النخبوي والشعبي في ثقافتنا
الشائع في المشهد الثقافي، ان الثقافة الشعبية متردية العطاء، ونتاجها من الدرجة الثانية، وضرورة الحفاظ على المنتج النخبوي من التلوث العامي. وثمة من يعتقد انها غير جديرة بالاهتمام، دونية وتافهة، و يربط النخبة عادة بالثقافة والحكمة والعمق، و العوام) بالتسطيح والتخلف ) وهذه الرؤية غيرمنسجمة مع القراءة العلمية لهذه الثقافة كنسق فكري. وبدت استعمالات المفهوم في الملف منفلتة غير خاضعة لاي ضابط، ولم يتم تحديد أطر استخدام المفهوم ابستملوجيا، اذ ورد في مادة واحدة وظّف كاتبها ثلاثة مفاهيم للدلالة على الثقافة الشعبية، فاستخدم الشعبي، والشعبوي، والجماهيري، للاشارة الى المفهوم ذاته، كما استخدم مفهوم العوام والعامي، ولكل من هذه المفاهيم دلالته المختلفة غير المستقرة على قاعدة ثابتة بل متحركة الدلالة عبرالزمن، فاحدث نوعا من الالتباس ، مثلا وردت كلمة العامي والعامة و العوام، و هي عكس الخاصة. وهذا المصطلح كان شائع الاستخدام منذ بداية تشكل الامبراطورية العربية، اذ جاء المفهوم على ما اعتقد كبديل عن مفهوم الرعية غير الصالح للاستعمال في الحواضر، فتفسير مفهوم العوام له جذوره التاريخية الاسلامية، تداولته النخبة ابان العهود الاموية والعباسية والعثمانية، وهؤلاء كانوا جزءا من السلطة أو من المقربين للسلطة، ينظرون للعوام نظرة دونية، طبقية ترى فيهم عبارة عن مجموعة من الرعاع والغوغاء، الى جانب انهم يشكلون نواة الثورات ووقودها من الخوارج والقرامطة والزنج، فهم خارجون عن طاعة أولي الأمر، فنعتوهم باقبح الصفات، و لذلك طمسوا ثقافة العوام، اذ هم أهل الضلالة ، وهم امتداد لمفهوم الرعية، فالعوام في المجتمع العباسي الفلاحون وأرباب الحرف..الخ. واعتقد ان ليس ثمة مقاربة بين هذا المفهوم والواقع الراهن. وفي العهد العثماني ظل هذا المفهوم ساري المفعول ليميز العوام عن الحكومة والمؤسسة الدينية بكل تفاصيلها. ثم ورد مفهوم الجماهير والجماهيري، فهو يرتبط بالاحزاب اليسارية والقومية أي جماهير هذا الحزب او ذاك أو أية حركة او مجموعة مؤدلجة وبدأ هذا المفهوم يتبلور بعد الثورة البلشفية، فمفهوم "الجماهير" لا وجود له من دون حراك اوتنظيم سياسي يحرك هذه الجماهير التي حلت محل العوام والرعية سابقا. اما مفهوم الشعبوي فيشتغل في الحقل السياسي ويعبر عن الحراك المتأثر بالسايكولوجية الجمعية وما يميز الحزب الشعبوي عن الحزب التقليدي هو ان الشعبوية دائما تقترن بالتضليل والتلفيق، والتماهي بين الحزب الشعبوي وزعيمه اي تشابه البنية التنظيمية للحزب الشعبوي مع التنظيم الديني وزعيمه من دون ان تشكل الشعبوية ديناً، فبينما تثقف الحركات الدينية على قرب وقوع الواقعة ونهاية العالم، فأن الاحزاب الشعبوية تراهن على مفهوم الأزمة الا ان ثمة تشابها كبيرا بينهما من حيث ارتباطهما العاطفي بكارزما الزعيم والخضوع للسايكلوجيا الجمعية في الحراك غير العقلاني، ومن ابرز القادة الشعبويين في اوروبا بيرلسكوني ولوبان، ومفهوم الثقافة الشعبية يختلف عن مفهوم الشعبوي، اذ ان الثقافة الشعبية ليست ثقافة واحدة، بل شبكة معقدة من الثقافات، تتقاطع مع بعضها وتنتشر بطول وعرض "المساحة الشعبية"، وليس ثمة معيار واحد للتعامل معها، فلابد من رؤى و استراتيجيات تتنوع وتتساوق مع الاختلاف الاثني والديني والثقافي والجغرافي ..الخ. ان فحوى دعوة ملف الملحق الادبي هي صياغة وانتاج خطاب حداثوي برؤية ادراكية جديدة، على ان يرتقي بوعي الناس عبر المنتج الثقافي من شعر ولوحة تشكيلية وقصة ورواية ..الخ الى صيغة اكثر رقيا وتقدما وعلمية، ولكن من دون الالتفات لارتباط النخبوي والشعبي بشكل وآخر بالانساق الاجتماعية وبالبنى التحتية، فهما نتاج تمظهراتها وصورة حقيقية للواقع الاجتماعي المضطرب والمربك، فالسائد النخبوي في العراق هو بناء آليات الديمقراطية من انتخابات ودستور وسلطة تشريعية وقضاء وحرية التعبير عن الرأي، الا ان الصورة الاجتماعية هي غلبة مهيمنات المجتمع البطرياركي (الابوي) وينسحب ذلك على الثقافة الشعبية و كل ما ينتجه المخيال الشعبي من شعر شعبي واي نتاج ثقافي آخر، فهو مرتبط ايضا بنسق الحياة والمجتمع والبيئة، فليس من المنطقي ان يكون لدينا أدب نخبوي عالي المستوى، يقابله ادب شعبي متخلف ومنحط ، فالشعر والقصة والفكر وجميع الاجتهادات الإبداعية والأخلاقية والقيمية والسلوك الاجتماعي، هي من صنع الشعب بأجمعه، ومن الممكن ملاحظة ذلك في شعر مظفر النواب وبقية الشعراء الآخرين ابان السبعينيات. اما بشأن الوباء الذي اصاب الشعر الشعبي فهو على مدى سنوات الطاغية العجاف ضعف وادلج واستهلك لخدمة الطاغية، لم يكن الأمر مقتصرا على الشاعر الشعبي فقط بل اسهم فيه كتاب الانواع الادبية الأخرى حتى وصل حد التجاوز الى القاص والروائي اذ وظفت القصة القصيرة والرواية لتمجيد القائد تحت ذريعة الادب التعبوي. فالجماهيري البعثي الحزبي حول الأغنية الشعبية الى صفحة من صفحات ادبيات الحزب واستطاع الجماهيري المؤدلج المتسلح بالسلطة ان يجيـّرالقصيدة والاغنية والقصة والرواية و السينما والدراما والانتصار الرياضي لصالح السلطة تحت ذريعة الادب التعبوي. واصبح طغيان النصوص الهابطة سمة لمرحلة الاستبداد، وهذا شمل مجمل النتاج الثقافي، باستثناء حالات فردية، وبقينا حتى هذه اللحظة نجد بروز الهابط كحالة طبيعية للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يؤثر تأثيرا مباشرا بالمنتج الثقافي الشعبي والنخبوي
منقول من جرية الصباح
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الشائع في المشهد الثقافي، ان الثقافة الشعبية متردية العطاء، ونتاجها من الدرجة الثانية، وضرورة الحفاظ على المنتج النخبوي من التلوث العامي. وثمة من يعتقد انها غير جديرة بالاهتمام، دونية وتافهة، و يربط النخبة عادة بالثقافة والحكمة والعمق، و العوام) بالتسطيح والتخلف ) وهذه الرؤية غيرمنسجمة مع القراءة العلمية لهذه الثقافة كنسق فكري. وبدت استعمالات المفهوم في الملف منفلتة غير خاضعة لاي ضابط، ولم يتم تحديد أطر استخدام المفهوم ابستملوجيا، اذ ورد في مادة واحدة وظّف كاتبها ثلاثة مفاهيم للدلالة على الثقافة الشعبية، فاستخدم الشعبي، والشعبوي، والجماهيري، للاشارة الى المفهوم ذاته، كما استخدم مفهوم العوام والعامي، ولكل من هذه المفاهيم دلالته المختلفة غير المستقرة على قاعدة ثابتة بل متحركة الدلالة عبرالزمن، فاحدث نوعا من الالتباس ، مثلا وردت كلمة العامي والعامة و العوام، و هي عكس الخاصة. وهذا المصطلح كان شائع الاستخدام منذ بداية تشكل الامبراطورية العربية، اذ جاء المفهوم على ما اعتقد كبديل عن مفهوم الرعية غير الصالح للاستعمال في الحواضر، فتفسير مفهوم العوام له جذوره التاريخية الاسلامية، تداولته النخبة ابان العهود الاموية والعباسية والعثمانية، وهؤلاء كانوا جزءا من السلطة أو من المقربين للسلطة، ينظرون للعوام نظرة دونية، طبقية ترى فيهم عبارة عن مجموعة من الرعاع والغوغاء، الى جانب انهم يشكلون نواة الثورات ووقودها من الخوارج والقرامطة والزنج، فهم خارجون عن طاعة أولي الأمر، فنعتوهم باقبح الصفات، و لذلك طمسوا ثقافة العوام، اذ هم أهل الضلالة ، وهم امتداد لمفهوم الرعية، فالعوام في المجتمع العباسي الفلاحون وأرباب الحرف..الخ. واعتقد ان ليس ثمة مقاربة بين هذا المفهوم والواقع الراهن. وفي العهد العثماني ظل هذا المفهوم ساري المفعول ليميز العوام عن الحكومة والمؤسسة الدينية بكل تفاصيلها. ثم ورد مفهوم الجماهير والجماهيري، فهو يرتبط بالاحزاب اليسارية والقومية أي جماهير هذا الحزب او ذاك أو أية حركة او مجموعة مؤدلجة وبدأ هذا المفهوم يتبلور بعد الثورة البلشفية، فمفهوم "الجماهير" لا وجود له من دون حراك اوتنظيم سياسي يحرك هذه الجماهير التي حلت محل العوام والرعية سابقا. اما مفهوم الشعبوي فيشتغل في الحقل السياسي ويعبر عن الحراك المتأثر بالسايكولوجية الجمعية وما يميز الحزب الشعبوي عن الحزب التقليدي هو ان الشعبوية دائما تقترن بالتضليل والتلفيق، والتماهي بين الحزب الشعبوي وزعيمه اي تشابه البنية التنظيمية للحزب الشعبوي مع التنظيم الديني وزعيمه من دون ان تشكل الشعبوية ديناً، فبينما تثقف الحركات الدينية على قرب وقوع الواقعة ونهاية العالم، فأن الاحزاب الشعبوية تراهن على مفهوم الأزمة الا ان ثمة تشابها كبيرا بينهما من حيث ارتباطهما العاطفي بكارزما الزعيم والخضوع للسايكلوجيا الجمعية في الحراك غير العقلاني، ومن ابرز القادة الشعبويين في اوروبا بيرلسكوني ولوبان، ومفهوم الثقافة الشعبية يختلف عن مفهوم الشعبوي، اذ ان الثقافة الشعبية ليست ثقافة واحدة، بل شبكة معقدة من الثقافات، تتقاطع مع بعضها وتنتشر بطول وعرض "المساحة الشعبية"، وليس ثمة معيار واحد للتعامل معها، فلابد من رؤى و استراتيجيات تتنوع وتتساوق مع الاختلاف الاثني والديني والثقافي والجغرافي ..الخ. ان فحوى دعوة ملف الملحق الادبي هي صياغة وانتاج خطاب حداثوي برؤية ادراكية جديدة، على ان يرتقي بوعي الناس عبر المنتج الثقافي من شعر ولوحة تشكيلية وقصة ورواية ..الخ الى صيغة اكثر رقيا وتقدما وعلمية، ولكن من دون الالتفات لارتباط النخبوي والشعبي بشكل وآخر بالانساق الاجتماعية وبالبنى التحتية، فهما نتاج تمظهراتها وصورة حقيقية للواقع الاجتماعي المضطرب والمربك، فالسائد النخبوي في العراق هو بناء آليات الديمقراطية من انتخابات ودستور وسلطة تشريعية وقضاء وحرية التعبير عن الرأي، الا ان الصورة الاجتماعية هي غلبة مهيمنات المجتمع البطرياركي (الابوي) وينسحب ذلك على الثقافة الشعبية و كل ما ينتجه المخيال الشعبي من شعر شعبي واي نتاج ثقافي آخر، فهو مرتبط ايضا بنسق الحياة والمجتمع والبيئة، فليس من المنطقي ان يكون لدينا أدب نخبوي عالي المستوى، يقابله ادب شعبي متخلف ومنحط ، فالشعر والقصة والفكر وجميع الاجتهادات الإبداعية والأخلاقية والقيمية والسلوك الاجتماعي، هي من صنع الشعب بأجمعه، ومن الممكن ملاحظة ذلك في شعر مظفر النواب وبقية الشعراء الآخرين ابان السبعينيات. اما بشأن الوباء الذي اصاب الشعر الشعبي فهو على مدى سنوات الطاغية العجاف ضعف وادلج واستهلك لخدمة الطاغية، لم يكن الأمر مقتصرا على الشاعر الشعبي فقط بل اسهم فيه كتاب الانواع الادبية الأخرى حتى وصل حد التجاوز الى القاص والروائي اذ وظفت القصة القصيرة والرواية لتمجيد القائد تحت ذريعة الادب التعبوي. فالجماهيري البعثي الحزبي حول الأغنية الشعبية الى صفحة من صفحات ادبيات الحزب واستطاع الجماهيري المؤدلج المتسلح بالسلطة ان يجيـّرالقصيدة والاغنية والقصة والرواية و السينما والدراما والانتصار الرياضي لصالح السلطة تحت ذريعة الادب التعبوي. واصبح طغيان النصوص الهابطة سمة لمرحلة الاستبداد، وهذا شمل مجمل النتاج الثقافي، باستثناء حالات فردية، وبقينا حتى هذه اللحظة نجد بروز الهابط كحالة طبيعية للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يؤثر تأثيرا مباشرا بالمنتج الثقافي الشعبي والنخبوي
منقول من جرية الصباح
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الجمعة أبريل 18, 2014 6:49 am من طرف viva star
» مناهج النقد الأدبي . مترجم.rar
الخميس أبريل 17, 2014 5:01 pm من طرف viva star
» مصطلحات توليدية
السبت فبراير 08, 2014 2:55 pm من طرف رعاش وليد
» ارجو المساعدة
الجمعة يناير 10, 2014 2:10 am من طرف مريم عبد الرحمان
» مساعدة عاجلة جداااااااااا
الثلاثاء يناير 07, 2014 6:53 am من طرف مريم عبد الرحمان
» كتب في علم الدلالة
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:35 pm من طرف safih
» عرض حول معجم المقاييس لابن فارس
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:15 pm من طرف safih
» المعجم الالكتروني
الثلاثاء ديسمبر 24, 2013 3:06 pm من طرف safih
» تشغيل الجزيرة الرياضية بالشرينغ
الثلاثاء نوفمبر 12, 2013 11:29 am من طرف safih