تخليص الشباب في تلخيص الكتاب عدد المشاهدة: 499
بقلم: فاطمة ناعوت
لستُ من أنصار تلخيص الكتب. الكتابُ إما يُقرأ، أو يُترك، في سلام. ذاك أن الكتابَ، أىَّ كتابٍ، ليس، وحسب، بما يحويه من أفكار، بل بالأسلوب الذي طُرحت به تلك الأفكار. فالأفكارُ، كما قال الجاحظ، مُلقاةٌ على قارعة الطريق. ولكن الذى يميّز كاتبًا عن كاتب، إن اتفقا فى الفكر، هو طريقة عرض ذلك الشىء الذى يسبحُ مُهوَّمًا فى دماغ الكاتب، حتى يحوّله إلى حروف، تستقر على صفحة ورق بيضاء، فى كلمات وجمل وفقرات وكتب ومجلدات! في طفولتنا، كانوا يمنحوننا مسرحيات شكسبير «مُلخّصةً»، Simplified Shakespeare، فتعرفنا منها على الملك لير وبناته الثلاث، وكرهنا ليدى ماكبث إذْ أودت بزوجها إلى التهلكة حين تآمر طمعُها مع طموح زوجها على مائدة الخديعة، غضبنا على «بروتس» الذى خان عرّابه يوليوس قيصر فأوجعه الغدرُ أكثر مما أوجعه الخنجر يُغمَد فى ظهره، أحببنا «أوفيليا» وتعاطفنا مع «هاملت» وهو يبحث عن هويته وثأر أبيه. بكينا مع «أوديب»، وحلمنا مع روميو وجولييت، احترمنا «ديدمونة» وحنقنا على «عُطيل». عرفنا مضمون الحكايات، لكننا لم نعرف شكسبير حقاً، ولم ننصت إلى صوته، إلا حينما قرأنا مسرحياته، كما كتبها قلمه، قبل أن يشوّهها مقصُّ «التلخيص» المجرم.
قبل أعوام، أعطيتُ صغيرى مازن رواية «الخيميائى» لباولو كويللو، فى ترجمتها العربية التى اختار لها الروائى بهاء طاهر عنوان «ساحر الصحراء». وعدتُ مازن بمكافأة ضخمة إذا قرأها، تشجيعًا له على تجربة «متعة» القراءة. دخل غرفته، ثم عاد لى بعد ربع ساعة يقول: «رواية جميلة، وأجمل ما فيها أن سنتياجو وجد الكنز فى السعى نحوه، وليس ذلك المدفون تحت الهرم!» صعقتنى سرعة قراءته، وكدتُ أصدّق أن ابنى يمتلك موهبةً فائقة، تمنيتُ طوال عمرى أن أمتلكها! أن أقرأ أى كتاب فى دقائق خاطفة، فأتمكن من تحصيل كل ما فاتنى من كنوز البشريةّ! وقبل أن ينطلق من عينى شعاعُ الحسد نحو صغيرى، سألته بكثير من الغيظ: «لحقت تخلص الرواية، ما شاء الله!» فأجابنى الصغير: «الحق الحقّ يا ماما مقرأتهاش، بس قرأت مقدمة بهاء طاهر». فعرفتُ وقتها أن على المترجم ألا يلخّص العمل، حتى يُجبر القارئ على القراءة.
برغم كراهتى لجريمة تلخيص الكتب، إلا إننى فرحتُ بدعوة مجموعة من الشباب المصري الجميل، لكى أدعم مشروعهم غير الرِّبحى، بكلمة تشدّ الأزر وترفع الهمة. أما المشروع، فتلخيص «عشرة آلاف كتاب»، من المنجز العربى والعالمي، ثم طرحها للشباب مجانًا. وكان أن دعمهم الداعية الإسلامى عمرو خالد، وأدخلهم فى شراكة مع منبره النهضوي على الشبكة العنكبوتية، لكى يتكاتف قراؤه من الشباب مع أولئك المتحمسين لصنع غد أفضل لمصر.
وها أنا ذا أشدُّ، اليومَ، على أيادى أولئك الشباب الذين تبنّوا تلك الفكرة وعكفوا على منحها الجهد والوقت لعمل تلك التلخيصات، المبتسرة مهما توسّعت، علّها تكون لونًا من «الإغراء» أو «الإغواء»، أو «التحنيس»، من شأنها أن تفتح شهية الشباب على البحث عن الكتب الأصلية وقراءتها، خاصةً أولئك الشباب الذين لا تُغريهم القراءةُ، أو أولئك الذين تستلب الحياةُ أوقاتهم بين العمل والاستذكار، وربما اللهو ومباريات الكرة وغرف الدردشة العنكبوتية. ومثلما كتب الطهطاوى كتابه الأشهر «تخليص الإبريز، فى تلخيص باريز»، قبل حوالي مائتى عام، ليفتح كوّة لشباب مصر آنذاك يتعرف من خلالها على الفكر الفرنسى المستنير، فربما فكرة «تلخيص» الكتاب هذه، تفتح باب «تخليص» شبابنا الراهن من الكسل، وتدعمهم بسلاح يحاربون به الظلام الضارب حولهم من كل صوب. أقول لأولئك الشباب الواعد القائم على المشروع، وأقول لصاحب الفكرة محمد جمال، نحن معكم، وبعضُ تروسكم، نقف من ورائكم ونشد أزركم. والله موفقكم، لخير مصر العريقة.
- نقلا عن جريدة المصري اليوم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
بقلم: فاطمة ناعوت
لستُ من أنصار تلخيص الكتب. الكتابُ إما يُقرأ، أو يُترك، في سلام. ذاك أن الكتابَ، أىَّ كتابٍ، ليس، وحسب، بما يحويه من أفكار، بل بالأسلوب الذي طُرحت به تلك الأفكار. فالأفكارُ، كما قال الجاحظ، مُلقاةٌ على قارعة الطريق. ولكن الذى يميّز كاتبًا عن كاتب، إن اتفقا فى الفكر، هو طريقة عرض ذلك الشىء الذى يسبحُ مُهوَّمًا فى دماغ الكاتب، حتى يحوّله إلى حروف، تستقر على صفحة ورق بيضاء، فى كلمات وجمل وفقرات وكتب ومجلدات! في طفولتنا، كانوا يمنحوننا مسرحيات شكسبير «مُلخّصةً»، Simplified Shakespeare، فتعرفنا منها على الملك لير وبناته الثلاث، وكرهنا ليدى ماكبث إذْ أودت بزوجها إلى التهلكة حين تآمر طمعُها مع طموح زوجها على مائدة الخديعة، غضبنا على «بروتس» الذى خان عرّابه يوليوس قيصر فأوجعه الغدرُ أكثر مما أوجعه الخنجر يُغمَد فى ظهره، أحببنا «أوفيليا» وتعاطفنا مع «هاملت» وهو يبحث عن هويته وثأر أبيه. بكينا مع «أوديب»، وحلمنا مع روميو وجولييت، احترمنا «ديدمونة» وحنقنا على «عُطيل». عرفنا مضمون الحكايات، لكننا لم نعرف شكسبير حقاً، ولم ننصت إلى صوته، إلا حينما قرأنا مسرحياته، كما كتبها قلمه، قبل أن يشوّهها مقصُّ «التلخيص» المجرم.
قبل أعوام، أعطيتُ صغيرى مازن رواية «الخيميائى» لباولو كويللو، فى ترجمتها العربية التى اختار لها الروائى بهاء طاهر عنوان «ساحر الصحراء». وعدتُ مازن بمكافأة ضخمة إذا قرأها، تشجيعًا له على تجربة «متعة» القراءة. دخل غرفته، ثم عاد لى بعد ربع ساعة يقول: «رواية جميلة، وأجمل ما فيها أن سنتياجو وجد الكنز فى السعى نحوه، وليس ذلك المدفون تحت الهرم!» صعقتنى سرعة قراءته، وكدتُ أصدّق أن ابنى يمتلك موهبةً فائقة، تمنيتُ طوال عمرى أن أمتلكها! أن أقرأ أى كتاب فى دقائق خاطفة، فأتمكن من تحصيل كل ما فاتنى من كنوز البشريةّ! وقبل أن ينطلق من عينى شعاعُ الحسد نحو صغيرى، سألته بكثير من الغيظ: «لحقت تخلص الرواية، ما شاء الله!» فأجابنى الصغير: «الحق الحقّ يا ماما مقرأتهاش، بس قرأت مقدمة بهاء طاهر». فعرفتُ وقتها أن على المترجم ألا يلخّص العمل، حتى يُجبر القارئ على القراءة.
برغم كراهتى لجريمة تلخيص الكتب، إلا إننى فرحتُ بدعوة مجموعة من الشباب المصري الجميل، لكى أدعم مشروعهم غير الرِّبحى، بكلمة تشدّ الأزر وترفع الهمة. أما المشروع، فتلخيص «عشرة آلاف كتاب»، من المنجز العربى والعالمي، ثم طرحها للشباب مجانًا. وكان أن دعمهم الداعية الإسلامى عمرو خالد، وأدخلهم فى شراكة مع منبره النهضوي على الشبكة العنكبوتية، لكى يتكاتف قراؤه من الشباب مع أولئك المتحمسين لصنع غد أفضل لمصر.
وها أنا ذا أشدُّ، اليومَ، على أيادى أولئك الشباب الذين تبنّوا تلك الفكرة وعكفوا على منحها الجهد والوقت لعمل تلك التلخيصات، المبتسرة مهما توسّعت، علّها تكون لونًا من «الإغراء» أو «الإغواء»، أو «التحنيس»، من شأنها أن تفتح شهية الشباب على البحث عن الكتب الأصلية وقراءتها، خاصةً أولئك الشباب الذين لا تُغريهم القراءةُ، أو أولئك الذين تستلب الحياةُ أوقاتهم بين العمل والاستذكار، وربما اللهو ومباريات الكرة وغرف الدردشة العنكبوتية. ومثلما كتب الطهطاوى كتابه الأشهر «تخليص الإبريز، فى تلخيص باريز»، قبل حوالي مائتى عام، ليفتح كوّة لشباب مصر آنذاك يتعرف من خلالها على الفكر الفرنسى المستنير، فربما فكرة «تلخيص» الكتاب هذه، تفتح باب «تخليص» شبابنا الراهن من الكسل، وتدعمهم بسلاح يحاربون به الظلام الضارب حولهم من كل صوب. أقول لأولئك الشباب الواعد القائم على المشروع، وأقول لصاحب الفكرة محمد جمال، نحن معكم، وبعضُ تروسكم، نقف من ورائكم ونشد أزركم. والله موفقكم، لخير مصر العريقة.
- نقلا عن جريدة المصري اليوم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih