يحدّد أرسطو النفس باعتبارها مبدأ الحركة. و عن هذا التحديد للنفس نتجت نظريّة أرسطو حول الأنفس الحيوانية. إذ هناك نفس نباتيّة هي علّة حركة النموّ عند النبات و الحيوان و الإنسان، و هناك نفس حيوانية هي علّة حركة النقلة (الحركة في المكان) عند الحيوان و الإنسان، و هناك نفس عاقلة هي علّة التفكير عند الإنسان. و هذا يعني أن النفس كمبدأ حركة ليست ميزة إنسانيّة بما أن النبات و الحيوان لها أيضا أنفسا تحرّكها.
كمبدأ حركة يرى أرسطو مثل أستاذه أفلاطون من قبله، أن النفس تحرك الجسد و تتحكّم فيه، ذلك أن الجسد عاطل دون النفس، فهو أنطولوجيا أدنى من النفس، و هو معرفيا يمثّل عائقا، و هو أخلاقيا يمثل مصدر الفساد و الرّذيلة. فالنفس في الفلسفة القديمة تتعالى، إذن، على الجسد أنطولوجيا و إبستيميا و أخلاقيا، و الإنسان يُفسّر تفسيرا ثنائيا بما أنه يُرجع إلى مبدأين مختلفين (مبدأ روحاني هو النفس و مبدأ مادي يمثّله الجسد)، تفسيرا ينتهي إلى اختزال الإنسان في بعده الواعي. غير أن موقف ديكارت على انخراطه في التفسير الثنائي الذي يقرّ تعالوية النفس على الجسد و ضرورة تحكّم النفس فيه، يختلف عن موقف أفلاطون و أرسطو. ذلك أن النفس مع ديكارت تتحدد باعتبارها فكرا لا مبدأ حركة، و بالتالي وحده الإنسان له نفس، و أن الجسد، تماما مثل النفس، جوهر مستقل بذاته إذ يتحرّك، بحكم طبيعته المادية، حركة ميكانيكية لا دخل للنفس فيها. فالنفس لا تحلّ في الجسد مثل الربّان في السفينة، بل تكوّن معه كلاّ واحدا، جوهرا مستقلا بذاته هو الإنسان، و إحساس الجوع أو العطش أو الألم يقيم الحجّة على هذه الوحدة. و هذا يعني أن ديكارت يقرّ بتعدد الجواهر : فالنفس جوهر، و الجسد جوهر، و علاقة النفس و الجسد هي علاقة جوهريّة تنتج جوهرا ثالثا هو الإنسان.و إذا كان ديكارت يتبنّى التعريف الأرسطي لكلمة "الجوهر" و يعني بها "المستقل بذاته"، فإن سبينوزا يخالف هذا التعريف، إذ يعني الجوهر عنده "ما هو مسبّب لذاته". و من هذا المنطلق يكون هناك جوهر واحد هو الله أو الطبيعة، ذلك أن الله هو كلّ ما يوجد. و هذا الجوهر الواحد يتكوّن من عدد لا متناهي من الصفات ( الصفة عند سبينوزا هي ما يدركه العقل في الجوهر باعتباره ما يكوّن ماهيته) لا يدرك منها الإنسان إلاّ صفتان فقط هما صفتا الفكر و الامتداد. و كلّ صفة من هذه الصفات تتكوّن من عدد لامتناه من الضروب ( الضرب عند سبينوزا هو انفعال الجوهر). و هذا يعني أن كل ما يوجد في الطبيعة هو إمّا ضرب من ضروب صفة الامتداد، و إمّا ضرب من ضروب صفة الفكر، و إمّا ضرب من ضروب أحد الصفات الأخرى التي لا يعرفها الإنسان. ومن هنا يتحدّد الجسد باعتباره ضرب من ضروب صفة الامتداد، و تتحدّد النفس باعتبارها ضرب من ضروب صفة الفكر. و علاقة النفس و الجسد بما هي علاقة بين ضربين هي علاقة ضربيّة تنتج ضربا هو الإنسان، لذلك يحدّد سبينوزا الإنسان باعتباره انفعال أو كوناتوس أي رغبة في المحافظة على البقاء. كرغبة في المحافظة على البقاء لا يمكن أن يكون فعل النفس مغايرا لفعل الجسد و إلاّ استحال على الإنسان المحافظة على بقائه. وهكذا يقر سبينوزا مماهاة بين النفس و الجسد في مستوى القوة و الفعل و في مستوى الماهية و في المستوى الأنطولوجي، فالنفس هي الجسد المنظور له من جهة صفة الفكر، و الجسد هو النفس المنظور لها من جهة صفة الامتداد. لكن المماهاة السبينوزية بين النفس و الجسد تبقى رهينة التسليم بوحدة الوجود، أي رهينة تبني موقف حلولي. و لأنّ الحلوليّة لا يمكن البرهنة عليها، فإن الفكر الفلسفي المعاصر، و خاصة مع الفينومينولوجيين، أقرّ هذه المماهاة بين النفس و الجسد على أساس نظري مخالف تماما. إذ يرى مارلو بونتي أنني لا أستطيع فهم علاقة النفس و الجسد إذا كنت أعتبر الجسد مجرّد موضوع في المكان أستطيع رؤيته أو لمسه أو حتى دراسته بمناهج علميّة، لأنّ هذا الجسد الموضوع ليس جسدي : إنّه جسد الآخر كما أراه، إنّه هذه الجثّة الهامدة التي يشرّحها الأطبّاء في غرفة التشريح، و جسدي الخاص لا يُدرك مثلما تدرك المواضيع الخارجيّة، ذلك أنني أحسّ حضوره الحي من الداخل. و هكذا يبرز لنا مارلو بونتي الخطأ الأصلي للموقف الكلاسيكي فيما يخص علاقة النفس و الجسد. فالفلسفة الكلاسيكيّة تبحث في علاقة الفكر أي الوعي و الجسد الموضوع وهو ما أدّى بها إلى مأزق. و الفينومينولوجيا بإنتاجها لمفهوم " الجسد الخاص " تجد مخرجا لهذا المأزق، فما كان يسميه الكلاسيكيون جسدا ليس إلاّ الإنسان الجسد أي الإنسان كما يبدو في الفضاء و في نظر الآخر، و ما يسميه الكلاسيكيون نفسا أو فكرا ليس إلاّ الإنسان الذّات أي ما أمثّله بالنسبة إلى الأنا، وهو ما أستطيع تسميته بالجسد الذّات، و هكذا عوض الثنائيّة نقرّ واحدية أصيلة.
كمبدأ حركة يرى أرسطو مثل أستاذه أفلاطون من قبله، أن النفس تحرك الجسد و تتحكّم فيه، ذلك أن الجسد عاطل دون النفس، فهو أنطولوجيا أدنى من النفس، و هو معرفيا يمثّل عائقا، و هو أخلاقيا يمثل مصدر الفساد و الرّذيلة. فالنفس في الفلسفة القديمة تتعالى، إذن، على الجسد أنطولوجيا و إبستيميا و أخلاقيا، و الإنسان يُفسّر تفسيرا ثنائيا بما أنه يُرجع إلى مبدأين مختلفين (مبدأ روحاني هو النفس و مبدأ مادي يمثّله الجسد)، تفسيرا ينتهي إلى اختزال الإنسان في بعده الواعي. غير أن موقف ديكارت على انخراطه في التفسير الثنائي الذي يقرّ تعالوية النفس على الجسد و ضرورة تحكّم النفس فيه، يختلف عن موقف أفلاطون و أرسطو. ذلك أن النفس مع ديكارت تتحدد باعتبارها فكرا لا مبدأ حركة، و بالتالي وحده الإنسان له نفس، و أن الجسد، تماما مثل النفس، جوهر مستقل بذاته إذ يتحرّك، بحكم طبيعته المادية، حركة ميكانيكية لا دخل للنفس فيها. فالنفس لا تحلّ في الجسد مثل الربّان في السفينة، بل تكوّن معه كلاّ واحدا، جوهرا مستقلا بذاته هو الإنسان، و إحساس الجوع أو العطش أو الألم يقيم الحجّة على هذه الوحدة. و هذا يعني أن ديكارت يقرّ بتعدد الجواهر : فالنفس جوهر، و الجسد جوهر، و علاقة النفس و الجسد هي علاقة جوهريّة تنتج جوهرا ثالثا هو الإنسان.و إذا كان ديكارت يتبنّى التعريف الأرسطي لكلمة "الجوهر" و يعني بها "المستقل بذاته"، فإن سبينوزا يخالف هذا التعريف، إذ يعني الجوهر عنده "ما هو مسبّب لذاته". و من هذا المنطلق يكون هناك جوهر واحد هو الله أو الطبيعة، ذلك أن الله هو كلّ ما يوجد. و هذا الجوهر الواحد يتكوّن من عدد لا متناهي من الصفات ( الصفة عند سبينوزا هي ما يدركه العقل في الجوهر باعتباره ما يكوّن ماهيته) لا يدرك منها الإنسان إلاّ صفتان فقط هما صفتا الفكر و الامتداد. و كلّ صفة من هذه الصفات تتكوّن من عدد لامتناه من الضروب ( الضرب عند سبينوزا هو انفعال الجوهر). و هذا يعني أن كل ما يوجد في الطبيعة هو إمّا ضرب من ضروب صفة الامتداد، و إمّا ضرب من ضروب صفة الفكر، و إمّا ضرب من ضروب أحد الصفات الأخرى التي لا يعرفها الإنسان. ومن هنا يتحدّد الجسد باعتباره ضرب من ضروب صفة الامتداد، و تتحدّد النفس باعتبارها ضرب من ضروب صفة الفكر. و علاقة النفس و الجسد بما هي علاقة بين ضربين هي علاقة ضربيّة تنتج ضربا هو الإنسان، لذلك يحدّد سبينوزا الإنسان باعتباره انفعال أو كوناتوس أي رغبة في المحافظة على البقاء. كرغبة في المحافظة على البقاء لا يمكن أن يكون فعل النفس مغايرا لفعل الجسد و إلاّ استحال على الإنسان المحافظة على بقائه. وهكذا يقر سبينوزا مماهاة بين النفس و الجسد في مستوى القوة و الفعل و في مستوى الماهية و في المستوى الأنطولوجي، فالنفس هي الجسد المنظور له من جهة صفة الفكر، و الجسد هو النفس المنظور لها من جهة صفة الامتداد. لكن المماهاة السبينوزية بين النفس و الجسد تبقى رهينة التسليم بوحدة الوجود، أي رهينة تبني موقف حلولي. و لأنّ الحلوليّة لا يمكن البرهنة عليها، فإن الفكر الفلسفي المعاصر، و خاصة مع الفينومينولوجيين، أقرّ هذه المماهاة بين النفس و الجسد على أساس نظري مخالف تماما. إذ يرى مارلو بونتي أنني لا أستطيع فهم علاقة النفس و الجسد إذا كنت أعتبر الجسد مجرّد موضوع في المكان أستطيع رؤيته أو لمسه أو حتى دراسته بمناهج علميّة، لأنّ هذا الجسد الموضوع ليس جسدي : إنّه جسد الآخر كما أراه، إنّه هذه الجثّة الهامدة التي يشرّحها الأطبّاء في غرفة التشريح، و جسدي الخاص لا يُدرك مثلما تدرك المواضيع الخارجيّة، ذلك أنني أحسّ حضوره الحي من الداخل. و هكذا يبرز لنا مارلو بونتي الخطأ الأصلي للموقف الكلاسيكي فيما يخص علاقة النفس و الجسد. فالفلسفة الكلاسيكيّة تبحث في علاقة الفكر أي الوعي و الجسد الموضوع وهو ما أدّى بها إلى مأزق. و الفينومينولوجيا بإنتاجها لمفهوم " الجسد الخاص " تجد مخرجا لهذا المأزق، فما كان يسميه الكلاسيكيون جسدا ليس إلاّ الإنسان الجسد أي الإنسان كما يبدو في الفضاء و في نظر الآخر، و ما يسميه الكلاسيكيون نفسا أو فكرا ليس إلاّ الإنسان الذّات أي ما أمثّله بالنسبة إلى الأنا، وهو ما أستطيع تسميته بالجسد الذّات، و هكذا عوض الثنائيّة نقرّ واحدية أصيلة.
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih