جعلك الله كذلك وخيرًا من ذلك .
واعلم أرشدك الله أن الذي جرينا عليه أنه إذا وصل إلينا شيء من المصنفات في التفسير أو شرح حديث اختبرناه واعتبرنا معتقده في العلو والصفات والأفعال فوجدنا الغالب على كثير من المتأخرين أو أكثرهم مذهب الأشاعرة الذي حاصله نفي العلو وتأويل الآيات في هذا الباب بالتأويلات الموروثة عن بشر المريسي وأضرابه من أهل البدع والضلال ومن نظر في شروح البخاري ومسلم ونحوهما وجد ذلك فيها - وأما ما صنف في الأصول والعقائد فالأمر فيه ظاهر لذوي الألباب فمن رزقه الله بصيرة ونورًا وأمعن النظر فيما قالوه وعرضه على ما جاء عن الله ورسوله وما عليه أهل السنة المحضة تبين له المنافاة بينهما وعرف ذلك كما يعرف الفرق بين الليل والنهار . فأعرض عما قالوه وأقبل على الكتاب والسنة وما عليه سلف الأمة وأئمتها ففيه الشفاء والمقنع وبعض المصنفين يذكر ما عليه السلف وما عليه المتكلمون ويختاره ويقرره - فلما اعتبرنا هذا التفسير وجدناك وافقتهم في ذكر المذهبين وخالفتهم في اختيار ما عليه السلف وتقرره وليتك اقتصرت على ذلك ولم تكبر هذا الكتاب بمذهب أهل البدع فإنه لا خير في أكثره وما فيه من شيء صحيح فقد وجد في كلام السلف وأئمة السنة ما يغني عنه بعبارات تنشرح لها الصدور . وقد يكون لكم من القصد نظير ما بلغني عن الشوكاني - رحمه الله - لما قيل له لأي شيء تذكر كلام الزيدية في هذا الشرح ؟ قال ما معناه لآمن الإعراض عن الكتاب ورجوت أن ذكر ذلك أدعى إلى قبوله وتلقيه وقد قيض الله لكتب أهل السنة المحضة من يتلقاها ويعتني بها وأظهرها مع ما فيها من الرد على أهل البدع وعيبهم وتكفير بعض دعاتهم وغلاتهم ، فإن الله قد ضمن لهذا الدين أن يظهر على الدين كله - والمقصود : أن في هذا التفسير مواضع تحتاج إلى تحقيق ولنذكر بعض ذلك فمنه أني نظرت في الكلام على آية الاستواء فرأيتك قد أطلت الكلام في بعض المواضع بذكر كلام المبتدعة النفاة كما تقدم . ومنه أن في الكلام تعارضًا - كقولكم في آية يونس : وظاهر الآية على أنه سبحانه إنما استوى على العرش بعد خلق السماوات والأرض لأن كلمة [ ثم ] للترتيب - ثم قلتم في سورة الرعد - وثم هنا لمجرد العطف لا للترتيب لأن الاستواء عليه غير مرتب على رفع السماوات . وكذلك قلتم في سورة السجدة وليست ثم للترتيب بل بمعنى الواو .
فلينظر في هذا من وجهين - أحدهما أن ظاهره التعارض - الثاني : أن القول بأن ثم لمجرد العطف لا الترتيب في هذه الآيات - إنما يقوله من فسر الاستواء بالقهر والغلبة وعدم الترتيب ظاهر على قولهم - وأما السلف وأئمة السنة وأهل التحقيق فقد جعلوا اطراد الآيات في جميع المواضع دليلًا على ثبوت الترتيب وردوا به على نفاة الاستواء وأبطلوا به تأويلاتهم كما هو معروف ومقرر في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره فانظر من أين دخلت عليك هذه العبارات . وقد رأيت للرازي عبارة في التفسير تفهم ذلك فلعلك بنيت على قوله - وهذا الرجل وإن كان يلقب بالفخر فله كلام في العقائد قد زل فيه زلات عظيمة وآخر أمره الحيرة نرجو أنه تاب من ذلك ومات على السنة . فلا تغتر بأمثال هؤلاء - قال شيخ الإسلام رحمه الله في المحصل :
وسائر كتب الكلام والمختلف أهلها مثل كتب الرازي وأمثاله وكتب المعتزلة والشيعة والفلاسفة ونحو هؤلاء لا يوجد فيها ما بعث الله به رسوله في أصول الدين بل وجد فيها حق ملبوس بباطل - انتهى من منهاج السنة وقد قال بعض العلماء في المحصل :
محصل في أصول الدين حاصله من بعد تحصيله أصل بلا دين
أصل الضلال الشرك المبين وما فيه فأكثره وحي الشياطين
فكيف تسمح نفس عاقل أن يعتمد على مثل قول هؤلاء - ومن ذلك أنكم قلتم في سورة يونس أيضًا : استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وهذه طريقة السلف المفوضين : وقد تقدس الديان عن المكان والمعبود عن الحدود انتهى . فإن كان المراد بالتفويض ما يقوله بعض النفاة وينسبونه إلى السلف . وهو أنهم يمرون الألفاظ ويؤمنون بها من غير أن يعتقدوا لها معاني تليق بالله أو أنهم لا يعرفون معانيها فهذا أكذب على السلف من النفاة وإذا قال السلف كما جاءت بلا كيف فإنما ينفون علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة .
ولو كانوا قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول وأمروها كما جاءت بلا كيف فالاستواء لا يكون حينئذ معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف الجر . وأيضًا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم من اللفظ معنى . وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا ثبتت الصفات . هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ولا نشك أن هذا اعتقادك ولكن المراد أنه دخل عليك بعض الألفاظ من كلام أهل البدع لم تتصور مرادهم فتنبه لمثل ذلك .
وأما قول القائل يتقدس الديان عن المكان فهذا لم ينطق السلف فيه بنفي ولا إثبات وهو من عبارات المتكلمين ومرادهم به نفي علو الله على خلقه لأن لفظ المكان فيه إجمال يحتمل الحق والباطل كلفظ الجهة والعلو والكلام في ذلك معروف في كتب شيخ الإسلام وابن القيم فارجع إلى ذلك تجده ولا نطيل به وحسبنا الاقتصار في هذا الباب على ما ورد في الكتاب والسنة كما قال الإمام أحمد : لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث . ومن ذلك ما ذكرتم عند قوله تعالى : ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [ فصلت : 11 ] وقد قيل إن خلق جرم الأرض متقدم على السماء ووجودها متأخر وقد ذكره جماعة من أهل العلم هذا جمع جيد يجب المصير إليه وفي حم السجدة - الجواب أن الخلق ليس عبارة عن الإيجاد والتكوين فقط بل عبارة عن التقدير أيضًا - والمعنى ( قضى ) أن يحدث الأرض في يومين بعد إحداث السماء والجواب المشهور أنه خلق الأرض أولًا ثم خلق السماء بعدها ثم دحا الأرض وحدها والأول أولى - ففي هذا نوع تعارض .
ومن ذلك قولكم على البسملة : والرحمة إرادة الخير والإحسان لأهله . وقيل ترد عقوبة من يستحق العقاب وإسداء الخير والإحسان إلى من لا يستحقه فهو على الأول صفة وعلى الثاني صفة فعل - انتهى - وهذا هو التأويل المعروف عن بعض أهل البدع يردون هذه الصفات إلى الإرادة فرارًا مما فهموه حيث قالوا إن الرحمة ورقة القلب لا يصلح نسبتها إلى الله تعالى - فقال لهم أهل السنة هذه رحمة المخلوق ورحمة الرب تليق بجلاله لا يعلم كيف هي إلا هو ويلزمهم في الإرادة نظير ما فروا منه في الرحمة . فإن الإرادة هي ميل القلب فإما أن تثبت إرادة تليق بالرب تعالى وهو الحق في جميع الصفات وإما أن تقابل بالتأويل وهو الباطل - والآفة دخلت على النفاة من جهة أنهم لم يفهموا من صفات الرب إلا ما يليق بالمخلوق فذهبوا لينفوا ذلك . ويقابلونه بالتأويلات .
قال شيخ الإسلام : إنهم شبهوا أولًا فعطلوا آخرا - وأهل السنة والجماعة أثبتوا لله جميع الصفات على ما يليق بجلاله ونفوا عنه مشابهة المخلوقين فسلموا من التشبيه والتعطيل - ومن ذلك أنكم أكثرتم في هذا التفسير من حمل بعض الآيات على المجاز وأنواعه وقد علمتم أن تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز حدث بعد القرون المفضلة ولم يتكلم الرب به ولا رسوله ولا أصحابه ولا التابعون لهم بإحسان . والذي يتكلم به من أهل اللغة يقول في بعض الآيات هذا في اللغة ومراده أن هذا مما يجوز في اللغة لم يرد بهذا الحادث ولا خطر بباله ولا سيما أنهم قالوا : إن المجاز يصح نفيه فكيف يليق حمل الآيات القرآنية على مثل ذلك .
وقد أتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان الكبير بما كفى وشفى وذكر الآيات التي استدلوا بها وبعض الأمثلة التي ذكروها وأجاب عن ذلك بما إذا طالعه المنصف عرف الصواب وقواعده أن المجاز لا يدخل في النصوص ولا يهولنك إطباق المتأخرين فإنهم قد أطبقوا على ما هو شر منه والعاقل يعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال . ومن عرف غربة الإسلام والسنة لم يغتر بأقوال الناس وإن كثرت .
والله تعالى يقول : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ . . . الآية [ الأنعام : 116 ] ومن أبلغ الناس بحثًا في المعاني الزمخشري وله في تفسيره مواضع حسنة ولكنه معروف بالاعتزال ونفي الصفات والتكلف في التأويلات والحكم على الله بالشريعة الباطلة مع ما هو عليه من سبه السلف وذمهم والتنقص لهم وفي تفسيره عقارب لا يعرفها إلا الخواص من أهل السنة وقد قال فيه بعض العلماء :
ولكنه فيه مجال لقائل وزلات سوء قد أخذن المخانقا
ويشهد في معنى القليل إشارة بتكثير ألفاظ تسمى الشقاشقا
يُقَوِّل فيها الله ما ليس قائلا وكان مجما في الخطاية وامقا
ويشتم أعلام الأئمة ضلة ولا سيما إن أولجوه المضائقا
لئن لم تداركه من الله رحمة لسوف يرى للكافرين مرافقا
والمقصود أن الاعتماد على مثل أقوال هؤلاء لا يليق بالمحقق لا سيما فيما يتعلق بمعرفة الله وتوحيده وأنت ترى مثل محمد بن جرير الطبري وأقرانه ومن قبله ومن يقربه في زمانه لم يعرج على هذه الأمور وكذلك المحققون من المتأخرين كابن كثير ونحوه . وكما هو المأثور عن السلف رحمهم الله تعالى وما استنبطوا منه .
فنسأل الله أن يلحقنا بآثار الموحدين وأن يحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة بمنه وكرمه - وقد اجترأت عليك بمثل هذا الكلام نصحًا لله ورسوله رجاء من الله أن ينفع بك في هذا الزمان الذي ذهب فيه العلم النافع ولم يبق إلا رسومه ، وأنا أنتظر منك الجواب ورد ما صدر مني من الخطاب . ثم إني لما رأيت الترجمة وقد سمي فيها بعض مصنفاتك وكنت في بلاد قليلة فيها الكتب ، وقد ابتليت بالدخول في أمور الناس لأجل ضرورتهم كما قيل : خلا لك الجو فبيضي واصفري - فألتمس من جنابك التفضل علينا ببلوغ السول من أقضية الرسول ، والروضة الندية شرح الدرر البهية ونيل المرام شرح آيات الأحكام . فنحن في ضرورة عظيمة إلى هذه كلها فاجعل من صالح أعمالك معونة إخوانك ومحبيك بها وابعث بها إلينا مأجورا إن شاء الله تعالى . وليكن ذلك على يد الأخ أحمد بن عيسى الساكن في مكة المكرمة المشرفة واكتب لنا تعريفا بأحوالكم . ولعل أحدًا منكم يتلقى هذا العلم ويعتني به ويحفظه عنك واحرص على ذلك طمعا أن يجمع لك شرف الدنيا والآخرة ونسأل الله أن يهب لك ذلك . ثم اعلم أني قد بلغت السبعين وأنا في معترك الأعمار لا آمن هجوم المنية ولي أولاد ثمانية منهم ثلاثة يطلبون العلم كبيرهم سعد المذكور أولا ويليه عبد العزيز وتحته عبد اللطيف ونرجو أنهم من أهل الكتب وممن يعتز بها ويحفظها . وبقيتهم صغار منهم من هو في المكتب .
ومن دعائنا : . . . رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [ الفرقان : 74 ] رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [ البقرة : 128 ] لا تنسنا من صالح دعائك كما هو لك مبذول .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
انتهى نصّ الرسالة
من صفاته والثناء عليه :
كان " صديق خان " آية من آيات الله في العلم والأخلاق الفاضلة والتمسك بالكتاب والسنة ، وصرف مما آتاه الله من المال والجاه في خدمة الإسلام والدين وفي نشر علم الحديث والدعوة إلى العقيدة السلفية والعمل بالكتاب والسنة وإعانة العلماء والأدباء وجمع مكتبة مملوءة بالكتب القيمة ، وطبع " فتح الباري " ، و " تفسير ابن كثير " ، و " نيل الأوطار " على نفقته في الهند ومصر وتركيا ووزعها مجانًا جزاه الله خيرًا ورتب إعانات مالية للعلماء ورغبهم في ترجمة كتب الحديث إلى اللغة السائدة في الهند وطبعت على نفقته .
وكما استدعى العلامة بشير السهسواني صاحب " صيانة الإنسان " المتوفى عام ( 1295 ) وفوض إليه رئاسة المدارس الدينية ببهوبال .
وحسبك في الثناء عليه كتبه القيمة في فنون شتى وكفاك قول معاصره العلامة الشيخ حمد بن عتيق فيما كتبه إليه إنه أخ صادق ذو فهم راسخ وطريقة مستقيمة ، وشهادته له بالتمكن من الآلات وسعة الاطلاع وغير ذلك من الثناء الجميل على هذا الإمام الجليل .
مؤلفاته :
للمؤلف كتب كثيرة . بلغات مختلفة في علوم متنوعة . ولقد ذكر المؤلف في ترجمته لنفسه في " أبجد العلوم " ( 3 / 275 - 279 ) مصنفاته إلى تاريخه والذي يعنينا هنا ما كان باللغة العربية ولقد ذكر الدكتور جميل أحمد في كتابه " حركة التأليف باللغة العربية في الإقليم الشرقي الهندي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر للميلاد " ( ص 274 - 281 ) مؤلفات محمد صديق حسن خان وجعلها في ثلاث زمر :
1 - ما طبع ونشر .
2 - ما لا يزال مخطوطًا .
3 - ما كان مجهولًا ، وقف على اسمه في كتب القِنَّوْجِي الأخرى ، أو في غيرها من الكتب .
أما الكتب التي طبعت فهي :
1 - فتح البيان في مقاصد القرآن : المطبعة الكبرى الأميرية بالقاهرة :
1300 - 1302 هـ ( في عشرة أجزاء ) ، الطبعة الأولى ببهوبال .
2 - نيل المرام من تفسير آيات الأحكام : لكهنو 1392 هـ مطبعة المدني بمصر 1382 هـ / 1962 م .
3 - الدين الخالص ( جمع فيه آيات التوحيد الواردة في القرآن ، ولم يغادر آية منها إلا أتى عليها بالبيان الوافي ) : دهلي - مطبعة المدني بمصر - 1379 هـ / 1959 م .
4 - حسن الأسوة بما ثبت عن الله ورسوله في النسوة : الجوائب 1301 هـ .
5 - عون الباري بحل أدلة البخاري ( شرح كتاب التجريد ) : بولاق 1297 هـ ( 8 أجزاء ) على هامش " نيل الأوطار " ، بهوبال 1299 هـ ( جزآن ) .
6 - السراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج : بهوبال 1302 هـ .
7 - أربعون حديثًا في فضائل الحج والعمرة : بهوبال .
8 - أربعون حديثًا متواترة : بهوبال .
9 - العبرة بما جاء في الغزو والشهادة والهجرة : بهوبال 1294 هـ / 1877 م .
10 - الحرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون ( في الحديث ) : بهوبال .
11 - الرحمة المهداة إلى من يريد زيادة العلم على أحاديث المشكاة : دلهي .
12 - الجنة في الأسوة الحسنة بالسنة ، في اتباع السنة : بهوبال 1295 هـ .
13 - يقظة أولي الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار : بهوبال 1294 هـ .
14 - الحطة في ذكر الصحاح الستة : النظامية بكانبور 1283 هـ .
15 - الموائد العوائد من عيون الأخبار والفوائد ( جمع فيه حوالي ثلاثمائة حديث ) : بهوبال 1298 هـ .
16 - الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة : بهوبال 1293 هـ / 1876 م ، الجوائب بالآستانة - 1876 أيضا .
17 - الروضة الندية ، شرح الدرر البهية للقاضي محمد اليمني الشوكاني : العلوية بلكهنو 1290 هـ ، مصر 1296 هـ .
18 - فتح العلام ، شرح بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني : المطبعة الأميرية القاهرة : 1302 هـ / 1885 م .
19 - حصول المأمول من علم الأصول ( تلخيص إرشاد الفحول للشوكاني ) ، ( في أصول الفقه ) : الجوائب 1296 هـ / 1879 م ، مصر 1338 هـ .
20 - الإقليد لأدلة الاجتهاد والتقليد : الجوائب 1295 هـ / 1878 م .
21 - ظفر اللاضي بما يجب في القضاء على القاضي : الصديقية ، بهوبال 1294 هـ. 22 - ذخر المحتي من آداب المفتي : بهوبال 1294 هـ .
23 - الغنة ببشارة أهل الجنة : بولاق 1302 هـ / 1885 م .
24 - الموعظة الحسنة بما يخطب به في شهور السنة : بهوبال 1295 هـ ، مصر 1307 هـ .
25 - الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح : لكهنو .
26 - قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر : كانبور .
27 - إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة : بهوبال 1294 هـ / 1877 م .
28 - حضرات التجلي من نفحات التجلي والتخلي ( في الكلام ) : بهوبال 1298 هـ .
29 - الطريقة المثلى في الإرشاد إلى ترك التقليد واتباع ما هو الأولى : الآستانة 1296 هـ / 1879 م .
30 - قصد السبيل إلى ذم الكلام والتأويل : بهوبال 1295 هـ .
31 - قضاء الأرب في تحقيق مسألة النسب : كانبور 1283 هـ .
32 - البلغة في أصول اللغة : الشاهجانية ببهوبال 1294 هـ ، الجوائب 1296 هـ / 1879 م .
33 - لف القماط على تصحيح بعض ما استعملته العامة من المعرب والدخيل والمولد والأغلاط : بهوبال ، 1291 هـ - 1296 هـ / 1879 م .
34 - العلم الخفاق من علم الاشتقاق : الجوائب 1296 هـ ، مصر 1346 هـ .
35 - طلب الأدب من أدب الطلب .
36 - مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام ( في الجنة وأهل الجنة ) : النظامية بكانبور 1289 هـ .
37 - غصن البان المورق بمحسنات البيان ( يشتمل على ثلاثة علوم : علم البيان ، وعلم المعاني ، وعلم البديع ) : الجوائب ، بهوبال 1294 هـ / 1877 م .
38 - نشوة السكران من صهباء تذكار الغزلان ، في ذكر أنواع العشق وأحوال العشاق والعشيقات من النسوان ، وما يتصل بذلك من تطورات الصبوة والهيمان : بهوبال 1294 ، الجوائب 1296 هـ / 1879 م .
39 - الكلمة العنبرية في مدح خير البرية ( قصيدة ) .
40 - لقطة العجلان مما تمس إلى معرفته حاجة الإنسان . ( يحتوي من تواريخ الأمم السالفة قسطا وافرا ، ويذكر الليالي والأيام والشهور والأعوام والساعات والدقائق وفصول العام ) : الجوائب 1296 هـ / 1879 م .
41 - خبيئة الأكوان في افتراق الأم على المذاهب والأديان : الجوائب 1296 هـ / 1879 م ( في آخر لقطة العجلان ) ، كانبور .
42 - أبجد العلوم : الصديقية ببهوبال 1296 هـ / 1878 م .
43 - التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول : ( كتاب حافل مشحون بتراجم 543 عالما وعالمة من العالم الإسلامي ) : المطبعة الهندية العربية ، بومباي 1383 هـ / 1963 م .
44 - رحلة الصديق إلى البيت العتيق : العلوية بلكهنو 1289 هـ / 1872 م .
45 - تخريج الوصايا من خبايا الزوايا : مصر .
أما الكتب التي لا تزال مخطوطة فهي :
1 - ربيع الأدب .
2 - تكحيل العيون بتعاريف العلوم والفنون .
3 - إحياء الميت بذكر مناقب أهل البيت .
4 - التذهيب ، شرح التهذيب : في المنطق .
وأما الكتب المجهولة فهي :
1 - خلاصة الكشاف .
2 - ملاك السعادة .
3 - اللواء المعقود لتوحيد الرب المعبود .
4 - النذير العريان من دركات الميزان .
5 - الروض البسام .
6 - هداية السائل إلى أدلة المسائل .
7 - رياض الجنة في تراجم أهل السنة .
وفاته :
مات المصنف رحمه الله عام ( 1357 هـ ) عن ( 59 ) سنة وترك اثنين من أبنائه وهما : السيد أبو الخير مير نور الحسن خان الطيب ، وهو ولده الأكبر ، والسيد الشريف أبو النصر مير علي حسن خان الطاهر .
كتبه : عاصم بن عبد الله القريوتى
المصدر : تحقيق كتاب قطف الثمر فى بيان عقيدة أهل الأثر
محمد صديق حسن خان العلماء والمشايخ.
http://www.alnasiha.net/cms/node/228
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih